بعد استشهاد السنوار.. ما خطط نتنياهو في غزة؟

السنوار ونتنياهو
السنوار ونتنياهو
نتنياهو وضع اغتيال السنوار أحد أهداف الحرب على غزة (الجزيرة)
نتنياهو وضع اغتيال السنوار أحد أهداف الحرب على غزة (الجزيرة)

وفق التحليلات الإسرائيلية، يمنح استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار "صورة النصر" الذي كان يبحث عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في غزة، وهو ما حدا بكل الأطراف إلى أن انتظار تلميح بوقف عدوانه على القطاع وتصعيده في لبنان والشرق الأوسط.

وقد التقطت الإدارة الأميركية مسألة تصفية السنوار -بالكثير من الاحتفاء والمبالغة- لإقناع نتنياهو بأنه "صورة النصر" التي كان يبحث عنها للإعلان عن وقف الحرب، وأنه يتعين عليه الآن استغلال اللحظة من أجل استعادة ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس عبر إحياء المفاوضات لوقف إطلاق النار وإبرام صفقة لتبادل الأسرى.

ويسعى جو بايدن لإنهاء أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض، وتحت ضغط اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، لتوظيف إنجاز وقف لإطلاق النار -لم يمنحه له نتنياهو- من شأنه أن يعطي نائبته كامالا هاريس نقاطا في حملتها بمواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

واعتبر ناحوم برنياع المحلل السياسي بصحيفة يديعوت أحرونوت (عدد 18 أكتوبر/تشرين الأول) أن عملية اغتيال يحيى السنوار ومن قبله حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله "يستحقان تسجيلهما على أنهما ذروة الحرب، وهناك شك ما إذا كانت هناك إنجازات أكبر من هذه قد تتحقق في المستقبل" معتبرا أن تلك تعد النقطة الصحيحة -بحسبه- لبدء عملية دبلوماسية.

لكن توقعات البعض بأن يبدي رئيس الوزراء الإسرائيلي مرونة أو إيحاء في اتجاه العمل على تسوية أو تهدئة لم تكن صائبة، فقد أثبت نتنياهو أن مصلحته ليست في أي تسوية سياسية، بل "الحرب المستمرة" وفق محللين إسرائيليين.

السنوار استشهد خلال مواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي برفح (الجزيرة)

الإستراتيجية الغائبة

وفي تصريحه الأول عقب اغتيال السنوار، لم يكن نتنياهو في عجلة من أمره، وأبقى خياراته مفتوحة قائلا إن "الحرب لم تنتهِ" مشيرا إلى أن الوصول إلى السنوار واغتياله يمثل نجاحا لإستراتيجيته في وجه الضغوط التي كانت مسلطة عليه، وفق تقديره.

ورغم أن عملية اغتيال السنوار والوصول إلى مكانه كانت صدفة، حسب ما اتضح من المعلومات الإسرائيلية، قال نتنياهو "الآن بات واضحا للجميع، في إسرائيل وفي العالم، لماذا أصررنا على عدم وقف الحرب.. ولماذا أصررنا برغم كل الضغوط على دخول رفح حيث قتل السنوار".

ولم يبعث نتنياهو في تصريحاته بإشارة "طمأنة" لحليفه الأميركي الباحث أيضا عن "صورة نصر" يوظفه في معركة الانتخابات الرئاسية الطاحنة، ولا للرأي العام الإسرائيلي أو أهالي المحتجزين، وهو ما يشير إلى أنه يفتقر لإستراتيجية خروج من الحرب، نظرا لصعوبة وضبابية مفهوم "النصر المطلق" الذي يبحث عنه.

وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي ألون بينكاس في صحيفة هآرتس الإسرائيلية (عدد 18 أكتوبر/تشرين الأول) إن من عجيب المفارقات أن قتل السنوار الذي طال انتظاره "يكشف عن غياب أي خطة أو أفكار سياسية إسرائيلية متماسكة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة"

ويرى بينكاس أنه "لهذا السبب لن تنتهي الحرب في أي وقت قريب ما لم يحدث استسلام جماعي من جانب حماس في الأيام والأسابيع المقبلة" وهو أمر لم يكن قابلا للتنفيذ ولن يكون كذلك، كما أن حماس على لسان خليل الحية عضو المكتب السياسي ونائب رئيسها الراحل أكدت الاستمرار في ثوابتها العسكرية والسياسية.

وقال الحية ناعيا السنوار "نقول للمتباكين على أسرى الاحتلال لدى المقاومة إن هؤلاء الأسرى لن يعودوا لكم إلا بوقف العدوان على شعبنا في غزة والانسحاب الكامل منها وخروج الأسرى الأبطال من سجون الاحتلال".

ويفسر نتنياهو رحيل السنوار بأنه ورقة ضغط جديدة اكتسبها في مواجهة حماس -وكذلك المجتمع الدولي- قد تحقق له مزيدا من الإنجازات التكتيكية ضمن رؤيته لما يسميه "الشرق الأوسط الجديد" الذي يريد تشكيله بفائض من النزوع إلى الحرب، وإسقاط كل مبادرات التهدئة.

