5 تمارين لليقظة الذهنية تساعدك على التغلب على التوتر أيام الامتحانات
تمر أيامنا أحيانا دون أن نشعر كيف مرت، هل حقا عشنا تلك اللحظات، يخيل إلينا أن أحدا غيرنا هو الذي مر بها، هل تعرف هذا الشعور؟ ما حدث في الحقيقة هو أننا استغرقنا في التفكير في الماضي أحيانا وفي المستقبل أحيانا أخرى، فمضى الحاضر دون أن نشعر، هذا بالضبط ما يُفقدنا التركيز ويسمح للقلق والتوتر بالسيطرة على عقولنا، وهذا تحديدا ما تعمل اليقظة الذهنية على أن تجنبنا تأثيره السلبي. فكيف يمكنك التدرب على اليقظة الذهنية لتتخلص من التوتر والقلق؟
"اليقظة الذهنية" أن تكون هنا
تعني اليقظة الذهنية تركيز الوعي على اللحظة الحالية، والانتباه إلى مشاعرك وأفكارك والبيئة المحيطة بك في الوقت الحاضر بنوع من التقبل، بحيث لا تستغرق في اجترار الماضي، ولا تنشغل بالتطلع إلى المستقبل، فتفقد وعيك بالوقت الحاضر. اليقظة ببساطة هي أن تعمل على زيادة الوعي بالمحفزات الحسية، فتلاحظ التنفس والحواس والأفكار(1).
غالبا ما تتعلق الأفكار التي تسبب لنا القلق بالماضي أو المستقبل، واليقظة تعني أن تكون أكثر وعيا باللحظة الحالية، إنها تحميك من الاستغراق في الأفكار التي تسبب لك التوتر، وتمكّنك من تجاوز سيطرة الأفكار السلبية، فتكون قادرا على إدراك مشاعرك بشكل جيد دون إصدار الأحكام، ومن ثم التعامل معها.
رغم أن أصولها تعود إلى الفلسفة الشرقية والبوذية، فإن تمارين اليقظة والاستمتاع بفوائدها لا تتعلق بالاعتقادات الدينية، بل انفصلت حاليا لتصبح نمطا علاجيا واعدا قد يسهم في علاج بعض الاضطرابات النفسية، ويمكن لأي شخص الاستفادة منه كذلك، الفكرة الأساسية هي الوعي باللحظة الحالية، وهناك أشكال مختلفة تقوم عليها تمارين اليقظة؛ تأمل مسح الجسم، وتأمل التنفس، وتأمل الملاحظة(2)(3).
هكذا تفيدك اليقظة
في دراسة نشرتها مجلة "نيتشر هيومن بيهافيور (Nature Human Behaviour)" حول فعالية التدخلات النفسية في تحسين الحالات العقلية وتحقيق الرفاهية، بناء على نتائج نحو 400 دراسة سابقة، كشفت الدراسة فعالية أكبر لليقظة الذهنية وتأثيرها الإيجابي على الصحة العقلية بشكل يساعد على تحسين الصحة الجسدية والنفسية. وضع جون كابات زين، الأستاذ بكلية الطب بجامعة ماساتشوستس، برنامجا للحد من الإجهاد قائما على اليقظة (MBSR)، وقد لاحظ الباحثون زيادة كثافة مناطق الدماغ المرتبطة بالتنظيم والتحكم العاطفي لدى عدد ممن خضعوا للبرنامج لعدة أسابيع(4).
تساعدك اليقظة على إرخاء الجسم والعقل وتقليل التوتر. قضاء كثير من أوقاتنا في التخطيط للمستقبل أو حل المشكلات أو أحلام اليقظة أو التفكير في الماضي وهجوم الأفكار السلبية يرهقنا تماما، ويعرضنا لخطر الاكتئاب. ممارسة تمارين اليقظة تهدئ هذا الضجيج، وتوجه انتباهنا بعيدا عن هذا النوع من التفكير، وتساعدنا على التفاعل مع العالم(5). وكذلك تأمل الأفكار والمشاعر بتوازن وقبول أكبر؛ ما يعزز قدرتنا على الانتباه، ويقلل الإرهاق الوظيفي. في دراسة نشرتها دورية "جورنال أوف كلينيكال سايكاتري (The journal of clinical psychiatry)"، تمت دراسة تأثير اليقظة في أعراض اضطرابات القلق لدى عدد من المصابين باضطراب القلق العام، ليجد الباحثون انخفاضا في أعراض القلق، وقدرة أكبر على التعامل مع الضغوط اليومية، بعد التدخل القائم على اليقظة لعدة أسابيع(6).
ما تفعله بنا اليقظة تحديدا هو أنها تقلل استجابة الجسم للتوتر، فتغير نشاط الدماغ في المناطق المرتبطة بتنظيم الانتباه والعاطفة، وهكذا نصبح أقل عرضة للتفاعل مع الأفكار السلبية والاستغراق في التفكير فيها مرارا وتكرارا، كما تقل ردود الفعل العاطفية غير المفيدة في أوقات التوتر، ونصبح أكثر قدرة على التركيز في الحاضر(7).
