يقدم قصص سكان بلاده "العاديين".. تعرف على صاحب لقب أفضل صانع محتوى بالمغرب
يعمل عبد الرحمن على إيصال قصص أناس سماهم العاديين، ويركز على إظهار المعالم الطبيعية والأثرية التي لا تصل إليها الكاميرات.
الرباط- في الـ70 من عمرها دمعت عينا "إيزا" بسبب حرمانها من التعليم، فبكى معها كل الجمهور، أملت أن تدرس من جديد وتتعلم حرفة تعطيها مكانة واعتبارا، هي واحدة من نساء قرية معزولة بعمق المغرب كانت بطلة الحلقة التي فازت في نهائيات برنامج تنافسي عن صناعة المحتوى الرقمي بالمغرب.
و"إيزا" عجوز عادية من أناس المداشر البعيدة، والسكان المحليين بجبال الأطلس، أبطال قصص "العاديون" على يوتيوب، فمن "العاديون"؟ وما طبيعة المحتوى الذي اتخذهم عنوانا؟ ومن صاحب قناة العاديين الذي فاز بلقب أحسن صانع محتوى بالمغرب؟
واحد من العاديين
حاز الشاب عبد الرحمن الرايسي لقب أفضل صانع محتوى بالمغرب في برنامج "ذا ون" (The one)، الذي بثته القناة الثانية المغربية عن برنامجه "العاديون" الذي يقارب فيه المعيش الواقعي لسكان المغرب العميق.
وعبد الرحمن (30 عاما) باحث دكتوراه وحاصل على ماستر في الثقافة والتراث والتنمية من جامعة ابن زهر بأكادير، من مواليد إقليم تزنيت مدشر "تشواريت"، الذي ما زال يعزله الوادي أيام الشتاء.
في لقاء له مع الجزيرة نت، عدّ عبد الرحمن نفسه واحدا من العاديين، فهو ابن الجبل الذي استعار منه الصلابة والصبر. أحب عبد الرحمن الكاميرا صغيرا، وضع أول كاميرا كان قد استعارها من ابن عمه، في محفظته، وبدأ يختلس الأوقات للتصوير.
صوّر عبد الرحمن وهو بالثانوية الوديان والأحراش والأحجار، وألهمته الغابة وأغنامه التي كان يرعاها في العطل، فصنع أفلاما تلقائية، شارك بها في مسابقات بثانويته.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعمره 9 سنوات.. طفل أميركي يحتفظ بلقب الأكثر دخلا على يوتيوب للعام الثالث
الوشم كشف شخصيته.. فيديو طبخ يتسبب بالقبض على عضو مافيا إيطالية بعد 7 سنوات على اختفائه
تحرص المغربيات على إثراء مائدة الإفطار.. تنافُس قنوات الطبخ على يوتيوب هل يساعدهن؟
آمنت أم عبد الرحمن بموهبة ابنها وشغفه بالعدسة، فباعت مجوهراتها الذهبية وابتاعت من أجله أولى كاميراته الرقمية بعد حصوله على البكالوريا. يمتن عبد الرحمن لأمه ويذكرها في كل لقاءاته الصحفية بعد فوزه، ويعدّ الكاميرا الأولى التي ابتاعتها من أجله عنوان سعده.
جد وإصرار ومثابرة
في لقائنا بعبد الرحمن، لمسنا عن قرب خلق التواضع الذي وصفه به معارفه، وبعضا من بساطته وبشاشته، وكيف تعامل مع بعض المعجبين الذين كانوا يحيّونه ويطلبون التصوير معه.
يقول عبد الرحمن الرايسي للجزيرة نت إن "الرعي علمني الصبر وسعة الصدر والابتسام"، وحكى للجزيرة نت عن البدايات في تعلم المونتاج، وكيف اشترى أول حاسوب من منحة الدراسات الجامعية.
يشهد كل من عرف عبد الرحمن الرايسي له بحسن الخلق، وبقيم الصبر والإصرار. تقول فرح أشباب (31 عاما) عضوة لجنة تحكيم مسابقة "ذا وان"، للجزيرة نت، إن "عبد الرحمن نجح لأنه جادّ، يتعب من أجل عمله، صبور، يقطع طرقا طويلة، ويقضي ليالي بالجبال والأماكن البعيدة، يميزه العمل الدؤوب، مثابر وصارم وعنده الاستمرارية".
من جانبه، يشهد حسن بوهداد (32 عاما) عضو فريق "العاديون" (يشغل عبد الرحمن فريقا من المتعاونين ببرنامجه)، في حديث مع الجزيرة نت، فيقول "إنه إنسان طيب، يفكر في مصلحة الآخر قبل مصلحته، ذو خلق وكريم، جاد في عمله، يغضب فقط لقيمة العمل، لا يتجاوز الحدود، يقدر من يتعامل معه، ويستمع لنصائح غيره".
قضية عادلة ورؤية فنية
قالت فرح أشباب -فاعلة مدنية وناشطة بمواقع التواصل الاجتماعي- إنها كانت تحتاج خلال فترة التحكيم إلى ملاحظة تطور المشاركين وقدرتهم على التكيف مع المواضيع المطروحة عليهم، وهو ما استطاع عبد الرحمن الإجابة عنه من خلال مشاركاته.
وأضافت أشباب أن عبد الرحمن نجح في إيصال قضية عادلة برؤية فنية واضحة، وتابعت أن دور المؤثر وصانع المحتوى هو رفع الوعي بقضية عادلة.
وكانت لجنة تحكيم المسابقة قد طرحت موضوع المغرب في الماضي والحاضر والمستقبل برؤية خاصة لكل مشارك، وتفوق عبد الرحمن في طرح قضية تعليم المرأة القروية، وتمكن من رفع الوعي بضرورة التمدرس وولوج النساء إلى التعليم.
محتوى أصيل برسالة إنسانية
يعمل عبد الرحمن على إيصال قصص أناس "عاديين"، يذهب حيث يعيشون، يبحث بين ثنايا الصخور وخلف شواهق الجبال ومنحدرات الوديان عن أناس قصصهم ملهمة، وواقعهم يستحق المشاهدة، قرية يقطنها رجل واحد، وعجوز تحطم بيتها وهجرها ابنها، ومهندس صغير يصنع من أحجار القفار ملعبا.
ويقول صاحب لقب أحسن صانع محتوى بالمغرب للجزيرة نت "اخترت أن أكون صوت أناس بعيدين عن الإعلام، أردت أن أعرّف بثقافة العالم القروي وأناسه البسطاء، بالتقاليد والعادات".
أنتج عبد الرحمن في برنامج "العاديون" نحو 60 حلقة، كلها بالمجال القروي، يرى أن الرابط بينها كونها "قصصا إنسانية مؤثرة، تلامس مشاعر الإنسان، وتحمل رسالة إنسانية".
اشتغل عبد الرحمن على برنامجه مدة 5 سنوات، واستثمر فيه، وكان واثقا بهدفه ورسالته.
اعتقد عبد الرحمن الرايسي أن المجال الحضري مشبع، فحمل حقيبة ظهر وكاميرا ومشى في الأرض هونا، يوصل مشاهد أصلية، وحيثما مرّ -يقول- تكون تغذية راجعة، ويتغير وضع من مر بهم سواء بفك عزلة أو تزويد بكهرباء أو ماء أو حتى بناء مدرسة كما وقع بقرية "إيزا" التي صارت تدرس وتتعلم صناعة السجاد.