السيسي والسقوط في اختبار غزة
جزء من المشكلة
الحصار القاسي
تصدير أزمة
السقوط في الاختبار
في كل عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، تتجه أنظار الفلسطينيين صوب أمتهم العربية والإسلامية عامة، ونحو مصر بشكل أخص، ليس لأنها بلد عربي مركزي ومؤثر فحسب، بل لأنها أيضا البلد العربي الوحيد الذي يجاور قطاع غزة مباشرة، ويوفر له الطريق نحو العالم الخارجي في ظل الطوق المحيط بالقطاع من الجانب الآخر.
لكن السؤال المطروح الآن، أين مصر الرسمية من العدوان الأخير على القطاع؟ وهل ينتظر الفلسطينيون من مصر العظيمة دور الوسيط أم دور الشقيق؟
جزء من المشكلة
دون أدنى شك، يلعب موقف القيادة المصرية الرسمية -أي قيادة- دورا مهما في تطورات الأحداث في قطاع غزة، وفي عموم الساحة الإقليمية، وما يتعلق منها بالصراع مع الاحتلال "الإسرائيلي"، وحتى بمسارات العملية السياسية التفاوضية بين الطرفين الرسمي الفلسطيني و"الإسرائيلي"، وهي العملية المُحتضرة أو الغائبة في سبات عميق بأحسن الأحوال.
بات نظام مصر يلعب عمليا دور الوسيط غير المحايد في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خصوصا في الجانب المتعلق بقطاع غزة وحياة الناس ومعبر رفح المعبر الوحيد المفتوح نحو العالم الخارجي |
ففي التعامل مع الحرب الدائرة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، لا يُجادل أحد في دور مصر الكبير والمُفترض وعلى كل مستوياته، لكن الطامة الكبرى أن مصر الرسمية أصبحت جزءا من المشكلة، بدل أن تكون عامل إسناد سياسي ومعنوي على الأقل بالنسبة للفلسطينيين.
النظام المصري ومنذ عهد الرئيس أنور السادات، وتحديدا منذ اتفاقية كامب ديفد الموقعة عام 1978، أحدثَ تراجعات مستمرة في السياسة الخارجية المصرية حيال الموضوع الفلسطيني، لتصبح العلاقة الجغرافية هي الخيط الوحيد الذي يربط مصر الرسمية بالقضية الفلسطينية.
كما بات يلعب عمليا دور "الوسيط غير المحايد" في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خصوصا في الجانب المتعلق بقطاع غزة وحياة الناس ومعبر رفح الوحيد المفتوح نحو العالم الخارجي.
وربما يصح القول بأن دور الطرف الرسمي المصري -ومن حينها- كان وما زال دور الرسول وناقل الرسائل الشفهية، وناقل رسائل التهديد والوعيد "الإسرائيلية" إلى الفلسطينيين، وعامل ضغط عليهم، من أجل تمرير ما يَعتقد بأنه الأفضل لهم. هذا الموقع اختاره الرئيس الأسبق أنور السادات من لحظات توقيعه معاهدة كامب ديفد، وهو موقع كان وما زال موقعا مؤذيا للفلسطينيين ولجهودهم الوطنية في سياق كفاحهم الوطني ضد الاحتلال "الإسرائيلي".
الحصار القاسي
المؤسف هنا، أن حصار قطاع غزة بات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي يختلف حتى عن عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك من حيث قسوته وصرامته، إذ لا يقف عند حدود إغلاق معبر رفح -المعبر الوحيد لقطاع غزة نحو العالم الخارجي- أو تدمير الأنفاق، بل تعداهما باتجاه العداء السياسي للعديد من القوى الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وحتى لبعض القوى اليسارية التي باتت علاقاتها الرسمية مع القاهرة تعتريها حالة من الفتور والبرودة، فضلا عن اعتباره حركة حماس حركة إرهابية، وهو أمر معيب ومُخجل بكل المقاييس، ولا يقبله عقل ولا منطق.
وهنا، سقط نظام السيسي في امتحان غزة الأخير، من خلال استمراره على الوتيرة والنغمة ذاتها. كما أخطأ في مواقفه الأخيرة من العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، حين نأى بنفسه عن مناصرة المقاومة، تارة باسم الإرث الذي تحمله مصر نتيجة المعاهدة مع "إسرائيل"، وتارة باسم حسابات المصلحة التي يجهلها الفلسطينيون.
