رهاب التلامس.. ما أعراضه؟ وما طرق العلاج منه؟
في كتابه الشهير "لغات الحب الخمس"، حدد أخصائي علم النفس غاري تشابمان 5 لغات لإظهار المشاعر، ومن بينها التلامس الجسدي، الذي رأى 19% من 10 آلاف زائر لموقعه أنه لغة الحب المفضلة لهم.
ورغم الفوائد العديدة للتلامس الجسدي وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية والاحتياج له، فإن بعض الناس يجدون اللمس غير مريح، وأحيانا لا يطاق، حتى وإن كان من أفراد العائلة أو الأصدقاء، ويتسبب في الشعور بالقلق وعدم الارتياح، وقد يتفاقم الأمر لأعراض أشد من ذلك، ويصابون برهاب التلامس الذي يسمى "هافافوبيا" (Haphephobia).
ويعد الخوف من التعرض للمس رهابا عندما يشعر الشخص بالخوف تقريبا في كل مرة يلمسه شخص آخر أو يلمس هو شخصا آخر، ويؤثر هذا الخوف سلبا على علاقاته الاجتماعية وحياته العملية. فما أعراض رهاب التلامس وأسبابه والطرق العلاجية له؟
يصيب الأطفال والكبار
تظهر أعراض رهاب اللمس في أشكال متعددة؛ منها الخوف والقلق الفوري عند اللمس، أو بمجرد التفكير في اللمس، والإصابة بنوبات الهلع التي قد تسبب زيادة معدل ضربات القلب والتعرق.
وكذلك يدفع الرهاب المصاب به إلى تجنب المواقف التي يمكن فيها أن يلمسه الآخرون، ويعي المصابون بالرهاب أن خوفهم غير منطقي وغير متناسب مع الحدث.
ويتجنب من يخشون اللمس المصافحة والعناق وأي شكل من أشكال التلامس، ويجدون ذلك مزعجا وربما مؤلما، كما يتجنبون أيضا الأشخاص الذين يعتقدون أن لديهم مشاعر رومانسية تجاههم.
وقد يصاب الأطفال أيضا برهاب اللمس، ويمكن ملاحظة ذلك ببكائهم عندما يلمسهم أحد، أو يتجمدون في مكانهم، أو يدخلون في نوبات غضب، أو يتشبثون بالوالدين.
رهاب التلامس يدفع المصاب به إلى تجنب المواقف التي يمكن فيها أن يلمسه الآخرون (شترستوك)
أسباب متعددة
قد يصاب الشخص بالخوف من اللمس من تلقاء نفسه، أو لأسباب أخرى متعددة؛ منها الخوف من الجراثيم والتلوث والعدوى، وكذلك الخوف من الازدحام وتجنب لمس الغرباء، والإصابة باضطراب الوسواس القهري.
والمصابون باضطراب ما بعد الصدمة، جراء مشاهدة حادث أو التعرض لحادث متعلق باللمس أو العنف الجسدي أو الاعتداء الجنسي هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة برهاب التلامس.
كما تتسبب بعض الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب أو القلق، في جعل المصابين بها غير قادرين على تحمل اللمس.
ويمكن أن يكون الأمر متناقلا داخل الأسرة أيضا، فيتعلم الشخص الخوف من أن يلمسه أحد، إذا لاحظ أن أحد أفراد أسرته أو المقربين يفزع من اللمس أو يتجنب التعرض له.
وتقول سوزان ديجيس وايت، أستاذة الإرشاد النفسي في جامعة إلينوي الشمالية، لمجلة "تايم" (Time)، إنه "غالبا ما تكون رغبتنا في اللمس الجسدي، سواء كان ذلك عناقا أو تربيتة على الظهر أو الاستناد بذراعك على صديق، نتيجة لتجاربنا في الطفولة المبكرة".
وأضافت أن مجرد تفكير الأشخاص -الذين نشؤوا في عائلات لا تحب التلامس والعناق- في المعانقة قد يجعلهم غير مرتاحين.
وهناك عوامل أخرى أيضا قد تزيد احتمال الإصابة برهاب اللمس؛ ومنها الجنس، فبحسب دراسة نشرها المعهد الوطني الأميركي للصحة العقلية (NIMH)، تتعرض النساء للإصابة ببعض أنواع الرهاب، ومنها رهاب اللمس، بنسبة أكبر مرتين من الرجال.
هناك عدة آليات لمواجهة الخوف وتهدئة نفسك من رهاب التلامس (بيكسابي)
كيف تواجه مخاوف التلامس؟
تهدف طرق العلاج المختلفة للرهاب إلى مساعدة الشخص على مواجهة مشاعر القلق لديه ومعرفة الأسباب وراء هذه المشاعر للتغلب على خوفه تدريجيا، ومن ضمن الطرق العلاجية:
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
الذي يساعد على تحليل الأفكار المتعلقة بالخوف، وتعلم سلوكيات وطرق تفكير جديدة لمساعدة الشخص على التعامل مع القلق الذي يشعر به عند لمسه.
العلاج بالتعرض
حيث يتعرض الشخص تدريجيا لما يخيفه، ولكن في بيئة آمنة وتحت السيطرة، وتستمر هذه العملية أسابيع أو شهورا، وقد يبدأ ذلك فقط بتخيل تعرضه للمس، ويتطور الأمر إلى التعرض للمس بالفعل والذهاب للأماكن المزدحمة، حتى يتم التغلب على الأفكار المقلقة.
الدواء
أحيانا يصف الأطباء النفسيون مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق لمساعدة الأشخاص على إدارة أعراض بعض أنواع الرهاب، مثل رهاب اللمس، وغالبا ما تكون هذه الأدوية أكثر فاعلية عند استخدامها مع جلسات العلاج النفسي.
آليات أخرى لمواجهة خوفك
بجانب الطرق العلاجية المختلفة، هناك عدة آليات لمواجهة الخوف وتهدئة نفسك؛ منها تمارين التنفس وغيرها من تقنيات الاسترخاء، التي تساعد على تهدئة المشاعر والجسد عند التعرض لما يخيفك، وذلك عن طريق التركيز على النفس، وأخذ أنفاس طويلة وعميقة.
ويمكن أن تساعد ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل الشخص على فهم أنماط التفكير والسلوكيات، ومعرفة أسباب خوفه، وتطوير طرق أفضل للتعامل مع القلق.
وممارسة الرياضة والاسترخاء والحصول على قسط كاف من النوم كذلك من الطرق الفعالة لتعزيز الصحة العقلية بشكل عام.
وتساعد آليات المواجهة اليومية في تقليل تأثير الرهاب على حياة الشخص، ومساعدته في التغلب على الرهاب على المدى الطويل.
ومن المهم أيضا وجود شبكة دعم اجتماعية من الأصدقاء والعائلة الذين يتفهمونك ويدعمونك، ويحرصون على الحفاظ على المساحة الآمنة لك، مما يساعدك على الانخراط معهم وعدم عزل نفسك، من دون الاضطرار إلى لمس أحد والشعور بعدم الارتياح.
وتجنب تعزيز خوفك بالانعزال وتفادي مواجهة ما يخيفك، إذ يزيد ذلك من رهابك، وهذا لا يعني أنك بحاجة إلى مواجهة مخاوفك بشكل مباشر، ولكن حاول إيجاد طرق لتعريض نفسك تدريجيا لما تخاف منه حتى تتمكن من التغلب عليه.