جففوا مستنقع الاتحاد الأوروبي
لقد حقق القادة الشعبيون نجاحا منذ فترة طويلة بتقديمهم أنفسهم بديلا "للنخبة الفاسدة" التي تغتني على حساب "الشعب". ويدعي الشعبويون أنهم وحدهم القادرون على استعادة أخلاق الحكم؛ أو كما قال دونالد ترامب خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016: "أنا وحدي أستطيع إصلاح ذلك".
استفاد ترامب بشكل كامل من قواعد اللعبة الشعبوية، بدءا من وصف منافسته هيلاري كلينتون بـ"المُلتوية" وانتهاء بوعده بـ"تجفيف المستنقع". وقد مضى الآن ما يقارب عامين على انتخاب ترامب، لكن إدارته مليئة بالفضائح، وأضحى المستنقع أعمق من أي وقت مضى.
نادرا ما يفي الشعبويون بوعودهم بضمان حكومة نظيفة، وذلك لسبب بسيط: تتمثل أولويتهم الحقيقية في استغلال النظام لتحقيق مكاسبهم الخاصة. ويتجلى ذلك في وسط وشرق أوروبا، حيث يترأس أمثال ترامب في المنطقة مستنقعات الفساد الخاصة بهم.
ففي بولندا؛ يهاجم جاروسلاف كازينسكي –وهو القائد الفعلي لحزب القانون والعدالة (PiS)- باستمرار النخب الفاسدة، بينما يقوض هو المؤسسات الديمقراطية ويُبوِّئ الموظفين الأساسيين المناصبَ السياسية.
كما تولت الحكومة إدارة وتوزيع الأموال المقدمة إلى المنظمات غير الحكومية، مما زاد من احتمال معاقبة هذه المنظمات إذا انتقدت السياسات الرسمية، عبر التبرعات ذات الدوافع السياسية. فهذه المنظمات غير الحكومية التي ساعدت في كشف الفساد تواجه الآن خطر التعرض للفساد.
يتلاشى الفساد في المجتمعات التي يتمكن فيها الصحفيون ومجموعات المراقبة من العمل دون خوف أو قمع. لذلك يعمل الشعبويون اليمينيون على تقويض الصحافة الحرة والتقليل من شأنها. ومن جانبه؛ ينتقد ترامب الصحافة الجادة بحجة ترويج "أخبار مزيفة"، ويصف وسائل الإعلام الرائدة بأنها "أعداء الشعب". وفي ظل أمثال ترامب الأوروبيين؛ أصبحت الرقابة الصريحة والاستيلاء السياسي على الإذاعات العامة واقعا |
يتلاشى الفساد في المجتمعات التي يتمكن فيها الصحفيون ومجموعات المراقبة من العمل دون خوف أو قمع. لذلك يعمل الشعبويون اليمينيون على تقويض الصحافة الحرة والتقليل من شأنها. ومن جانبه؛ ينتقد ترامب الصحافة الجادة بحجة ترويج "أخبار مزيفة"، ويصف وسائل الإعلام الرائدة بأنها "أعداء الشعب".
وفي ظل أمثال ترامب الأوروبيين؛ أصبحت الرقابة الصريحة والاستيلاء السياسي على الإذاعات العامة واقعا. فمنذ وصول حزب القانون والعدالة إلى السلطة في بولندا؛ تم تخفيض النظام الإعلامي البولندي من "حر" إلى "حر جزئيًا" في الترتيب السنوي لمنظمة "فريدوم هاوس".
وذلك بسبب "عدم تسامح الحكومة مع الإعلام المستقل أو النقدي، والتدخل السياسي المفرط في شؤون وسائل الإعلام العامة، والقيود المفروضة على حرية التعبير فيما يتعلق بالتاريخ والهوية البولندية".
وفي هنغاريا، وفي ظل حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان؛ تُجبر المنظمات غير الحكومية -التي تتلقى تمويلاً أجنبياً- على اتباع قيود إبلاغ صعبة للغاية، باعتبارها تخضع لـ"عملاء أجانب". ويتوقع المرء وجود إجراءات مماثلة في روسيا تحت ولاية الرئيس فلاديمير بوتين.
