يوتوبيا زائفة.. هل اشترى إيلون ماسك تويتر للدفاع عن حرية الرأي والتعبير حقا؟

يعد إيلون ماسك أغنى شخص في العالم، وتقدر ثروته بـ257 مليار دولار

قبل ساعات، أعلن الملياردير الأميركي وأغنى رجل في العالم "إيلون ماسك" أنه أتم صفقة للاستحواذ على موقع تويتر بقيمة 44 مليار دولار، وبدأ رحلته في إدارة المنصة التي يدمن التغريد عليها بإقالة كبار المديرين التنفيذيين في الشركة، وبإعلانه أنه يدرس إعادة الكثيرين ممن حظرت المنصة وجودهم دفاعا عن حرية الرأي والتعبير.

كانت مسألة الدفاع عن حرية الرأي هي الذريعة التي تذرع بها ماسك لتبرير رغبته في شراء تويتر في المقام الأول رغم رفض عرضه العدائي للاستحواذ على المنصة في البداية. في مواجهة ذلك، أجرى استطلاعا على حسابه يتساءل فيه عما إذا كان قرار بيع المنصة له يجب أن يتخذه المساهمون وليس مجلس الإدارة. وخلال مؤتمر "تيد (TED)" في فانكوفر، روَّج ماسك لمزايا حرية التعبير على الإنترنت، وقال خلال مقابلة آنذاك: "أعتقد أن من المهم جدا أن تكون هناك ساحة شاملة لحرية التعبير"، ثم تابع: "أصبح تويتر نوعا ما يشبه ساحة المدينة بحكم الواقع، لذلك من المهم حقا أن يشعر الناس أنهم قادرون على التحدث بحرية في حدود القانون".

أشار ماسك إلى نفسه سابقا على أنه متطرف في دفاعه عن حرية التعبير، وأنه يأمل أيضا إتاحة خوارزمية الشركة للجمهور، لمساعدة الأشخاص على فهم كيفية ظهور المحتوى على صفحاتهم. وقال أيضا إن المنصات يجب أن تُنظّم وفقا لقوانين الولايات المتحدة، وهو تعليق فُسِّر على نطاق واسع بأنه يعني أنه كان يدعو إلى اعتدال محدود في المحتوى، لأن الكلام في الولايات المتحدة بعيدا عن الدعوات المباشرة للعنف محمي إلى حدّ كبير بموجب الدستور. لاحقا أكد ماسك أن رغبته في الاستحواذ على تويتر لا تدور حول جني الأموال، مضيفا: "إن شعوري البديهي القوي هو أن امتلاك منصة عامة موثوق بها إلى أقصى حد وشاملة على نطاق واسع أمر بالغ الأهمية لمستقبل الحضارة"(1).

إعلان

يوتوبيا زائفة

(شترستوك)

لكن المثالية اليوتوبية التي يُصوِّرها الرئيس التنفيذي لشركة تسلا لم تعد موجودة منذ فترة طويلة، ولا تأخذ في الاعتبار ما يحدث في العالم الحقيقي، كما يقول التنفيذيون التقنيون وموظفو تويتر والمطلعون في وادي السيلكون. في الوقت الذي حصل فيه ماسك على عرض استحواذ عدائي بقيمة 43 مليار دولار على تويتر، يقول النقاد إن طموحه لما يجب أن تكون عليه المنصة كمساحة غير خاضعة للرقابة هو طموح ساذج، من شأنه أن يضر بآفاق نمو الشركة ويجعل المنصة غير آمنة.

عندما يتحدث الناس عن حرية التعبير في هذا السياق العامي، فإن ما يخشونه هو أن بعض الكيانات قد تكون قوية جدا بحيث تماثل سلطة الدولة. يتحدَّث ماسك كثيرا عن مزايا حرية الرأي والتعبير، لكن ليس لديه خبرة في إدارة ذلك على منصة التواصل الاجتماعي حيث تُنشَر مئات الملايين من التغريدات يوميا، وحيث يمكن أن تصبح الأمور فوضوية بشكل متزايد.

ومع ذلك، قدَّم الملياردير بعض الأدلة، حول الشكل الذي قد يبدو عليه نهجه العام في الإشراف على المحتوى على تويتر. في مقابلة تيد (Ted Talk)، قال ماسك إنه يخطط لترك المحتوى -بغض النظر عن مدى إثارة الجدل- وإزالة فقط المحتوى الذي ينتهك القانون بوضوح، مثل التحريض على العنف. سيكون هذا خروجا صارخا عن سياسات الإشراف على المحتوى الحالية في تويتر وسائر منصات التواصل، التي كانت تهدف في السنوات الأخيرة إلى الحد من خطاب الكراهية والمضايقات وأنواع المحتوى الأخرى على النظام الأساسي الذي تعتبره ضارا.

(مقابلة إيلون ماسك على تيد)

لكن إذا تجاوزنا الشعارات الرنانة حول حرية التعبير، تبدو دوافع ماسك لشراء تويتر معقدة إلى حدٍّ ما. أكسب شعار "حرية التعبير" هذا دعم ماسك من العديد من المحافظين الذين يشعرون أن تويتر وشركات التواصل الاجتماعي الأخرى تميز ضدهم بشكل غير عادل. بالنسبة لماسك، الأمر أكثر من ذلك: هذه الصفقة هي أيضا وسيلة لممارسة التأثير على منصة إعلامية رئيسية يستخدمها بعض أهم السياسيين والمشاهير والقادة في العالم. نظرا للمعركة العامة التي يخوضها ماسك مع لجنة الأوراق المالية والبورصات بشأن تغريداته، فإن امتلاك تويتر يوفر وسيلة قيمة لماسك ليكون الشخص الذي يضع القواعد.

إعلان

لا حرية في وادي السيليكون

يقول الكثير ممن لا يتفقون مع رؤية ماسك المعلنة لتويتر إنهم سيغادرون المنصة. لكن إلى أين سيذهبون؟ إلى مارك زوكربيرغ على فيسبوك أم إلى سوندار بيتشاي على يوتيوب؟ لا تبدو هذه المنصات في الحقيقة مختلفة كثيرا من تويتر، لذا قد يكون الحل المثالي هو الإقبال على البدائل اللا مركزية والمفتوحة المصدر مثل منصتَيْ "ماستودون" (Mastodon) و"ماتريكس" (Matrix)، لكن عمالقة وادي السيليكون قد بذلوا قصارى جهدهم لجعل التحرك بين المنصات أمرا صعبا.

لقد جعل هؤلاء العمالقة من المستحيل تقريبا على هذه المشاريع الأخرى جذب عدد كافٍ من المستخدمين لتوفير بديل هادف للأشخاص الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب مهنية أو حتى للبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة. من الآمن إذن أن نقول إن حرية التعبير الحقيقية عبر الإنترنت -حيث يكون لدينا خيار حقيقي في كل ما نقوله وأين نقوله- لن تكون ممكنة أبدا ما لم تتغير الأرضية التنظيمية للسماح للمنصات البديلة بتحقيق تأثير الشبكة. لهذا السبب فإن أفضل رد على استيلاء ماسك على تويتر هو أن يمرر المشرعون القانون الأميركي للابتكار والاختيار عبر الإنترنت وقانون أسواق التطبيقات المفتوحة، وهما قانون لمنح الاحتكار في فضاء الإنترنت. (2)

تتعارض قوة الاحتكار المتمثلة في شركات التقنية الكبرى بوضوح مع الوعد بإنترنت مجاني ومفتوح. على مدى العقدين الماضيين، وقعت المساحات على الإنترنت ضحية للخصخصة والمركزية الجماعية. احتلَّت شركات التكنولوجيا الكبيرة مثل أمازون وأبل وفيسبوك وغوغل الأسواق بشكل كامل، وفي كل المجالات، بدءا من التجارة الإلكترونية إلى محركات البحث. تشتري هذه الشركات العملاقة بانتظام الشركات الناشئة بدلا من التنافس معها أو يقومون ببساطة بنسخ خدمة منافسة، ومن ثم ترتيبها حسب الأولوية على نظامهم الأساسي الضخم الحالي، والضغط على المنافسين الأصغر حجما. (3)

