كيف أصبحت صناعة السكر توازي كوارث صناعة التبغ؟

مقدمة المترجمة

لا يخفى حتى على أكثر المدخّنين شراهة خطر التبغ على صحّتهم والأثر الصحي المدمر للتبغ على الإنسان والكوكب الذي يعيش فيه، فكيف يمكن للتبغ أن يتشابه مع السكر؟ هل يمكن لتلك الحبيبات حلوة المذاق أن تدمر الكوكب وتهلك صحة الإنسان وتضر الحياة اليومية لملايين من البشر؟

نص التقرير

عندما تنظر للوهلة الأولى إلى ملعقة صغيرة من بلورات السكر البيضاء الساطعة، فلا شك أنه لن يخطر ببالك أبدا أن هذا الشيء حلو المذاق، له أثر عظيم على الصحة العامة والبيئة ومجموعة متنوعة من الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، أكثر من أي سلعة زراعية أخرى.

بانتشاره في أوروبا وأميركا الشمالية بعد القرن السادس عشر، تحوّل السكر من منتج رفاهية إلى منتج يستخدمه الناس يوميا، حتى الفقراء منهم، ومع ذلك فإن الطلب المتزايد والاستهلاك الزائد للسكر اليوم يظهران بعض الآثار الخطيرة على صحة الإنسان ويحدثان ضررا هائلا على البيئة.

وتعد صناعة السكر صناعة مربحة إلى حد بعيد لعدد قليل ممن تمكنه سلطته من السيطرة على رسم السياسات، مما يلقي بالظل على انتهاكات حقوق الإنسان والصحة والصالح العام فضلا عن تآكل وتدهور الأراضي والغابات وشبكات المياه وجودة الهواء.

وللعديد من الدول، يعد السكر أحد أهم مصادر الدخل القومي؛ حيث يمثل 70% من صادرات كوبا و40% من صادرات بليز (وفقًا لرابطة التجارة العادلة 2013). ومع ذلك، غالبا ما يفشل المزارعون العمال وصغار الملاك في تأمين عائد مناسب من عملهم ويكافحون من أجل كسب الرزق وتوفير حياة كريمة لأنفسهم ولأسرهم.

الطلب والاستهلاك الزائد للسكر يظهر بعض الآثار الخطيرة على صحة الإنسان (بيكسيلز)
الطلب والاستهلاك الزائد للسكر يظهر بعض الآثار الخطيرة على صحة الإنسان (بيكسيلز)

وقد جعلت قوانين التجارة الدولية التي تحكم واردات السكر من الصعب على صغار الملاك الوصول إلى الأسواق الأكثر ربحا في أوروبا وأميركا الشمالية. وتجبرهم على التنافس مع البلدان الأكثر قوة والأكثر ثراء ذات الموارد المالية الأكبر التي تكرسها لإنتاج السكر وزيادة القدرة السياسية لدعم صناعات السكر وتعزيزها (رابطة فيرتريد 2013).

وبالإضافة إلى ذلك، فقد واجه صغار المنتجين صراعا دائما على الأرض التي تعتمد عليها معيشتهم، بيد أنه من الواضح أن التغيرات في الطلب من الأغذية والطاقة والموارد الطبيعية، إلى جانب تحرير النظم التجارية، تجعل جميعها الصراع على وسائل الإنتاج، مثل الأرض، التي تزداد اتساعا على الصعيد العالمي، وتتفاوت تدريجيا، مما يؤدي إلى نزع ملكية الأراضي، وزيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، ويؤدي في النهاية إلى نقص التغذية والجوع والأمراض المزمنة والوفاة (أوكين 2011، هيومان ريتس واتش 2011).

وإلى جانب زيادة الطلب عن الإنتاج، جاءت مركزة ملكية الأراضي في العالم حتى في البلدان المتقدمة مثل المملكة المتحدة، حيث يتم توسيع أحجام المزارع بينما يتقلص عدد أصحاب الأراضي والأصناف المزروعة ذاتها. وفي أماكن أخرى مثل الهند ورواندا، أصبح المزارعون الذين كانوا يديرون مزارعهم الخاصة يعملون الآن بوصفهم عمالا في الشركات الكبرى، التي تستغلهم في كثير من الحالات من خلال منحهم أجورا منخفضة جدا، وعدم توفير السلامة المهنية لهم وحتى في بعض الحالات تجعلهم يعانون من الإساءة الجسدية، أو تشجع عمالة الأطفال.

