حركة طالبان.. النشأة والفكر والتنظيم
نشأت الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية، المعروفة باسم طالبان، في ولاية قندهار (جنوب غربي أفغانستان) على الحدود مع باكستان عام 1994.
حركة إسلامية أفغانية، تأسست من طلاب المدارس الدينية، وصلت إلى السلطة عام 1994 بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي عام 1989، سيطرت على المدن والمحافظات الرئيسية في أفغانستان، ودامت فترة حكمها الأول خمس سنوات، وأسقطت عام 2001، بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. ثم عادت وتولت السلطة في أغسطس/آب 2021، بعد رحيل قوات التحالف التي كانت تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، وسيطرت على البلاد من جديد.
النشأة
نشأت الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية المعروفة باسم "طالبان" (جمع كلمة طالب في لغة البشتو) في ولاية قندهار (جنوب غربي أفغانستان) على الحدود مع باكستان عام 1994، على يد الملا محمد عمر مجاهد (1959-2013)، إذ كان يرغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي، وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994.
وقيل إن التشاور بشأن تشكيل الحركة، تم بدعوة المؤسسين إلى بيت الملا على وليمة عقيقة ابنه، وروى كيف تمكن من جمع النواة الأولى لهذه الحركة، وأنه كان يطوف ومن معه على دراجات نارية على الحلقات الدينية، فتمكن من إقناع 53 شخصية دينية، و13 طالبا، نقلهم إلى قرية "كشك نخود" يوم 15 يناير/كانون الثاني 1994، فكان يوم تأسيس حركة طالبان.
عوامل بروز الحركة
ساعدت على سرعة انتشار الحركة وإقبال الأفغان عليها في العديد من الولايات، خاصة الجنوبية والشرقية، عدة عوامل داخلية وخارجية، منها:
أولا العوامل الداخلية:
الحروب الأهلية
أوقعت الحروب الأهلية الطاحنة التي نشبت بين فصائل المعارضة الأفغانية بسبب الصراع على السلطة، وإيمان كل طرف بأنه الأحق بالحكم؛ عددا كبيرا من الخسائر البشرية، بلغت أكثر من 40 ألفا، إضافة إلى خسائر مادية جسيمة.
ولم ينجح الوسطاء الدوليون في وضع حد لهذه الحروب، وكان لذلك دور مهم في إقبال قطاعات كبيرة من الأفغان على حركة طالبان، التي رأوا فيها وسيلة لتخليص أفغانستان من ويلات تلك الحروب وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.
الفوضى وانعدام النظام
دبت الفوضى في الجسد الأفغاني بعد دحر قوات الاحتلال السوفياتي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وانقسمت أفغانستان بين الجماعات والفرق المتصارعة، وأصبحت وحدة البلاد مهددة نتيجة لذلك، ولم يكن أمام السكان قوة موحدة تجبرهم على احترام القوانين والتقيد بالأمن العام.
وإبان ظهور الحركة كانت حكومة برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود تسيطر على 7 ولايات فقط في شمال ووسط أفغانستان، في حين يسيطر القائد الشيوعي السابق رشيد دوستم على 6 ولايات في الشمال، وكانت قوات "شورى ننغرهار" تحكم 3 ولايات في الشرق، وإدارة إسماعيل خان تتحكم في غرب أفغانستان، إضافة إلى العديد من الولايات التي كانت من دون أي نوع من الإدارة، فكانت حركة طالبان أملا للشعب الأفغاني في توحيد البلاد ومنع انشطارها.
الفساد الأخلاقي
استشرى الفساد نتيجة رواسب الحقبة الشيوعية التي عاشتها أفغانستان وتحكم القائد الشيوعي رشيد دوستم في بعض الولايات، والفوضى الإدارية التي جعلت من الصعوبة على جهة معينة محاربة الرذائل التي انتشرت في المجتمع الأفغاني المحافظ بطبيعته، فلقيت حركة طالبان -التي أخذت على عاتقها محاربة مثل هذه المظاهر- صدى طيبا في نفوس الأفغان.