إعلان

الحقيقة إذن أنه بينما يصور النخب وأباطرة التقنية مثل إيلون ماسك ممارسات الإشراف على المحتوى الأساسية على أنها تتعارض بطبيعتها مع حرية التعبير، يعرف مستخدمو الإنترنت الأقل امتيازا أن امتلاك أدوات لمعالجة المضايقات المستهدفة والمحتوى البغيض ضروري في الواقع لإنشاء مجتمعات حرة عبر الإنترنت، حيث يكون الناس آمنين بما يكفي للتحدث بحرية.

يقودنا هذا إلى المعضلة التالية للشبكات الاجتماعية وهي الهيمنة المتزايدة لعمالقة التكنولوجيا على عالم البيانات، وتجاهل حقوق الخصوصية. ومع عدم وجود بديل، واضطرارك للجوء لهذه المنصات وتمركز عدد كبير من متصفحي الإنترنت عليها، فإنها تصير أكثر تعنتا في إضفاء تغييرات لصالح المستخدمين.

إيلون ماسك محق في أن حرية التعبير في خطر، لكن الخطر الأساسي يأتي من احتكار الشركات.

يبدو إذن أن الصراع على مستقبل تويتر لا يتعلق حقا بحرية التعبير، لكن بالأجندة السياسية التي ستهيمن على المنصة في النهاية. "حرية التعبير" هي محاولة خادعة لتأطير ما هو في نهاية المطاف صراع سياسي حول توجه المنصة، والنتيجة التي يأمل المحافظون في تحقيقها هي تلك التي يتم فيها تفضيل الخطاب المحافظ على المنصة وعدم تفضيل الخطاب الليبرالي.

الأمر لا يتوقف على الخطاب السياسي فقط، حيث يميل كبار رجال الأعمال إلى أن يؤكدوا "حرية التعبير" بمعناها العام، عندما يتعلق الأمر بنوع الخطاب الذي لا يضر بأرباحهم النهائية. عندما يتعلق الأمر بتنظيم القوى العاملة لديهم، فإن شكلا من أشكال الكلام يمكن أن يكون بمنزلة فحص لسلطتهم وتأثيرهم، ويختفي التسامح مع حرية التعبير.

حسنا، إيلون ماسك محق في أن حرية التعبير في خطر، لكن الخطر الأساسي يأتي من احتكار الشركات. حفنة صغيرة من الشركات، التي تسيطر عليها مجموعة أصغر من النخب الثرية والقوية، لديها سيطرة خانقة على الأدوات والمنصات التي يعتمد عليها العالم للتواصل وتبادل الأفكار والرسائل. الأمر تماما كما عبَّر عنه جاك دارسي، الرئيس التنفيذي السابق لتويتر، الذي شارك في تأسيس شركة التواصل الاجتماعي قبل 16 عاما، في تغريدة عن محاولة ماسك المحتملة للاستحواذ: "لا أعتقد أن أي فرد أو مؤسسة يجب أن تمتلك وسائل التواصل الاجتماعي، أو الشركات الإعلامية عموما"(4). ينطبق ذلك على الجميع، وعلى رأسهم إيلون ماسك.

إعلان

__________________________________

المصادر:

  1. Elon Musk talks Twitter, Tesla and how his brain works
  2. Elon Musk’s Twitter takeover exposes the real threat to free speech: Big Tech monopolies
  3. Even Elon Musk doesn’t know what he means by free speech
  4. Elon Musk wants a free speech utopia. Technologists clap back.
المصدر : الجزيرة

إعلان