العباءة والقميص.. عندما تتحدى الملابس الإسلامية المدارس في فرنسا
مع أن ارتداء العلامات والأزياء التي تظهر "الانتماء الديني" أصبح محظورا في المدارس الثانوية العامة الفرنسية منذ قانون 2004، فإن هناك زيادة كبيرة في العباءات التي ترتديها الفتيات ونظيرها من القمصان التي يرتديها الذكور؛ تضاعفت في المدارس الثانوية منذ فبراير/شباط الماضي ومع حلول شهر رمضان، حتى إن بعض المديرين عبروا عن استيائهم وأصبحوا يتساءلون عن سبب انتشار هذه الملابس.
بهذه الملاحظة، استهلّت صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية تحقيقا مشتركا بين كارولين باير وأود باريتي وستيفان كوفاكس، ذكروا فيه أن مجلس حكماء العلمانية -الذي أنشأه وزير التعليم السابق جان ميشيل بلانكيه عام 2018 واللجنة الوطنية للعمل العلماني التي تضم اتحاد الآباء اليساري ورابطة التعليم واتحاد نقابات التعليم- أجمع على زيادة هذه الملابس الدينية في بعض المناطق والمدارس الثانوية، وربط ذلك بشهر رمضان.
اقرأ أيضا
list of 4 items“هذا خياري.. هذه حياتي”.. المسلمات الفرنسيات يدافعن عن حقهن في ارتداء الحجاب
الحجاب رمز تاريخي للنضال ضد قمع واضطهاد المسلمين في العالم
شابات مسيحيات بالحجاب.. صيحة جديدة على تيك توك فما أسبابها؟
غير أن الاتحاد الوطني لموظفي التربية الوطنية قال إنه لم يتلق "تنبيها بشأن هذه المسألة"، وكذلك اتحاد مجالس آباء التلاميذ الذي يشير بدلا من ذلك "إلى تصاعد مرتبط بملابس الصيف"، في حين لاذت بعض المديريات التي سألتها "لوفيغارو" بالصمت حيال هذا الموضوع، باستثناء مديرية باريس التي أشارت إلى "زيادة كبيرة في الإحالات المتعلقة بارتداء الرموز الدينية ولا سيما الملابس" وأكدت أن فريق العلمانية والأمور الدينية لديها "معبأ بالكامل".
حوادث متزايدة
وفي هذا السياق، يقول التحقيق إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رد على مقال في صحيفة "لوبينيون" (L’Opinion) أشار إلى "وباء" وعدد من الحوادث التي اندلعت في الأشهر الأخيرة في مختلف الأكاديميات، إذ قال الرئيس إنه ووزير التربية الوطنية باب ندياي "سينظران ويقيسان ويستجيبان بأكبر قدر من الوضوح لجميع المواقف التي لا تحترم قوانين الجمهورية"، مضيفا "أريد الحقيقة والوضوح في كل الأرقام".
وأشار التحقيق إلى أنه تم الإبلاغ عن "614 هجوما على العلمانية" في سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني 2021، وكان أكثر إثارة للقلق ما حدث في أكاديميات "فرساي" و"كريتيل" و"ليل"، حيث تمثل الحوادث المتعلقة "بارتداء العلامات والأزياء" 14% من الهجمات بعد "الاستفزازات اللفظية"، إلا أن هذه البيانات المستندة إلى ملاحظات المعلمين ورؤساء المؤسسات ليست لها قيمة إحصائية.
وحسب أحد المقربين من هذه القضية، "لا ترفع كل الحوادث"، مستنتجا أن هذه الأرقام هي الشجرة التي تخفي الغابة، وأن الارتفاع المتكرر المرتبط بالعباءات قبل رمضان وبعده يكشف عن ديناميكية لم تكن موجودة من قبل، كما أن بعض المعلمين لا يعرفون أن العباءة ممنوعة في المدارس العامة.
وعبّر هذا المقرب من القضية -كما نقلت الصحيفة- عن "قلقه من كون الوزارة لم تقل شيئا"، في وقت ينتظر فيه الجميع بفارغ الصبر ما سيفعله الوزير الجديد باب ندياي المتخصص في شؤون الأقليات، في موضوع العلمانية، علما أن عددا من مديري المدارس أبلغ عن زيادة ملحوظة في الحوادث المتعلقة بارتداء العباءة، كما أن مجلس الحكماء وخدمات التربية الوطنية يدرسون كيفية تقديم رد متماسك على ذلك.
