مغامرة وتحد.. إقبال لافت للسياح الأجانب ومشاهير التواصل على زيارة العراق.. ما الذي يدفعهم لذلك؟
تسهيلات تأشيرة الدخول إلى البلاد حفّزت وبشكل كبير ودون تردد السائحين على خوض تجربة السفر إلى العراق، بعدما كان يسيطر عليهم الخوف
بغداد- "كنت حقًا قلقة بشأن أمننا الشخصي عند زيارتنا للعراق، ونسأل هل سنتعرض للخطف أو التعذيب؟ هل يجب أن نخفي هويتنا ولا نقول للناس إننا أميركيون؟ هذه التساؤلات تلاشت عندما وضعنا قدمنا في هذا البلد، شعرنا بكمية الحب والاستقبال لنا، الكل يريد تقديم الخدمة لنا دون أي مقابل. شعرت أنني في بلدي الأم"، هكذا وصفت الأميركية باولي روجاس مغامرتها في السفر إلى العراق برفقة زوجها لوك هيتر.
وتقول روجاس إنها وزوجها كانا مترددين بشأن القدوم إلى العراق حتى اللحظات الأخيرة، ليقررا بعدها المغامرة والسفر، بعد تواصلهما مع عراقيين ورحبوا بهم لمساعدتهما في تسهيل رحلتهما.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsبالصور- كانت الأكثر إبهارًا في العالم القديم.. هكذا تخوض مدينة بابل الأثرية معركة البقاء ضد غدر الطبيعة والإنسان
وتضيف "كنا نتناول العشاء مع الشباب العراقيين حتى الساعة الثالثة صباحًا دون الشعور بالخوف أو الغربة، السفر إلى العراق لم يكن سهلا لولا مساعدة الناس المحليين لنا، سعادتي لا يمكن وصفها وأنا أتجول في مدن العراق وزيارة المناطق الأثرية والتاريخية، أنا مهتمة جدًّا بتعلم اللغات، لقد سمعت أن الكتابة الأولى انبثقت من العراق".
وتكمل روجاس حديثها للجزيرة: "عندما تزور العراق وتدخل بيوت العراقيين، تشعر أنك صاحب المنزل وهم الضيوف عليك، هذا ما قيل عن كرم العراقيين. حقًا إن الكرم صفة موجودة حتى في جيناتهم الوراثية. وما أعجبني حقا هو أن الشعب العراقي ينظر إلينا بعيون الضيوف لا بعيون حكومة البلد الذي ننتمي إليه، إنهم فقط يرغبون بتقديم المساعدة والاطمئنان علينا إذا كنا بحاجة إلى مساعدة. كم ذلك رائع، السياسة لا علاقة لها بالناس إطلاقًا. فالناس للناس".
تسهيلات التأشيرة
ومنذ الغزو الأميركي عام 2003، كان العراق من الوجهات التي لا يقصدها السائحون الأجانب بسبب الوضع الأمني والسياسي غير المستقر، إضافة إلى أن تأشيرة الدخول كانت تتطلب مزيدا من الوقت للتقديم والانتظار حتى إصدارها، هذه الأسباب وغيرها، أغلقت شهية السائحين لزيارة البلد.
لكن في 15 مارس/آذار العام الماضي، ألغت الحكومة العراقية شرط الحصول على تأشيرة قبل الوصول، لمواطني 36 دولة، أصبح بإمكانهم الحصول على تأشيرة الدخول عند الوصول، عبر المنافذ الجوية والبرية والبحرية، مقابل دفع الرسوم (75 دولارا أميركيا).
تسهيلات تأشيرة الدخول إلى البلاد، حفّزت وبشكل كبير ودون تردد السائحين على خوض تجربة السفر إلى العراق، بعدما كان يسيطر عليهم الخوف، خصوصًا بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من الأجزاء الشمالية والشمالية الغربية من العراق عام 2014، فيما وجد سائحون آخرون، أنها فرصة "استثنائية" لزيارة مناطق عاشت الحرب ضد التنظيم.
مبادرة شبابية
وفي بغداد، أطلق الشابان ديار طلال (26 عامًا) وأسامة موسى (32 عامًا)، مبادرة أسماها مقهى المسافرين العراقيين، هدفها تحسين واقع السياحة في البلاد من خلال تعزيز مفهوم المواطنة العالمية والتعريف بمناطق الجذب السياحي في العراق وغيرها من معلومات مهمة للسياح الأجانب.
