"معا نغني".. نقش عربي للأطفال على حجر الغربة في تركيا
خليل مبروك-إسطنبول
تتبادل الطفلتان سارة يلديز وجنى الطحان الكلمات العربية والتركية في نسج إيقاع متجانس لأغنية ذات طابع قيمي، أهدتها الطفلتان للأم التي لا يعرف الوفاء لها فرق اللون أو اللغة أو العرق، ولا الدين.
قدمت الطحان هديتها باللغة التركية، رغم أنها لم تتجاوز التاسعة من عمرها، في حين أبدعت زميلتها يلديز (12 عاما) في الغناء بلسان عربي مبين.
وتعبر الفتاتان الطحان ويلديز عن حالة نموذجية لرحلة البحث عن الاندماج والتجانس الذي يشغل هاجسه حيزا كبيرا من تفكير العائلات العربية المقيمة بتركيا، في حين يسعى الكثير من أرباب هذه الأسر لتعزيز قدرات أبنائهم على ذلك في المجتمع التركي في وقت مبكر من حياتهم.
وفي هذا الإطار، أطلقت أكاديمية "قلم" للأطفال حملة "معا نغني" بهدف مساعدة الأطفال على التبادل الثقافي؛ بحيث يغني الطفل العربي باللغة التركية، ويقدم الأطفال الأتراك أغانيهم بالعربية.
ويقول منظمو الحملة إنها تهدف إلى تعزيز روابط المحبة والصداقة وتخفيف مظاهر التنمر والعنصرية بين الأطفال، كما أنهم يسعون من خلالها إلى تحقيق الاندماج بين أطفال العرب المغتربين في تركيا والأطفال الأتراك، والحد من السلوك السلبي؛ كالعزلة والتشاحن والخصام في المجتمع والمدرسة.
اكتشاف مواهب الأطفال
وحسب الدكتور أحمد السيد، فإن الحملة ظهرت كأول مبادرة "لأستوديو قلم" التابع لأكاديمية قلم التعليمية التربوية في إسطنبول، موضحا أن الأكاديمية تتطلع إلى تسليط الضوء على القيم والمفاهيم الإيجابية المشتركة في المجتمعين العربي والتركي، في مضمون أغاني الأطفال كمكانة الأب ودور المدرسة وقيمة الأمهات.
كما تسعى الحملة لاكتشاف مواهب الأطفال في مجال الغناء والصوت، ورفع ثقتهم بأنفسهم، وصناعة نجوم صاعدة، والعمل على ترميزها وتوفير بنية احتضان لها.
ويقول السيد -وهو مدير أكاديمية قلم ومؤسسها- للجزيرة نت إن حملة "معا نغني" تشترط على الراغبين في المشاركة تحقيق معايير تنسجم وتلك الأهداف، كأن يكون المتسابقون أطفالا بين عمر 7 و12 عاما، وأن يكون المشارك حسن الصوت، ومتقنا للغتين العربية والتركية، على أن يرسل مقطعا صوتيا مسجلا للأستوديو لتقييم أدائه.
ولدت فكرة حملة "معا نغني" في عيد المعلم التركي، حين غنى الطفل عبد الرحمن السيد لمعلمته باللغة التركية المتقنة، فقامت المعلمة بعرض الأغنية على أسرة المدرسة التي أدهشها إتقان الطفل العربي الغناء بالتركية.
ثم قامت المدرسة بعرض أغنية الطفل على الشاشة في حفل المدرسة الرسمي، وتفاعل معها الأطفال والحضور بطريقة كبيرة، وتركت أثرا سريعا جدا بين المعلمين والطلاب الأتراك.
ووفقا للسيد، فقد أسهم تفاعل المدرسة التركية مع أغنية الطفل العربي في تقريب الأطفال من بعضهم البعض، ولقيت إشادة المعلمات اللاتي أعجبهن الصوت والأداء، فانعكست على أجواء المدرسة بالكامل.
هيأت هذه الانطباعات الأجواء كي تطلق "أكاديمية قلم" حملتها التي تقدم الكثير من النماذج العربية للمجتمع التركي من بوابة الغناء المشترك، وأسهم في ذلك توجهات الأكاديمية الفنية وامتلاكها الأستوديو الخاص، إضافة إلى توجهات صاحبها السيد وهو المنشد والملحن والشاعر والأديب.
ففي حملة "معا نغني" يرسل الأطفال نماذج لأصواتهم إلى أكاديمية قلم، التي تختار من تنطبق عليه مواصفات المشاركة، وترسل له أغنية خاصة به بالكلمات واللحن والتوزيع الموسيقي ليحفظها بإتقان.
تتم بعد ذلك دعوة الطفل إلى الأستوديو للتدريب والتجريب والمران، ويتم تحديد يوم التصوير مع توقيع تعهد بموافقة ولي أمره على تصوير الأنشودة ونشرها في قناة أستوديو قلم على يوتيوب.
وتفتح المبادرة نافذة تعاون تشاركية مع المجتمع بعدة طرق؛ فهي تدعو الأهالي والعرب في تركيا لنشر نتاج الأطفال على حساباتهم في أدوات الإعلام الاجتماعي، وتفتح الباب لتلقي دعم المؤسسات المختلفة لتغطية نفقات التصوير والمونتاج والأعمال الفنية والتقنية، وتكريم الأطفال المشاركين، وإقامة الحفل الختامي، كما تتعاون مع وسائل الإعلام في الترويج للمبادرة ودعم أنشطتها.
ويشير السيد إلى أن الحملة تلقى تفاعلا كبيرا من مجتمع العائلات العربية في تركيا، موضحا أن الأكاديمية تسعى لبناء شراكات ورعايات للحملة، وأن عددا من الأطفال تواصلوا مع الأكاديمية للمشاركة في الحملة من خارج تركيا، خاصة من سوريا ومصر.