رسالة دونالد ترامب

Republican presidential candidate Donald Trump speaks during a campaign rally, Saturday, March 5, 2016, in Orlando, Fla. (AP Photo/Brynn Anderson)

أحدث خطاب دونالد ترامب، أبرز الطامحين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لسباق الرئاسة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني، ذعرا شديدا. ويخشى الحزب الجمهوري عدم قدرته على هزيمة هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية المحتملة. في حين يشعر بعض المراقبين بقلق بالغ حول احتمال فوز ترامب بالرئاسة. كما يَعتَبر البعض ترامب بمثابة موسوليني أميركا المرتقب.

مهما كانت مشاكل الولايات المتحدة اليوم فهي لا تشبه مشاكل إيطاليا في عام 1922، ويمكن للضوابط والتوازنات الدستورية، جنبا إلى جنب مع مؤسسة قانونية نزيهة، أن تفرض قيودا على الترفيه التلفزيوني للرجل. إن الخطر الحقيقي لا يكمن في كون ترامب سينفذ أقواله إذا وصل إلى البيت الأبيض، بل يكمن في تصريحاته وهو يحاول الوصول إلى السلطة.

ولا يتم الحكم على الزعماء بسبب فعالية قراراتهم فقط، لكن بسبب المعنى الذي يخلقونه ويعلمونه لأتباعهم أيضا، ويكسب معظم القادة دعم مجموعاتهم من خلال مناشدة الهوية الحالية والتضامن، لكن من شيم القادة العظام تثقيف أتباعهم حول شؤون العالم خارج مجموعتهم المباشرة.

مهما كانت مشاكل الولايات المتحدة اليوم فهي لا تشبه مشاكل إيطاليا في عام 1922، ويمكن للضوابط والتوازنات الدستورية، جنبا إلى جنب مع مؤسسة قانونية نزيهة، أن تفرض قيودا على الترفيه التلفزيوني للرجل (دونالد ترامب)

فبعد الحرب العالمية الثانية، حيث غزت ألمانيا فرنسا للمرة الثالثة على التوالي خلال 70 عاما، قرر الرئيس الفرنسي جان مونيه عدم الانتقام من ألمانيا المهزومة لتفادي مآسي أخرى. بدلا من ذلك أبدع خطة لتطوير تدريجي للمؤسسات التي تحولت فما بعد إلى الاتحاد الأوروبي، الشيء الذي ساعد على جعل نشوب مثل هذه الحرب من جديد شيئا غير وارد.

كما يمكننا الاستشهاد بمثال آخر للقيادة العظيمة: كان بإمكان نيلسون مانديلا القيام بتحديد هوية جماعته كسود جنوب إفريقيا بسهولة، والسعي للانتقام من ظلم النظام العنصري الذي استمر لعقود وسجنه شخصيا. لكن بدلا من ذلك، عمل بلا كلل من أجل توسيع هوية أتباعه قولا وفعلا.

في حركة رمزية شهيرة واحدة، ظهر في مباراة للكرة المستطيلة "الرجبي" مرتديا قميص "السبرينغبوكس" لجنوب أفريقيا، وهو الفريق الذي عبر في وقت سابق عن تفوق البيض في جنوب أفريقيا. على النقيض من جهود مانديلا لتثقيف أتباعه حول هوية أوسع، هناك النهج الضيق المقتبس من روبرت موغابي في زيمبابوي. وخلافا لمانديلا، يستخدم موغابي مظالم الحقبة الاستعمارية للحصول على الدعم، ويعتمد الآن على القوة للبقاء في السلطة.

في الولايات المتحدة اليوم، حيث ينمو الاقتصاد إلى حد بلغ فيه معدل البطالة أقل من 4.9٪، يشعر الكثيرون بأنهم لا يستفيدون من ازدهار البلاد، ويلقون باللوم في ارتفاع عدم المساواة خلال العقود القليلة الماضية على الأجانب، بدلا من التكنولوجيا، ومن السهل حشد المعارضة ضد الهجرة والعولمة على حد سواء. بالإضافة إلى الشعبوية الاقتصادية، تشعر الأقلية الكبيرة من السكان أيضا أنها مهددة بسبب التغيرات الثقافية ذات الصلة بالعرق والإثنية والثقافة، على الرغم من أن أغلب هذه الأمور ليست جديدة.

