"حكومتها مدنية" تثير جدلا بالدستور المصري


أنس زكي-القاهرة
اعتقد البعض أن الانتهاء من إعداد الدستور الجديد في مصر سيضع نهاية للجدل بشأنه، لكن المثير أن أحدث حلقات الجدل تركزت على عبارة صوت عليها أعضاء لجنة الخمسين، ثم عُدلت صياغتها على لسان رئيس اللجنة عمرو موسى لتستقر على شكلها الحالي، رغم بعض الاعتراضات من جانب الأعضاء.
وكانت البداية من أحد ممثلي الكنيسة في لجنة الدستور، الذي فاجأ الجميع باتهام رئيس اللجنة بالتعديل في عبارة وافق عليها الأعضاء، وتنص على أن مصر دولة "حكمها مدني" لتصبح "دولة حكومتها مدنية"، ثم تحدثت وسائل الإعلام عما وصفته بحالة استياء في أوساط الكنيسة عقب هذا التعديل.
ومن جانبه، اعتبر موسى أن العبارتين متشابهتان، ووافقه في ذلك المتحدث باسم اللجنة محمد سلماوي، الذي قال إنه لا يوجد فارق بين الصياغتين، مؤكدا أن ما سيتم الأخذ به هو التصويت النهائي الذي شهد الموافقة على الديباجة وبها العبارة كما قرأها موسى، أي "نحن الآن نكتب دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية".
وبدورها قللت حركة تمرد من أهمية التغيير، وقال القيادي فيها محمد عبد العزيز -وهو عضو في لجنة الخمسين- إنه لا يوجد فارق بين العبارتين، مضيفا أن مدنية الدولة مضمونة بنصوص الدستور، وأن التخوف من قدوم رئيس له خلفية دينية في غير محله.

إرضاء "النور"
وسرعان ما تكشف أن الأمر له علاقة بجدل مواد الهوية الذي أثاره حزب النور ذو التوجه السلفي، حيث قال رئيس الحزب المصري الديمقراطي محمد أبو الغار -وهو عضو في لجنة الخمسين- إن التغيير من "حكمها مدني" إلى "حكومتها مدنية" جاء لإرضاء حزب النور حتى يصوت بـ"نعم" للدستور.
وكان حزب النور قد شارك في لجنة الدستور بعدما كان جزءا من الخريطة السياسية الجديدة التي أعلنها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو/تموز الماضي، وشملت تعليق دستور 2012 الذي وافق عليه نحو ثلثي المصريين في استفتاء شعبي، إضافة إلى عزل الرئيس محمد مرسي الذي وصل إلى منصبه عبر انتخابات ديمقراطية حرة.
لكن خبيرا قانونيا قال إن عبارة "حكومتها مدنية" الواردة في ديباجة الدستور ستثير مشكلات دستورية وقانونية في التطبيق العملي، لأنها تتعارض مع السياق العام لمواد الدستور.
وأوضح الرئيس في محكمة استئناف القاهرة المستشار أحمد الخطيب أن النص على مدنية الحكومة يتعارض مع ما نص عليه الدستور المعدل من اختيار وزير الدفاع من بين ضباط القوات المسلحة، كما يمكن أن يتعارض مع وجود منصب وزير الأوقاف ذي الطبيعة الدينية.
وأضاف الخطيب -في حديث للجزيرة نت- أن الديباجة هي جزء لا يتجزأ من الدستور الذي سيخضع للاستفتاء الشعبي، وبالتالي فإنها ستكتسب حجية حال الموافقة على الدستور من جانب أغلبية المشاركين في الاستفتاء، وهو ما يعني أن على الرئيس المؤقت عدلي منصور أن ينظر سريعا في كيفية معالجة هذا الموقف لتجنب مشكلات مستقبلية.

إعلان مكمل
ويرى الخطيب أنه لم يعد ممكنا إعادة مسودة الدستور إلى لجنة الخمسين بعد أن وافقت عليها بشكل نهائي وسلمتها للرئيس المؤقت، ويبقى الحل من وجهة نظره في أن يصدر منصور إعلانا دستوريا مكملا تتوافق عليه القوى الوطنية يمنحه الحق في مراجعة الصياغة القانونية والمهنية للدستور تفاديا للأزمات المحتملة.
وكان الناشط السياسي والقيادي في الحزب المصري الديمقراطي زياد العليمي قد ذهب في اتجاه مماثل، وكتب على حسابه بموقع تويتر أن عبارة "حكومتها مدنية" تعني أن يكون كافة أعضاء الحكومة من المدنيين، وبالتالي لا يجوز أن يتولى عسكري وزارة الدفاع.
لكن سلماوي رد على ذلك معتبرا أن وجود وزير عسكري للدفاع أو شيخ أزهري في منصب وزير الأوقاف والشؤون الدينية، لا يعني أن الحكومة ستكون غير دستورية، واصفا هذه النظرة بأنها ضيقة وسطحية.
ومن جهة أخرى، كان تغيير العبارة محط انتقاد من زاوية مختلفة، حيث قال المحلل السياسي أحمد تركي إنه عبر عن نوع من الجرأة على تغيير نصوص في الدستور دون اعتبار حتى لأعضاء لجنة الخمسين الذين اختارتهم السلطة الحالية بطريق التعيين وليس الانتخاب، عكس لجنة المائة التي أعدت دستور 2012.
وأوضح تركي للجزيرة نت أن هذا التعديل لقي انتقادا حتى من أعضاء اللجنة، مشيرا إلى ما قاله عضو اللجنة محمد غني من أن ما حدث يؤثر على مصداقية اللجنة، وما قاله الناشط السياسي والنائب السابق مصطفى النجار من أن التغيير في نص ديباجة الدستور دون علم أعضاء لجنة الخمسين هو نوع من العبث يثير القلق ويطعن في مصداقية اللجنة.