ويؤدي نزع الملكية والضرر بصالح الإنسان إلى مجموعة من الآثار طويلة الأمد على عيش العمال الزراعيين مثل التعرض للإصابة وسوء الصحة، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى فقدان القدرة على الاستمرار بالعمل.

وفي حالة الأطفال الذين يعملون في المزارع، فإنهم ليسوا معرضين لخطر الإصابات أو الإجهاد أو الإرهاق أو الإساءة فحسب، بل يتعرضون أيضا لخطر الإصابة بالاضطرابات التنفسية على المدى الطويل نتيجة استنشاقهم للدخان الناتج من حرق القصب لتنظيف الحقول.

تٌفقد سنويا مساحات من الأراضي الزراعية تبلغ من 5 إلى 6 ملايين هكتار نتيجة تآكل التربة وتدهورها بسبب زراعة قصب السكر (رويترز)
تٌفقد سنويا مساحات من الأراضي الزراعية تبلغ من 5 إلى 6 ملايين هكتار نتيجة تآكل التربة وتدهورها بسبب زراعة قصب السكر (رويترز)

ويمكن للتعرض المباشر للمبيدات أن يسبب ضررا على بشرة الأطفال وعيونهم كما يمكنه إلحاق الضرر بوظيفة الجهاز التنفسي والصحة الإنجابية مع مرور الوقت (رابطة فيرتريد 2013). وتؤدي هذه الآثار الصحية المعيقة إلى جعل العمال غير قادرين على كسب أقل سبل العيش وإغراقهم وأسرهم في مزيد من الفقر والجوع.

ولا شك أن التربة والبذور والماء والأسمدة والمبيدات والعمالة كلها أعمدة مطلوبة لإنتاج محصول قصب السكر المربح، غير أن محاصيل السكر التي تدخل مجال الصناعة لها أيضا تأثير ضار على التنوع البيولوجي والنظام البيئي (أوكين 2011، الصندوق العالمي للطبيعة 2013، ناش 1993، ريبيتو أند باليغا 1996، منظمة الصحة العالمية 1990، غليك 1993).

وأفاد الصندوق العالمي للطبيعة أن مساحات من الأراضي الزراعية تبلغ من 5 إلى 6 ملايين هكتار تُفقد سنويا نتيجة تآكل التربة وتدهورها بسبب زراعة قصب السكر، وهو الأمر الذي يعرف بالزراعة أحادية المحصول، وهي عندما يتزايد زراعة محصول واحد عاما بعد عام على الأرض ذاتها دون دورة المحاصيل الأخرى عليها، مما يؤثر على الغلة المستقبلية واستدامة زراعة السكر، وبالتالي يهدد سبل رزق المزارعين وأولئك الذين يعملون في المزارع، ويعد تآكل التربة سببا آخر من أسباب الفقر الذي يؤدي إلى الجوع والنقص الغذائي وأخيرا إلى الصحة السيئة.

ونقص التغذية الذي يتضمن عدم تناول كمية كافية من السعرات الحرارية والبروتينات والعديد من الفيتامينات والمعادن الأساسية، هو مرض رئيس يرتبط بالتدهور البيئي، وهو يسود في المناطق التي تكون فيها الإمدادات الغذائية الإجمالية غير كافية، حيث يفتقر السكان إلى الموارد الاقتصادية لشراء الأغذية وحيث تقوض الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الإمدادات الغذائية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة السريعة في أعداد السكان تكثف مشاكل الإمدادات الغذائية عن طريق تقليص نصيب الفرد من الأراضي الزراعية (بيمنتل أند بيمنتل 1996).

