أبرزها نظارات غوغل.. صور من محطات فشل عمالقة التقنية
على الرغم من أن الشركات الكبرى كثيرا ما تُشبه بالحيتان التي تبتلع الحصة الأكبر من السوق، لكن هذا لا يعني أن الأمور دائما تسير معها على ما يرام، فضلا عن أنه دائما ما يصور الجانب المشرق والأكثر لمعانا لهذه الشركات العملاقة، ما بين قصص نجاح وصعود في السوق وأرقام مبيعات تتصاعد على مدار العام وأرباح تتضاعف ليكون هذا معظم ما نراه ونسمع عنه في الغالب.
لكن يحدث أن يكون للقصة وجه آخر قليلا ما نسمع عنه. في هذا التقرير نتعرف على مجموعة من تعثرات كبرى الشركات التقنية في العالم، بإلقاء نظرة عن قرب على أبرز محطات الفشل.
في يونيو عام 2014 أعلنت أمازون عن هاتفها الذكي الأول والوحيد "Fire Phone"، إلا أنه لم تكن هذه الخطوة كما أرادت لها أمازون، فالتقييمات السيئة التي بدأت تصدر عن المستخدمين عقب أقل من شهرين فقط من صدور الهاتف جعلت الكثير من المتابعين يصفون الخطوة بالمخيبة للآمال، الأمر الذي دفع أمازون لوقف إنتاج وبيع الهاتف بشكل كلي في وقت لاحق من عام 2015.
الشركة التي اغترت بنجاح أجهزة "Kindle" اللوحية الخاصة بها، اتجهت نحو سوق الهواتف المحمولة بتوقعات عالية وآمال كبيرة في أنها تستطيع تقديم ما يميزها في السوق التقنية. إلا أن تلك التوقعات لم تصح. فنجاح أجهزة "Kindle" لم يتبعه نجاح هاتف "Fire" للعديد من الأسباب والعوامل التي أودت بالهاتف إلى الفشل الذريع. فبحسب الكثير من المتابعين(1) يعد السعر أحد أهم العوامل التي جعلت المستخدمين يحجمون عن شرائه، إذ بلغ سعره (650 دولار) على عكس توقعات المستهلكين الذين توقعوا هاتفا بسعر منخفض كما عودتهم أمازون مع أجهزة "Kindle".
أما أبرز خاصيتين تميز بهما الهاتف عن المنافسين في تلك الفترة، فتتمثل إحداهما في خاصية تصوير 3D بفضل أربع كاميرات أمامية مزود بها الهاتف، ولم يظهر المستخدمين أي اهتمام بهذه الخاصية. والثانية هي تطبيق "Firefly" الذي يمكّن المستخدمين من مطابقة ومعاينة ملايين المنتجات مع مثيلاتها ثم يتيح لهم شراء أي من هذه المنتجات بشكل افتراضي من متاجر أمازون، الأمر الذي فُهم بشكل واضح أنه محاولة من أمازون لدفع مستخدمي الهاتف للشراء من متجرها. أما فيما يتعلق بالخصائص الأخرى للهاتف فإنه لم يأت بشيء جديد يختلف عما كان متوافرا لدى المنافسين(2). فضلا عن عوامل أخرى أدت بالجهاز إلى هذه النهاية السيئة منها أن الجهاز يعمل بنظام تشغيل جديد يدعى "Fire OS"، وبالطبع نظرا لسيطرة أندرويد وأبل على سوق الهواتف فإنه من الصعب حجز مكان لنظام تشغيل جديد بين هذين العملاقين.
على ما يبدو لقد حاولت أمازون تكرار تجربة ستيف جوبز عبر تقديم هاتف يتكامل بشكل كلي وحصري مع باقي منتجات وخدمات أمازون تماما كما فعلت أبل عندما طرحت هاتفا يحوي كل خدمات أبل التي كانت موجودة عند إطلاق الأيفون الأول. ولكن أمازون لم تأخذ بالحسبان عامل الوقت وتغير السوق وشراسة المنافسين ومزاج المستهلكين ومدى استعدادهم لاستخدام هاتف جديد بنظام تشغيل وتطبيقات جديدة ومختلفة كليا عما اعتادوا عليه. فأبل مثلا عندما طرحت هاتفها الأول على الرغم من وجود منافسين لها في تلك الفترة لكنها قدمت شيء جديدا ومختلفا كليا عما كان يقدمه منافسوها وكان أبرزهم "نوكيا".
كلنا نذكر نظارة جوجل وما كان يشاع عنها من ميزات أشبه بالخيال، كان قد صدر النموذج الأولي من نظارة غوغل وأتيح في الأسواق عام 2013 بسعر 1500 دولار، وكانت ترى غوغل فيها بمثابة المنتج الثوري الذي سيغير شكل عصر المعلومات كليا. حيث تم تصميم النظارة لتكون بمثابة حاسوب يمكن ارتدائه في كل مكان وزمان، ويمكن عبر الأوامر الصوتية الموجهة للنظارة تصفح الإنترنت والتقاط الصور وتسجيل الفيديو والاستماع للموسيقى. إلا إنه سرعان ما بدأت النظارة تتلقى المراجعات والتقييمات السلبية الأمر الذي دفع غوغل إلى وقف إنتاج وبيع النظارة أواسط عام 2015، ووعدت بإعادة إنتاجها بشكل محدث عام 2017. وفعلًا تم الإعلان عنها مجددًا في يوليو الماضي ولكن لم تحصل النسخة الثانية على أفضل مما حصلت عليه الأولى(3).
المراجعات النقدية للنظارة تطرقت إلى العديد من الجوانب السلبية التي سجلت بحقها(4)، لعل أهمها مسألة الخصوصية فالنظارة مزودة بكاميرا وبالتالي يمكن لمرتدي النظارة التقاط الصور وحتى تسجيل الفيديو دون ملاحظة الآخرين لذلك وهذا من شأنه أن يسهل من سوء استخدام النظارة عندما تقع في الأيدي الخطأ. هاجس المخاطر الصحية للتكنلوجيا أيضا لعب دورا في مصير هذا المنتج، الكل يعرف أن الأجهزة المحمولة التي نستخدمها اليوم تبث أنواعا من الأشعة والموجات الضارة للبشر، ولكن على الأقل تلك الأجهزة ليست موجودة بشكل ملاصق لرأسنا طوال الوقت كما هو الأمر مع النظارة.
بالإضافة لذلك فإن النظارة لم تحمل أي قيمة مضافة للمستخدم ولم تأت بأي شيء جديد، بحسب غوغل فإن النظارة وجدت لغرضين أساسين وهما الميزتين الأساسيتين وشبه الوحيدتين في المنتج(5)، أولهما التقاط الصور بشكل آلي سريع وثانيهما الوصول للمعلومات من الإنترنت بأسلوب مبسط وسريع، وبالتالي النظارة لم تحل أي مشكلة ولم تأت بأي جديد للمستخدم كون تلك الوظيفتين وأكثر موجودتين في الهواتف التي نحملها، الأمر الذي جعل الكثيرين يرون أن دفع مبلغ 1500 دولار مقابل هذا المنتج من الترف والبذخ اللاداعي له كليا.
هو جهاز مشغل وسائط متعددة كانت قد أطلقته مايكروسوفت ليكون منافس الأيبود من آبل، إلا إنه لم يكن كما أرادت له مايكروسوفت. الجهاز أتيح في الأسواق عام 2006 بينما الأيبود كان موجودا منذ عام 2001، بالإضافة إلى أن آبل كانت قد باعت أكثر من 100 مليون نسخة من الأيبود عندما تواجد زون في الأسواق لأول مرة(6).