الاضطرابات الأمنية
عانت أفغانستان كثيرا من انفلات الوضع الأمني، الذي تمثل في اختطاف السيارات، خاصة التابعة للمؤسسات الإغاثية، وأعمال السلب والاشتباكات المسلحة التي كانت تقع بين المجموعات المسلحة داخل الأماكن المزدحمة، مما أسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى.
كما نتج عن ذلك ابتزاز السكان وسلبهم أموالهم وفرض أنواع من الإتاوات؛ لذلك رغب الناس في أي سلطة تعيد الأمن وتفرض الاستقرار وتمنع هذه الانتهاكات، مما مهد الطريق أمام طالبان.
أمراء الحرب
وهم طبقة ظهرت عليها علامات الثراء السريع بعد انتهاء الحرب الأفغانية السوفياتية بسبب تجارة المعادن والأحجار الكريمة والأسلحة والذخيرة وأكوام الحديد الخردة التي خلفتها الحرب، إضافة إلى تحكم بعض أصحاب المناصب في الأموال الناتجة عن الجمارك والضرائب الحدودية.
فأصبحت هناك طبقة ثرية وسط شعب يعد من أفقر شعوب العالم، مما أوجد مشاعر من الحنق على هؤلاء، ورغب السكان في أن تخلصهم طالبان من هذه الطبقة، وتعمل على إعادة توزيع الثروة في البلاد بطريقة عادلة.
ثانيا العوامل الخارجية
أما العوامل الخارجية فقد تضافر العديد منها في وقت واحد على المستويين الدولي والإقليمي وهيأت المجال أمام حركة طالبان، ومنها:
دعم باكستاني
كانت باكستان تسعى إلى التعاون مع حكومة صديقة في أفغانستان لتسهيل عمليات التبادل التجاري بينها وبين جمهوريات آسيا الوسطى، ولم تجد بغيتها في حكومة رباني ومسعود التي اتهمتها بالتعاون مع الهند، وحاولت الإطاحة بتلك الحكومة عن طريق حكمتيار ودستم، لكنها فشلت في ذلك، فلما ظهرت طالبان سارعت باكستان إلى دعهما والتعاون معها.
تقاطع مع مصالح أميركية
أما الولايات المتحدة الأميركية فقد تقاطعت مصالحها مع مصالح طالبان، فلم تمنع ظهورها في بداية الأمر، ثم سرعان ما اختلفت المصالح بعد ذلك فانقلب الوضع وأصبحت من ألد أعدائها.
في البداية رغبت الولايات المتحدة في ضرب الأصولية الأفغانية بأصولية أشد منها حتى تخلو الساحة لجماعة أصولية واحدة تستطيع تطويعها في فلك السياسية الأميركية بعد ذلك.
ورغبت واشنطن كذلك في تشديد الحصار على النفوذ الإيراني ومنعه من التوغل تجاه الشرق، خاصة جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين، التي تحوي أكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد الخليج العربي؛ لذلك لم تمانع الولايات المتحدة ولم تقف حجر عثرة أمام تقدم طالبان.
أهداف حركة طالبان
أعلنت طالبان على لسان الناطق الرسمي باسمها الملا عبد المنان نيازي في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1994، بعد أن استولت على مديرية سبين بولدك، أن هدفها هو استعادة الأمن والاستقرار وجمع الأسلحة من جميع الأطراف، إضافة إلى إزالة مراكز جمع الإتاوات من الطرق العامة التي سلبت الناس أموالهم وانتهكت أعراضهم.
لكن بعد أن استولت الحركة على عدد من الولايات ولقيت قبولا مبدئيا لدى قطاعات عريضة من الشعب الأفغاني، الذي أنهكته الحرب الأهلية، طورت أهدافها، لتصبح إقامة حكومة إسلامية، كما صرح بذلك الملا محمد عمر في كلمته التي ألقاها أمام العلماء في قندهار في الرابع من أبريل/نيسان 1996. ونشرت الحركة أهدافها على النحو التالي:
- إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة.
- أن يكون الإسلام دين الشعب والحكومة جميعا.
- أن يكون قانون الدولة مستمدا من الشريعة الإسلامية.
