سيناريوهات التغيير في الجزائر
سيناريو إقحام الجيش في الصراع
إنزال الصراع إلى الشارع
سيناريو مبادرات التحالف
التغيير من الخارج
الأسئلة الأكثر تداولا بين المواطنين في الجزائر، هي: هل ستمس رياح الثورة التي انطلقت من تونس ومصر النظام الجزائري؟ وكيف سيواجه الهبة الشبانية المحتملة؟ ومتى يحدث ذلك؟
أما السؤال الأكثر إحراجا للسلطات الجزائرية فهو: ماذا أعد النظام لمواجهة الثورة الشعبية التي قد اشتعل فتيلها في الجزائر بالتجمعات والمسيرات "السبتية" التي تشرف عليها التنسيقية الوطنية للتغيير برئاسة المحامي مصطفى بوشاشي؟
والسؤال الجوهري: هل تستطيع الأطراف الفاعلة في أي تغيير محتمل -وهي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقيادة الجيش ورجال المال- أن تتحالف مع بعضها في ظل صراع خفي بينها؟
" اعتبرت جهات نافذة في السلطة وخارجها أن هدف الرئيس بوتفليقة من وراء تغيير حالة الطوارئ بقانون آخر هو إقحام المؤسسة العسكرية في الصراع الدائر بالجزائر " |
سيناريو إقحام الجيش في الصراع
اعتبر كثير من المراقبين قرار الرئيس بوتفليقة رفع حالة الطوارئ التي أقرها مرسوم وقعه الرئيس الراحل محمد بوضياف يوم 9 فبراير/شباط 1992 بمثابة انفراج سياسي، باعتباره مطلبا مشتركا بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية، لكن لا أحد تساءل عن سبب استمرار حالة الطوارئ 19 عاما، ولماذا يتم رفعها الآن؟
يقول المطلعون على خبايا الصراع في الجزائر بأن الرئيس بوتفليقة حين عاد من ألمانيا ترأس اجتماعا لأعضاء المجلس الأعلى للأمن في ديسمبر/كانون الأول 2010، وطرح عليهم احتمال رفع حالة الطوارئ (تم رفعها) والحالة الاستثنائية باعتبار أنهما من مطالب المستثمرين الأجانب الذين وعدوه بالعمل في الجزائر. وتبيّن من الاجتماع أن الوضع الأمني ما يزال غير مستقر بسبب الجماعات المسلحة وحالة الاحتقان في الشارع الجزائري.
ويبدو أن جهات نافذة في السلطة وخارجها أدركت أن الرئيس يهدف من وراء ذلك تغيير حالة الطوارئ بقانون آخر يقحم المؤسسة العسكرية في الصراع الدائر بالجزائر.
وليس صدفة أن ينتفض الشباب في العاصمة ويخرجون في مظاهرات احتجاجية عبر 21 ولاية جزائرية في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2011 بحجة ارتفاع أسعار المواد الأكثر استهلاكا في الجزائر.
وليس غريبا أن تظهر فجأة مبادرات على أكثر من صعيد سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي بدق ناقوس الخطر وطرح حلول لوضع سياسي معقد، وهي تسير في اتجاه واحد يلخصه السؤال التالي: كيف يمكن إنقاذ النظام القائم بأقل الخسائر الممكنة؟
وموازاة مع ذلك تدارك الرئيس الأمر بتسقيف أسعار السكر والزيت وتعليق تطبيق الرسوم الجمركية (5%) والضريبة على القيمة المضافة (17%) لأصحاب الامتياز في الاستيراد إلى غاية نهاية شهر رمضان المبارك في أغسطس/آب 2011. كما تجاوب بوتفليقة مع مطالب الشارع فتبنّى مجلس الوزراء المنعقد يوم 3 فبراير/شباط 2011 قرارات تستجيب لمعظم الانشغالات، وحث وزراء حكومته على التعجيل بإنجاز المشاريع خاصة تلك التي تمس احتياجات الشباب، والاستماع إلى جميع الأطراف المعنية بذلك.
