الثريا.. نجوم مقدسة تكشف تاريخ الشمس
تحكي العرب عن فتاة جميلة تود الزواج من رجل ثري؛ لكن يقع في حبها شاب فقيرا يسمي الدبران، ظل يجري خلفها لعلّها ترضى عنه؛ لكنها كانت ترفضه في كل مرة فرُفعا للسماء معا؛ ليظل يطاردها فلا تقبل للأبد، حيث قالت العرب في ذلك "أوفى من الدبران وأغدر من الثريا"، وكانوا يظنون قديما أن هطول المطر أثناء شروق الثريا أو غروبها يجلب الثروة.
أشار إليها الصينيون قبل ألفي سنة وأطلقوا عليها اسم "رأس ماو"، وذكرها هوميروس في الإلياذة، تخيلتها الميثولوجيا اليونانية كأخوات سبع1 حولهن زيوس إلى سرب حمام للهروب من الصيّاد أورايون فلم يتركهن، فحوّلهن زيوس بعد ذلك إلى سبعة نجوم، ورُفع الصياد كذلك للسماء لتستمر المطاردة الأبدية، كانت للتجمع النجمي الشهير "الثريا" إشارة في كل حضارة ظهرت على وجه البسيطة، فلا يمكن لأحد أن يمر عليها بعينيه دون تأمل، فهي المجموعة الوحيدة من النجوم في سماء الليل التي تتخذ هذا الشكل.
أنت تعرفها بالفعل إنها تلك المجموعة الصغيرة المكونة من ست نجوم صغيرة للغاية ملتصقة ببعضها البعض كأنها خطّاف صنارة صغير، غالبا ما تكون أول ما يلفت انتباهك في سماء الشتاء بعد الجبار، وربما تساءلت عنها كثيرًا، يمكن لك رصد التجمع بشكل جيّد في الفترة بين أكتوبر وأبريل، أما في في مايو فتغرب سريعا بعد الشمس.
اخرج لسطح المنزل أو للبلكون "الشرفة" في أية ليلة خريفية أوشتوية صافية وتأمل كوكبة الثور، إن كنت مبتدئا ربما ستود الحصول على مساعدة تطبيق الهواتف النقالة الشهير (Google Sky Map)، كل ما تحتاجه هو تفعيل التطبيق على جهازك ورفع الهاتف للسماء والبحث عن الثريا (Pleiades)، سوف تظهر بوضوح بجانب العملاق الأحمر العظيم "الدبران"، دعنا في هذا التقرير نتعرف على ذلك التجمع النجمي الأشهر بصورة أكثر قربًا ومتعة.
تحتوي الثريا على ما يقرب من ثلاثة آلاف نجم، لكن ألمعها هي2 الأخوات السبع (ستيروبي، ميروبي، أيلكترا، مايا، تايجيتا، كيلاينو، ألكيوني، مع أبوهم وأمهم أطلس وبليوني)، وتتخذ النجوم التسعة شكلا مصغرا للمغرفة من كوكبة الدب الأكبر، وتقع جميعها في قطر سبع سنوات ضوئية فقط، تتنوع درجات لمعان المجموعة الظاهري، تسبب ذلك في نوع شهير من المسابقات طالما استخدمه البشر لتحديد قوة البصر على مدى الحضارات، دعنا الآن نختبرك كم نجمة من الثريا يمكن أن ترى بعينيك؟
يبدأ الشخص العادي بإجابة شهيرة للوهلة الأولى خمسة نجوم، بالفعل يقع لمعان النجوم من ألكيوني (ألمع نجوم التجمع) إلى ميروبي -انظر الجدول- بين 2.9 و4.2 وهي الأقرب لمدى رؤية العين المجردة، مع بعض التدقيق والانتظار لمدة قصيرة في الظلام يمكن أن نمد الخط لضم تايجيتي فنعد ستة نجوم، وهو المعدل الطبيعي، أما عن القفزة نحو سبعة نجوم-بضم بليوني- فهي حالة نادرة تدل على حدة بصر صاحبها، ليس فقط لأن لها قدرا ظاهريا يتخطى 5 ولكن أيضا لأنها تقع بجانب أطلس، يمكن لك أن تستخدم الخريطة المرفقة لرصد الثريا والتعرف عليها بعينيك المجردتين، لاحظ أن البعض رأى أكثر من سبعة نجوم، كم نجما ترى؟
تولد النجوم في سحب الغاز والغبار الجزيئية الضخمة الموجودة في الفضاء البين-نجمي، في غالب الأمر لا تولد بشكل منفرد؛ لكن كتجمعات من النجوم تتغذى معًا على هيدروجين السحابة، حينما يحدث ذلك تسمى تلك التجمعات المولودة معا "تجمعات مفتوحة "3، وهي تختلف عن نوع آخر من التجمعات يدعى "التجمعات العنقودية"، تحتوي تلك التجمعات على مدى واسع من أعداد النجوم بداية من عشرة حتى عدة آلاف أو مئات الآلاف، يفصل بينها مسافات قصيرة للغاية، وتتنوع في أعداد نجومها وأنواعها وأعمارها وحجم التجمع.
الثريا هي أحد تلك التجمعات وهي في الواقع أقرب تجمع مفتوح للأرض؛ حيث تقع على بعد حوالي 450 سنة ضوئية حسب آخر الدراسات؛ مما يجعلها فرصة جيّدة للفلكيين لدراسة ماضي الشمس، فلقد تكوّنت الشمس من تجمعات مشابهة، بقيت مرتبطة معا عبر قوى الجاذبية فيما بينها لعدة مئات من الملايين من السنين، ثم انفصلت عن بعضها البعض، يطارد الفلكيون حاليا 30 مرشحا مختلفا من النجوم في سماء الليل يعتقد أنهم إخوة الشمس في نفس التجمع منذ ما يقرب من 4.5 مليار سنة، وسوف تحتاج نجوم الثريا صغيرة السن إلى ما يقرب 250 مليون سنة قبل أن تتفكك روابطها ويذهب كلٌ لحاله.