وقد جاء استشهاد السنوار بعد أيام من إطلاق جيش الاحتلال عملية واسعة في مخيم جباليا شمال القطاع ضمن ما يعرف بـ"خطة الجنرالات" التي تهدف إلى إخلاء شمال القطاع من سكانه وإقامة حزام أمني دائم تمهيداً لاستئناف الاستيطان والعودة عمليا إلى الوضع الذي كان قائما قبل عام 2005.

كما يأتي استشهاد السنوار أيضا مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على لبنان ومحاولات التوغل البري في جنوبه، حيث تحولت عناوينه إسرائيليا من إعادة مستوطني الشمال، إلى احتلال عمق 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، ومن ثم تغيير التوازنات في الشرق الأوسط برمته وإيجاد وضع إستراتيجي جديد.

ويمكن بالتالي فهم سياسات نتنياهو في غزة، والتي من المرجح ألا يوافق على أي وقف لإطلاق النار فيها، ضمن الترتيبات التي يريدها للمنطقة ككل، مستغلا الإنجازات التكتيكية التي حققها، ومتغاضيا عن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل في حرب طويلة لم تعهدها.

ولا يفصل نتنياهو بين ما يجري في غزة والاستعدادات لشن ضربة عسكرية ضد إيران، ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية فإن القرار الذي قد يتخذه نتنياهو، سواء بالتوجه إلى وقف الحرب أو المضي بها، وهو المرجح وفق تقديرها "سيتوقف عليه مصير الحرب الأوسع في الشرق الأوسط، ومصير الرهائن، ومصير العلاقات المتوترة بين إسرائيل والعالم، ومصير نتنياهو نفسه". وهو ما يحسب له نتنياهو حسابا أكثر من غيره.

نتنياهو أكد بخطابه بعد اغتيال السنوار أن الحرب مستمرة (الجزيرة)

السير في المأزق نفسه

يرجح معظم المحللين الإسرائيليين أن نتنياهو لن يلتقط "تصفية السنوار" للنزول من أعلى الشجرة التي تسلقها، فالحرب في غزة باتت ضمن جبهات متعددة يراها مرتبطة، كما أنه وضع الحرب في إطار "صراع وجود" ومع مزيج من "الغطرسة الشخصية" ومخاوف على مستقبله السياسي بأن ينتهي به الأمر في السجن.

وفي مقال له، يخاطب الكاتب يوسي فيرتر الجمهور الإسرائيلي بقوله "إذا كنت تتوقع من نتنياهو أن يظهر بعض الشجاعة، وأن يرتفع فوق نفسه ويعلن أنه يخطط لتقديم مخطط لتحقيق وقف إطلاق النار، وتحرير الرهائن، ونقل السيطرة في غزة، فاعلم أنك مخطئ".

وعلى الرغم من أن ما يسميه معلقون إسرائيليون "شهر الانتصارات" قد زاد من شعبيته، تظهر استطلاعات الرأي أن نتنياهو سيخسر الانتخابات في حال أجريت اليوم، كما يشُك بأن اتخاذه قرارا بوقف النار سيساعده في زيادة شعبيته مع رفض أطراف حكومته اليمينية المتطرفة هذا التوجه.

وحتى الآن يرفض الوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أي وقف للنار على أي جبهة من الجبهات، ويهددان بإسقاط الائتلاف الحاكم إذا ذهب نتنياهو إلى أي صفقة من هذا النوع.

كما ترفض شريحة واسعة من القاعدة الانتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي وقف النار، بقطع النظر عن مصير المحتجزين الإسرائيليين في غزة. ولن تقبل حماس من جهتها بأي طرح إسرائيلي لا يتوافق مع شروطها التي طرحتها قبل استشهاد رئيسها السنوار.

ومن غير المتوقع أن يُفقد غياب السنوار حركة حماس القدرة على الصمود وإدارة المعارك والمفاوضات، واعتبر مستشار الأمن الإسرائيلي السابق ياكوف عميدرور أن حماس "لا تزال من القوة بحيث أنها قادرة القتال لسنة أخرى بالقطاع" وبالتالي لن يتوقف مستقبل القطاع فقط على رهانات نتنياهو وحساباته.

ومن واقع عام من العدوان والمجازر الإسرائيلية الدامية على غزة، كان توجه نتنياهو هو "الخداع والمراوغة" -وفق الكاتب يوسي فيرتر- والتراجع عن كل الاتفاقات وإفشال صفقات الأسرى التي تمت برعاية قطرية ومصرية وأميركية، متبنيا سردية "النصر المطلق" التي مازالت حاضرة في رهاناته.

وفي غياب الرادع والضغوط الدولية، لا يبدو أن نتنياهو يسعى لإيقاف الحرب على غزة -وأي من الجبهات الأخرى- أو إتمام صفقة أسرى وتسوية سياسية لأن ذلك يتطلب التفكير الإستراتيجي والحنكة السياسية، بحسب الكاتب ألون بينكاس "فمن المشكوك فيه أن نتنياهو يتمتع بأي من هاتين الصفتين".

المصدر : الجزيرة