أخطأ نظام السيسي حين خاصم حركة حماس وألحقها بمعركته الداخلية في مصر، وانتقل العداء لها ليشمل مجموع القوى الفلسطينية التي تقاتل على الأرض في قطاع غزة |
ففي العدوان البربري الأخير الذي تَكَشّفت به حدود الهمجية الصهيونية من قتل وتدمير شامل ممنهج لم تصل إليه النازية في صعودها، كان الصوت الرسمي المصري -وما زال- ينتظر حصاد الدمار ولا يرى حصادا غيره، ليقول للفلسطينيين: ألم نقل لكم؟ ألم نحذركم من طريق المقاومة المسلحة؟
تصدير أزمة
كما انطلق نظام السيسي -للأسف- في مواقفه من العدوان الحالي على قطاع غزة، من حالة العداء الشديد لحركة حماس، ومن حالة البرودة السائدة، أو حالة الفتور في أحسن الأحوال، مع عموم الفصائل الفلسطينية وليس مع حماس فقط، وهو موقف كيدي له علاقة بتصدير أزمة داخلية، وبتصفية حسابات مصرية داخلية، وليس له علاقة بموقف ناضج يَضع الأولويات الحقيقية التي تضمن مصالح الفلسطينيين ومصالح مصر القومية وأمنها القومي.
لقد أخطأ نظام السيسي حين خاصم حركة حماس وألحقها بمعركته الداخلية في مصر، وانتقل العداء لها ليصبح عاما مع مجموع القوى الفلسطينية التي تقاتل على الأرض في قطاع غزة.
ولأن حماس والجهاد والجبهة الشعبية.. هي الأطراف الأساسية في المعادلة بغزة، فقد تخلت مصر الرسمية حتى عن دورها كوسيط مُعلن، حيث بدا أنها تقف إلى جانب طرف دون آخر، وهو ما تبدى في المبادرة التي قدمتها لوقف العدوان على القطاع.
كما أخطأ نظام السيسي حين ساعد أو تغاضى عن موجات وحملات تزييف الوعي الإعلامية التي يقودها إعلاميون مصريون محسوبون على النظام، وخَلَقَ حالة مناهضة للمقاومة في غزة، وحالة مُتشفية بأهلها في أوساط الرأي العام المصري، وهذه الحالة الناقمة على المقاومة وأهل غزة، أو غير المبالية تجاههم، لم تكن موجودة بهذا الحجم في عهد مبارك، وإن بقيت حالة التضامن الشعبية مع قطاع غزة ومع القضية الفلسطينية بشكل عام، موجودة ومتأصلة في الشارع المصري، وهي حالة لن يستطيع إلغاءها أي طرف أو نظام أو فرد من حياة مصر وشعبها.
لقد سمح نظام السيسي، أو غض النظر عن تصرفات مجموعات غوغائية في الإعلام المصري، وهي المجموعات التي نشرت عنصريتها المقيتة ضد الفلسطينيين، وأطلقت سمومها الإعلامية بشكل فج وفاضح ووقح، في موقف لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن موقف الشارع المصري ونبضه المُتقدم إلى جانب أهل غزة وعموم الشعب الفلسطيني.
سقط النظام المصري الجديد في أول اختبار فعلي له في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد أظهر السيسي موقفا متراجعا في سياق دعم مصر التاريخي للقضية الوطنية العادلة للشعب الفلسطيني |
لم يحسب النظام أن تلك المجموعات الغوغائية تأخذ مصر إلى التيه، بنزعاتها الدائرة بين شرنقة الكيانية المقيتة ودعوات الفرعونية التي يغذيها البعض في مصر، فتتكبد فلسطين وشعبها -من لحمها ودمها- الثمن الكبير لغياب دور مصر الرسمية المُرتجى إلى جانب فلسطين وشعبها.
السقوط في الاختبار
وفي أول اختبار فعلي له في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، سقط النظام، فقد أظهر السيسي موقفا متراجعا في سياق دعم مصر التاريخي للقضية الوطنية العادلة للشعب العربي الفلسطيني.
فقد كان أول خطاب له حول العدوان "الإسرائيلي" الجاري على قطاع غزة، خطاب الوسيط المُتهافت، لا خطاب الشقيق المُساند، أو حتى المنحاز إلى العدالة، والمُدين لجرائم الاحتلال وحصاره الظالم للقطاع منذ سنوات طويلة، وهو حصار مُدان من كل المجتمع الدولي تقريبا.
قصارى القول.. لا يمكن لعاقل من أي طرف فلسطيني أن يدير الظهر لكوارث الحرب المجنونة التي شُنت على قطاع غزة وشعبها المكلوم، وحاجته إلى أخذ فرصة للراحة من هول الدمار والقتل. ولكن في المقابل، لا يمكن لعاقل أن يسمح بعد هذا الثمن الباهظ والتضحيات الجسام أن يعود قطاع غزة وأهله إلى المربع الأول.
ويبقى أن نقول أيضا بأن مصر الشعب مُنحازة إلى فلسطين وشعبها، ولا يمكن لأحد تغيير نظرة الشعب المصري إلى القضية الفلسطينية، حتى لو حدثت خلافات في وجهات النظر مع بعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.