يكفيك أن تطلع على المعلومات السابقة لتخمن مدى احتمالية نجاح خطوة مايكروسوفت تلك لمنافسة آبل، اليوم يصنف جهاز مايكروسوفت زون من ضمن أخطاء الشركة وعثراتها حيث لم يحصل الجهاز في السوق على القيمة التي كانت تأملها مايكروسوفت كمشغل وسائط، بالإضافة إلى أن العائدات التي حققتها مايكروسوفت من هذا المنتج أيضًا ظلت دون المأمول حتى بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على إطلاقه مما دفع مايكروسوفت عام 2011 لإعلان وقف إنتاج المشغل وبيعه.
صحيح أنه قبل عام 2006 (سنة إطلاق زون من مايكروسوفت) كانت مشغلات الوسائط تعيش فترتها الذهبية وفي مقدمتها الأيبود من أبل، ولكن على ما يبدو إن مايكروسوفت لم تعط الكثير من الانتباه لسوق التقنية لتلك الفترة وكيف كانت تجري الأمور فيه، ففي عام 2006 كان قد بدأ بالفعل عصر الهواتف المحمولة، وصحيح أنها لم تكن أجهزة ذكية بالمعنى الحرفي لهذا المصطلح اليوم، ولكن كانت تستخدم الأجهزة المحمولة في تلك الفترة للاستماع للموسيقى وتشغيل الفيديوهات أي كان يمكنها القيام بكل مهمات مشغلات الوسائط وأكثر ولم يكن المستخدمون بحاجة لمشغل وسائط منفصل عن الهاتف المحمول، وبالتالي حتى الأيبود منافس زون كان في طريقه للانحسار.
وبغض النظر عن عامل الوقت، فإن المشغل ذات نفسه لم يأت بأي جديد للمستخدم عما كان موجودا لدى الأجهزة المنافسة، فضلا عن سوء التسويق والأسلوب المعقد لشراء وتحميل الوسائط من المتجر الخاص بالجهاز حيث كان يتوجب على المستخدم الحصول على بطاقات خاصة بمتجر زون ليتمكن من شراء وتحميل الوسائط من المتجر، الأمور التي آلت بالجهاز ليغدو أحد عثرات مايكروسوفت.
نظام التشغيل الخاص بالهواتف المحمولة من مايكروسوفت -أيضا- لم يكن قدره أفضل من مشغل الوسائط زون، كانت قد أطلقته مايكروسوفت عام 2010 بالتزامن مع نسخة "ويندوز7" الخاصة بالحواسيب، ثم صدر تحديث جديد عام 2014 حمل اسم ويندوز فون8، وظهر الإصدار الأخير ويندوز فون 10عام 2015، وذلك قبل أن تعلن مايكروسوفت رسميا في (أكتوبر/ تشرين الأول) من العام الماضي نهاية نظام التشغيل هذا بكافة إصداراته مع الإبقاء على الأجهزة التي تعمل به على وضعها الحالي(7).
وعلى الرغم من طول عمر نظام التشغيل هذا نسبيا والذي امتد نحو 7 سنوات إلا إنه لم ينجح في أفضل حالاته في تشغيل أكثر من 2.5% من إجمالي الأجهزة الذكية الموجودة في العالم، في حين سيطر نظامي التشغيل الخاصين بغوغل وأبل على باقي حصة السوق(8). عامل الوقت عاد وفرض تأثيره مع مايكروسوفت ثانية، إذ كان أهم العوامل التي أدت إلى فشل ويندوز فون فلم تظهر مايكروسوفت بنظامها الجديد إلا وكانت غوغل بنظام أندرويد وأبل بنظام أي أو إس قد فرضتا سيطرتهما على الحصة الأكبر من السوق.