بيد أن مصالح الرئاسة أجرت تحقيقا حول الأحداث التي جرت في يناير/كانون الثاني 2011 وأسباب تراجع الاستثمار في الجزائر، وتبين أن وزيره الأول أحمد أويحيى وراء امتناع رجال الأعمال العرب عن الاستثمار في الجزائر، إلى جانب أطراف مقربة منه ساهمت إعلاميا في تأجيج نار الاحتجاجات، وهو ما دفع بالرئيس إلى إقالته واقتراح محمد يزيد زرهوني خلفا له باعتباره نائبا له، لكن أصحاب القرار نصحوه باجتناب ذلك لأن العدالة لم تصدر حكمها في قضية اغتيال المدير العام للأمن الوطني علي تونسي، إذ قد يُستدعى بصفة كونه وزيرا للداخلية يومئذ، واقتُرِح عليه رئيس حملته الانتخابية عبد المالك سلال خلفا لأويحيى وهو أمر يتطلبه التوازن الجهوي، غير أن الرئيس أبدى اعتراضه وأجّل البت في تغيير الحكومة إلى الشهر الجاري.
وحين ترأس بوتفليقة مجلس الوزراء بحضور أويحيى يوم 22 فبراير/شباط 2011 صادق المجلس على مرسوم رفع حالة الطوارئ ومشروع مرسوم رئاسي يتعلق باستخدام وتعبئة الجيش الوطني الشعبي في محاربة الإرهاب والتخريب، ويؤكد النص أن إدارة وتنسيق عمليات هذه المحاربة تتولاها قيادة أركان الجيش (على أن يكون متبوعا بقرار مشترك بين وزارتي الدفاع والداخلية)، وبذلك تم إقحام وزارة الدفاع في الصراع الداخلي.
" كان للثورة الشعبية في تونس ومصر أثر كبير في استبعاد فكرة توريث الحكم في الجزائر، مما أدى إلى عودة الصراع القديم الجديد بين جناحين في السلطة هما جناح مولود حمروش وجناح علي بن فليس " |
إنزال الصراع إلى الشارع
وكان للثورة الشعبية في تونس ومصر أثر كبير في استبعاد فكرة توريث الحكم في الجزائر، مما أدى إلى عودة الصراع "القديم الجديد" بين جناحين في السلطة هما جناح مولود حمروش (رئيس حكومة في عهد الشاذلي بن جديد ومرشح لرئاسيات 1999) وجناح علي بن فليس (رئيس حكومة سابق في الولاية الأولى للرئيس بوتفليقة ومرشح ومنافس له في رئاسيات 2004).
ويعد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بقيادة سعيد سعدي أبرز المدعمين للتيار المساند لبن فليس إلى جانب الجنرالين المتقاعدين محمد العماري وخالد نزار. وقد اختار هذا الجناح الموسوم "باللائكي الديمقراطي" النزول إلى الشارع حاملا شعار "إسقاط النظام".
غير ان إفشال قوات الأمن للمظاهرة الأولى شجع جناح حمروش على الانخراط في التنسيقية الوطنية للتغيير بحيث ظهرت فيها مجموعة ممن يوصفون "بالحمارشة" (نسبة إلى حمروش) أمثال الطاهر بن بعيبش (أول أمين عام لحزب التجمع الوطني الذي يرأسه حاليا أويحيى) وبعض العناصر من حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يعتبر أن مولود حمروش هو الأكثر كفاءة لخلافة بوتفليقة.
ولكنّ هناك جناحا قويا في المؤسسة العسكرية يقف إلى جانب مرشح آخر هو أحمد بن بيتور (رئيس الحكومة الذي استقال في عهد بوتفليقة بسبب رفضه رئاسة وزراء يعيّنهم الرئيس)، وهو يحظى بدعم المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية ويدعمه كبار المناضلين في جبهة التحرير الوطني أمثال أمينها العام السابق عبد الحميد مهري.
سيناريو مبادرات التحالف
هناك سيناريوهان مطروحان للتغيير في الجزائر هما: التغيير المباشر عبر ثورة شبانية، والتغيير غير المباشر عبر دفع الرئيس إلى إجراء انتخابات رئاسية مسبقة شبيهة بما حدث في عهد الرئيس السابق اليامين زروال (1995-1999) حيث ضغطت عليه المؤسسة العسكرية ليجري انتخابات رئاسية مسبقة.
