قصر باكنغهام.. البلاط الملكي البريطاني
قصر باكنغهام، قصر ملكي في لندن تقيم فيه العائلة المالكة البريطانية بشكل رسمي منذ 1837، ويعد المقر الرئيس لكل الأحداث الملكية، وفيه تقام المناسبات من تتويج واستقبالات وتكريمات.
ويعد القصر من أهم الوجهات السياحية في لندن، ويزيد عمره على 200 عام، إذ شيّد في الأصل ليكون منزلا خاصا، وصار فيما بعد وجهة البريطانيين في كثير من المناسبات والأحداث سواء منها السعيدة أو الحزينة.
تاريخ القصر
كانت الأرض التي يقع عليها القصر الآن مزرعة للعائلة المالكة قبل قرون، وكانت في البدء ملكا لقديس وملك إنجلترا إدوارد المعترف (Edward the Confessor).
وفي عام 1531 استصلحت الأرض على يد هنري الثامن، وبعد تولّي جيمس الأول العرش في عام 1600 خطط لجعلها مزرعة توت لتربية دود القز؛ وإنتاج الحرير للعائلة الملكية، لكن تلك الفكرة لم تنجح لاختياره النوع الخاطئ من شجيرات التوت.
ولم يبنَ القصر على يد أي من أفراد العائلة المالكة رغم ملكية الأرض لهم، إنما بناه دوق باكنغهام جون شيفلد عام 1703، وبقي ملكا له حتى اشتراه جورج الثالث.
واشترى الملك جورج الثالث القصر -الذي كان منزلا آنذاك- في عام 1761، بقيمة 12 ألف جنيه إسترليني لزوجته الملكة شارلوت، وكان القصر حينئذ يتشكل من بناء كبير من 3 طوابق، وتقام فيه وظائف المحكمة، لكنه كان معروفا باسم بيت الملكة.
تعديلات على البناء
تمت توسعة منزل الملكة في عام 1820 على يد جورج الرابع، وبدأ تحويله في عام 1826 إلى قصر من أضخم القصور بمساعدة المهندس المعماري جون ناش الذي احتفظ بالمنزل الرئيس وضاعف حجمه بمجموعة من الغرف في جانب الحديقة الغربي.
ثم هدم الجناحين الشمالي والجنوبي لمنزل باكنغهام وأعيد بناؤهما على نطاق أوسع، بقوس النصر (القوس الرخامي) باعتباره حجر الزاوية في الفناء الموسع، ولإحياء ذكرى الانتصارات البريطانية في ترافالغار وواترلو.
وبحلول عام 1829 ارتفعت تكاليف التوسعة إلى ما يقرب من نصف مليون جنيه إسترليني، وعند وفاة جورج الرابع في عام 1830 تولى شقيقه الأصغر وليام الرابع إنهاء العمل.
ولم ينتقل الملك إلى القصر في الواقع، وعندما تضرر مبنى مجلسي البرلمان بنيران عام 1834 عرض الملك القصر مقر جديدا للبرلمان لكن العرض قوبل بالرفض.
ويعكس نمط البناء الخارجي للقصر تأثير العمران الفرنسي الكلاسيكي الذي كان مفضلا عند الملك جورج الرابع، وبقي القصر على تلك الحال حتى وصول الملكة فيكتوريا إلى الحكم عام 1837.
كانت الملكة فيكتوريا أول ملكة بريطانية تقيم فيه بدءا من يوليو/تموز 1837، ومنه انطلق موكبها في يونيو/حزيران 1838 إلى مكان تتويجها ملكة.
ومنذ ذلك الحين أصبح معروفا بالقصر الملكي البريطاني، وأقامت فيه العائلة المالكة بشكل رسمي، ومن الغرف التي لم تتغير فيه الغرف الحكومية وشبه الحكومية.
وفي عام 1913 صدر قرار بتلبيس واجهة القصر، وكُلّف المهندس السير أستون ويب بالإشراف على هذه العملية، إضافة إلى إصلاح عدد من المباني العامة الكبيرة.
واختار ويب أن يكون الإصلاح والتلبيس باستخدام حجر البورتلاند، وهو حجر جيري من جزيرة بورتلاند، واستغرق تحضيره 12 شهرا قبل بدء أعمال البناء، وعندما بدأ العمل استغرق 13 أسبوعا لإكمال التجديد.
مرافق القصر
بعد انتقال الملكة فيكتوريا إلى قصر باكنغهام وزواجها من الأمير آلبرت عام 1840 ظهرت فيه بعض العيوب، مثل قلة غرف نوم الزوار وعدم وجود غرف نوم وحضانات للأطفال.
وبني جناح رابع بأمر من الملكة فيكتوريا، وأصبح القصر محاطا بالأبنية من جهاته الأربع وغدا من بين أكبر قصور العالم.
يتكون قصر باكنغهام من 5 طوابق، وتعد حديقته أكبر حديقة خاصة في لندن إذ تعادل مساحتها 30 ملعبا لكرة القدم.
والحديقة مقسمة إلى 3 أجزاء؛ أولها جزء "الهاريسونز" الذي يحتوي على حشائش ضخمة، والثاني حديقة أزهار تضم 25 نوعا من الأزهار الوطنية في إنجلترا.
والجزء الثالث حديقتان تضمان 350 نوعا من الزهور ونحو 100 شجرة وبحيرة تبلغ مساحتها 3 فدادين.
ويضم القصر 775 غرفة، منها 52 غرفة ملكية، وغرف أخرى للضيوف، و19 غرفة حكومية، و188 غرفة للموظفين، بالإضافة إلى 78 حماما موزعة في القصر كله.
والطابق الأرضي للقصر يعد مركزا خدميا للملكة، ويضم مركزا للبريد خاصا بالرسائل المبعوثة للقصر، وصرافا آليا، ومكتبا طبيا مجهزا بالكامل.
ولا يستخدم المكتب الطبي المزود بغرف حديثة للعمليات إلا في حالات الطوارئ، وهو مزود كذلك بغرف للكشف السريع.
الإدارة والوظائف
نقلت الأعمال الإدارية إلى القصر وخصصت 92 غرفة من غرف القصر لتكون مكاتب إدارية.
ومن المناصب التي ما زالت تابعة للقصر منصب المسؤول الفلكي، وقد استحدثت هذه الوظيفة في عهد الملك تشارلز الثاني عام 1675، ويتولاها عادة عالم في الفلك.
ويشغل المنصب الآن العالم الفلكي مارتن جون ريس الذي عينته الملكة إليزابيث الثانية، وتتضمن وظيفته مراقبة كل مستجدات علم الفلك والنجوم وإبلاغ الملكة بها.
كما أن في القصر عاملا خاصا بتقطيع اللحوم المقدمة في القصر وتجهيزها، وخلال حفلات العشاء يتولى الموظف تقطيع اللحوم على المائدة.
إضافة إلى ذلك، ونظرا لاهتمام الملكة إليزابيث الكبير بجمع الطوابع؛ عينت في قصر باكنغهام عام 2003 حارسا للطوابع الملكية يدعى مايكل سافي ويتولى أرشفة الطوابع والعناية بها.
ويحفظ الحارس واختصاصي الطوابع سافي تلك الطوابع التي نقلت من جد الملكة وأبيها اللذين كانا هاويين لجمعها، كما أنها تعد في القصر وثائق تاريخية.
وهناك مسؤول عن الساعات، يتولى صيانة وتنظيف الساعات في القصر وما يتبع له من المساكن، ويبلغ عدد هذه الساعات 500 في قصر باكنغهام، و379 ساعة في قلعة وندرسون، و80 ساعة في قصر هوليرود هاوس.
ولضخامة عدد الأعمال الفنية واللوحات في القصر، يوجد منصب لمسؤول صيانة الأعمال من لوحات فنية وأثاث وكتب وصور فوتوغرافية، ويشغل ديزموند شاو تايلور هذا المنصب منذ 2005.
ومن أغرب وظائف القصر أيضا وجود مُليّنة لحذاء الملكة، وهي امرأة يكون مقاس قدمها مطابقا لمقاس قدم الملكة، فترتدي الأحذية الجديدة للملكة لتليينها وتوسيعها فلا تؤلمها عند ارتدائها.
مناسبات القصر
يستخدم قصر باكنغهام للعديد من المناسبات الملكية التي يقيمها الملك أو الملكة، وفيه يكون الاحتفال بالأحداث الملكية، ويرفّه فيه عن رؤساء الدول الأجنبية.
وفيه يحتفل بالإنجازات والاستثمارات، وتقام مآدب الغذاء والعشاء، وحفلات الحدائق والتتويجات. وكانت الملكة إليزابيث تعقد فيه اجتماعا أسبوعيا مع الحكومة، وفيه تستقبل السفراء الأجانب المعينين حديثا في القصر.
ومن أبرز المناسبات المقامة في القصر حفل موسيقي أقيم عام 2002 احتفالا باليوبيل الذهبي للملكة، وفي عام 2012 أثناء احتفال الملكة باليوبيل الماسي دعي أفراد من الجمهور للقيام بنزهة خاصة في حديقة القصر، وفي عام 2022 أثناء الاحتفال باليوبيل البلاتيني أقيم فيه استعراض لطائرات من دون طيار.
ورغم كونه مقرا رئيسا للحكم والشؤون الإدارية، فإنه عائلي أيضا، وفيه ولد الأمير تشارلز والأمير أندرو، وتعرض على سوره الأمامي إشعارات الولادات والوفيات ليراها الجمهور.
وفي عام 2023 انطلق الموكب الملكي لتتويج تشالز الثالث ملكا لبريطانيا من قصر باكنغهام إلى كنيسة ويستمنستر في لندن، وأطل الملك على الجماهير من شرفة القصر بعد تتويجه.
السياحة في باكنغهام
يعد قصر باكنغهام من أهم الوجهات السياحية لزوار لندن، ويزوره في كل عام 50 ألف زائر، منهم السياح وضيوف القصر والأسرة المالكة.
ورغم كونه مقر حكم بريطانيا فإن أبوابه تفتح للجماهير من السياح الذين يدخلون بزي يميزهم عن موظفي القصر، ويشاهدون مرافقه الفخمة مثل الصالات الملكية المزينة بأعمال فنية عريقة.
ويحرص السياح على مشاهدة تبديل الحرس الملكي، الذي يكون يوميا في العاشرة صباحا، كما يزورون الإسطبل الملكي الذي يضم كثيرا من الخيول الأصيلة.