علاوة على ذلك.. وكما في بولندا؛ تسبب المجتمع المدني الهنغاري الضعيف في خلق بيئة خصبة للفساد، وانخفض مؤشر الحكومة النظيفة في هنغاريا على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من 55 في عام 2012 إلى 45 في 2017، وهو ما يجعلها أقل من دول مثل المملكة العربية السعودية وماليزيا.
أصبح أوربان -الذي كان يعتبر بطلا للديمقراطية- متورطا في فضائح فساد بسبب تلقيه مساهمات عينية مختلفة من بعض رجال الأعمال الناجحين المريبين.
واليوم؛ يسافر أعضاء حكومة أوربان بشكل روتيني بطائرات خاصة لحضور مباريات كرة القدم ورحلات الصيد الشاملة في جميع أنحاء أوروبا، وقد تبين أنهم يرافقون النخبة في رحلات اليُخوت الفاخرة. وتميل عقود المشتريات العامة في هنغاريا إلى أن تكون أعلى من سعر السوق بنسبة 25٪ في المتوسط.
للمرة الأولى منذ تأسيسه؛ صوّت البرلمان الأوروبي مؤخرًا لصالح فرض عقوبات على دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بموجب المادة 7 من معاهدة لشبونة، بعد صدور تقرير مفصل عن حجم الليبرالية والفساد في هنغاريا.
ورغم الحديث الشعبوي عن دولة محاصرة من قبل النخب الفاسدة؛ فإن الشعبويين هم الذين يقوّضون سمعة دولهم. إن تعطشهم للسلطة والإثراء الشخصي -الناتج عن سلطوية متشددة- يفوق باستمرار رغبتهم في الإصلاحات الحقيقية من أجل الصالح العام. ومن الناحية العملية؛ يتمتع الشعبويون بسجل حافل بقضايا عدم المساواة والفساد والإجرام.
ومن غير المستغرب أن العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي -الذين ما زالوا يرفضون الموافقة على اتخاذ إجراء رسمي ضد حكومة أوربان- متورطون في فضائح خاصة بهم.
بدلاً من حماية الحكومات الشعبوية التي تسمح بالفساد وتستولي على أموال الاتحاد الأوروبي؛ ينبغي على الاتحاد الأوروبي استخدام الآليات المتاحة بموجب معاهداته لضمان محاسبة حكومات جميع الدول الأعضاء. إن الدفاع عن القيم الأوروبية لا يتطلب شيئا آخر |
فمثلا؛ يُزعم أن أوروبا الأمم والحرية، والمجموعة البرلمانية اليمينية المتطرفة التي تضم التجمع الوطني الفرنسي (الجبهة الوطنية سابقا)، وحزب الرابطة الإيطالية، وحزب الحرية في النمسا، والحزب الهولندي من أجل الحرية، قد تلقوا مبلغ 427.000 يورو (493.000 دولار) كتعويض عن المصروفات "المفرطة" و"غير القانونية" في عام 2016.
إذا أردنا وقف موجة الفساد في أوروبا فإنه من الضروري أن تستجيب مؤسسات الاتحاد الأوروبي لانتهاكات القيم الأساسية للاتحاد، بدءاً بالمحاولات الرامية إلى خنق المنظمات غير الحكومية والصحافة الحرة.
من الناحية المثالية؛ يجب ترقية يوروبول (وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال تنفيذ القانون) بحيث تكون لها صلاحيات مماثلة لتلك الخاصة بمكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة. وهذا يعني أنه ستكون لديها السلطة لبدء التحقيقات في أي مكان داخل الاتحاد الأوروبي، ومطالبة وكالات تنفيذ القانون على المستوى الوطني بالتعاون مع جهودها.
وبدلاً من حماية الحكومات الشعبوية التي تسمح بالفساد وتستولي على أموال الاتحاد الأوروبي؛ ينبغي على الاتحاد الأوروبي استخدام الآليات المتاحة بموجب معاهداته لضمان محاسبة حكومات جميع الدول الأعضاء. إن الدفاع عن القيم الأوروبية لا يتطلب شيئا آخر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.