انطلقت المبادرة عام 2019 عن طريق موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستغرام، لتتحول فيما بعد إلى مبادرة على أرض الواقع، تتنوع فيها النشاطات الاجتماعية واللقاءات بين السكان المحليين والأجانب للتبادل الثقافي والمعرفي بين الجنسيات المختلفة.
في صفحة الفيسبوك لمقهى المسافرين العراقيين، هناك أكثر من 32 ألف عضو من مختلف المدن العراقية والبلدان، ينشرون تجاربهم في السفر من خلال الصور والفيديوهات التي وثقوها عن تجاربهم، يطرحون الأسئلة المتعلقة بالسفر ويجيب عنها الأعضاء ويستفيد من الإجابة الجميع.
يقول طلال: "نحن نريد أن ننقل العراق إلى العالم، وأن يكون العالم جزءا من العراق، لذلك، اخترنا السفر وسيلة وليس غاية، من أجل ربط الناس مع بعضها البعض".
علاوة على ما قاله طلال، يضيف صديقه أسامة موسى "إنه لشعور رائع عندما أشعر أنه إنجاز ليس على المستوى الفردي وإنما الجماعي، والشعور الأروع هو أن كثيرا من الناس تؤمن بما نقوم به ويسهمون معنا بشكل كبير في نشاطاتنا في مختلف المدن العراقية، ولهذا السبب، إننا عملنا قفزة كبيرة في مجال السياحة بالعراق من خلال قدوم عدد كبير من الأجانب لزيارة البلاد".
ويردف أن "فكرة المقهى تتعدى موضوع السياحة، إذ نسعى من خلال المقهى إلى مساعدة العراقيين في كيفية التفكير بطريقة عالمية وأن يكون لديهم شعور بالمسؤولية تجاه المجتمع المحلي والعالمي، وهذا واحد من أهداف مفهوم المواطنة العالمية التي وضعناها شعارا لعملنا، فمن خلال اندماج المجتمع المحلي مع الأجانب، سننقل ثقافة الشعب العراقي للعالم وننقل ثقافة العالم إلى الشعب العراقي".
رحلة بلا توتر
ويقول هيتر: "إذا سألتني قبل أشهر إذا كنت سأسافر إلى العراق سأجيب: إنك مجنون!؟ وقتها كل المعلومات التي لدي هي كل ما سمعته من وسائل الإعلام. ولكن من خلال بحثي الشخصي على الإنترنت، توصلت إلى صفحة مقهى المسافرين العراقيين، وجدنا فيه كل المعلومات التي نحتاجها وأشخاصا مستعدين لتقديم كل شيء، من دون أن نطلب منهم ذلك. وفعلا، بعد أن تجولت في شوارع بغداد، كل ما صادفته هو قلوب كبيرة وأشخاص يمدون يد العون".
ويكمل: "لقد التقيت عددا كبيرا من الأشخاص من مقهى المسافرين العراقيين، ساهموا في جعل رحلتنا أنا وزوجتي خالية من التوتر، والأهم من ذلك كله، كانت تجربة ممتعة للغاية ومحفورة في الذاكرة".
لوك هيتر، الذي قضى مع زوجته روجاس، أياما عدة متنقلين بين المدن العراقية، يقول للجزيرة: "طوال سفرنا إلى العراق، لم أشعر بأي شيء سوى الترحيب بنا بحرارة. قِيلَ لنا إن الكرم موجود في جينات العراقيين، وهذا واضح جدا من خلال تعاملهم معنا. لا تتصور كم هو عدد الأشخاص الذين يأتون إلينا ليقولوا "مرحبا" ويسألون عمّا إذا كنا بحاجة إلى المساعدة".
ويضيف: "أنا لست ذلك الشخص الذي يريد فقط زيارة بلدان العالم، قد يحدث ذلك لكنها ليست خطتي الحالية، ما يهمني فعلًا هو زيارة بلدان نادرا ما يتخذها المسافرون وجهة لهم، مثل العراق، ولذلك، ارتفع لدي الرغبة لزيارة هذا البلد، وأشعر أنني بحاجة إلى توثيق كل المغامرات وإظهارها للعالم. كما أن تأشيرة السفر عند الوصول لعبت دورًا في اختيار العراق كوجهة للسفر".
من جهتها، قالت السائحة الأسكتلندية إيما ويترز إن "كرم العراقيين وحسن الضيافة من أبرز مزايا أن تكون سائحًا في العراق، فالجميع يريد التحدث إليك، ودعوتك إلى منازلهم، لتناول الكثير من الطعام الرائع! جميعهم يقولون إن العراق هو وطنك الثاني، ولا يوجد بلد آخر يقول ذلك. العراقيون يعاملون سائحهم بطريقة رائعة جدا بعد عزلة طويلة عانتها بلادهم".
وتضيف "لم أشعر بالقلق على الإطلاق لسفري وحدي، لقد مشيت ليلا في بغداد وأشعر بأمان أكثر من بلدي، وبالتأكيد أكثر أمانًا من أميركا التي أقيم وأعيش فيها".
من جهته، قال يقول السائح البريطاني جاي بالفري (25 عاما)، "قبل المجيء إلى العراق كنت في تركيا، ولكن عندما سمعت بأن نظام التأشيرة تغيرت في العراق وأصبحت التأشيرة تقدم للأجانب عند الوصول، قررت المجيء دون أي تردد، قبل ذلك، زرت إقليم كردستان العراق".
ويضيف بالفري للجزيرة أن "العراق على رأس قائمة السفر لدي منذ فترة طويلة، وسمعت أن العراقيين أكثر ناس ودودين في العالم، ولذلك، زرت البلد 3 مرات خلال عام، وتجولت في مدن بغداد وبابل وكربلاء والنجف والناصرية والبصرة والموصل، إضافة إلى أربيل والسليمانية ودهوك".
ويكمل جاي حديثه "أوصي جميع السائحين بزيارة العراق في أقرب وقت ممكن، تذوق الطعام العراقي الذي هو من أطيب الأطعمة التي جربتها حول العالم، ومقابلة أطيب ناس واكتشاف مدن لها تاريخها العريق الممتد لآلاف السنوات".
كما بات العراق في الأشهر الأخيرة قبلة لمشاهير اليوتيوب والمؤثرين العرب والغربيين على منصات التواصل الاجتماعي.
مقومات السياحة
وأجمل أستاذ التنمية السياحية نوفل عبد الرضا علوان أبرز مقومات السياحة في العراق، وأهمها الموقع الجغرافي وكونه نقطة تواصل يمر خلالها السائح إلى دول عديدة، والمناخ الجميل والاعتدال في درجات الحرارة من منتصف فبراير/شباط إلى نهاية أبريل/نيسان، فضلا عن وجود أماكن طبيعية خلابة ومواقع جذب رائعة وموارد مائية وسدود مثل الحبانية ودربندخان ودوكان ومدن سياحية وثروات سمكية.
وأشار علوان إلى أن إقليم كردستان يمثل منطقة جذب سياحي خاصة للاصطياف في الصيف وممارسة التزلج على الثلوج شتاء.
من جهته، يقول نقيب السياحيين في العراق دكتور محمد عودة حسين العبيدي إن مستقبل السياحة في العراق سيكون بأبهى صورة له منذ عقود طويلة وعلى مستوى الشرق الأوسط نظرا لتنوع عوامل الجذب السياحي والتي تعد ميزة ينفرد بها العراق عن باقي الدول الأخرى، مشيرا إلى أن العراق يتمتع بالسياحة الدينية والطبيعية والمتمثلة بالجبال والأنهار والبحيرات والشلالات والمساحات الخضراء والمناظر الطبيعية الخلابة والأهوار والباديات وكذلك هناك السياحة التاريخية والأثرية والحضارية المتمثلة بحضارة بابل وآشور والسومرية في مدن الموصل وبابل والناصرية وكذلك انتشار عديد من المواقع الأثرية ضمن نطاق بغداد وباقي المدن الأخرى.
أما بخصوص أعداد السياح السنوية وحسب إحصائية هيئة السياحة، يقول العبيدي إن قرابة 5 ملايين سائح أجنبي يدخلون العراق سنويا، النسبة الأعلى منهم ضمن إطار السياحة الدينية.