وكان كتاب وزارة الدفاع عن العلمانية في المدرسة قد توقع مثل هذا السيناريو، وأشار إلى أن المسألة لا تتعلق فقط "بالإشارات أو الملابس التي تُظهر بطبيعتها الانتماء الديني"، كالحجاب والقلنسوة اليهودية والصليب الكبير، بل تتعلق بكل العلامات أو الملابس التي "لا تتحدث فقط عن الدين، ولكن ارتداءها يكون لإظهار الانتماء الديني بشكل واضح"، حتى إن الوزارة عدّت ارتداء طالبة جامعية تنورة طويلة داكنة اللون مع خمار يغطي شعرها جزئيا مظهرا يشير إلى الانتماء الديني.
ومن جهته، يدين تجمع مناهضة الإسلاموفوبيا في أوروبا (تم حله في فرنسا بعد اغتيال الأستاذ صمويل باتي) التمييز ضد الفتيات الصغيرات ومضايقتهن ونزع الصفة الإنسانية عنهن، ويشير إلى تهديدهن بسبب لباسهن الطويل ومعاملتهن بعنصرية.
ونشر هذا التجمع على تويتر شهادة التلميذة ميساء (اسم مستعار) الطالبة في السنة الأخيرة، التي تقول "نحن نعلم أنه لا يجوز لنا ارتداء الحجاب في المدرسة الثانوية ولذلك لا نلبسه، لكن لا يزال لدينا الحق في ارتداء الفساتين"، قبل أن تضيف "ظلت المدرسة تكرر لي: هل سمح لك بالدخول على هذا النحو؟ إنه غير مقبول. وفي اليوم التالي، اتصل بي المستشار التربوي، وأخبرني أنهم (إدارة المدرسة) قلقون بسبب كون هذه الملابس علامة على التطرف".
ونبه الموقع إلى أن المديرة سمحت أخيرا لميساء بارتداء فساتين طويلة "أقل إثارة"، معتقدة أنها "لا تتمتع بشخصية متطرفة"، وبررت المعلمة فعلها بالقول "نحن لا نفعل هذا لإزعاجك، لكن منذ ما حدث لصموئيل باتي أصبح المعلمون خائفين"، ثم طلبت منها خلع ملابسها وعرضت عليها ملابس أخرى، رفضتها.
معاملة متباينة
وتقول دلفين جيرار، أستاذة الأدب التي درست منذ مدة طويلة في مناطق صعبة وشاركت في تأسيس اليقظة بالمدارس الثانوية بعد اغتيال صموئيل باتي، "نحن ببداهة أمام بقايا ظاهرة، ولكنها بالفعل علامة سياسية لا ينبغي وضعها تحت السجادة"، مشيرة إلى أن ارتداء ملابس تتحدى بوضوح قانون 2004 الذي يتطلب وعيا سياسيا لا يمتلكه بالضرورة طلاب المدارس الثانوية، بخاصة في الأحياء المحرومة، ومن ثم "لا تكن مخطئا، فهذا ليس أمرا عفويا بل هو هجوم من بالغين يستخدمون المراهقين كموجهين لتحدي قانون 2004″، حسب قول الأستاذة.
من جهة أخرى، استشهدت الصحيفة -في تقريرها- بما بثه الزملاء في "الجزيرة بلس" (AJ+) أخيرا، حول شهادة شابة من مرسيليا كاد يفوتها امتحان البكالوريا (الثانوية) بسبب فستانها الذي اعتبر طويلا، إذ قالت لها المستشارة التربوية في مدرستها الثانوية "بسبب فستانك.. لا يمكنني السماح لك بالدخول، إنه ليس بالزي المناسب"، ثم سألتها إن كان بإمكانها خلع ثوبها أمام الجميع، إلا أن الطالبة استُدعيت إلى موعد آخر لإجراء الامتحان.
وتقول هذه الطالبة "هذا غير عادل؛ كان من الممكن إقصائي بسبب ذلك. الآن، كل صباح حين أستيقظ ينتابني الخوف عندما أريد أن أرتدي فستانا، أقول لنفسي لن يقبلوني".
وأكد محامي "الجزيرة بلس" أن حالة طالبة المدرسة الثانوية هذه لم تكن فردية، وأن "30% من الملفات التي تلقاها تجمع مناهضة الإسلاموفوبيا في أوروبا خلال مايو/أيار تتعلق بمشكلة ارتداء التنانير أو الفساتين الطويلة أو السراويل العريضة في المدارس الثانوية العامة".
ومن ناحيتها، تؤكد اللجنة الوطنية للعمل العلماني تلقيها ردود فعل من المعلمين في مواجهة هذه "الحادثة"، وتقول إنها نصحت المعلمين بالبحث عن أصل هذه العباءات والقمصان التي يرتديها طلاب معينون.
واتضح أنهم يحصلون عليها من مواقع بيع الملابس والأشياء والمنشورات الدينية حسب تقرير ريمي سيرفينت الأمين العام للجنة، "لذلك لا شك في طبيعتها"، مشيرا إلى أهمية "الحوار" مع الطالب قبل أي إجراء تأديبي.