عسكر مصر إذ يستبيحون مساجد الله

نـاشـطـون مـصـريون: الجيـش المصري هدم مسجد النور في منطقة زعرب غرب مدينـة رفـح

في مصر وفي بريطانيا وضعت المساجد في مرمى النيران، لكن المقارنة بين جرم سلطة العسكر في مصر -الذي لم تعتذر عنه رغم أنه الأشد- وخطأ وزارة الدفاع البريطانية -الذي اعتذرت عنه رغم أنه الأقل- تقودنا إلى إدانة واضحة لمنهج سلطة العسكر برمته، وليس للخطأ وحده، كما تؤكد أنه لا وجود لمقدس ولا لحرم في بلد منتهك.

في الدولتين استخدم الجيش مجسمات المساجد للتدريب. في بريطانيا، وحسب الخبر المنشور على موقع صحيفة "التلغراف" يوم الجمعة 8 من أبريل/نيسان 2010، وضع الجيش البريطاني، في ميدان الرماية داخل قاعدة عسكرية بمدينة برادفورد، مجسمات لمبان "تشبه المساجد". ما جعل مجلس مساجد المدينة، الواقعة شمالي إنجلترا، يطالب بسحب هذه المجسمات فورا من الميدان.

كما طالب رئيس المجلس محمد سليم خان وزارة الدفاع البريطانية بالاعتذار، مؤكدا أنه حتى غير المسلمين لاحظوا وجود مجسمات المساجد، التي اعتبر وضعها في مرمى النيران "أمرا مهينا". وردت وزارة الدفاع على هذه المطالبة بأن المجسمات ليست لمساجد بكامل تفاصيلها، وإنما هي لمبان شرقية تعلوها قباب. وأضافت أنها لم تستهدف بالقصف، بمعنى أن الرصاص لم يطلق عليها مباشرة، ولا كانت هي الهدف. ورغم هذين "التبريرين" فإن وزارة الدفاع تقدمت باعتذار للمسلمين في بريطانيا، في رد رسمي أرسلته إلى مجلس مساجد مدينة برادفورد، ولاحقا تمت إزالة هذه المجسمات من ميدان الرماية.

 

اعتذرت وزارة الدفاع البريطانية، باسم "القوات المسلحة الملكية البريطانية" التي تعرف كذلك بـ"القوات المسلحة لصاحبة الجلالة" وقائدتها الأعلى هي ملكة بريطانيا، التي تحمل أيضا لقب الرئيس الدنيوي للكنيسة الإنغليكانية، حسب التقليد المستقر منذ أعلن الملك "هنري الثامن" نفسه حاكما أعلى لكنيسة إنجلترا في العام 1534.

والخلاصة: تقدمت القوات المسلحة البريطانية، وقائدتها هي في الوقت نفسه ترأس الكنيسة، لمسلمين هم أقلية في بلادها، باعتذار عن الخطأ الذي كان لديها ما تبرره به، لكنها لم تتمسك بهذا التبرير المبتذل.

أما في مصر، فإن القائد الأعلى للقوات المسلحة، وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي شهد يوم الأربعاء 20 من يوليو/تموز 2016، استعراض حفل تخرج طلبة الكلية الجوية، الذي تم خلاله استهداف مجسم لمسجد بكامل تفاصيله، وحين أبدى المسلمون استياءهم من هذه "الإهانة" التي تعرضوا لها في بلدٍ هم أغلبية سكانه، ودستوره ينص على أن شريعتهم هي المصدر الرئيسي للتشريع فيه، لم يتلقوا أي رد على أي مستوى، اللهم إلا ردا إعلاميا، هو "أقبح من ذنب" ملخصه أن "الإرهابيين يتحصنون بالمساجد ولهذا يتدرب الجنود على قصفها حتى تزول الرهبة من نفوسهم"!
تزول "الرهبة" أم تزول "الهيبة"؟ و"الإرهابيون" أم "المسلمون"؟

الخلاصة: في بلد الأزهر للعسكر أن يهينوا المساجد، على نحو سافر لا يستتر بأي مبرر مهما كان واهيا، وعلى المسلمين، أن يبتلعوا الإهانة، ويسكتوا على الذل، ربما لأنهم لا يمتلكون "مجلس مساجد" يمثلهم كذلك الموجود في "برادفورد". أو لأن "مصر ليست بريطانيا". أو لأن العسكر بوسعهم أن يقتلوا ـ دون مساءلةـ كل من يفتح فمه، وكل من يغلقه أيضا إن أرادوا.