وإذا كان أصحاب الحل والعقد في الجزائر يستبعدون سيناريو التغيير من الخارج أو التغيير المباشر، فإنهم يعملون على تكريس التغيير غير المباشر من داخل النظام.
ويحظى سيناريو تغيير الرئيس بدعم أطراف من داخل وخارج النظام، وهي عناصر مهمشة أو مستبعدة أو محالة على التقاعد، وهي ترى في استمرار العهدة الثالثة للرئيس خطرا على مصالحها.
وتطالب هذه الأطراف بانتخابات رئاسية مسبقة بحجة أن الرئيس مريض وأنه لا بد من إعادة النظر في الدستور لتحديد العهدة وإقامة حكومة تكنوقراطية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وقد وجدت في الأحزاب المعارضة التي امتنعت عن التصويت لصالح تعديل الدستور أرضية صالحة لتحريك الشارع، وأول هذه الأحزاب حزب سعيد سعدي. وتشاطر هذا الرأي أصوات نافذة في المؤسسة العسكرية التي تريد هي الأخرى تغييرا سلميا يستجيب للمرحلة القادمة، وترى في مطالب الجبهة الوطنية الجزائرية ما يحقق ذلك، وهو أول حزب يجمد عضويته في البرلمان (24 عضوا في مجلس الشعب وعضوان في مجلس الأمة) ويدعو مناضليه إلى احتلال الساحات العمومية عبر 48 ولاية ابتداء من أبريل/نيسان 2011.
" هناك سيناريوهان مطروحان للتغيير في الجزائر هما: التغيير المباشر عبر ثورة شبانية، والتغيير غير المباشر عبر دفع الرئيس إلى إجراء انتخابات رئاسية مسبقة شبيهة بما حدث في عهد الرئيس السابق اليامين زروال " |
أما الرئيس بوتفليقة فيراهن على أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة: جبهة التحرير الوطني بقيادة عبد العزيز بلخادم، والتجمع الوطني الديمقراطي بقيادة أحمد أويحيى، وحركة مجتمع السلم بقيادة أبو جرة سلطاني، إلى جانب الجمهور الرياضي الذي يطلق على نفسه "حزب أم درمان" وهم الشباب الذين دعمهم في المباراة الفاصلة بين الجزائر ومصر في السودان، ويسعى إلى استقطاب شريحة من شباب الفيسبوك وتويتر يزيد عددها عن 485 ألف شاب أسسوا في نهاية الشهر الماضي "المرصد الجزائري لشباب الفيسبوك وتويتر" تحت رعاية "أكاديمية المجتمع المدني" المساندة للرئيس بوتفليقة بهدف احتواء الغضب واستباق الأحداث.
وإذا كان الهدف هو دعم النظام القائم بطريقة غير معلنة بتبني مطالب اجتماعية قد استجاب لها الرئيس كلية، فإن هناك مشروعا للقضاء على ما يعرف في الجزائر بالبيرقراطية وفتح المجال للشباب بالدعم المالي للمشاريع الفردية والجماعية في العمل وتسهيل الحصول على السكن.
وفي هذا السياق اتخذ الرئيس إجراءات لصالح الشباب مثل الإعفاء من الخدمة العسكرية الإجبارية لكل من بلغ 30 عاما بمنشور رئاسي منشور يوم 28 فبراير/شباط الماضي، وتحسين القدرة الشرائية، وتمكين أصحاب الشهادات الجامعية المستفيدين من الإدماج المهني من زيادات في الراتب الشهري تصل إلى 150 دولارا، وتمكين خريجي مراكز التكوين المهني من زيادة تبلغ 100 دولار.
كما سارعت أحزاب التحالف الرئاسي إلى طرح مبادرة مشتركة عبر حركة مجتمع السلم ذات أربع نقاط: تشكيل حكومة تكنوقراطية تعنى بالجبهة الاجتماعية وبفتح نقاش سياسي واقتصادي وإعلامي وتحضر للانتخابات القادمة، وتعديل شامل للدستور الحالي، وإحالة من بلغوا سن التقاعد على المعاش دون السماح لهم بالعمل في شكل تعاقد، وحل البرلمان والمجالس المنتخبة وإجراء انتخابات مسبقة.
صحيح أن هذه المبادرة تطالب "بشطب الحديث عن المؤامرة الخارجية وشطب الحديث عن الاستثناء"، ولكننا نجد في خاتمة نصها ما يفيد "بأن الجزائر اليوم أفضل حالا من كثير من الأنظمة العربية".
التغيير من الخارج
يستبعد الكثير من العارفين بالشأن الجزائري تكرار سيناريو 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988 الذي نقل السلطة في الجزائر من الحزب الواحد إلى التعددية دون إحداث تغيير في النظام، باعتبار أن السيناريوهات التي يراهن عليها أصحاب القرار لا تستطيع أن تطيل من عمر النظام لاعتبارات أهمها:
– أن فترة عهد بوتفليقة وفرت الأمن وسددت ديون الجزائر الخارجية، لكنها أغلقت أبواب الحرية بعدم اعتماد أحزاب جديدة أو فتح المجال الإعلامي السمعي البصري، مما أفرز تشكيلة جديدة من "الموالاة والمساندة".
– أن أحزاب التحالف الرئاسي أو الائتلاف الحكومي أعطت شرعية للرئيس بالتصويت في البرلمان لتعديل الدستور لصالح ولاية ثالثة وصلاحيات دستورية واسعة وأفرغت منصب الوزير الأول من محتواه.
– أن ما يجري في الوطن العربي ليس إصلاحا أو تغييرا في النظام وإنما هو ثورة ضد الأنظمة، ولا يستبعد المراقبون أن يدفع النظام الحالي ثمنا باهظا لأنه تأخر في القيام بالإصلاحات وعجز عن التغيير.
" هناك تخوف حقيقي لدى المواطنين من اندلاع ثورة قد تعيدهم إلى سنوات الإرهاب التي عاشها الشعب الجزائري، والمراحل الانتقالية التي جردت الديمقراطية من مفاهيمها ومضامينها " |
وهناك تخوف حقيقي لدى المواطنين من اندلاع ثورة قد تعيدهم إلى سنوات الإرهاب التي عاشها الشعب الجزائري، والمراحل الانتقالية التي جردت الديمقراطية من مفاهيمها ومضامينها، وهذا الخوف مصدره أن العنف في الجزائر ظاهرة شبانية.
والحقيقة أن السيناريوهات المقترحة للتغيير من الداخل هي سيناريوهات استخدمها النظام الجزائري أثناء توقيف المسار الانتخابي يوم 11 يناير/كانون الثاني 1992 واستخدمتها المؤسسة العسكرية أثناء مجيء بوتفليقة إلى الحكم يوم 16 أبريل/نيسان 1999، وتكاد تكون شعارا في كل مرحلة انتخابية رئاسية.
إن الواقع الجديد في الوطن العربي أسقط الكثير من الشعارات، وكشف عن فشل التضليل الإعلامي الذي اعتمد سياسة التخويف من الإسلاميين أو التلويح بالإرهاب أو التدخل الأجنبي لحماية الأقليات.
ولا تستطيع الجزائر أن تكون استثناء في الخريطة العربية بحملها شعار تخويف الآباء من عنف الأبناء أو عودة سنوات الدم، على اعتبار أن جوهر المشكلة في النظام الجزائري هو الفساد والرشوة والمحسوبية والجهوية وغلق الأبواب أمام الجيل الصاعد.
ولا شك أن الوعود التي صرح بها الرئيس بوتفليقة في ولايته الأولى والثانية وحتى الثالثة ببناء مليون سكن وتوفير العمل لمليونين من الشباب لم تتحقق، وبالتالي فإن سيناريو التغيير من الداخل سيؤدي حتما الى تعقيد المشكلة، خاصة أن الأحزاب الموالية للسلطة أو المعارضة لم تعد قادرة على تعبئة الشارع، مما قد يوفر الشروط لتغيير محتمل من الخارج بعدما ابتعدت السلطة عن الشفافية في تسييرها للشأن العام، وتمسكت بالعيش على تركة الماضي، ورفض التداول السلمي على الحكم، وقيدت الحريات العامة وهمشت الكفاءات الوطنية وهيمنت على السلطات الثلاث (القضائية والتشريعية والتنفيذية) لصالح أقلية في نظام الحكم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.