فورين بوليسي: السلام الاقتصادي مع إسرائيل لن يقيل عثرات الفلسطينيين

غزة/الجزيرة/ صور للشباب المشاركين في المبادرة
جانب من الدمار الذي ألحقه القصف الإسرائيلي بالأحياء السكنية في غزة (الجزيرة)

انتقد خبير اقتصادي دولي في مقال بمجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية رد فعل المجتمع الدولي على تداعيات الحرب التي شنتها إسرائيل مؤخرا على قطاع غزة وخلفت مئات الشهداء الفلسطينيين وآلاف الجرحى، وتسببت في دمار عدد كبير من المباني.

وأكد إبراهيم الشقاقي -الذي يعمل أستاذا مساعدا في قسم الاقتصاد بكلية ترينيتي (Trinity College) بولاية كونيتيكت- في مقاله أن استجابة المجتمع الدولي الحالية تركزت، كما حدث في السابق، على تنظيم حملة لتقديم مساعدات إنسانية وإعادة بناء قطاع غزة.

وقال إن الإخفاق في معالجة الواقع السياسي والاقتصادي الذي يعيشه سكان القطاع المحاصر لن يؤدي إلا لتكريس الوضع الراهن للاحتلال الإسرائيلي، كما سيؤدي على الأرجح إلى مزيد من العنف.

ويرى الخبير الدولي أن التعاطي مع ذلك الواقع بالتشجيع على إقامة علاقات اقتصادية بين إسرائيل وفلسطين -حسبما بات شائعا في العواصم الغربية مؤخرا- ليس هو الحل.

فمثل هذه المقاربة -بحسب الشقاقي- من شأنها أن تفاقم اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على عائدات الأيدي الفلسطينية العاملة في إسرائيل وعلى أسواق السلع.

وينصح الكاتب الأطراف الدولية بأن تعمل على بناء اقتصاد فلسطيني مستقل وأن تضغط في الوقت نفسه على إسرائيل لوضع حد لاحتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية وحصارها المدمِّر لغزة، عوضا عن تكريس الوضع الراهن.

إعلان

نظرية السلام الاقتصادي المعيبة

وأشار أستاذ الاقتصاد إلى أن ما يسميها "خطط السلام الاقتصادي" المتعلقة بإسرائيل وفلسطين ما انفكت تُطرح في كل مكان بدءا من  خطة وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري في 2013، وخطة جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في 2019، وانتهاءً بتقارير مؤسسات من قبيل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الداعية إلى علاقات اقتصادية دون عوائق بين شركات القطاع الخاص الفلسطيني والإسرائيلي.

وتقع تلك المقترحات تحت مظلة "السلام الاقتصادي"، وهي نظرية معيبة تفترض وجود حل اقتصادي لأي مشكلة سياسية. بمعنى آخر، هناك اعتقاد سائد وسط من يُسمَّون "خبراء" بأن الحوافز الاقتصادية سوف تثني الفلسطينيين عن المطالبة بحقهم في تقرير المصير.

وقال الشقاقي إن الدبلوماسيين الأجانب يسوقون حججا بأن الصراع السياسي الفلسطيني الإسرائيلي -ويقصدون به احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية- يعيق إقامة علاقات اقتصادية أقوى بين الجانبين.

فإذا ما اختفى هذا الصراع على حين غرة -كما يجادل أولئك الدبلوماسيون- فلا بد حينها من تعاون اقتصادي كامل وفتح للحدود. وتستند هذه المقولة بوجه خاص على فرضية أنه في ظل وجود اقتصادين متجاورين وعلاقات اقتصادية مفتوحة بينهما فستكون لذلك آثار إيجابية على الاقتصاد الأصغر حجما (في هذه الحالة، الاقتصاد الفلسطيني)، ومن بينها -ودون أن يقتصر عليها- نقل التكنولوجيا والخبرات الفنية. ونتيجة لذلك، سيتعين على الاقتصادين البدء بالتقارب فيما بينهما.

