عراقيون من أصل أفريقي.. تعرف على قصة الأفروعراقيين وأبرز مشاكلهم؟
![](/wp-content/uploads/2020/12/8-3.jpg?resize=770%2C513&quality=80)
يعود الوجود الأفريقي في العراق إلى العصر العباسي، عندما جاء بعض المهاجرين الأفارقة إلى المنطقة، وكانوا بحّارة أو عمالا أو مزارعين، إضافة إلى العبيد والجنود.
وينتشر الأفروعراقيون في مناطق عراقية عدة أبرزها البصرة وميسان وذي قار جنوبي البلاد، كما توجد تجمعات قليلة لهم في بغداد وواسط ومدن أخرى.
ورغم الظروف القاسية التي مرت بهم، حافظ أفارقة العراق على عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم الثقافي والموسيقي.
![](/wp-content/uploads/2020/12/4-9.jpg?w=770&resize=770%2C513)
أصول أفريقية
ترجع أصول أفارقة العراق إلى القبائل المنحدرة من بلدان القارة شرقا، مثلا بلاد النوبة وزنجبار والمناطق الساحلية القريبة من البحر العربي، بحسب عبد الحسين عبد الرزاق رئيس تجمع أبناء البشرة السمراء.
وأضاف للجزيرة نت أنهم استقدموا للعراق منذ أكثر من 1400 سنة، بداية الفتح الإسلامي، على يد القائد عتبة بن غزوان الذي مهّد الطريق لاستقدام الأفارقة من بلدانهم بواسطة وسائل كثيرة، وأسكنوهم في مناطق جنوبي البلاد، خصوصا منطقة البطحاء في البصرة، مؤكدا أن أصحاب البشرة السمراء في العراق أفارقة قطعا.
وحول تسميتهم، يقول سعد سلوم الخبير في شؤون التنوع في العراق أن تسمية أصحاب البشرة السمراء يحبذها الأفروعراقيون ويطلقونها على أنفسهم، لكي يتجنبوا تسميات أخرى فيها تمييز على أساس اللون مثل الأسود أو الزنجي أو غيرها من التسميات.
وخلال حديثه للجزيرة نت، يقدر سلوم أعدادهم في العراق بين 250 ألفا و400 ألف نسمة، بناء على عملية تخمينية أجراها مع ناشطين من السود عام 2013.
ويبين سلوم -مؤسس معهد دراسات التنوع الديني في بغداد- أن أي إحصائية لأي مكون في العراق مجرد افتراضات، وعادة تميل الجماعات إلى تضخيم أرقامها.
ومن جانبه يعتقد عبد الرزاق أن أعدادهم تتجاوز مليون ونصف المليون نسمة، رغم عدم وجود إحصائيات رسمية تؤكد هذه التقديرات.
ويضيف أن الأفارقة جاؤوا إلى العراق عن طريق تجارة الرق، حيث كانت هناك أسواق لتجارة الرقيق والعبيد في مدن عربية عدة منها البصرة جنوبي العراق.
ويؤكد الخبير في شؤون التنوع بالعراق أنهم بداية مجيئهم إلى العراق لم يكونوا مسلمين، وكانت لهم معتقدات دينية وعبادات خاصة، بحسب سلوم.
ولا يعتقد سلوم أن القوات البريطانية استخدمت الأفارقة مرتزقة خلال احتلالها البصرة، لافتا إلى أنهم كانوا يعملون في تجفيف الأهوار وفي الزراعة، وكذلك يُستخدمون في النزاعات العشائرية.
![](/wp-content/uploads/2020/12/5-5.jpg?w=770&resize=770%2C513)
أوضاعهم الاجتماعية
يعاني معظم أصحاب البشرة السمراء من سوء المعيشة، ويمكن أن يكونوا تحت خط الفقر، كما أن نسبة التعليم بينهم لا تتجاوز 25%، ويسكنون في التجاوزات والمناطق الشعبية الرديئة الخدمات، كما يقول عبد الكريم خميس المالكي رئيس مجلس بلدي منطقة نظران -التي تضم أغلبية من الأفروعراقيين- بالبصرة القديمة.
وفي السياق ذاته، يقول ماجد الخالدي، وهو ناشط مدني وأحد أعضاء تجمع أبناء البشرة السمراء، إن مستواهم المستوى المعيشي متردٍ جدا، حيث هناك 75% منهم يسكنون في بيوت من صفيح.
وبالعودة لعبد الرزاق، يشير إلى أن الظروف التي مر بها أفارقة العراق جعلتهم الأكثر عرضة للأمراض الاجتماعية والسياسية.
ويبدي أسفه لكونهم ما زالوا أتباعا ولم يكونوا بارزين في المجتمع، لأسباب تتعلق بالنظرة الدونية.
أما بالنسبة للأعمال والمهن التي يزاولونها، فيقول عبد الرزاق إنها عادة أعمال خدمية، إما كشرطي أو جندي أو عامل نظافة أو سائق عجلة، أو العمل في المزارع أو خدم في دواوين الشيوخ.
ويستدرك بالقول: هناك عدد قليل منهم وصلوا بمواقع متقدمة، منهم دكتور كريم عبودي الذي كان عميد كلية الفنون الجميلة، أو مهندس بدر الذي كان مدير التخطيط العمراني، أو المحقق العدلي صباح جبر سوادي في الزبير، وهؤلاء قلة ولا يعتبرون شاهدا على أن أصحاب البشرة السمراء لهم شأنهم في البصرة خاصة والعراق عامة.
![](/wp-content/uploads/2020/12/6-7.jpg?w=770&resize=770%2C513)
طقوس وتقاليد
يتميز أفارقة العراق بطقوس أسبوعية أو مناسبات يمارسون فيها تلك الطقوس في بيوت تسمى "المكايد" كما يقول المالكي للجزيرة نت.
ويبين أن هذه المكايد توجد للعلاج فقط وهي مدرسة لأصحاب البشرة السمراء في المحبة والمودة والاحترام، على حد تعبيره.
والمكايد هي معابد، لكنها تختلف عن المساجد الإسلامية المعروفة، لأنها تمزج الموسيقى بالطقوس الدينية، وفيها ما يختلف اختلافا جذريا عن تركيبة المجتمع الإسلامي، بحسب عبد الرزاق.
ويتابع، إن أبرز ما يميز أفارقة العراق، هو اهتمامهم الكبير بالفنون أو الرياضة عموما، حيث مارسوا الرياضة وأحرزوا البطولات، خاصة بمجال الملاكمة والمصارعة وكرة القدم، وهنالك شواهد كثيرة على هذا القول.
ويلفت إلى وجود بعض التقاليد التي تأخذ طابع ديني موروث عن الأسلاف القدامى، لكن هذه التقاليد تكاد تكون محصورة بعائلات قليلة في البصرة أو في العراق.
ويعتقد أن أكثر السمر لا يعرفون عن هذه التقاليد لأنهم اندمجوا بالمجتمع العربي وأخذوا عنهم تقاليدهم، ولذلك لا نستطيع تمييز تقاليد السمر عن تقاليد العرب والمسلمين.
![](/wp-content/uploads/2020/12/2-23.jpg?w=770&resize=770%2C513)
اندماج وانصهار ثقافي
وحول اللهجة المستخدمة فيما بينهم، فيشير رئيس تجمع أبناء البشرة السمراء إلى اندثار لهجتهم الخاصة رغم بقاء بعض المفردات من الموروث القديم، لكن لم تشكل لهجة أو لغة.
ويعزو السبب إلى الاندماج مع المجتمع والتقاليد العربية، وانصهار الثقافة، والعقلية، مما حال دون أن تستمر هذه اللهجة إلا ما ندر، لكن بقيت اللكنة الموجودة "تذكّرنا بالتاريخ القديم" كما يضيف عبد الرزاق.
ويرجّح أن معظم الفنون البصرية، بما فيها الغناء والرقص والعزف على الآلات الموسيقية، من موروثات أفارقة العراق.
ويعود سلوم، بالقول إن هوية الأفروعراقيين المميزة ذابت بسبب وجودهم في كنف العشائر العربية المسلمة جنوب العراق، وارتباطهم بموروثها الشعبي، واتباعهم معتقداتها الدينية ومذاهبها وأعرافها.
حقوق ضائعة
ويطالب أفارقة العراق بممثلين عنهم في البرلمان، ويطمحون في الوصول إلى مناصب مرموقة في الدولة، بحسب عبد الرزاق، موضحا أن الظروف التي يمرون بها تحول دون تحقيق هذه المطالب.
وعلى المستوى الاقتصادي، يقول عبد الرزاق أن أكثر الأفارقة العراقيين يعانون شح الموارد وظروفا معيشية صعبة.
ويحذر من أن وجود فئة اجتماعية غير فعالة للمجتمع يعرّض الدولة لخسارة طاقات بشرية، ويلفت إلى أن نصف المجتمع العراقي اليوم مجمدة طاقاتهم، ومنهم السود، وعلى الدولة أن تستثمر هذه الطاقات وتفعلها.
وفي سياق متصل، يشير سلوم إلى حركة جلال ذياب في البصرة للمطالبة بحقوق الأفروعراقيين، والتي كادت أن تتحول إلى ثورة اجتماعية ضد التمييز العنصري، قبل أن يتم إسكاته بالرصاص عام 2013.
ويبيّن أن أبرز مطالب الحركة كانت شمولهم بنظام الكوتا (الحصص النسبية للأقليات) أسوة بغيرهم من الأقليات، سواء على صعيد البرلمان الوطني أو الحكومات المحلية.
![الخالدي أكد أن المستوى المعيشي لأصحاب البشرة السمراء متردٍ جدا - الجزيرة نت](/wp-content/uploads/2020/12/3-11.jpg?w=770&resize=770%2C513)
ثورة الزنج
انطلقت ثورة الزنج بسبب الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، بحسب الخالدي، الذي وصفها بأنها كانت من أشهر الثورات ضد الخلافة العباسية، وحدثت بين عامي 255 و270هـ، في مدينة البصرة، واستمرت أكثر من 14 عاما، وكانت ضد الجوع والحرمان.
ويفيد عبد الرزاق بأن ثورة الزنج الثالثة التي قام بها الزنوج بالعراق، ضد الدولتين الأموية والعباسية، حيث إن الأولى حدثت عام 67هـ، خلال ولاية مصعب بن الزبير على العراق.
أما الثورة الثانية -بحسب عبد الرزاق- فوقعت أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، عام 75 هـ، قادها رجل يدعى شير زنجي، ومعناها أسد الزنج في لغة الزنج.
واندلعت ثورة الزنج الثالثة عام 868م – 255هـ، وكانت الأخطر، حيث شهدت معارك شديدة جدا، واحتل الزنج البصرة بكل ضواحيها والمناطق التابعة لها، وامتد نفوذهم حتى وصل واسط (الكوت) والأهواز، ووصلت حتى البحرين، على حد قول عبد الرزاق.