بالإضافة إلى فشل مايكروسوفت في إقناع مصنعي الأجهزة الذكية باستخدام Windows Phone كنظام تشغيل رئيسي على أجهزتهم، وقلة التطبيقات المتوفرة لهذا النظام بالمقارنة مع أنظمة أندرويد وأي او اس الأمر الذي لم يقنع حتى مطوري التطبيقات من التوجه إلى متجر ويندوز فون، فكان ما كان بنظام التشغيل هذا.
"HD DVD" هي صيغة لتشغيل الفيديوهات عالية الدقة كانت قد ظهرت عام 2006 بدعم من شركة توشيبا الشهيرة والغنية عن التعريف في مجال الصناعات التقنية، وأرادت لهذه الصيغة توشيبا أن تكون وريثة الصيغة الشهيرة "DVD" التي كانت تستخدم على نطاق واسع في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي كوسيلة تخزين فيديو رقمية عالية الفعالية. إلا أن "HD DVD" سجلت قصة فشل أخرى في مجال التقنيات خلال السنوات الأخيرة. حيث أعلنت الشركة المصنعة وهي توشيبا هنا عام 2008 وقف إنتاج ودعم هذا الشكل من الصيغ الرقمية بعد صراع مع المنافس والند صيغة بلو-راي "Blu-ray" المملوكة لسوني.
بعض التحليلات الاقتصادية في المجال التقني تقول إن توشيبا خسرت نحو مليار دولار خلال دعمها لهذه الصيغة قبل أن تتخلى عنها(9). هناك العديد من الأسباب التي أدت بمنتج توشيبا هذا إلى هذه النهاية لعل أبرزها المنافس القوي وهو سوني بصيغة بلو-راي الخاصة بها، فبالإضافة إلى أن سوني تملك استديو خاص بها فهي نجحت كذلك في إقناع العديد من كبار أستديوهات ومنتجي أفلام باستخدام صيغتها الرقمية للفيديوهات التي ينتجونها، وكان إعلان شركة "Warner Bros" إحدى أكبر شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي في العالم تبنيها لصيغة بلو-راي من أجل إنتاجها السينمائي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ومكنت سوني من كسب المعركة ضد توشيبا بهذا الخصوص.
أما من وجهة نظر توشيبا فكان لها رأيها الخاص لأسباب هذا الفشل(10)، وهو ما وفرته الثورة التكنلوجية التي مكنت المستخدمين من تحميل الفيديوهات والأفلام عبر العديد من الأساليب غير القانونية مما دفع بمجال صناعة الأفلام والصيغ الرقمية إلى هذا التدني والخسارة بالتالي، إلا أنه على الرغم من صحة هذا الكلام لا يمكن أخذه بالكثير من الحسبان لأن هذا السبب أضر بسوني التي نجحت في هذا المجال بالقدر ذاته من الضرر الذي مس توشيبا ومنتجها ذاك.
على العموم تبقى محطات الفشل جزءا أساسيا من منظومة النجاح التي يمكن لشركة أو مؤسسة ما أن تصل إليها، وعلى الرغم من الأسباب الواقعية لأي من قصص الفشل هذه التي تطرقنا إليها أو حتى لأي من غيرها فهذا لا يعني بتاتا أن مرحلة التعثر التي قد تمر بها شركة ما هي خطيئة كبرى أو نكسة نهائية، فمن الطبيعي أن تمر الشركات بمراحل تعثر بين فترة وأخرى لأسباب كثيرة ما بين سوء قراءة للسوق والمستقبل المنظور كما حصل مع مايكروسوفت، أو رغبة مبالغ فيها لتقديم منتج ثوري كما حصل مع غوغل في نظارتها أو غير ذلك من الأسباب.
الأمر الأهم من كل هذا هو ما يمكن أن نتعلمه ونتقنه من دروس وعبر في عالم الشركات وريادة الأعمال ونسقطها على أوضاعنا سواء مشاريعنا الخاصة التي نعمل أو نفكر في العمل عليها أو حتى في حياتنا المهنية عموما والجانب العملي والوظيفي منها.