لويس السادس عشر ملك فرنسا الذي لم يكن متوقعا
لويس الـ16 آخر ملوك آل بوربون في فرنسا ونافارا، وهو الذي قامت ضده الثورة الفرنسية التي ألغت النظام الملكي وأعلنت النظام الجمهوري. حَكَم من عام 1774 حتى عام 1792 وأعدم بعدها بسنة.
المولد والنشأة
ولد لويس أوغست، الذي كان يلقب بدوق بيري (محافظة وسط فرنسا)، يوم 23 أغسطس/آب 1754 بمدينة فرساي شمالي فرنسا.
ومما تميزت به تربيته وتكوينه أن القائمين عليه لم يكونوا يعدونه ليكون ملكا، خصوصا وأن جده لويس الـ15 كان لا يزال ملكا، وكان والده وريثا للعرش (وليا للعهد)، وكان له ابنان آخران أكبر من لويس أوغست، وهو ما كان يعني أنه كان من المستبعد جدا أن يكون ملكا.
كان اسم والده هو الآخر لويس، وكان هو الوريث المفترض للعرش بعد الملك لويس الـ15، لكنه توفي قبله عام 1765، كما أن لويس أوغست هو أول واحد من إخوته الذكور عاش حتى سن الرشد.
اشتهر بأنه كان حييا وخجولا، وضعيفا تجاه المحيطين به في البلاط، وكان طوال الوقت إما منشغلا بالصيد أو منزويا في مكتبته أو مشغله اليدوي.
والدة لويس الـ16 هي ماري جوزيف، تنحدر من منطقة ساكسونيا بألمانيا، وله 8 إخوة (4 بنات و4 أولاد)، بعضهم من أم ثانية، واثنان منهم أصبحا ملكين فيما بعد، وهما لويس الـ18 وتشارلز العاشر.
أصبح لويس أوغست وريثا لعرش جده في سن الـ11 بعد وفاة أبيه رغم كونه الابن الثالث، إذ إن أخويه الأكبر سنا توفيا في سن صغيرة، فتولى لويس الـ16 الحكم بعد جده لويس الـ15.
في 16 مايو/أيار 1770، ولتكريس التحالف القائم آنذاك بين فرنسا والنمسا، تزوّج من الأرشيدوقة النمساوية ماري أنطوانيت ابنة ماريا تيريزا وإمبراطور رومانيا فرانسيس الأول، غير أن هذا الزواج لاقى معارضة كبيرة في المجتمع.
كان لويس الـ16 أبا لأربعة أبناء: بنتان وولدان (أحدهما أصبح فيما بعد الملك لويس الـ17)، وهم:
- ماريا تيريزا شارلوت (ولدت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 1778).
- لويس جوزيف فرانسيس كزافييه (ولد يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1781، وصار فيما بعد الملك لويس الـ17).
- لويس تشارلز (ولد يوم 27 مارس/آذار 1785).
- صوفيا إيلينا بياتريس (ولدت في التاسع من يوليو/تموز 1786).
الدراسة والتكوين العلمي
أشرف على تعليم لويس أوغست الدوق دي لا فوغويون (اسمه الكامل أنوطوان بول جاك دي كيلين دي كوساد)، وكان صارما معه. كما درس على يد رهبان، أبرزهم الراهب برتير والراهب سولديني، وتربى على أيديهم تربية مسيحية كاثوليكية.
ومن المواد التي كان مهتما بها أكثر خلال دراسته التاريخ والجغرافيا واللغات، حيث كان يدرس اللاتينية والإيطالية ويتقن الفرنسية والإنجليزية.
كان لويس الطالب يحب أيضا الهندسة والميكانيكا وعلم الفلك، كما اهتم بتعلم عدد من الحرف اليدوية مثل البناء والميكانيكا وصناعة الأقفال التي كان بارعا فيها.
مرّ لويس أوغست الشاب أيضا بتجربة في صفوف الجيش الفرنسي، وخصوصا في البحرية، كما تعلّم الرماية وأتقنها.
حياته الملكية وممهدات الثورة
تولى عرش فرنسا في العاشر من مايو/أيار 1774 بعد وفاة جده لويس الـ15، ولم يكن مهيئا لتولي الحكم بعد، فوُصف بأنه لم يكن قوي الشخصية ولا حازما في قراراته، مما لم يساعده في التصدي للفاسدين داخل البلاط، أو حتى في دعم الوزراء الإصلاحيين.
ومما روي عنه أنه يوم انتشر في القصر خبر وفاة جده وتوليه هو العرش، وجد هو وزوجته في مصلاهما يتضرعان لله، وهو يقول "اللهم أعنا فنحن أصغر من أن نحكم".
نهاية عام 1774 ألغى لويس الـ16 قرار جده في الحد من صلاحيات البرلمان، وأبطل العبودية وألغى ضرائب، بينها الضريبة على الأرض وضريبة العمل، وأوقف حكم الإعدام بحق الفارين من الخدمة العسكرية، وأمر بتعزيز التسامح مع المسيحيين غير الكاثوليك.
كانت هذه الخطوات بمثابة إعلان للعداوة مع طبقة النبلاء الفرنسيين، وفعلا تصدوا لهذه الإصلاحات ومنعوا تطبيقها، وأوقفوا ميل لويس الـ16 إلى تحويل الملكية الفرنسية إلى ملكية دستورية.
في تلك الفترة انتشر الجوع بين عامة الشعب الفرنسي (أطلق عليهم الطبقة الثالثة) بسبب شح المواد الأساسية كالخبز وارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية.
وافق لويس الـ16 على الدعم العسكري الفرنسي للمستوطنين الأميركيين في الشمال للاستقلال عن بريطانيا، وتم ذلك في معاهدة باريس عام 1789، لكنْ النفقات والدين الكبير اللذان ترتبا على الدعم كادا أن يفلسا البلاد.
وفي عام 1789 اقتحمت الجماهير الغاضبة سجن الباستيل في العاصمة باريس، واضطر الملك تحت تأثير تصاعد أعمال الشغب في الشارع إلى الاعتراف بالسلطة التشريعية للجمعية الوطنية (البرلمان).
فقرر لويس الـ16 فرض المزيد من الضرائب، وتم اعتقال نخبة كبيرة من المفكرين، غير أن طبقة النبلاء الإقطاعيين وطبقة الإكليروس احتكروا المال وهمشوا عامة الشعب وممثليهم في الجمعية الوطنية.
هروب النبلاء
أعلنت الجمعية الوطنية رفضها قرار الملك، ومنعت تنفيذ أي مراسيم يفرضها من دون أن تقرها الجمعية، فأصدر قرارا بحظر دخول النواب إلى مقر البرلمان.
في تلك الفترة زادت حالة السخط الشعبي على الحكم والنبلاء، فأشعلت شرارة الثورة لإنهاء النظام الإقطاعي، طلبا للتوزيع العادل لملكية الأرض وإلغاء امتيازات النبلاء.
تصاعدت الأزمة السياسية في البلاد، وعمت المظاهرات جميع أنحاء فرنسا، وأصبحت قصور الإقطاعيين هدفا للثوار من الفلاحين، فهرب معظم النبلاء خارج فرنسا خوفا على حياتهم.
شتت انتباه الملك مرض ابنه الأكبر ثم وفاته في الرابع من يونيو/حزيران 1789، فلم يكن قريبا من الأحداث التي تدور حوله، ولم يضع في ذهنه الحاجة للتواصل مع النواب في الجمعية الوطنية لكسب تأييدهم لأنه اعتبرها إهانة لكرامة الملك.
في 14 يوليو/تموز 1789 اقتحم الثوار سجن قلعة الباستيل التي كان ينظر إليها بوصفها رمزا للسلطة الملكية في البلاد، وسيطروا على مخازن السلاح والذخيرة الموجودة داخل القلعة، وقتلوا محافظ السجن ماركيز دي برنارد، وقطعوا رأسه ووضعوه على رمح، وساروا به في شوارع المدينة.
أصدرت بعدها الجمعية الوطنية "إعلان حقوق الإنسان والمواطن"، الذي نص على الحق في الحرية والأمن والمساواة بين الجميع أمام القانون وتكافؤ الفرص، في وقت فشل فيه الملك في محاولة تأسيس مَلكية دستورية.
نص الإعلان أيضا على مبدأ الحكومة التمثيلية والسيادة الشعبية، أي أن السيادة للشعب وليست للملك، كما عملت الجمعية على إلغاء الامتيازات الإقطاعية، وأقرّت توزيع الضرائب بين أفراد الشعب بالتساوي دون تمييز طبقي وأمّمت أموال الكنيسة وأراضيها باعتبارها ملكا للشعب.
وفي عام 1791 أصدرت الجمعية الوطنية دستورا جديدا، يضمن الحريات العامة، ويوزع السلطات توزيعا عادلا، ويؤكد على مبدأ فصل السلطات، والإبقاء على النظام الملكي مع تحديد سلطات الملك لويس الـ16.
بعد أقل من عام، اشتعلت الفوضى في صفوف الجمعية، وبدأ صراع بين الجناح الداعم للملكية الدستورية والجناح الرافض للنظام الملكي، وانتهى الأمر باقتحام القصر الملكي واعتقال الملك وأسرته، ومن ثم إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية.
الإعدام
في عام 1792 أعلن النظام الجمهوري إلغاء الملكية بالتزامن مع تصاعد التيار الثوري، وتمت محاكمة لويس الـ16 وإدانته بتهمة التآمر ضد الحرية والسلامة العامة، وحكم عليه بالإعدام.
نفذ الحكم يوم 21 يناير/كانون الثاني 1793 في ساحة الثورة (ساحة الكونكورد حاليا)، وتم دفنه في كاتدرائية سان دوني، في حين أعدمت ماري أنطوانيت يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.