وكثيرا ما يؤدي كل من التغييرات في التنوع الحيوي البيئي وغزو الأنواع الحية الغريبة الناجمة عن هذه التغييرات إلى تفشي الأمراض. وكانت العديد من الأمراض التي تم تحديدها في عام 1994- والتي ظهرت بسبب الأضرار البيئية- التهابات فطريات الكُرَوانِيّة ناجمة عن الكُرَوانِيَّةُ اللَّدودَة (وهي جِنْسٌ مِنَ الفُطْرِيَّات) والتي أثرت على أجزاء من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة؛ وارتفع عدد الحالات المصابة من حوالي 500 حالة في عام 1990 إلى قرابة خمسة آلاف حالة في عام 1992. ومع عدم وجود ضوابط فعالة معروفة، من المتوقع أن يستمر هذا المرض في الانتشار في المستقبل (مركز مكافحة الأمراض 1994).

 المواد الكيميائية المطورة حديثا زادت من أنواع وكميات المواد الكيميائية التي يتم إطلاقها في الهواء والتربة والمياه مما أدى إلى زيادة تلوث النظم الإيكولوجية وتسببت في مشاكل مرضية خطيرة (رويترز)
أدت المواد الكيميائية المطورة حديثا إلى زيادة تلوث النظم الإيكولوجية وتسببت في مشاكل مرضية خطيرة (رويترز)

ومع تآكل التربة يأتي التهديد من الرواسب التي تنجرف في أنظمة المياه وتدمر النظم البيئة (الصندوق العالمي للطبيعة 2013، ناش 1993، ريبيتو وباليغا 1996، منظمة الصحة العالمية 1990) غليك 1993. ويقوم الاستخدام الحديث للمواد الكيميائية القوية بكميات متزايدة لقتل الآفات بتلويث هذه الرواسب التي تسمم المياه والموارد المحيطة بها لمياه الشرب وتسبب الأمراض (الصندوق العالمي للطبيعة) – وتتعرض 15 من أصل 24 من خدمات النظم البيئية في العالم للتدهور أو تستخدم بشكل غير مستدام، وفقا لتقييم الألفية للنظم الإيكولوجية (2005).

وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن ثلاثة ملايين شخص يعانون من التسمم الحاد بالمبيدات سنويا، مما تسبب في وفاة 220 ألف شخص، وهو رقم لا يراعي آثار التعرض المزمن (منظمة الصحة العالمية 1992، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة 1990).

وبالإضافة إلى ذلك، فقد زادت المواد الكيميائية المطورة حديثا من أنواع وكميات المواد الكيميائية التي يتم إطلاقها في الهواء والتربة والمياه. وقد أدت هذه المواد الكيميائية إلى زيادة تلوث النظم الإيكولوجية وتسببت في مشاكل مرضية خطيرة، ففي جميع أنحاء العالم، يستخدم ما يقدر بمائة ألف مادة كيميائية مختلفة كل عام (ناش 1993). وتستخدم الولايات المتحدة أكثر من 2700 مليار كيلوغرام من المواد الكيميائية سنويا، منها 20 مليار كيلوغرام على الأقل تعتبر موادًا خطرة (المنظمة العالمية لمناهضي الحرب 1994) .

وحتى الحصاد يضر بالبيئة وصحة الإنسان؛ حيث يتعين حرق الكثير من محاصيل قصب السكر في العالم قبل الحصاد، وتطلق عملية الإحراق كميات كبيرة من الجسيمات والغازات السامة ويزيد من الصرف السطحي -حيث يمكن أن يحمل الصرف جزيئات التربة العالقة والمواد المغذية غير العضوية المذابة وغيرها من المواد في المجاري المائية والبحيرات المجاورة- مما يقلل من جودة المياه (أوف 2009).

وخلال موسم الإحراق، يغطي الدخان مساحات شاسعة من الأمازون حيث يزرع قصب السكر على نطاق واسع، مسببا احترار طبقة السحاب وبالتالي تقليل التيارات الصاعدة التي تشكل السحب؛ وللدخان قدرة على عكس الأشعة أقل من قدرة الغيوم، مما يسمح المزيد من الطاقة الشمسية للدخول في الغلاف الجوي والتأثير على المناخ، وقد تم الربط بين حرق المحاصيل وأعراض تهيج الشعب الهوائية (مثل السعال أو صعوبة التنفس)، وانخفاض وظائف الرئة، والربو، وتطور التهاب الشعب الهوائية المزمن، وعدم انتظام ضربات القلب، والنوبات القلبية، والوفيات المبكرة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب أو الرئة (جامعة فلوريدا 2009).

تشهد كل من البلدان المتقدمة والنامية زيادات في حالات السمنة والأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان
تشهد كل من البلدان المتقدمة والنامية زيادات في حالات السمنة والأمراض المزمنة.

وبما أن صناعة السكر تحظى بطلب مرتفع ولها أرباح واسعة، فإنها مرحب بها في كثير من البلدان النامية التي تأمل في الوصول إلى الأسواق والأرباح العالمية. ويتيح افتتاح المزارع ومصانع التجهيز فرص عمل كثيرة، كما يقدم فوائد إيجابية لبلدان مثل كولومبيا، حيث تعد مصانع السكر قوة دافعة رئيسة للاقتصاد، وخاصة في العمالة والضرائب والناتج المحلي الإجمالي (فيديزارولو 2009). ومع ذلك، فإن عمال المزارع هم من أكثر القطاعات تعرضا للاستغلال في الطبقة العاملة (ماجكا وماجكا 2000: 163) بأجور متدنية، وظروف معيشية سيئة وفوائد محدودة، وغياب الحماية من بيئات العمل السامة (ويس 2007، شيفا 2004).

وعلى الجانب الآخر، نجد الأضرار التي لحقت بصحة أولئك الذين يستهلكون السكر؛ فقد تغيرت النظم الغذائية في جميع أنحاء العالم بشكل كبير مع تقدم التكنولوجيات والنقل والابتكار. ومع ذلك، مع النظام الغذائي الجديد من الوجبات السريعة، تشهد كل من البلدان المتقدمة والنامية في وقت واحد زيادات في حالات السمنة والأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان المرتبطة بالنظم الغذائية ذات النسب العالية من الملح والسكر والدهون المضرة (الزيوت المهدرجة مثالا) نيلد 2014، إيبيرلي وآخرون. 2007، ماليك وآخرون 2010، (المكتب الفيدرالي للصحة العامة، 2007، معهد أبحاث علوم الحاسب 2013، يودكين 1986).

ويستهلك الفرد البالغ في المملكة المتحدة حاليا حوالي 30 كيلوغراما من السكر سنويا. غير أن منظمة الصحة العالمية تقترح ألا يستهلك الكبار البالغين أكثر من 10% من السعرات الحرارية اليومية من السكر (منظمة الصحة العالمية 2003). ومع ذلك، تشير التحاليل الحديثة إلى أن الأطفال والمراهقين يحصلون على حوالي 16% من إجمالي السعرات الحرارية من السكريات المضافة (إرفين وآخرون 2009). والمثير للدهشة أن هذا السكر لا يستهلك فقط في الأطعمة التي تحتوي عليه في العادة، مثل الحلويات والمشروبات الغازية، بل هو أيضا موجود الآن في الزبادي والمشروبات الرياضية والخبز واللحوم المصنعة.

واليوم، نستهلك 19٪ أكثر من السكر مما كنا نفعل في عام 1970 (بارك 2010). وذكر تقرير السكري في المملكة المتحدة 2011/2012: "يتفق معظم خبراء الصحة على أن المملكة المتحدة تواجه زيادة كبيرة في عدد المصابين بمرض السكري. ومنذ عام 1996، ارتفع عدد المصابين بمرض السكري من 1.4 مليون إلى 2.9 مليون شخص. وبحلول عام 2025، تشير التقديرات إلى أن 5 ملايين شخص سوف يعانون من مرض السكري. ومعظم هذه الحالات سوف تكون حالات مرض السكري من النوع الثاني، وذلك بسبب شيخوخة السكان والارتفاع السريع في أعداد من يعانون من زيادة الوزن والسمنة." وقد لا يكون استهلاك السكر مباشرة هو سبب هذه الأمراض المزمنة، ولكن من المؤكد أنه قد ثبت أنه يساعد في زيادة الوزن الذي يحفز ظهور هذه الأمراض.

صناعة السكر قادرة على الاستمرار في الإنتاج أكثر مقابل سعر أقل، مما يسهم في معاناة كثير من الناس وفقدان النظم الإيكولوجية الحساسة  (بيكساباي)
صناعة السكر قادرة على الاستمرار في الإنتاج أكثر مقابل سعر أقل، مما يسهم في معاناة كثير من الناس. (بيكساباي)

وتنصب الأمور التي تؤدي لتفاقم مشكلة الصحة وزيادة استهلاك السعرات الحرارية في صالح "السعر"، فالمستهلكين يبحثون عن السلع الأرخص، في حين أن الشركات تبحث عن أرباح أكبر. وتشجع السوق المحررة التجارة العالمية وتسمح للشركات باستغلال حاجة البلدان النامية إلى فرص للتجارة والأرباح لتحقيق العمالة الرخيصة، والتنظيم الميسر، والوصول إلى الموارد الطبيعية والأراضي. وهذا بدوره يسمح لبقية العالم بالوصول إلى المنتجات الرخيصة، إلا أن المجتمعات بالتأكيد تحصل على مقابل لما يدفعونه لأن هذا الأمر يدمر صحتهم. ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمكسيك أصبحت معدلات السمنة وباءً صحيا.

والأمر الصادم هو أن هذه الأوبئة لا تقتصر على المستهلكين الأثرياء الذين يصلون إلى التخمة. فأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الغذاء الصحي يتأثرون أيضا بالنظر إلى أن المنتجات الطازجة واللحوم الطبيعية هي في الواقع منتجات باهظة، في حين أن الأغذية المجهزة رخيصة الثمن ومن السهل أكثر الوصول إليها في المناطق الفقيرة، كما أن عدم المساواة في الدخل يعتبر محددا مهما فيما يتعلق بالصحة العامة (لينش وآخرون 2004).

وقد نشر مجلس أخلاقيات الأغذية أن الأفراد ذوي الدخل الأقل يستهلكون مشروبات غازية أكثر سكرية مما يتربط ارتباطا وثيقا بزيادة الوزن (كالدر أند كابويل 2013، كريديت سويس 2013)، ويحدث هذا النمو في السمنة والأمراض المزمنة الآن أكثر بكثير في البلدان النامية التي تمر بمرحلة "انتقالية تغذوية"، حيث يزداد استهلاك الأغذية ذات النسبة العالية من الدهون والسكريات، مدفوع بالتحضر والعولمة (هوكس 2006، بوبكين 1998، أوكين 2011).

وكما تبرز دراسة ملتزر وتشن (2008) فإن هناك علاقة مباشرة بين الأجور وزيادة الوزن، فلا تؤثر هذه التفاوتات على صحة الفقراء فحسب، بل تضر بهم في جوانب أخرى من الحياة مثل صورة الجسم السيئة، واضطرابات الأكل، والاغتراب، والعزلة، واللوم، وانخفاض الأجور، والوضع المهني، واحترام الذات، وحتى التحصيل العلمي. (سين وآخرون 2008، موران وتينكين 2008، كايستنر وآخرون 2008، إنزي 1994).

يمكن أن تؤدي زيادة الواردات إلى معظم البلدان المحمية -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان- إلى خلق فرص عمل لملايين العمال في البلدان النامية
يمكن أن تؤدي زيادة الواردات إلى معظم البلدان المحمية -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان- إلى خلق فرص عمل لملايين العمال في البلدان النامية.

واليوم مع وضع قيمة السوق الحرة قبل صحة ورفاه البشر والحيوانات والكوكب، فإن صناعة السكر قادرة على الاستمرار في الإنتاج أكثر مقابل سعر أقل، مما يسهم في معاناة كثير من الناس وفقدان النظم الإيكولوجية الحساسة (شيفا 2010). والعديد من البلدان، مثل المملكة المتحدة، تسمح بالاتفاقات الطوعية للتخلص من المسؤولية الحكومية ووضعها في أيدي صناعة الأغذية، التي تدفعها الأرباح بدلا من المسؤولية الاجتماعية. وهذه الأنواع من التدخلات لم تسفر عن النتائج المطلوبة (مركز التنمية الاجتماعية) وهناك الكثير من المخاطر في عدم اتخاذ أي إجراءات وترك صحة الجمهور والكوكب في أيدي الأسواق أو الاختيار الشخصي.

وفي (آذار/مارس) 2004، خلص تقرير للبنك الدولي إلى أن السكر هو المنتج الأكثر تشويها للسياسات في جميع السلع الأساسية، وطرح كيف يمكن للإصلاح المتعدد الأطراف لسياسة السكر أن يحقق مكاسب عالمية في الفائدة العامة قدرها 4.7 مليار دولار.

وأفادت منظمة أوكسفام أن "سياسات الاتحاد الأوروبي للسكر تعرقل الجهود العالمية للحد من الفقر. وتستخدم إعانات التصدير لتفريغ 5 ملايين طن من الفائض من السكر سنويا في الأسواق العالمية، مما يدمر الفرص أمام المصدرين في البلدان النامية. وفي الوقت نفسه، فإن المنتجين في أفريقيا لديهم إمكانية محدودة للوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي.

والرابحون من ﺍﻟﺴﻴﺎساﺕ ﺍﻟﺯﺭﺍﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺭكة لزراعة السكر هم كبار المزارعين وشركات تنقية السكر مثل سودزوكر وبريتيش شوجار، والخاسرون هم الفقراء. وبالتالي يمول المستهلكون الأوروبيون ودافعو الضرائب نظاما يحرم الناس الضعفاء من فرصة الهروب من الفقر وتحسين حياتهم، هناك حاجة إلى إصلاحات لوقف الإغراق الأوروبي وتحسين وصول البلدان الأكثر فقرا إلى الأسواق".

ويمكن أن تؤدي زيادة الواردات إلى معظم البلدان المحمية -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان- إلى خلق فرص عمل لملايين العمال في البلدان النامية. وهذا التفاوت في الوصول إلى الأسواق يخالف تماما أيديولوجية السوق الحرة، ويجعل البلدان النامية تحرز تقدما كبيرا في المجال المالي، مما يجعلها غير قادرة على تحسين الهياكل الأساسية وغيرها من وسائل المساعدة مثل مرافق التخزين لتحسين قدراتها الزراعية، وربما زيادة الفوائد التي تعود على العمال

تحتاج الحكومات إلى رصد وتقييم التأثير على البيئة وتضع في خطتها تكاليف خاصة بالقطاع الزراعي مقابل الأضرار التي لحقت به وللمساعدة في التخفيف من فقدان التنوع البيولوجي (رويترز)
تحتاج الحكومات إلى رصد وتقييم التأثير على البيئة وتضع في خطتها تكاليف خاصة بالقطاع الزراعي مقابل الأضرار التي لحقت به (رويترز)

ومع ذلك، فإنها السياسات الزراعية التي يحددها البنك الدولي مثل شروط القروض المتعددة الأطراف هي التي يسرت وأدت أيضا إلى الاندماج المتزايد لهذه البلدان في الاقتصاد العالمي. إلا ان هذا الاندماج يتحرك في مجال عالمي غير متكافئ الفرص تنظمه سلاسل السلع الزراعية العالمية والتجارة الدولية، وتعززه الوصفات السياسية ذاتها.

لذا بدلا من التغلب على الاقتصادات والنظم التنظيمية المزدوجة التي نشأت في العصور الاستعمارية، لم يشهد السكان الذين يعيشون في المنطقة سوى الفقر المتزايد وتفاقم عدم المساواة (فورتين 2005).

وتشمل التوصيات المتعلقة بحماية المجتمعات المحلية في المستقبل إجراء تقييم للأثر الاجتماعي والاقتصادي شرط تخصيص الأراضي وتنظيم المفاوضات بين المجتمعات والمستثمرين (فيلدمان ولانكورست 2011). ومن شأن تطبيق حد أدنى للأجور أن يسمح للعمال بإعالة أسرهم وخلق فرص للتعليم والتقدم، مما يساعد أيضا على الحد من عمالة الأطفال. وتظهر الدراسات أن معدل مشاركة الأطفال في قوة العمل يرتبط سلبا بارتفاع مستوى تعليم الآباء والأمهات والأطفال. ومن ثم فإن تعزيز محو الأمية على مستوى الأسرة من قبل الدول قد يكون خطوة مهمة للحد من عمل الأطفال. (بارمان 2011).

ويقترح البعض أن الحل يكمن في مقاطعة الواردات من هذه البلدان النامية حيث تنتشر الانتهاكات، إلا أن هذا قد يكون أمرا كارثيا لعدد أكبر من عمال المزارع. أما ما ينصح به هو أن يضغط تجار التجزئة على مورديهم لضمان وجود ظروف لائقة في المزارع التي تنتج المنتجات التي يقومون بشرائها منهم وبيعها لعملائهم، وأن يمتازوا بالشفافية حول هذا الأمر مع المستهلكين (هيومن رايتس ووتش 2011).

بالإضافة إلى ذلك فإن لجان الصحة والسلامة يجب أن تكون أمرا ضروريا في مواقع المزارع، لتوفير المعلومات للعمال، وتعلم السلوك الآمن في مكان العمل، وتقدم الإسعافات الأولية للحد من الإصابات والأذى للعمال. ومن شأن هذه الجهود أن تساعد على صنع قوة عاملة أكثر إنتاجية وأكثر صحة وحماس.

كما تحتاج الحكومات إلى رصد وتقييم التأثير على البيئة وتضع في خطتها تكاليف خاصة بالقطاع الزراعي مقابل الأضرار التي لحقت به وللمساعدة في التخفيف من فقدان التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية الضعيفة والأنواع الحيوية.

من الصعب الحد من حرية اختيار المستهلكين للتقليل من كمية السكر التي يتناولونها (بيكساباي)
من الصعب الحد من حرية اختيار المستهلكين للتقليل من كمية السكر التي يتناولونها (بيكساباي)

والعديد من البرامج والسياسات البيئية طوعية، وقد ظلت قائمة منذ عقود، وبعضها قد حقق نجاحا كبيرا، لكن العديد من البلدان الأخرى طرحت تساؤلات حول ما إذا كان النهج الطوعي للزراعة سيولد مكاسبا بيئية كافية لأن الزراعة الصناعية المكثفة تدمر صحة الكوكب.

ومن الصعب الحد من حرية اختيار المستهلكين للتقليل من كمية السكر التي يتناولونها، ولكن ينبغي على الأقل خلق مجال أكثر مساواة في اللعب حيث ينبغي أن تأخذ التحذيرات الصحية وتسويق الخيارات الصحية البديلة مساحة مماثلة. وحيث إن حوالى 95٪ من جميع الأطعمة المعلن عنها على تلفزيون الأطفال هي أطعمة غير صحية (باول ولونغفيلد 2005)، فلا عجب إذن أن مجتمعاتنا تعاني من وباء السمنة.

كما ينبغي أن تُعطى شركات الأغذية مبادئ توجيهية بشأن كمية السكر المسموح والمحظور استخدامها في المنتجات، بالإضافة إلى تقنين وضع علامات واضحة لإعلام المستهلكين بما يدخلون أجسادهم (بوميرانز 2012، كالدر وكابويل 2013، نيلد 2014 ).

والمؤسف أن النهج الأكثر شيوعًا لمعالجة السمنة وضعف الصحة العامة فيما يتعلق بالنظم الغذائية الضارة هو اتفاقات طوعية مع شركات الأغذية. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن هذه الاتفاقات لا تعمل، وما تزال صناعة الأغذية تضع أرباحا على حساب الصحة العامة. ومع ذلك، فإن من أصعب المسائل التي يتعين التصدي لها هي أوجه عدم المساواة المنهجية داخل المجتمعات بسبب الفقر وانعدام الفرص.

ولا مجال لذلك، إلا أنه يتعين سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما يجب أن تكون الأغذية الطازجة والصحية أسهل وصولا بالنسبة للفقراء، بدلا من ترك هذه الأطعمة لكونها مظهر ترف، ولا ينبغي أن يكون الإعياء والأمراض المزمنة الناجمة عن سوء التغذية أحد أعراض الفقر والظروف.

لذا في المرة القادمة التي تمد فيها يدك إلى شراب محمل بالسكر أو ملعقة إضافية من السكر في القهوة الصباحية، فكر لحظة هل تحتاجها حقا؟

________________________________________________

ترجمة: سارة المصري

هذا التقرير مترجم عن contributoria ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة

إعلان