بنى تحتية خلّفها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان

تقع دولة أفغانستان في مكان إستراتيجي بقلب آسيا جعلها محط أنظار القوى العظمى على مدى التاريخ، إلا أن تلك القوى فشلت في محاولات احتلالها المتكررة.
وفي خمسينيات القرن الماضي أثناء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية بدأ اهتمام السوفيات بأفغانستان، واتضحت رغبتهم في ضمها للدول الخاضعة لتبعيتهم، فوقعوا اتفاقيات تعاون مشترك معها في العهد الملكي.
وقد أسست تلك العلاقة لتطوير بنية تحتية واسعة في البلاد، تنوعت بين المجالات العسكرية والإنشائية والمدنية وغيرها، وفيما يلي بعض البنى التحتية التي خلّفها السوفيات في أفغانستان:

قاعدة بغرام
أنتج التعاون بين حكومة الاتحاد السوفياتي وحكومة الملك محمد ظاهر شاه قاعدة بغرام الجوية، التي أصبحت لاحقا -بعد الاجتياح الروسي لمساندة الحكومة الشيوعية في أفغانستان عام 1979– المركز الرئيسي للعمليات العسكرية الروسية واستمرت على ذلك قرابة 10 سنوات، ثم أصبحت مسرحا للفصائل المتنازعة أثناء الحرب الأهلية في البلاد بعد انسحاب القوات السوفياتية عام 1989.
وفي عام 2001 بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان أصبحت بغرام واحدة من أكبر القواعد العسكرية في العالم بعد خضوعها لعمليات تطوير وتوسعة، وأصبحت أشبه بمدينة متكاملة تحوي مستشفيات ومطاعم وأماكن ترفيه ومساكن للجنود الأميركيين.
وتستمد القاعدة أهميتها من وقوعها في قلب أفغانستان على بعد نحو 50 كيلومترا شمال العاصمة كابل، إلى جانب قربها من الصين شرقا وإيران غربا وباكستان جنوبا ودول وسط آسيا المقربة من روسيا شمالا، مما جعلها رمزا للتحولات العسكرية والسياسية في الدولة، حتى قيل "من يسيطر على بغرام يسيطر على كابل".
اشتملت القاعدة على سجن لقب بـ"غوانتانامو أفغانستان"، وهو أحد أكثر السجون وحشية في العالم، إذ اعتقلت وعذبت فيه القوات الأميركية مئات الأفغان.
في عام 2025 أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مساعيه "لاسترجاع" القاعدة والسيطرة عليها من جديد، "نظرا لموقعها القريب من المكان الذي تصنع فيه الصين صواريخها"، حسب تعبيره.

نفق سالانغ
أقيم النفق الممتد إلى نحو 2.6 كيلومترات في سلسلة جبال هندكوش على ارتفاع قرابة 4 آلاف متر فوق سطح البحر، ويربط بين جنوب أفغانستان وشمالها، وبين كابل و9 ولايات شمالية تمثل البوابات التجارية الشمالية والشرقية لأفغانستان مع دول الجوار.
بني النفق بين عامي 1964 و1985 بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي، وأسهم بشكل بارز في عبور شاحنات البضائع الآتية من دول وسط آسيا باتجاه كابل أو جنوب أفغانستان، ومنها إلى دول جنوب آسيا.
شهد حوادث مرور سبّبت خسائر كبيرة، ففي عام 1982 انفجرت شاحنة وقود داخله، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على 170 شخصا بينهم عسكريون في الجيش السوفياتي، وفي عام 2022 انفجر فيه صهريج غاز، مما أدى إلى مقتل نحو 30 شخصا.
وبسبب موقعه المرتفع على جبال هندوكوش، تهدد العوامل الجوية أداءه بشكل مستمر، إذ تكررت حوادث الانهيار الثلجي فيه، وكان من أخطرها سلسلة انهيارات ضربت محيط النفق عام 2010، قُتل على إثرها أكثر من 170 شخصا.
وقد هدم النفق وأعيد بناؤه مرات عدة، كانت آخرها عام 2023.

جسر الصداقة
شيد الجسر الاتحاد السوفياتي على نهر جيحون (آمو داريا) عام 1985، ويبلغ طوله 816 مترا، ويربط بين أفغانستان وأوزبكستان، التي كانت جمهورية تنضوي تحت لواء الاتحاد السوفياتي آنذاك.
كان الهدف من بنائه هو إيجاد طريق لعبور القوات السوفياتية للأراضي الأفغانية إبان الاجتياح عام 1979، إلا أن المفارقة كانت حين شهد الجسر ذاته على الهزيمة التي مني بها الجيش السوفياتي أمام الشعب الأفغاني وانسحاب مدرعاته وناقلات جنده.
أغلق الجسر في أواخر تسعينيات القرن العشرين بعد استيلاء حركة طالبان على شمال أفغانستان، وظل مغلقا حتى عام 2001 عندما فتح لإدخال المساعدات الإنسانية.
وفي عام 2024 افتتح مركز تجاري على الجسر بتعاون مشترك بين أفغانستان وأوزبكستان، لتعزيز الاستثمارات التجارية والاقتصادية بين البلدين.

جامعة البوليتكنيك
أنشأت الحكومة الأفغانية جامعة كابل التقنية عام 1963 بدعم مادي من الاتحاد السوفياتي، إلى جانب توفير مواد البناء، وتقديم استشارات هندسية في مرحلتي التصميم والتنفيذ.
اعتمدت الجامعة في بداية عهدها على المناهج الدراسية السوفياتية بهدف تعزيز النفوذ الثقافي والتقني في أفغانستان في فترة الحرب الباردة.
تطورت جامعة كابل حتى صارت تخرج طلابا يحملون درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، بمختلف الحقول الهندسية المهمة، مثل الهندسة المدنية والصناعية والنقل والمسح الطبوغرافي والحاسوب.
وتعتمد الجامعة معايير عالية في المجال الأكاديمي والبحثي، إذ تهدف في خططها المستقبلية إلى تبوّء مركز متميز بين جامعات العالم.
تعرضت بنايات الجامعة للتدمير مرات عدة في مختلف الحروب التي مرت على أفغانستان، إلا أنها رغم ذلك تتفوق بكونها الجامعة الهندسية التطبيقية الأولى في الدولة بعد إعادة بنائها وترميمها مرارا.

مساكن مكروريان
وهي مجموعة من الأحياء السكنية المصغرة بنيت في كابل بدعم من الاتحاد السوفياتي، وعلى الطراز المعماري المتبع فيه آنذاك، وكانت تلك المساكن مخصصة للموظفين المحليين، إضافة للخبراء السوفيات الذين كانوا يعملون في مشاريع متعددة في أفغانستان.
وفي كل حي من هذه الأحياء السكنية نظام متكامل، إذ يشتمل -إضافة إلى المساكن- على المرافق اللازمة مثل المتاجر والحدائق ومواقف السيارات، وقد صمدت في وجه الحروب المتتالية.
مصانع ومخابز آلية
أنشأ الاتحاد السوفياتي عددا كبيرا من صوامع القمح والمخابز الآلية، من أبرزها مخابز "سيلو" الآلية الضخمة، التي تعد أحد معالم العاصمة كابل.
تمتد هذه المخابز بأفرعها الكثيرة على مساحة كبيرة، وترتبط خصوصا بصوامع للقمح ومطاحن حديثة وأجهزة آلية لصناعة الخبز.
كما أسس السوفيات مجموعة من المصانع المختصة في مختلف المجالات، مثل صناعة النسيج والسكر والجلود، أسهمت في تشكيل البنية التحتية الاقتصادية للدولة الأفغانية الحديثة.