البهاق ليس مرضا معديا لكنه قد يسبب التوتر
يعتبر مرض البهاق من الحالات الجلدية التي تثير القلق والاهتمام، حيث يتسبب هذا المرض في خسارة لون الجلد الطبيعي وظهور بقع بيضاء قد تنتشر في أجزاء مختلفة من الجسم، وتكون عادة على الوجه والرقبة واليدين وفي طيات الجلد. ورغم أن البهاق ليس مرضا معديا، فإنه قد يؤدي إلى تأثيرات نفسية واجتماعية على المرضى نتيجة لتغير مظهر الجلد.
يأتي لون الجلد والشعر والعينين من صبغة تسمى الميلانين التي تنتجها الخلايا الصبغية، وهي الخلايا التي تصنع الصبغة في الجلد، وتقع في البشرة (الطبقة الخارجية من الجلد). يمتلك الأشخاص ذوو درجات البشرة الداكنة ميلانين أكثر في بشرتهم مقارنة بالأشخاص ذوي البشرة الفاتحة. ويحدث البهاق عندما يهاجم الجهاز المناعي في الجسم الخلايا الصبغية ويدمرها.
ويقول مختص الأمراض الجلدية والتناسلية، الدكتور رعد الجندي: "إن مرض البهاق هو مرض جلدي يحدث بسبب فقدان لون الجلد الطبيعي وظهور بقع بيضاء في أي جزء من الجسم".
وأكد الجندي أن البهاق قد يصيب الأشخاص بغض النظر عن نوع بشرتهم، ولكنه يكون أكثر وضوحا لدى الأشخاص ذوي البشرة السمراء. وبين أن هذه الحالة المرضية لا تهدد الحياة ولا تنتشر بالعدوى، لكنها قد تسبب بعض التوتر للمصابين بها.
ظهور البهاق وتطوره
وأشار الدكتور الجندي إلى أن البهاق يبدأ عادة على شكل بقع صغيرة وخفيفة تتوزع على الجلد، وقد تبقى على الحجم ذاته لسنوات أو قد تزداد مساحتها بسرعة. وأضاف أنه يمكن تشخيص المرض من خلال أخذ التاريخ المرضي للمريض وعائلته، ثم يتم الفحص السريري باستخدام جهاز الودز لايت "Wood’s light" الذي يصدر الأشعة فوق البنفسجية لفحص البقع البيضاء.
كما يتم التشخيص عبر أخذ خزعة جلدية وفحص الأنسجة، بالإضافة إلى إجراء فحص دم للبحث عن أمراض مناعية أخرى قد تكون مرتبطة بالبهاق، مثل مشاكل الغدة الدرقية أو مرض السكري.
الأسباب المحتملة لظهور البهاق
يمكن لأي شخص أن يصاب بالبهاق، ويمكن أن يتطور في أي عمر. تبدأ البقع البيضاء في الظهور لدى العديد من الأشخاص المصابين بالبهاق، قبل سن الـ20، ويمكن أن تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة.
ويكون ظهور البهاق أكثر شيوعا لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي لهذا الاضطراب أو الذين يعانون من أمراض المناعة الذاتية معينة.
ويقول الدكتور الجندي: "إن حدوث اضطراب في جهاز المناعة قد يؤدي إلى موت الخلايا الصبغية المنتجة لصبغة الميلانين. وهناك عدة عوامل ترتبط بهذا المرض، مثل وجود أمراض المناعة الذاتية (كالغدة الدرقية وداء الثعلبة)، بالإضافة إلى التاريخ العائلي، حيث تكون بعض العوامل الوراثية مسؤولة عن زيادة فرص الإصابة بالبهاق". وأفاد أن حوالي 20-30% من حالات البهاق يمكن أن تكون موروثة.
أنواع البهاق
- البهاق غير القطعي: يتضمن ظهور بقع بيضاء في أي منطقة بالجسم وعادة ما يرتبط مع اضطرابات المناعة الذاتية.
- البهاق القطعي: تظهر بقع بيضاء تقتصر على جانب واحد من الجسم وعادة ما يبدأ في سن مبكرة.
- البهاق الشامل: يتمثل في ظهور بقع بيضاء في معظم أنحاء الجسم.
يمكن التعايش مع مرض البهاق حيث إنه لا يهدد حياة المريض وهو مرض غير معد. التشخيص المبكر للمرض مهم جدا لتحديد العلاج المناسب وتخفيف آثار المرض على المصابين.
وقالت استشارية الأمراض الجلدية والتناسلية الدكتورة هدى خالد القضاة: "إن مرض البهاق يُصنف على أنه من أمراض المناعة الذاتية، حيث تهاجم الخلايا المناعية الخلايا الصبغية المسؤولة عن لون الجلد، وهذا يؤدي إلى تحطمها بشكل كامل في المناطق المصابة".
ولا يعمل الجهاز المناعي بشكل سليم لدى المرضى المصابين بأمراض المناعة الذاتية. فبدلا من مهاجمة الخلايا الغريبة، مثل الفيروسات، يهاجم الجهاز المناعي خلايا وأنسجة الجسم السليمة.
وأضافت القضاة أن العلاجات المتاحة تعتمد في معظمها على الأدوية التي تثبط المناعة، مثل الكورتيكوستيرويدات، ومرهم تاكروليموس أو كريم بيميكروليموس والتي يمكن استخدامها لفترة أطول من الكورتيكوستيرويدات، وتعمل بشكل أفضل لاستعادة لون الجلد على الرأس أو الرقبة، ودواء كالسيبوتريين، كما يوجد أدوية جديدة تنتمي لعائلة مثبطات "جي إي كيه (JAK) وهذا نوع جديد من الأدوية.
دواء روكسوليتينيب والمعروف تجاريا بالاسم "أوبزيلورا" (Opzelura) هو الدواء الوحيد الذي وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لاستعادة لون الجلد المفقود لدى الأشخاص المصابين بالبهاق.
وأوضحت القضاة أن هناك العديد من العلاجات الأخرى الفعالة، مثل العلاج بالليزر أو ضوء الأكزيما، والعلاج بالأشعة فوق البنفسجية التي تمتلك خصائص قوية لتحفيز الخلايا الصبغية. كما أشارت إلى العلاجات الأخرى مثل زراعة الخلايا أو زراعة الجلد، خاصة للمرضى الذين يعانون من بهاق موضعي أو قطعي لم يستجب للعلاج الموضعي.
الاستجابة للعلاج
وأضافت القضاة أن العلاج يختلف حسب نوع ومكان البهاق، على سبيل المثال أكثر المناطق استجابة للعلاج هي الوجه، خصوصا الخدود والجبين، بينما أقل المناطق استجابة هي أصابع اليدين والقدمين. وتختلف أيضا ديمومة الاستجابة: ففي حالة البهاق القطعي، غالبا ما تكون الاستجابة دائمة حتى بعد توقف العلاج، بينما في البهاق العام أو الطرفي، تكون احتمالية رجوع المرض مرتفعة، خاصة إذا كان المرض في مرحلة النشاط.
التحديات الاجتماعية والنفسية
وأشارت القضاة إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه مرضى البهاق هو الجانب الاجتماعي، حيث يلجأ العديد من المرضى إلى العلاج لمحاولة إخفاء البهاق، خاصة في الأماكن الظاهرة كالوجه والرقبة واليدين. وأضافت أن البهاق قد يسبب مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية، وهذا يستدعي ضرورة العلاج النفسي بالتوازي مع العلاج الجسدي.
التحدي الآخر الذي يواجه مرضى البهاق هو التعرض لأشعة الشمس. وقالت القضاة إن مناطق البهاق تفتقر إلى صبغة الميلانين التي تحمي الجلد من الأشعة فوق البنفسجية، ما يجعل المرضى أكثر عرضة لحروق الشمس وسرطان الجلد.
وأوصت المرضى بتجنب التعرض لأشعة الشمس قدر الإمكان، واستخدام كريمات حماية من الشمس التي يصفها الطبيب، بالإضافة إلى تناول حبوب عشبة "البوليبوديوم" (Polypodium leucotomos) التي توفر حماية إضافية. وأكدت أيضا ضرورة تناول فيتامين "دي" لتعويض النقص الناتج عن قلة التعرض لأشعة الشمس.
وأشارت القضاة إلى أنه يجب أن يتعامل مرضى البهاق مع بشرتهم بحذر، مشددة على أهمية اتباع هذه النصائح:
- تجنب فرك الجلد أو حكه بشكل مفرط.
- استخدام صابون لطيف على البشرة خال من العطور أو المواد المهيجة.
- الترطيب اليومي للبشرة باستخدام مرطبات يوصي بها الطبيب.
- الابتعاد عن التعرض المباشر لأشعة الشمس.
- تناول غذاء متوازن يحتوي على جميع العناصر الغذائية الضرورية لبناء الخلايا وتجديدها.
كما أكدت القضاة أنه لا يوجد دليل علمي قاطع يثبت أن نوعا معينا من الأطعمة يسبب البهاق، بل على العكس، فإن تناول الألبان، اللحوم، الفواكه والخضار ضروري لتعزيز صحة البشرة، كما أن الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة، مثل الشاي الأخضر والفواكه، تساعد الجسم على التخلص من السموم التي قد تضر بالخلايا.
وختمت القضاة أن مرض البهاق هو مرض مزمن يحتاج إلى العناية والمتابعة الطبية المستمرة، مشيرة إلى أن العلاج الفعال والتزام المرضى بالإرشادات الطبية والنفسية يمكن أن يساعد في تحسين حالتهم بشكل كبير والحد من تأثيراته الاجتماعية والنفسية.