الأقزام البيضاء هي فئة من النجوم من المفترض أن تتواجد في مرحلة متقدمة من عمر بعض الأنواع من النجوم تصل إلى مليارات الأعوام |
تقع نجوم التجمع ضمن التصنيف الطيفي B، فهي عمالقة زرقاء ساخنة شديدة اللمعان، تستهلك تلك النوعية من النجوم وقودها من الهيدروجين سريعا، وتنتهي بسبب ذلك ربما لنجم نيتروني أو ثقب أسود بعد عمر قصير نسبيا، عدة مئات من الملايين من الأعوام مقارنة بعدة مليارات لنجم عادي.
كذلك يحتوي التجمع على أنواع أخرى من النجوم تدعى أقزام بيضاء وأقزام بنيّة، الأقزام البنية هي تلك التي لا تكفي كتلتها للحفاظ على تفاعلات اندماج نووي لحرق الهيدروجين في مركزها كنجوم التسلسل الرئيس، وتمثل 25% من التجمع مما يجعل منها فرصة جيّدة جدا للباحثين لدراسة هذه الحالة الخاصة من النجوم.
ويظل تواجد تلك الأقزام البيضاء في التجمع بعدد كبير، لغزا تحاول بعض الفرضيات إيجاد حل له، فالأقزام البيضاء هي فئة من النجوم من المفترض أن تتواجد في مرحلة متقدمة من عمر بعض الأنواع من النجوم تصل إلى مليارات الأعوام، كيف يمكن إذن أن تتواجد في تجمع عمره حوالي مئة مليون سنة؟
في أواخر 2007 أعلن باحثون من مرصد جيمني4 في هاواي بالتعاون مع التلسكوب سبيتزر أن هناك نجمين في التجمع، HD 23514 و BD +20 307 قد بدأت السحب المحيطة بهم بالفعل في تكوين كواكب صخرية؛ حيث تم رصد تجمعات صخرية بحجم المذنبات أو الكويكبات الصغيرة، تلك التي تبدأ في الارتطام والتجمع حتى تصل في النهاية لمرحلة الكواكب، أعمار النجمين تتراوح من 100 إلى 400 مليون سنة، نحن إذن أمام ميلاد جديد لمجموعات شمسية.
حينما تحاول التقاط صورة للثريا بتعريض طويل سوف تلاحظ فورا تلك السحب السديمية الخفيفة التي تظهر حول نجوم التجمع الرئيسة، أكبرها حول ميروبي، تتلون السحب بالأبيض المائل للزرقة بسبب ضوء نجوم التجمع الزرقاء الساخنة.
كان المعتقد أن تلك السحب هي ما تبقى من السديم الأوّلي الذي تكون التجمع فيه قبل 70- 120 مليون سنة في عصر الديناصورات، لكن هناك الآن دلائل تؤكد أن هذه السحب لا علاقة لها بنجوم التجمع، لكنه فقط يمر بها في أثناء سيره، كما تمر سيّارة ببعض الدخان على الطريق، تتحرك الثريا ببطء مقارنة بالتجمعات الأخرى وتتجه حاليا ناحية قدم الجبار.
يسمى السديم حول ميروبي بسديم ميروبي5، وسديم تمبل نسبة إلى الفلكي الألماني ويليام تمبل الذي اكتشفه عام 1859 باستخدام تلسكوب 4 بوصة فقط، وهي أوضح جزء في تجمع الثريا، ويحتوي السديم على عقدة جانبية لامعة سمّيت بعد ذلك IC 349 اكتشفها إدوارد بارنارد سنة 1890 بتلسكوب 35 بوصة، وتبتعد عن النجم ميروبي حوالي 06 سنة ضوئية، يسمّى السديم هنا سديما انعكاسيا؛ لأنه يعكس ضوء النجم القريب منه (ميروبي) لذلك يلمع بلون العملاق الأبيض – أزرق الرائع.
الثريا هي تجمع النجوم المفتوح الأشهر في سماء الليل، تجتذب المبتدئين والمحترفين على حد سواء لتأمل روعتها بالعين المجردة وبالنظارات المعظّمة، وتعتبر هدفًا أساسيا لكل مبتدئ مع تلسكوب صغير؛ حيث تظهر كمجموعة من اللآلئ اللامعة الممتعة، لذلك لا تمل أبدا من تكرار توجيه تلسكوبك ناحيتها مهما امتلك من القدرة على سبر أغوار الكون بالأعلى، فالثريا ثريا.
من الممتع حقا تصور أن الضوء القادم من تجمع الثريا، والذي نراه بأعيننا الآن، خرج منه منذ ما يقرب من 400- 450 سنة، ربما في اللحظة التي وجه جاليليو لأول مرة في التاريخ سنة 1608 تلسكوبا إلى السماء، وقال سايجن ذات مرة إن الثريا خرجت للوجود مع خروج الوردة الأولى على سطح الأرض قبل ما يقرب من مئة وثلاثين مليون سنة.
بالفعل كانت الثريا دائما ذات أثر عظيم رومانسي على كل البشر، حتى إن الشاعر الإيراني الشهير حافظ الشيرازي قال ذات مرة لصديق له مادحا شِعره "لقد طبعت الورود المتلألئة للثريا على قصائدك ختم الخلود".