ويرى الخبير الاقتصادي الدولي أن هذا الإطار النظري يفترض "زورا" وجود تكافؤ سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتيح إدارة العلاقة التفاعلية "غير المتماثلة بشكل صارخ" بين الشعبين.

خلل وتبعية

غير أن كاتب المقال يشدد على أن الـ50 سنة الماضية لم تجلب تقاربا بين فلسطين وإسرائيل. فمن حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تجاوز الاقتصاد الإسرائيلي نظيره الفلسطيني بمقدار الضعف في عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة. أما اليوم، فقد زادت الهوة بينهما بأكثر من 11 ضعفا.

إعلان

ثم إن التقارب الجغرافي بين إسرائيل وفلسطين تسبب في "أسوأ" صيغ التبعية الاقتصادية التي يمكن تخيلها، فلطالما كان الاقتصاد الفلسطيني طيلة العقود المنصرمة محبوسا في دوامة من التخلف إذ ظل عاجزا عن بناء قاعدة إنتاجية قوية في قطاعي التصنيع والزراعة، وارتفع العجز التجاري بشكل مذهل، وبقي معتمدا على تصدير العمالة إلى إسرائيل وعلى أسواق السلع.

وفي مرحلة من المراحل خلال الـ50 سنة الماضية، تراوح إجمالي القوى العاملة الفلسطينية في إسرائيل ما بين 15% و40%، بل إن مزيدا من العمال الفلسطينيين اشتغلوا لصالح الاقتصاد الإسرائيلي بعملهم في الأراضي المحتلة عبر عقود من الباطن.

كما جرت عمليات تبادل تجاري مع الاقتصاد الإسرائيلي حيث بلغت نسبتها ما بين 70 إلى 80% من إجمالي البضائع الصادرة والواردة خلال الفترة ذاتها.

وبالمقابل، استفاد الاقتصاد الإسرائيلي من العمالة الفلسطينية في ضمان تكلفة إنتاج منخفضة بينما فُتحت الأسواق الفلسطينية لمنتجاتها.

وبحسب الكاتب لم يتغير الحال كثيرا منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994 بموجب اتفاقية السلام التي وُقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في العاصمة النرويجية أوسلو. بل إن أنماطا جديدة من التبعية برزت إلى حيز الوجود عبر المعونات الدولية والدَّين الخاص.

لا حل في ظل الاحتلال

وبرأي مقال فورين بوليسي للشقاقي، فإن ديناميكيات تلك التبعية لم تقتصر على عرقلة نمو العمالة وأسواق السلع الفلسطينية، إنما عملت على تشويه بنية القطاعات الاقتصادية الفلسطينية.

وإذا ما استمر المجتمع الدولي في إغفاله للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي فإن الوضع السياسي الراهن سيبقى على حاله، مما سيجعل من الصعوبة بمكان تصور حل سياسي قابل للتطبيق للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو لمستقبل يحظى فيه الاقتصاد الفلسطيني باستقلالية مستدامة.

إعلان

أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن ذلك يعني أن الملايين منهم سيظلون يعانون من أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية إلى جانب احتلال عسكري جائر يتحكم في كل مناحي حياتهم اليومية، على حد تعبير الشقاقي.

وينصح الكاتب المجتمع الدولي بتوجيه مساعداته لدعم المزارعين والصناعيين الفلسطينيين في المناطق التي تواجه خطر الضم وذلك بالضغط على إسرائيل لتسهيل إصدار التراخص في المنطقة (ج) بالضفة الغربية التي تقع تحت إدارتها وتشكل زهاء 60% من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويختتم بأن من شأن سياسات من هذا القبيل أن تدعم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني برفع قدرته على استيعاب العمالة التي بلغت مستويات غير محتملة من البطالة.

المصدر : فورين بوليسي

إعلان