ما الذي نعرفه عن الحريق الكارثي في جزيرة ماوي بأرخبيل هاواي؟
واصلت هاواي اليوم السبت إحصاء ضحايا الحرائق الكارثية التي حولت إحداها مدينة تاريخية سياحية في جزيرة ماوي إلى رماد، ويوشك أن يصبح ذلك أسوأ كارثة طبيعية في التاريخ الحديث للأرخبيل الأميركي.
وارتفع عدد قتلى الحريق إلى 80 شخصا اليوم بعد تمشيط فرق البحث أطلال منتجع لاهاينا، في حين تستعين فرق الإنقاذ بكلاب مدربة على البحث عن الجثث وسط توقعات بالعثور على مزيد من ضحايا الحرائق التي أتت على ألف مبنى وشردت الآلاف.
وقبل أيام، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن هاواي منطقة كارثة طبيعية، مفرجا عن مساعدات فدرالية لجزيرة ماوي لتمويل أعمال الإغاثة والإيواء الفوري وجهود إعادة الإعمار.
وفي ما يلي نحاول أن نسرد ما نعرفه عن هذا الحريق الذي باغت العديد من السكان على حين غرّة.
كيف بدأت الحرائق؟
كان جزء كبير من أرخبيل هاواي في حالة إنذار قصوى (اللون الأحمر) من خطر اندلاع حرائق عندما استعرت حرائق متعددة الثلاثاء، لكنّ سبب اشتعال هذه النيران لا يزال مجهولا.
ومساء الأربعاء، قال قائد القوات العسكرية في الأرخبيل الأميركي الميجر-جنرال كينيث هارا، إن السلطات "لم تتمكّن من تحديد سبب اندلاع الحرائق".
وفتحت السلطات تحقيقا لجلاء سبب اندلاع الحرائق وطريقة تعامل الإدارات المعنية مع هذه الكارثة.
وفيما يخص الحريق الذي أتى بالكامل تقريبا على مدينة لاهاينا التاريخية، فقد اندلعت النيران فجر الثلاثاء.
ووفق سلطات مقاطعة ماوي فقد تمّ في الساعة 6:37 صباحا الإبلاغ عن اندلاع "حريق أحراج".
وسرعان ما أعلنت السلطات أنّ الحريق تمّت السيطرة عليه بنسبة 100% بُعيد الساعة التاسعة صباحا، لكن النيران ما لبثت أن خرجت عن السيطرة عصرا واستعر الحريق مجددا.
وكانت هناك حرائق أخرى مندلعة في أمكنة أخرى في ماوي وقد انتشرت النيران بسرعة كبيرة.
وباغتت النيران العديد من سكان لاهاينا، ومن بين هؤلاء حوالي 100 شخص ألقوا أنفسهم في مياه البحر هربا من ألسنة النيران، وفقا لخفر السواحل.
سوء إدارة للأزمة
وأسفر حريق لاهاينا عن مقتل 80 شخصا على الأقلّ، وبذلك يصبح إحدى أسوأ الكوارث الطبيعية في أرخبيل هاواي منذ الستينيات. وهذه الحصيلة غير نهائية ومن المرجح أن ترتفع أكثر.
ولم يستفق السكان بعد من صدمة هول الكارثة وسرعة حصولها.
وقالت ساري كروز (28 عاما) للفرنسية "رأينا الدخان من بعيد. بحلول الوقت الذي دخلنا فيه إلى المنزل -دقيقة أو دقيقتان- كان الدخان الأسود قد بدأ يتسلل إلى منزلنا".
وأضافت "لذلك كان علينا أن نسرع، أخذنا ما استطعنا، الأشياء الأكثر أهمية، وركضنا. ركبنا السيارة ورأينا ألسنة اللهب تلتهم منزل جارنا. كان منزلهم قد بدأ يحترق".
وتبدو العاصمة السابقة لمملكة هاواي كأنها حقل أنقاض متفحمة، فقد دُمرت مدينة لاهاينا بنسبة 80%، وفقا لحاكم الأرخبيل جوش غرين.
وبدأت الأسئلة تتكاثر حول إدارة السلطات لهذه الأزمة.
وأكد غرين لشبكة "سي إن إن" المتحدّث باسم الوكالة المسؤولة عن إدارة الأزمات في هاواي أن صفّارات الإنذار التي كان من المفترض أن تنذر السكان حال نشوب حريق؛ لم تعمل.
ما سبب سرعة انتشار النيران؟
تآمرت على لاهاينا عوامل عدة أججت ألسنة اللهب وساهمت في سرعة انتشار النيران، وفي مقدمتها سرعة الرياح التي كانت تهب على المدينة والتي تجاوزت 100 كيلومتر في الساعة، وفقا لهيئة الأرصاد الجوية الأميركية.
ونجمت هذه الرياح بشكل خاص عن "دورا"، وهو إعصار من الفئة الرابعة كان يعصف في مياه المحيط الهادي على بُعد مئات الكيلومترات جنوبا.
كذلك فإن تضاريس ماوي -وهي جزيرة فيها بركانان وعدد من الجبال في وسطها وخط ساحلي مسطح إلى حد ما- لعبت دورا في سرعة انتشار النيران.
ويوضح أستاذ الجغرافيا البيئية في كلية لندن للاقتصاد توماس سميث، أن العواصف الآتية من المحيط تحوّلت إلى "رياح انحدارية" اندفعت من أعلى منحدرات الجزيرة نحو المدينة الواقعة أسفلها على الخط الساحلي.
وعادة ما تكون هذه الرياح الانحدارية "جافة وساخنة"؛ مما يقلل من رطوبة الغطاء النباتي ويجعل الحرائق "أكثر حدة".
كذلك فإن الجزيرة كانت على استعداد لأن تشتعل فيها النيران لسببين:
أولا، بسبب سنة كان فيها معدل الأمطار أقل من المعتاد، إذ إن الجزء الغربي من ماوي، حيث تقع لاهاينا، يعاني حاليا من جفاف "شديد" إلى "معتدل"، وفقا لمرصد الجفاف الأميركي.
وثانيا، بسبب تراجع الزراعة في الجزيرة منذ التسعينيات، وفقا لكلاي تراورنيخت، الاختصاصي في الحرائق في جامعة هاواي.
وقال الخبير في تغريدة إنّ الحقول المشذبة التي كان بإمكانها أن تبطئ تقدم النيران تم استبدالها بـ"مساحات شاسعة من نباتات غير محلية تُركت تنمو على هواها".
هل من دور للتغيّر المناخي؟
إذا كان صعبا على العلماء أن يعزوا حدثا معينا إلى ظاهرة التغير المناخي، فإنهم يشيرون باستمرار إلى أن الاحتباس الحراري يزيد من تواتر الأحداث المناخية المتطرفة.
وشهد العالم مؤخرا شهر يوليو/تموز الأكثر حرا على الإطلاق.
ويقول يادفيندر مالهي أستاذ علوم النظام البيئي في جامعة أكسفورد، إن "تغير المناخ يتسبب في كل مكان في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، بحيث إن الحرائق التي كانت معتدلة قبل بضعة عقود تصبح اليوم أكثر حدة".