- اختيار العلماء والملتزمين بالإسلام للمناصب المهمة في الحكومة.
- اجتثاث العصبيات القومية والقبلية.
- حفظ أهل الذمة والمستأمنين وصيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ورعاية حقوقهم المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.
- توثيق العلاقات مع جميع الدول والمنظمات الإٍسلامية.
- تحسين العلاقات السياسية مع جميع الدول الإسلامية وفق القواعد الشرعية.
- التركيز على الحجاب الشرعي للمرأة وإلزامها به في جميع المجالات.
- تعيين هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء الدولة.
- قمع الجرائم الأخلاقية ومكافحة المخدرات والصور والأفلام المحرمة.
- استقلال المحاكم الشرعية وفوقيتها على جميع الإدارات الحكومية.
- إعداد جيش مدرب لحفظ الدولة الإسلامية من الاعتداءات الخارجية.
- اختيار منهج إسلامي شامل لجميع المدارس والجامعات وتدريس العلوم العصرية.
- التحاكم في جميع القضايا السياسية والدولية إلى الكتاب والسنة.
- أسلمة اقتصاد الدولة والاهتمام بالتنمية في جميع المجالات.
- طلب المساعدات من الدول الإسلامية لإعمار أفغانستان.
- جمع الزكاة وصرفها في المشاريع والمرافق العامة.
الانتماء العرقي
ينتمي معظم أفراد حركة طالبان إلى القومية البشتونية التي يتركز معظم أبنائها في شرق وجنوب البلاد، ويمثلون نحو 40% إلى 60% من تعداد الأفغان.
على عكس القوميات الأخرى حافظت البشتونية على بنائها القبلي وعلى تقاليدها، كما كانت تتمتع بتاريخ سياسي عريق، إذ إنها حكمت البلاد لـ250 عاما باستثناء فترات محدودة.
وعندما سيطرت المجموعات الجهادية غير البشتونية على السلطة، ظهرت حركة طالبان منتصف عام 1994، وكانت تحمل راية البشتونية الجديدة في أفغانستان. وغيرت اللغة من الفارسية إلى البشتونية، وأصبح التقويم بالنظام القمري الهجري.
التوجه الفكري
طالبان حركة إسلامية سنية تعتنق المذهب الحنفي، وتعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكما واحدا لا يحتمل الأخذ والرد حوله، ومن ثم يصبح تنفيذ الأحكام الشرعية لدى طالبان -حتى وإن كانت هناك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها- واجبا دينيا لا مفر من تنفيذه.
تعلم أفراد الحركة في المدارس الدينية الديوبندية (نسبة إلى قرية ديوبند في الهند)، وتأثروا بالمناهج الدراسية لهذه المدارس؛ الأمر الذي انعكس على أسلوبهم في الحكم. وركزت تلك المدارس على العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والسيرة، إضافة إلى بعض العلوم العصرية التي تدرس بطريقة تقليدية قديمة.
يتدرج الطالب في هذه المدارس من مرحلة إلى أخرى، فيبدأ بالمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة فالعليا والتكميلية، وفي الأخير يقضي عاما يتخصص فيه في دراسة علوم الحديث، وتسمى "دورة الحديث".
أثناء دراسة الطالب تتغير مرتبته العلمية من مرحلة إلى أخرى، فيطلق عليه لفظ "طالب" الذي يجمع في لغة البشتو على "طالبان"، وهو كل من يدخل المدرسة ويبدأ التحصيل العلمي، ثم "مُلّا"، وهو الذي قطع شوطا في المنهج ولم يتخرج بعد، وأخيرا "مولوي"، وهو الذي أكمل المنهج وتخرج من دورة الحديث، ووضعت على رأسه العمامة وحصل على إجازة في التدريس.
وكانت طالبان قد نشرت أفكارها في كراس ووزعته إبان سيطرتها على مدينة قندهار، وقد كتبه شير علي شاه أستاذ الحديث والتفسير في جامعة "منبع العلوم" الباكستانية التابعة لجماعة العلماء الباكستانية، وفي هذا الكراس أُكّد على أن حكومة طالبان بنيت على أساس الشريعة الإسلامية وتعمل وفق نهج الخلفاء الراشدين.
وما إن سيطرت الحركة على مدينة كابل، حتى تخلت عن تشكيل مجلس أهل الحل والعقد، ومنحت الملا عمر الذي استقر في قندهار لقب أمير المؤمنين، واعتبرت أوامره فوق كل قاعدة وقانون وملزمة للجميع، كما غيرت اسم جمهورية أفغانستان الى إمارة أفغانستان.
التنظيم والقيادة
يوم 3 أبريل/نيسان 1996، انعقد اجتماع لعلماء بارزين في قندهار بعد سنتين من ظهور حركة طالبان، وحصل مؤسسها الملا عمر على لقب "أمير المؤمنين"، وحتى اليوم لا توجد إلا صورة واحدة له، وهي التي كان قد التقطها الصحفي الباكستاني رحيم الله يوسف زي.
لا تتمتع حركة طالبان بتنظيم قوي، فليس عندها هيكل إداري واضح ولا لوائح تنظم شؤونها الداخلية وبرامجها، ولا برامج لتربية أعضائها، ولا حتى بطاقات عضوية توزع على الأعضاء لتسجيلهم.
وتقول طالبان إنها ليست حزبا مثل الأحزاب الأخرى، فلا تهتم بالنظام الإداري التنظيمي، بل تريد أن تخدم الشعب كله عن طريق تفعيل الدوائر الحكومية. ومع ذلك فإن لها هيكلا شبه تنظيمي يتمثل في:
أمير المؤمنين
الملا (الحالي هو هيبة الله أخوند زاده)، ويتمتع بصلاحيات واسعة، ويلقب بأمير المؤمنين، ولا تجوز مخالفة أمره، كما لا يجوز عزله إلا إذا خالف التعليمات الدينية، أو عجز عن القيام بمسؤولياته، ويبقى في منصبه حتى الموت.
مجلس الشورى المركزي
ليس لهذا المجلس عدد ثابت وأعضاء معينون، وإن كانت الحركة في بداية تشكيله أعلنت أنه يضم 70 عضوا.
مجلس الشورى العالي
تعد كل القيادات المعروفة داخل الحركة أعضاء في هذا المجلس، ولا يوجد أعضاء محددون له. ويعد أهم مراكز اتخاذ القرار، وكان يضم عشرة أعضاء، وبعد السيطرة على كابل، تولى أكثر أعضاء هذا المجلس مناصب في الحكومة، وحل المجلس تدريجيا، وأصبح "الملا عمر" بصلاحيات مطلقة.
دار الإفتاء
وتضم عددا من العلماء لاستفتائهم في الأمور الشرعية، ومقرها قندهار، الموطن الأصلي لحركة طالبان ومقر إقامة الملا أمير المؤمنين.
يحدد الصلاحيات السياسية والدينية، كما كانت له صلاحيات اتخاذ القرار فيما يتعلق بالسياسات الخارجية والداخلية والعسكرية، وكان ينشط فيه خمسة أعضاء دائمون منهم أسامة بن لادن، ورأسه الملا محمد عمر.
مجالس الشورى في الولايات
منح الملا صلاحيات واسعة للولاة، وشكل كل وال مجلس شورى له تناقش فيه الأمور المتعلقة بإدارة حكومة الولاية وحركة طالبان.
طريقة اتخاذ القرار
رغم مجالس الشورى الكثيرة التي أنشأتها الحركة فإنها تؤمن بأن الشورى معلمة وليست ملزمة؛ فالقرارات المهمة يتخذها الملا بالاستئناس بآراء أهل الشورى، وله الحرية الكاملة في الأخذ بآراء مجلس الشورى أو رفضها.
عوامل التماسك الداخلي في حركة طالبان
ليست لحركة طالبان لائحة داخلية تنظم شؤونها، ولا نظام للعضوية، ومع ذلك فهي حركة متماسكة من الداخل، ويرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية الموحدة لعناصرها، إذ إن معظمهم تخرجوا في مدارس دينية واحدة تنتمي إلى المدارس الديوبندية التي تعارض التيارات الفكرية التجديدية. كما أنهم مخلصون لفكرتهم ومقتنعون بها، ويرون العمل من أجلها جهادا في سبيل الله.