كما تلقي لحظات اليقظة الذهنية بظلالها على علاقاتنا. في دراسة نشرتها مجلة "جورنال أوف ماريتال آند فاميلي ثيرابي (journal of marital and family therapy)"، أشار الباحثون إلى أن اليقظة تلعب دورا في رفاهية العلاقات، إذ تسهم في تحقيق قدر أعلى من الرضا، وتدعم القدرة على الاستجابة لضغوط العلاقات بشكل أفضل، كما تدعم جودة التواصل خلال مناقشة المشكلات، وتعزز التناغم والاتصال والتقارب، كما يسهم الانتباه الذي تساعد فيه اليقظة على تعزيز القدرة أو الرغبة في الاهتمام بأفكار الشريك ومشاعره ورفاهيته، ومواجهة المشكلات والضغوط باعتبارها تحديات وليست تهديدات(8).
وأشارت دراسة نشرتها دورية "نيويورك أكاديمي للعلوم (annals of the new york academy of sciences)" إلى أن تأمل اليقظة يؤدي إلى تحسن كبير في جودة النوم، ويعالج بعض جوانب اضطرابات النوم بتأثيرها المعروف في اضطرابات المزاج والقلق وضعف الإدراك(9).
في هذه اللحظات اِلجَأ إلى اليقظة
حين تعاني من مشاعر القلق أو التوتر، أو حين تشعر بالتشتت وصعوبة التركيز، وحين تسيطر عليك المشاعر السلبية، يمكنك التفرغ لدقائق فقط لممارسة أحد هذه التمارين:
- التمرين الأول/ استمع إلى الأصوات (دقيقتان)
اجلس في مكان مريح وعيناك مفتوحتان أو مغمضتان لدقيقة واحدة، وابدأ في التركيز في الأصوات المتداخلة المحيطة بك، تأمل في كل صوت على حدة، صوت مكيف الهواء، دقات الساعة، آلة تنبيه لسيارة عابرة، صياح أحدهم أو همهمات آخر، قرقرة معدتك، طائرة تمر فوق المبنى، بعد أن تمر الدقيقة، اترك كل هذه الأصوات في الخارج وفكّر في الصوت داخلك، تأمل الهدوء والاسترخاء وصفاء الذهن، ولاحظ كيف تتغير حالتك الذهنية.
من المهم أن تدرك، في هذا التمرين أو التمارين الأخرى، أنك في البداية ستجد بعض الصعوبة في الأمر، ما إن تبدأ التمرين حتى يتشتت انتباهك للسفر في أحلام اليقظة، حينما تكتشف حدوث ذلك فقط يمكن أن تسحب نفسك للتمرين مجددا، دون إطلاق أحكام، فقط عد واستمر في تأملك، ومع الوقت ستتعود على التمرين بتركيز أكبر على اللحظة الحالية.
- التمرين الثاني/ ركّز في أنفاسك (5 دقائق)
أغمض عينيك وأوقف كل ضجيج دماغك وتتابع الأفكار داخله لثوانٍ فقط، ركز على الشهيق والزفير، واحد اثنان، ثم شهيق آخر وزفير، ثلاثة أربعة، تابع العدّ، ودع الهواء يتخلل جسمك، واحرص على ملء بطنك بالهواء لتحصل على الشعور بالاسترخاء، بالطبع سوف تعود الأفكار لتتسلل داخل رأسك؛ أمر يقلقك أو فصل لن تجد وقتا لتنتهي منه، دع الأفكار جانبا بتركيز وتابع العد من جديد لتركز في الأرقام لا في الأفكار، بعد خمس دقائق، افتح عينيك وتأمل ما حولك، ستلاحظ قدرتك على إدراك اللحظة وشعورك بالهدوء وصفاء الذهن.
- التمرين الثالث/ تأمل أفكارك (5 دقائق)
أغمض عينيك لمدة 3-5 دقائق وركز على كل الأفكار التي تمر في عقلك دون أي محاولة لتغييرها، فقط راقب، بعدها ركز في ما يشعر به جسمك، كيف هي نبضات القلب، وانتظام التنفس، إن هذا يعني شيئا في تفاعلك مع تلك الأفكار، لا تتوقف كثيرا، فقط لاحظ مدى قوة بعض الأفكار، تخيل أنها تعبر أمامك، ودعها تمر، لتظهر فكرة أخرى وتمر أيضا، الهدف أن تعي جيدا مدى تأثير تلك الأفكار وقدر سيطرتها عليك، هذه اللحظات سوف تساعدك على مواجهة التحديات اليومية والضغوط الشديدة بطرق أكثر فاعلية(10).
- التمرين الرابع/ تواصل مع أعضاء جسمك
استلقِ على ظهرك ومدد رجليك وذراعيك على جانبيك، وافتح راحتَي يديك إلى الأعلى، والآن ركز انتباهك ببطء وبشكل متعمد على كل جزء من جسمك من الأعلى إلى أسفل، وركز في ما يشعر به كل جزء في الجسم، وما هو شعورك نحوه وأفكارك المرتبطة به، وما الذي تستقبله الحواس الخمس في تلك اللحظة، ماذا تسمع، وماذا تشمّ، هل تشعر بالارتياح، هل ترى أنه يمكنك التخفيف من أي شعور بعدم الراحة تحسه في أحد أجزاء الجسم؟ إدراكنا لجسمنا يزيد من قدرتنا على إدراك اللحظة الحالية والانتباه لكل ما تتلقاه أجسامنا من إشارات.
- التمرين الخامس/ المشي
في مكان هادئ ابدأ في المشي ببطء، وركز في تجربة المشي، حركة الجسم، وإحساسك عند الوقوف، والحركات الخفية التي تحفظ توازنك. عند نهاية المسار، الذي عادة ما يكون ٣-٦ أمتار، استدر وأعد التجربة وواصل تأمل ما يحدث عندما تمشي(11).
في كل ما حولك يمكنك ممارسة اليقظة الذهنية على طريقتك
مع محاولاتك للتركيز في الحاضر سيهدأ ذلك الصوت بداخلك، لست بحاجة إلى إسكاته تماما، فقط لأن تعي جيدا ما يقوله لك، ثم تعود للتركيز في الحاضر، بحيث لا تستسلم للشرود المتواصل الذي ينسيك أن تعيش اللحظة الآنية، فتمر دون أن تأخذ ما تستحقه من الانتباه، سوف تلمس الفارق الذي تحدثه تلك اللحظات البسيطة في يومك، وكيف تجعلك أكثر وعيا بأفكارك ومشاعرك.
إذا كنت لا تفضل ممارسة التمارين بهذا الشكل، فلديك الكثير من التمارين الأخرى، هناك العديد من تقنيات اليقظة الذهنية متاحة دائما يمكنك دمجها في حياتك اليومية، وهي تساعدك على التركيز في اللحظة الحالية وتهدئة الحوار الداخلي؛ أثناء ممارسة الرياضة مثلا لا تحاول الانشغال بالموسيقى، ركز على العضلات التي تتحرك، وفي الشعور الذي تمنحه لسائر أعضاء الجسم. أثناء قيادة السيارة لا تنشغل بتشغيل الموسيقى، وحاول تـأمل الطريق وتفاعل يديك مع المقود. وقبل اجتماع مهم فقط خذ دقائق قليلة لتأمل الحاضرين في الاجتماع.
في أنشطة أخرى مثل غسل الصحون، يمكنك إضافة عنصر اليقظة لتكون أكثر وعيا بما تفعله، ركز في تأثير التجربة على حواسك، استشعر الماء على يديك، شكل فقاعات الصابون، ورائحة منظف الأطباق، ووزن الأطباق وملمسها وصوتها حين تحركها في الحوض. استخدام الحواس الخمس سيساعدك على الشعور باللحظة الحالية وتقليل القلق وتعزيز الاسترخاء، يمكن لك ممارسة اليقظة أثناء رعاية الورود في الشرفة، أو تنظيف المنزل(12).
الآن وبعد أن لمست تأثير تلك الدقائق القليلة في شعورك بالهدوء، يبقى السؤال: كم مرة عليك أن تمارس تمارين اليقظة لكي يظهر أثرها الإيجابي؟ يعتمد هذا على نوع تمارين اليقظة التي تخطط للقيام بها، لكن الخبراء ينصحون بأن تمارسها كل يوم، باعتبارها التزاما منك نحو ذاتك للتواصل معها ورعايتها، بعد 6 أشهر ستكون ممارستها أسهل وستعتادها وتلمس تأثيرها في كل جوانب حياتك، ستحتاج فقط إلى تخصيص وقت يمكنك فيه أن تكون في مكان هادئ دون أن يشتت انتباهك أمر ما، قد تكون دقائق في بداية اليوم مناسبة لتكون ضمن عاداتك اليومية(13).
_______________________________________________
المصادر:
- A systematic review and meta-analysis of psychological interventions to improve mental wellbeing
- What Is Mindfulness?Mindfulness Practices to Lower Anxiety
- Benefits of Mindfulness
- A systematic review and meta-analysis of psychological interventions to improve mental wellbeing
- Mindfulness exercises
- Randomized Controlled Trial of Mindfulness Meditation for Generalized Anxiety Disorder: Effects on Anxiety and Stress Reactivity
- Mindfulness meditation: A research-proven way to reduce stresshttps://www.apa.org/topics/mindfulness/meditationThe role of mindfulness in romantic relationship satisfaction and responses to relationship stress
- The effect of mindfulness meditation on sleep quality: a systematic review and meta-analysis of randomized controlled trials
- Mindfulness Practices to Lower Anxiety
- Mindfulness exercises
- What Is Mindfulness?
- Mindfulness exercises