"اتفاقية عنتيبي".. سعي لنظام إقليمي يحكم استخدام نهر النيل
اتفاقية تعرف أيضا بـ"الإطار التعاوني لحوض نهر النيل". أبرمت عام 2010 وتفرض إطارا قانونيا لحل الخلافات والنزاعات، وتنهي الحصص التاريخية لمصر والسودان وتفرض إعادة تقسيم المياه، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية بدون التوافق مع دول المصب، وهو ما ترفضه مصر والسودان.
لمحة تاريخية
عقدت العديد من الاتفاقيات لدول حوض نهر النيل سبقت اتفاقية عنتيبي، فقد أبرمت بريطانيا (بصفتها ممثلة لمصر والسودان) وإثيوبيا اتفاقية عام 1902 أقرت بعدم إقامة مشروعات على المنابع الإثيوبية يكون من شأنها التأثير على مياه النيل.
أما عام 1929 فأبرمت بريطانيا (ممثلة عن السودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا) مع مصر اتفاقية لتوزيع مياه نهر النيل، تنص على عدم إقامة أي إجراء على النيل وفروعه وروافده من شأنه تقليص حصة مصر بدون اتفاق مسبق مع القاهرة.
ولاحقا حددت اتفاقية 1959 بين مصر والسودان حصة مصر بـ55 مليار متر مكعب سنويا، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، بينما ترفض بقية دول حوض النيل هذه الاتفاقية.
كما أطلقت مبادرة حوض النيل في فبراير/شباط 1999، وضمت دول الحوض وبينها مصر والسودان بهدف وضع إستراتيجية للتعاون فيما بينها، باستنادها على مبدأين أساسيين هما: تحقيق النفع للجميع، وعدم الضرر، إلا أنها كانت آلية مؤقتة لعدم استنادها إلى معاهدة أو اتفاقية دائمة.
اتفاقية عنتيبي
في يوليو/تموز 2009 اجتمع المجلس الوزاري الـ17 لدول حوض النيل بمدينة الإسكندرية، وسعت دول المنبع وهي "كينيا وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وروندا" لفرض إقامة "مفوضية" لحوض النيل، بدون مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان) لتكون هذه الاتفاقية بديلا عما سبقها من اتفاقيات لتوزيع المياه.
ورغم اشتداد الخلافات بين دول الحوض فإن المفاوضات والمشاورات استمرت مدة 6 أشهر، وقرر المجلس الانتهاء من حسم نقاط الخلاف للوصول إلى اتفاقية موحدة بين دول الحوض.
وفي مايو/أيار 2010 قررت 5 من دول المنبع التوقيع على اتفاقية في مدينة عنتيبي الأوغندية، وسميت باسمها (اتفاقية عنتيبي) وقد هدفت إلى نقل النفوذ من دولتي المصب إلى دول المنبع وفقا لاتفاقيات 1929 و1959، ومنحت مصر والسودان مهلة عام واحد للانضمام إلى المعاهدة.
مبادئ الاتفاق
تضمن الاتفاق عدة مبادئ تعمل على صيانة وحماية وتنمية نهر النيل، منها ما يلي:
- التعاون بين دول حوض نهر النيل على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة لتحقيق الاستخدام الأمثل.
- التنمية المستدامة وحماية مياه حوض نهر النيل مع التخطيط المسبق.
- الأمن المائي لجميع دول حوض نهر النيل.
- الاستخدام المنصف والعادل لمياه النهر.
نقاط الخلاف
تختلف دول المصب ودول المنبع في الاتفاقية حول الحقوق التاريخية لمصر والسودان والأمن المائي، والإخطار المسبق عن مشاريع الدول المشاركة على النهر، فقد وصفت مصر والسودان الاتفاقية بأنها تنهي الحصص التاريخية للدولتين في مياه النيل، ومن ثم تخالف كل الاتفاقيات الدولية.
وتستند الرؤية المصرية إلى حكم صادر عن محكمة العدل الدولية في عام 1989، والذي أكد أن اتفاقيات المياه تتمتع بنفس الحصانة القانونية التي تتمتع بها اتفاقيات الحدود، وهذا يعني أنه لا يجوز تعديلها.
وفي المقابل، ترى دول المنبع أن اتفاقيات المياه قد تم توقيعها خلال الحقبة الاستعمارية، ومن ثم فهي لا تشعر بالالتزام بها.
واشترطت دول المصب للتوقيع أن تنص الاتفاقية على:
- التأكيد على حقوق البلدين التاريخية في مياه النيل.
- ضرورة الإخطار المسبق عن كل المشروعات التي يتم تنفيذها على النهر.
- عدم جواز تغيير أي بند من بنود الاتفاقية إلا بإجماع الآراء باشتراط تضمين دولتي المصب.
المصادقة على الاتفاقية
بقيت الاتفاقية معلقة ولم يتم المصادقة عليها رسميا إلا بعد نحو 3 سنوات، فكانت إثيوبيا وروندا أولى الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية عام 2013، بعد ذلك توالت مصادقة العديد من دول المنبع، ففي عام 2015 صادقت عليها تنزانيا وأوغندا وبوروندي، لكنها بقيت مرفوضة لدى مصر والسودان.
تصديق جنوب السودان
وفي 25 يوليو/تموز 2024 وبعد 12 عاما من توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، وافق برلمان جوبا بالإجماع على تصديق الاتفاقية، لتصبح الدولة السادسة التي تصادق عليها، وبذلك تدخل حيز التنفيذ بموجب المادة 43 منها، التي تنص على تفعيلها بعد 60 يوما من إيداع سادس دولة تصديقها لدى الاتحاد الأفريقي.
موقف مصر والسودان
التزمت مصر والسودان رسميا الصمت إزاء المصادقة المفاجئة من جنوب السودان على الاتفاقية، الأمر الذي يمهد الطريق لبدء تنفيذها بعد 14 عاما من الجمود.
واعتبر أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، عباس شراقي، أن تصديق جنوب السودان على الاتفاقية من الناحية القانونية لا قيمة له، ولن يترتب عليه أي التزامات قانونية على دولتي المصب كونهما غير معينتين بالاتفاقية شكلا وموضوعا.
مؤكدا أن "هذه الاتفاقية، سواء صدقت عليها جنوب السودان أو حتى 11 دولة، فإنها غير ملزمة لمصر"، وقال إن القاهرة والخرطوم لن تلتزما الصمت، وستطلبان من الأمم المتحدة والجهات المانحة منع تقديم أي تمويل لأي مشروعات تابعة لمفوضية حوض النيل.