والحقيقة أن استهداف مجسم مسجد، في حفل تخرج داخل أعلى الكليات العسكرية، لا في مجرد قاعدة عسكرية فرعية، وفي حضور أعلى القيادات العسكرية والسياسية، لم يكن خطأ ولا فعلا خارج السياق، كما لم يكن مجرد "قلة ذوق" بل كان ـ كما قال بعض خبراء "السيسي" بالفعل ـ تعبيرا عن واقع عملي.

فسلطة "السيسي" تحارب الإرهابيين، أو بالأحرى لا تحارب إلا من تعتبرهم إرهابيين، وبالنسبة لها فإن عموم المسلمين هم إرهابيون "محتملون على الأقل". ألم يقل السيسي "مش معقول إن 1.6 مليار مسلم عايزين يموتوا بقية الـ7 مليارات (أي بقية سكان العالم)"؟ ألم يقف السيسي، قبل أيام من قصف مجسم المسجد، ليوبخ أمة الإسلام كلها، كما اعتاد أن يفعل في كل المناسبات الإسلامية، حيث تساءل أثناء الاحتفال بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر: "يا ترى هل نحن أعلم الأمم، وأتقى الأمم، وأكثر الأمم صبرا؟ وهل نحن أكثر الأمم عملا واختراعا وسماحة واحتراما للمرأة؟".

وأضاف "هذا يعكس ديننا، وأخشى عدم وجود توازن بين الاتباع بلا حدود وبين التفكر والتدبر"؟ ألم يتهم السيسي المسلمين كلهم بالقتل والتخريب والتدمير، حيث قال في المناسبة نفسها: "شوفوا خريطة التطرف في العالم، وتأثيرها على سمعة دينكم، يا ترى أخبارها إيه: كل يوم لينا حكاية: قتل، وتخريب، وتدمير"؟

والأكثر أهمية من الأقوال، أن سلطة السيسي في مصر، عمليا ومنذ التمهيد للانقلاب حتى اليوم، استباحت المساجد عموما، من بين ما استباحت من مقدسات المسلمين، حيث تعدت "العمليات التمهيدية" للانقلاب على مسجد "القائد إبراهيم" في الإسكندرية، ليبدو بعض ما تحطم وأحرق فيه شبيها بصنوه في مسجد قرية "الُلبَّن" الذي تعدت عليه سلطات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، ثم كان التعدي على مسجد "الفتح" في المنصورة بإطلاق الرصاص على المصلين، وكذلك مسجد "الفتح" في القاهرة، وامتد العدوان إلى عشرات المساجد عبر خريطة مصر، كما جسد العدوان على مسجد "رابعة العدوية" فصلا وحشيا من فصول المجزرة الأسوأ في تاريخ مصر المعاصر، ووصل الأمر إلى حد إضرام النار في المسجد بمن فيه من مصابين.

وبعد استهداف مجسم المسجد في "استعراض" حفل تخرج طلبة الكلية الجوية، أعاد عدد من صفحات التواصل الاجتماعي نشر صور المساجد التي قصفها طيران سلطة الانقلاب في سيناء، بمعاونة طيران الكيان الصهيوني، مع تعليقات تبدي دهشة ـ مستحقة ـ من أن غضب البعض لاستهداف مجسم المسجد كان أشد من غضبه لاستهداف المساجد الحقيقية، والتي تعرضت لقصف أشد وسالت على أرضها دماء حقيقية، تناثرت لتتضمخ بها الجدران أيضا.

***

يقول الله تعالى "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا". (الآية 18، سورة الجن)، وروى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى، وقال: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا. اللهم أنا عبدك وزائرك وعلى كل مزور حق، وأنت خير مزور فأسألك برحمتك أن تفك رقبتي من النار".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان