"شي إن" و"تيمو".. كيف غيّرت الخوارزميات مفهوم الشراء عبر الإنترنت؟

Prague, Czech Republic 08 27 2024: Temu app online marketplace based in China, Shein markeplace e commerce; Shutterstock ID 2508410175; purchase_order: aj; job: ; client: ; other:
نجحت "شي إن" في ربط الموضة بالهوية الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي أما "تيمو" فيركز على عامل الاكتشاف الماتع (شترستوك)

لم يعد التسوق الإلكتروني مجرد وسيلة مريحة للحصول على ما نحتاج إليه، بل أصبح جزءا من أسلوب الحياة، يحركه الإغراء البصري، والعروض اللحظية، والخصومات التي لا تنتهي، خصوصا لدى جيل الشباب. فمنصتا "شي إن" و"تيمو" غيرتا جذريا الطريقة التي نرى بها مفهوم الشراء نفسه، لتتحول العملية من تلبية احتياج إلى استجابة لإغراء رقمي دائم.

تيمو.. المتجر الصيني الذي غزا العالم من بوسطن

شعاره: "كلما زاد التعاون، قلت الأسعار" (Team Up, Price Down)، والذي يعبر عن فلسفة التسويق الجماعي التي تعتمدها المنصة، أي أن المستخدمين عندما يتعاونون أو يشتركون في العروض أو يشجعون أصدقاءهم على الشراء، فإن المنصة تقدم لهم خصومات أكبر. ورغم أن مقرها الرسمي يقع في بوسطن، ولاية ماساتشوستس الأميركية، فإن الشركة في الأصل صينية المنشأ، وتتبع لمجموعة "بيندودو" (Pinduoduo) العملاقة.

ومنذ إطلاقه في سبتمبر/أيلول 2022، حقق متجر "تيمو" انتشارا هائلا بين المستهلكين من مختلف الفئات العمرية، بفضل حملة دعائية تجاوزت قيمتها 500 مليون دولار، شملت إعلانات ضخمة في بطولة "سوبر بول" (Super Bowl) الأميركية.

وتقوم المنصة بشحن المنتجات مباشرة من الصين، ما يمكّن البائعين من تجنب تكاليف التخزين في الولايات المتحدة، وبالتالي تقديم أسعار أقل بكثير للمستهلكين، وهو ما جعلها منافسا قويا في سوق التسوق الإلكتروني منخفض التكلفة.

"شي إن" عملاق الموضة السريعة

أُطلقت المنصة لأول مرة عام 2008 تحت اسم (SheInside)، وكانت في بداياتها تركز على ملابس النساء فقط، ومع مرور الوقت، توسّع نشاطها ليشمل الإكسسوارات، والديكور المنزلي، ولوازم المكاتب وغيرها من المنتجات، إلا أن أزياء النساء ما زالت تمثّل جوهر علامتها التجارية.

وتتخذ من سنغافورة مقرا رئيسيا لها، رغم أن ملكيتها تعود إلى شركة صينية أيضا. وتتميز "شي إن" بقدرتها على تحويل صيحات الموضة الراقية إلى منتجات بأسعار في متناول الجميع، إذ تقدم تصميمات تشبه ما يظهر على نجمات العالم، ولكن بتكلفة منخفضة للغاية.

إعلان

وعلى عكس منافستها "تيمو"، التي تركز على السوق الأميركية منذ انطلاقها، بدأت "شي إن" نشاطها في الصين قبل أن تتجه إلى السوق الأميركية عام 2017، لتصبح اليوم واحدة من أكثر منصات الأزياء بحثا على الإنترنت، ومصدر إلهام رئيسي لجيل "زد" المهووس بالتجديد السريع في الموضة.

معركة أرخص سعر ممكن

يعتمد المتجران على إستراتيجية تسعير تجعل المنافسة شبه مستحيلة بالنسبة للمتاجر التقليدية. فموقع "تيمو" يقدم منتجاته بأسعار أقل من "شي إن"، مستفيدا من الربط المباشر بالمصانع الصينية وإلغاء الوسطاء، إضافة إلى العروض اليومية وبرامج المكافآت التي تغري المستخدمين بالشراء المتكرر.

أما "شي إن" فيتميز بعروض موسمية ضخمة وتخفيضات على الطلبات الجماعية، مع اهتمام أكبر بجودة التصميم والموضة.

LONDON, ENGLAND - FEBRUARY 20: In this photo illustration, the Temu website is displayed alongside the Shein website on screens on February 20, 2025 in London, England. U.S. President Donald Trump's trade tariffs have affected two of the biggest Chinese-owned ecommerce platforms in the U.S. as Shein and Temu have had to withdraw some products from sale and raise prices. Shein has seen daily sales fall by up to 41% and considered cutting its valuation for a London IPO by nearly 25%. (Photo Illustration by Ben Montgomery/Getty Images)
"شي إن" يتميز بعروض موسمية ضخمة وتخفيضات على الطلبات الجماعية، مع اهتمام أكبر بجودة التصميم (غيتي)

لكن خلف هذه الأسعار المنخفضة، يُطرح سؤال مهم: هل ندفع أقل فعلا، أم أننا ندفع بطريقة أخرى؟

ففي ظل التسويق القائم على الخصومات المستمرة، يتحول المستهلك من مشتري عقلاني إلى متفاعل مع الخوارزميات التي تقرر له ما يحتاج إليه، لا العكس.

الجودة بين التوقعات والواقع

رغم الشعبية الهائلة لكلتا المنصتين، فإن الشكاوى حول جودة المنتجات ليست نادرة.

ففي "تيمو"، تتفاوت الجودة بشكل كبير بحسب البائع، نظرا لتعدد الموردين المستقلين الذين يُجبر بعضهم على تقليص التكاليف لتقديم أسعار تنافسية.

أما "شي إن"، فرغم امتلاكها شبكة ضخمة تتعامل مع أكثر من 6 آلاف مصنع، فإنها تعاني بدورها من تذبذب في مستوى الخامات.

ومع ذلك، يرى كثير من المستهلكين أن الجودة مقبولة مقابل السعر، وهو ما يكفي لاستمرار ظاهرة الشراء المتكرر التي تعتمد عليها المنصتين في نموهما.

ولم تعد هذه المنافسة حكرا على الأسواق الغربية؛ ففي الشرق الأوسط، أصبحت المنصتان تتصدران قوائم التنزيل في العديد من الدول العربية. ويعود ذلك إلى التحول الرقمي السريع، وازدياد ثقة المستخدمين في الشراء عبر الإنترنت، إلى جانب الحملات الإعلانية المكثفة التي تستهدف الشباب بشكل خاص.

التفوق الحقيقي لـ"شي إن" و"تيمو" يكمن في تجربة المستخدم الرقمية التي تعيد تعريف التسوق الإلكتروني (شترستوك)

حين تتحدث الخوارزميات بلغتنا

يكمن التفوق الحقيقي لـ"شي إن" و"تيمو" في تجربة المستخدم الرقمية التي تعيد تعريف التسوق الإلكتروني.

فالمتجران يعتمدان على الذكاء الاصطناعي لتخصيص المحتوى بشكل مدهش، اقتراحات مبنية على سجل التصفح، وتخفيضات محدودة الوقت، وتوصيات تبدو كأنها تعرف ذوقك أكثر مما تعرفه أنت.

هذه التجربة التفاعلية حولت التسوق من عملية حقيقية إلى تسلية مستمرة، ما يفسّر الساعات الطويلة التي يقضيها الشباب في تصفح التطبيقات حتى بدون نية حقيقية للشراء.

والنتيجة، مزيج من الإدمان الرقمي والاستهلاك العاطفي، حيث أصبح الشعور بالانتماء إلى الموضة أسرع من التفكير في قيمتها أو حاجتها.

تأثير الموضة السريعة على الوعي والاستهلاك

نجحت "شي إن" في ربط الموضة بالهوية الشخصية على وسائل التواصل، إذ تحوّل المستخدمين إلى معلنين،غير رسميين يوثقون مشترياتهم في مقاطع "هاولز" على تيك توك وإنستغرام.

إعلان

أما "تيمو" فيركز على عامل الاكتشاف الماتع، حيث يمكن للمستخدم أن يجد كل شيء من أدوات المطبخ إلى الإكسسوارات بأقل الأسعار، في تجربة أقرب إلى صيد الكنوز الرقمية.

لكن هذا الزخم التجاري ترك أثرا عميقا على عادات الشراء لدى جيل زد، الذي يرى في التسوق وسيلة للتعبير عن الذات أكثر من كونه ضرورة استهلاكية.

وباتت الحدود بين الرغبة في الشراء والحاجة إليه أكثر ضبابية من أي وقت مضى.

الحدود بين الرغبة في الشراء والحاجة إليه باتت أكثر ضبابية من أي وقت مضى (رويترز)

ما بين الحاجة والرغبة.. من يقرر ما نشتريه؟

في النهاية، تطرح معركة "شي إن" و"تيمو" سؤالا أعمق من الأسعار والعروض: هل ما نشتريه اليوم هو ما نحتاجه فعلا، أم ما تريد الخوارزميات أن نعتقد أننا نحتاجه؟

في عالم تتحكم فيه البيانات والذكاء الاصطناعي بخياراتنا، يبدو أن التسوق لم يعد مجرد نشاط اقتصادي، بل تجربة نفسية واجتماعية تُعيد تعريف علاقتنا بالأشياء، وربما بأنفسنا أيضا.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان