شاهد عيان يروي أحداث درعا
قال شاهد عيان إن المسؤولية الكاملة لانطلاق شرارة الأحداث التي شهدتها مدينة درعا جنوبي سوريا مؤخرا تقع على عاتق محافظها فيصل كلثوم، والضابط في الأمن السياسي عاطف نجيب.
وقال الشاهد –الذي اكتفى بتعريف نفسه باسم خالد- إن المشكلة بدأت مطلع الشهر الجاري عندما خرج أطفال مدارس متوسطة لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة يقلدون ما يشاهدونه في تلفزيونات الدول العربية، ويرددون هتافات بصورة أقرب للتسلية، مثل هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام".
وتابع "جاء الأمن وألقى القبض على 15 طفلا وتم إيداعهم فرع الأمن السياسي في درعا، وبعد أيام على اعتقالهم ذهب الأهالي لعاطف نجيب وطالبوه بالإفراج عن أبنائهم، لكنه هددهم باعتقالهم واعتقال نسائهم".
وحسب الشاهد الذي استعان في حديثه بعرض مقاطع مصورة عديدة دليلا على ما يقول، فإن عدد القتلى الذين سقطوا في درعا وصل إلى نحو 200، فيما لا يزال هناك 400 مفقود لا يعرف إن كانوا من القتلى في ثلاجات المستشفى الوطني في المدينة، أو جرحى بداخله، أو معتقلين لدى قوات الأمن.
وعن السر الذي يكمن وراء تنظيم درعا للمسيرات الكبرى منذ منتصف مارس/آذار الجاري، قال شاهد العيان إنه لا صحة للحديث عن أن ما أخرج أبناء المحافظة هو الوضع الاقتصادي، ذلك أن درعا هي من أفضل المحافظات من حيث الخدمات والوضع الاقتصادي والاجتماعي، إضافة لكون نسبة كبيرة من أهلها يعتمدون على الزراعة وحوالات المغتربين.
روزنامة الأحداث
وروى شاهد العيان للجزيرة نت تفاصيل ما شهدته محافظة درعا من أحداث أدت لمقتل وجرح وفقدان المئات في الأسابيع الثلاثة الماضية، وذلك حسب تسلسلها الزمني على النحو التالي:
الخميس 17/3/2011
يشير الشاهد إلى أن أهالي الأطفال توجهوا للمحافظ الذي لم يستقبلهم أصلا، ليتجهوا بعد ذلك لوزارة الداخلية حيث شاركوا في الاعتصام الذي كان أول تحرك احتجاجي في سوريا يوم 17 مارس/آذار.
وكان عددهم 150 شخصا فقط اعتقل منهم 35 شخصا رغم نفي وزير الإعلام السوري اعتقال أي شخص.
الجمعة 18/3/2011
خطب الشيخ أحمد صياصنة -إمام وخطيب المسجد العمري بدرعا- طالبا من الناس إمهاله أياما لإنهاء المشكلة، ولكن عندما خرج الناس من الصلاة وجدوا المحافظ بانتظارهم مع حرسه وأخذ يصرخ في الناس ويشتمهم فما كان منهم إلا أن تهجموا عليه.
ثم قام الأمن بإطلاق النار وقتل اثنين من المواطنين على الفور، بينما مات اثنان آخران بعد ذلك متأثرين بجراحهما.
ثم توالت الأحداث والاحتجاجات في درعا يوم الجمعة، وكان الأهالي يرددون هتاف "حرية .. حرية". واعتصم نحو 400 شخص من الأهالي في المسجد العمري.
لا صحة للحديث عن أن ما أخرج أبناء المحافظة هو الوضع الاقتصادي، ذلك أن درعا هي من أفضل المحافظات من حيث الخدمات والوضع الاقتصادي والاجتماعي |
السبت 19/3/2011
كان اعتصام المسجد العمري لا يزال قائما، وجاء لدرعا رستم غزالي مبعوثا من الرئيس بشار الأسد لتهدئة الأمور ولكونه من أهالي درعا، فزار أول مأتم وقدم له الأهالي مطالب باسم المنطقة، فرد عليهم بطريقة استفزازية وعبر عن غضبه لتقديم مطالب له، وانتهى اللقاء معه على ذلك النحو.
الاثنين 21/3/2011
جاء لدرعا نائب الرئيس فاروق الشرع، وهو من أهالي درعا، وطمأن وجهاءها بأن الوضع هادئ. وعاد الغالبية من الناس لبيوتهم، لكن البعض ظل معتصما في المسجد، ومن بينهم مصابون.
الأربعاء 23/3/2011
في الساعة الواحدة فجرا تم قطع الكهرباء عن مدينة درعا، وبدأ اقتحام مسجد العمري عن طريق آلاف العناصر الأمنية والعسكرية، وكان عدد المعتصمين أقل من 400 واستمرت العملية وإطلاق النار حتى الساعة الخامسة فجرا.
وبعد انتهاء عملية الاقتحام وإخلاء المسجد تم إحضار أسلحة ونقود وذخائر وتصويرها وعرضها على التلفزيون والقول إن هناك تنظيما إرهابيا كان يحتل المسجد.
ظهر ذلك اليوم تم تشييع 12 شهيدا قتلوا في المسجد وفي المظاهرات في المنطقة بين درعا البلد ودرعا المحطة قبل اقتحام المسجد.
وفي نفس اليوم قرر أهالي قرى درعا الخروج بمسيرة لفك الحصار عن درعا، وخرجت المسيرة الساعة 12 ظهرا من قرى كثيرة بعضها يبعد 25 كلم عن المدينة.
مجزرة أهل القرى
ويقول الشاهد "كنت مع الآلاف الذين خرجوا من الحراك وعلما والحريك وخربة غزالة وعتمان ومزيريب وقرى عديدة وغيرها، وكان عدد المتظاهرين يقدر بعشرات الآلاف".
وتابع "وصلت مسيرة القرى لوسط مدينة درعا الساعة الخامسة مساء، ودخلت الساحة المجاورة لبيت المحافظ والمقرات الحكومية هناك والتي أسميناها بساحة التحرير".
وأوضح أن المسيرة كانت تهتف "سلمية سلمية"، و"حرية حرية"، و"فكوا الحصار عن درعا"، و"الشعب يريد إسقاط أمن الدولة"، أي "حل جهاز أمن الدولة الذي فتك بالناس، وكانت عناصر الأمن والجيش تنتشر حولنا بكثافة خاصة فوق المباني الحكومية".
وحسب شاهد العيان فإن أكثر ما شجع الشبان على الاستمرار بالمسير أن عناصر من القوات الخاصة كانت تحييهم وتشير لهم بأن يستمروا في المسيرة نحو ساحة التحرير.
وتابع قائلا "فهتفنا الشعب والجيش إيد واحدة، ولم نكن ندرك أننا أمام كمين، ووصلنا مقابل مبنى الأمن السياسي وبيت المحافظ ونادي الضباط واتحاد الفلاحين والبريد وكان القناصة فوقها".
ويقول "بدأ إطلاق النار علينا، وكأن الدنيا تمطر رصاصا، فسقط العشرات بين قتيل وجريح، خاصة من هم في المقدمة من الشباب، فبدأ الجميع بالهروب بين الأحياء السكنية، ودخلنا مع المئات في حارة المسيحيين، وأذكر أننا دخلنا منزل مواطن مسيحي قام بتخبئة عدد كبير منا، وقبل أن ندخل كنا نشاهد كيف أن كل من يحاول الخروج من تحت الشجر أو من بين البيوت كان يتم قنصه بالرصاص، وهذا كله والكهرباء مقطوعة عن درعا".
وأطلق أهالي درعا والقرى على ذلك اليوم اسم "مجزرة أهل القرى". وكان الشبان يحاولون سحب الجرحى والقتلى وينقلونهم على العربات خوفا من أخذهم للمستشفى الوطني، حيث كان يختفي كل من يصل إلى هناك "ونقلنا جرحانا وقتلانا لقرانا".
الخميس 24/3/2011
تم تشييع شهداء مجزرة أهالي القرى، وكانت الهتافات "بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، وكانت هناك مظاهرات في الحراك وطفس ومناطق عديدة.
وفي الساعة العاشرة مساء خرجت مستشارة الرئيس بثينة شعبان لتقول إنه تم إقرار إصلاحات، ومن بينها زيادة الرواتب، رغم أنه لم يكن هناك أي مطلب اقتصادي للمسيرات.
كما أعلنت عن أوامر للشرطة بعدم إطلاق النار على المتظاهرين وانسحاب القوات من مدينة درعا.
في هذا اليوم سمعنا لأول مرة هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"يا بشار اسمع اسمع دم الشهداء ما ينباع"، ردا على نكث النظام لوعوده |
الجمعة 25/3/2011
بعد صلاة الجمعة قام الأهالي بتشييع عدد من الشهداء في مسيرات حاشدة انتقلت بعد التشييع من درعا البلد لدرعا المحطة حيث مرت من أمام مسجد العمري.
وكانت الهتافات الرئيسية فيها "بالروح بالدم نفديك يا شهيد". كما كان الأهالي غاضبين من تصريحات بثينة شعبان، التي قزَّمت قضية الحرية برفع الرواتب، وكانوا يهتفون "يا بثينة يا شعبان شعب درعا مو جوعان".
ويمضي الشاهد في سرد روايته قائلا "بعد ذلك صلينا العصر جماعة في ساحة التحرير وكان تمثال حافظ الأسد خلفنا، وما أن أنهينا الصلاة حتى سمعنا أخبار سقوط أكثر من 20 شهيدا في الصنمين وعشرة في اللاذقية وتسعة 9 في طفس، وهنا ثارت ثائرة الناس فقاموا بحرق تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد وتمزيق صورة كبيرة للرئيس بشار الأسد".
"عندها بدأ الأمن بإطلاق الرصاص بشكل كثيف وسقط العشرات بين شهيد وجريح" يقول الشاهد.
يوم الجمعة ليلا خرجت مسيرات غاضبة في الحراك وفي طفس التابعتين لدرعا التي أحرق فيها مقر حزب البعث.
في هذا اليوم سمعنا لأول مرة هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"يا بشار اسمع اسمع دم الشهداء ما ينباع"، ردا على نكث النظام لوعوده واستمرار إطلاق الرصاص على المواطنين العزل.
وحسب شاهد العيان فإن الاتصالات شبه مقطوعة عن محافظة درعا ويتم قطعها وإعادتها بين الحين والآخر، كما أن الإنترنت مقطوع تماما عن المحافظة.
وعن وضع مدينة درعا حاليا يقول "الوضع حذر جدا ويسمح بالدخول والخروج من المدينة بشكل عادي، لكن المتجه من درعا لدمشق يواجه بحواجز تفتيش عديدة على الطريق الدولي".
أما الصنمين –والحديث لشاهد العيان- فإنها معزولة عن العالم حيث يمنع الدخول والخروج منها ويحاصرها الجيش بالدبابات.
بثينة أم بشار؟
وينفي الشاهد أي مسؤولية للأهالي عن حرق المرافق العامة، لا سيما المستشفيات التي يتهم أعوان النظام بحرقها، على حد وصفه، غير أنه يؤكد أن الأهالي أحرقوا مقرات للأمن ولحزب البعث كونها تعبر عن القمع، كما يقول.
وينفي بشكل كبير أي صفة طائفية للثورة الحالية التي يقول إنه يشترك فيها جميع أبناء الشعب السوري مسلمين، سنة وعلويين، ومسيحيين.
كما يتهكم على اتهام الفلسطينيين بأنهم محركو الثورة في درعا ويؤكد أنه لا علاقة لهم بما يجري.
وختم الشاهد خالد شهادته المطولة بالقول "نحن لا نعلم الآن من هو الرئيس في سوريا، فإذا كانت بثينة شعبان تتحدث باسمه الخميس الماضي عن إصلاحات ووقف إطلاق النار وسحب القوات، وفي اليوم التالي سقط عشرات الشهداء في اللاذقية والصمنين وطفس، قام على أثرها شباب درعا بحرق تمثال حافظ الأسد وتمزيق صور الرئيس بشار الأسد".
وقال "تبين لأهالي درعا حجم الخداع الذي مارسه النظام عبر فاروق الشرع وبثينة شعبان، والآن ليس لديه أي ثقة بأي مسؤول سوري".
وأضاف أن أهالي سوريا ودرعا خصوصا لن يطمئنوا لهذا النظام إلا إذا أعلن الرئيس في خطابه عن سحب القوات من كل المدن والسماح لكل القنوات الإعلامية بالدخول بحرية لدرعا واللاذقية، وأن يضمن الرئيس فعليا حق المواطن السوري بالتظاهر السلمي وأن يتم ذلك بالنقل المباشر، "لأننا نعلم أن الأمن صادر الأشرطة من الإعلاميين بعد تسجيلها".