وسيكون على الرئيس المقبل تثقيف الأميركيين حول كيفية التعامل مع العولمة التي يرى فيها العديد تهديدا واضحا. وتعد الهويات الوطنية بمثابة مجتمعات متخيلة، فيها عدد قليل ممن لهم فكرة مباشرة عن الآخر. في القرن أو القرنين الماضيين، كانت الدولة القومية مجتمعا متخيلا بحيث كان الناس مستعدين للموت من أجلها، ويعتقد معظم القادة أن التزاماتهم الأولية وطنية بالدرجة الأولى، وذلك شيء لا مفر منه، لكن لا يكفي في عالم يتجه نحو العولمة.

في عالم العولمة، ينتمي كثير من الناس إلى عدد من المجتمعات المتخيلة، محلية، إقليمية ووطنية، ومتداخلة في دوائر متصلة بفضل الإنترنت والسفر المكلف. والمهاجرون في الشتات هم الآن على اتصال عبر الحدود الوطنية، وتلتزم الفئات المهنية مثل المحامين بالمعايير العابرة للحدود الوطنية. أما عن مجموعات النشطاء التي تتراوح ما بين علماء البيئة وإرهابيين فهي أيضا على اتصال عبر الحدود. ولم تعد السيادة الوطنية مطلقة كما كانت تبدو سابقا.

من غير المحتمل أن ينال اقتراح ترامب بمنع المسلمين من دخول أميركا ومطالبته بإجبار المكسيك على دفع تكلفة بناء جدار لوقف الهجرة أي سند أو حشد دستوري أو سياسي في حالة انتخابه كرئيس، فكثير من مقترحاته ليست سياسات سيتم تنفيذها، بل مجرد شعارات وضعت لمناشدة المزاج الشعبي

وقال الرئيس السابق بيل كلينتون إنه يأسف لفشله في الاستجابة على نحو كاف للإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994، رغم أنه لم يكن وحده. وقد حاول كلينتون إرسال قوات الولايات المتحدة، غير أنه واجه مقاومة شديدة في الكونغرس. واليوم يتم الضغط على قادة جيدين وهم في حيرة بين ميولاتهم العالمية والتزاماتهم التقليدية اتجاه الشعب الذي انتخبهم، كما اكتشفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أعقاب قيادتها الشجاعة ومواقفها تجاه أزمة اللاجئين في الصيف الماضي.

وفي عالم يتم فيه تنظيم الشعوب في المقام الأول على أساس المجتمعات الوطنية، سيكون من غير الواقعي أن يكون المرء مثاليا، ونرى هذا في المقاومة الواسعة لإشكالية الهجرة. وإذا التزم زعيم بالمساواة في الدخل على المستوى الدولي فسوف يفتقد التزامه هذا لأي مصداقية، لكن تشجيعه للعمل المكثف من أجل الحد من الفقر والمرض ومساعدة المحتاجين سوف يساعد على تثقيف أتباعه.

الكلمات مهمة. وكما قال الفيلسوف كوامي أنتوني أبيا، "لا تقتل فمن يقتل سوف يعاقب يوم القيامة. أكرم أباك فأمك تعترف بالتدرج ". وينطبق الشيء نفسه على النظرة الكونية مقابل العزلة.

وفي وقت يشاهد فيه العالم المرشحين للرئاسة بالولايات المتحدة يتصارعون حول قضايا الحمائية والهجرة والصحة العامة، وتغير المناخ، والتعاون الدولي، ينبغي التساؤل أي جانب من الهويات الأميركية يناشد هؤلاء المرشحين وهل يساهمون في تثقيف أنصارهم حول معاني أوسع؟ وهل يحاولون توسيع الشعور الأميركي بالهوية أكثر ما يمكن أم هي مجرد مناشدة لمصالح ضيقة خاصة؟

ومن غير المحتمل أن ينال اقتراح ترامب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة ومطالبته بإجبار المكسيك على دفع تكلفة بناء جدار لوقف الهجرة أي سند أو حشد دستوري أو سياسي في حالة انتخابه كرئيس. ثم مرة أخرى، كثير من مقترحاته ليست سياسات سيتم تنفيذها، بل هي شعارات وضعت لمناشدة المزاج الشعبي الانعزالي وسط شريحة من السكان.

ونظرا لافتقاره لنواة إيديولوجية قوية واحتفاله بـ"فن الصفقة" قد يثبت ترامب أنه رئيس عملي رغم النرجسية التي يتصف بها، لكن القادة الجيدين هم الذين يساعدوننا لتحديد من نحن. وفي هذا الخصوص، قد فشل ترامب بالفعل.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان