مقامات ونغمات منفردة.. دعوات لإحياء ترتيل القرآن الكريم بالطريقة التونسية
تونس- بصوته العذب والقوي، يطل القارئ التونسي الراحل الشيخ علي البراق على التونسيين بين الفينة والأخرى من خلال الأذان والقرآن الكريم الذي تبثه التلفزة الوطنية، فيعيدهم إلى أجواء وعبق شهر رمضان الكريم، ولا يعلم كثير منهم أن النغمات المستخدمة تونسية أصيلة.
والبراق (1899-1981) هو من قال فيه الأديب المصري الراحل طه حسين "إن صوته يعيدنا إلى الزمن الأول لنزول القرآن وبدء الحضارة العربية".
وتعتمد الطريقة التونسية على الطبوع (المقامات) والنغمات التونسية في الترتيل والتجويد وظهرت منذ السبعينيات، وازدهرت أواخر الثمانينيات مع الراحل البراق "الذي يُعتبر أكثر قارئ عرّف بالنغمة التونسية"، يقول الشيخ القارئ التونسي حمزة محمد الجراية للجزيرة نت.
ويضيف أن أكثر الطبوع المستخدمة في الإنشاد الديني في تونس هي الحسين ورصد الذيل والمحير عراق والمحير سيكا والمزموم وغيرها؛ مؤكدا ضرورة أن يكون توظيفها سليما وسلسا وأن تكون الانتقالات مدروسة حتى تراعي أحكام التجويد والترتيل ولا تخالفها.
الهوية التونسية
ويضيف الجراية أن هذه الطبوع تمثل الهوية التونسية التي تبرز بمجرد سماع ترتيل القارئ القرآن الكريم، وتم اعتماد بعض نغمات الموسيقى التونسية في التلاوة مثل طبع الحسين في أغنية "انزاد (وُلد) النبي" وطبع الإصبعين في أغنية "يا ديني ما احلاني فرحه" مع مراعاة قواعد الترتيل.
وفيما يتعلق بتقنيات النغمات التونسية، فتقوم على سلالم موسيقية معينة مع إبراز درجات محددة وتحاشي أخرى وإبراز انتقالات معينة مع استعمال بعض الزخارف المختلفة من تونس أو مصر والخليج.
ويوضح القارئ حمزة محمد الجراية أن المستمع إلى الترتيل بالنغمة التونسية يشعر بأنها "خارجة من الموروث السمعي الشعبي الذي ربينا عليه في أفراحنا وأعراسنا".
مسؤولية الحفاظ
حمل مسؤوليةَ الحفاظ على الطريقة التونسية في الترتيل والتجويد والإنشاد الصوفي قرّاء وأئمة كبار، على رأسهم علي البراق، الذي يملك ختما كاملا بالطبوع التونسية وعبد المجيد ممغلي وأحمد الشحيمي ومختار صقانجي وعثمان الأنداري ومنذر الجدي ومنير السليتي وإلياس بالنور.
ومن جيل الأئمة الشباب الذين أخذوا المشعل عن أساتذتهم في الأداء بالنغمة التونسية ويسعون إلى المحافظة عليها حمزة محمد الجراية وعمر بن عربية وسفيان الشريف والعربي الكثيري.
وتختلف مكانة الترتيل والتجويد بالصيغة التونسية بين الماضي والحاضر، حيث كانت الدولة التونسية بعد الاستقلال تفرض تسجيل القرآن الكريم بالنغمات والطبوع التونسية فقط، ولكنها تدريجيا غضت النظر عن هذه المسألة وطغى التسجيل بالطريقة الشرقية المصرية والخليجية، يؤكد الجراية.
ويتحدث عن وجود بعض الختمات التونسية على غرار ختمتيْ الشيخين منير السليتي ومنذر الجدي "ولكنهما نادرا ما تبثان وموسميا فحسب خلال شهر رمضان المعظم، مما يؤثر على الذوق العام التونسي".
ويشير إلى أنه حتى الأشرطة وبطاقات الذاكرة والأقراص المضغوطة التي تباع في الأسواق كلها لتلاوات خليجية وشرقية، مشددا على أنه "وبالرغم من تأثير القراء الأجانب الكبير على الذوق العام التونسي إلا أن هناك أئمة تونسيين حريصين على فرض الطابع التونسي في قراءة القرآن الكريم".
تراجع حضور الطريقة التونسية
ويعزو تراجع حضور الطريقة التونسية اليوم إلى عدم اعتمادها في تدريس القرآن الكريم "حيث إن أكثر من 95% من الشيوخ يدرسون إما دون استعمال نغمات أصلا أو باستعمال نغمة شرقية".
وبرأيه، يعود ذلك لأن الطريقة التونسية في القرآن ليست سهلة، وأغلب الشيوخ "يغلّبون الحكم على التنغيم، وخاصة من جيل التسعينيات الذين درسوا عند أئمة وقراء حاصلين على إجازات من خارج تونس، من سوريا ومصر والسعودية، فتجدهم يقرؤون بالطريقة الشرقية".
ويؤكد أن الطريقة التونسية في التلاوة والإنشاد الصوفي انحصرت في المناسبات أو في الأذان بصوت علي البراق أو أحمد الشحيمي فقط، وأن منشدين تونسيين يصرون على اعتمادها رغم حضور وتأثير الفرق السورية والمصرية والمغربية اليوم في تونس.
النغمة التونسية
ويرى حمزة محمد الجراية أن فرض النغمة التونسية في الترتيل والتجويد وإحياءها مسألة مرتبطة بالعزيمة وبرغبة الناس والإطار الديني وببذل مزيد من الجهود لنشرها بالقدر الكافي في كافة مناطق البلاد.
ولتحقيق ذلك، يدعو إلى ضرورة تنظيم دورات تدريبية دورية ومستمرة بالطريقة التونسية وفرض تدريسها وتطبيقها والتعليم بها بعد تخرج الأئمة والقراء، ويقول إنه "يجب أن تكون الطريقة التونسية هي الطاغية وليست الشرقية".
ويعتبر أن "بعض الدورات التي جرت لم تكن منظمة بالقدر الكافي حيث يتلاشى الإقبال يوما بعد يوم ومعه رغبة إحياء النغمة التونسية ولم نعد نعرفها إلا مع الراحل علي البراق وحتى من حاولوا تطبيقها قلدوه وغاب الإبداع في طريقة الأداء"، وفق تصريحه.
ويشدد على ضرورة تلقي الأئمة على مدار السنة دروسا في النغمات والمقامات وتحسين توظيف الصوت وتقنيات الأداء "لأن لدينا طاقات كبيرة".
وأكد أنه على وزارة الشؤون الدينية أن تفرض على الإمام في إحدى الصلوات على الأقل أن يقرأ القرآن الكريم بالنغمة التونسية حتى يستأنس رواد المساجد بها، "لأن كثيرا من الأشخاص يعتبرون هذه النغمة بدعة وغناء لأنهم لم يعتادوا سماعها".