ويتمتع أمير الحركة بنوع من السيطرة الروحية على الأفراد الذين يعدون مخالفته معصية شرعية، وكان لعدم وجود شخصيات محورية ذات نفوذ قوي في الحركة أثر في استقرارها الداخلي، وساعد في ذلك أيضا قيام الحركة بعقوبات فورية للمخالفين، وتغيير مستمر في المناصب حتى لا تتشكل جيوب داخلية أو مراكز قوى، كما أنها لا تقبل أفراد الأحزاب الأفغانية الأخرى، خاصة في المناصب الكبيرة ومراكز اتخاذ القرار.
الفكر السياسي للحركة
ترفض طالبان استعمال لفظ الديمقراطية، لأنها "تمنح حق التشريع للشعب وليس لله". ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور أو لائحة لتنظيم شؤون الدولة، وترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية.
وتعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة، ينتخبه أهل الحل والعقد، ولا توجد مدة محددة لتوليه المنصب، ويتم عزله فقط في حالة العجز أو الموت، أو إذا أتى ما يخالف الدين.
وتهتم الحركة اهتماما كبيرا بالمظهر الإسلامي كما تتصوره، فتأمر الرجال بإطلاق اللحى ولبس العمامة، وتمنع إطالة الشعر وتحرم الموسيقى والغناء والصور، وتمنع عمل المرأة خارج بيتها، وتشرف على تنفيذ ذلك هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا تسمح الحركة بتشكيل أحزاب سياسية جديدة، ولا تقبل الأحزاب الموجودة، ويقول مؤسس الحركة في ذلك إنه رفضها لأنها "تقوم على أسس عرقية وقبلية ولغوية، وهي نوع من العصبيات الجاهلية، الأمر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس".
التشكيل العسكري
هناك نظريتان حول التشكيلة العسكرية لحركة طالبان:
الأولى: تقول إن قوات طالبان تشكلت من طلاب الحوزة العلمية، وتلقوا تدريبات عسكرية فيما بعد، وقد انطلقت من المدرسة الدينية المسماة بـ"سنك سر" الواقعة في منطقة "ميوند" في ولاية قندهار، التي درس فيها الملا عمر.
ويعتقد هؤلاء أن الدعم كان في البداية من المساعدات المالية والأسلحة التي كان يقدمها لهم الحاج بشير، وهو أحد كبار الشخصيات في مايواند، والزعيم القبلي الحاج بورجيت.
والثانية: تعتقد أنها مكونة من مجموعة من الضباط الشيوعيين الموالين للرئيس السابق نجيب الله أمين، ومجموعة من جنود وضباط باكستانيين وميليشيا "جيش الصحابة الباكستانية"، وطلاب العلوم الدينية الأفغان، ومجموعة من أعضاء "الحزب الإسلامي" بقيادة مولوي خالص و"حركة النهضة الإسلامية" بقيادة مولوي محمدي، وجماعة من زعماء تهريب المخدرات، وعدد من زعماء عشائر البشتون.
طالبان والحرب مع أميركا
مثّل يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 يوما فاصلا في تاريخ حركة طالبان، إذ اعتبرت الولايات المتحدة أفغانستان وحركة طالبان هدفا أوليا لانتقامها، بعد رفض الحركة تسليم زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، وقالت إن واشنطن لم تقدم الأدلة التي تثبت تورطه في هجمات سبتمبر.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001، غزت الولايات المتحدة مدعومة من دول أخرى أفغانستان، فيما قامت قوات تحالف الشمال (الجبهة الإسلامية القومية لتحرير أفغانستان) بخوض معارك برية أدت إلى إسقاط حكم طالبان.
وبعدها دخلت الحركة في حرب شاملة مع أميركا وحلفائها في كل أفغانستان، ونفذت عمليات كثيرة ضد القوات الأجنبية في أنحاء البلاد، واستمر صراعها معها عدة سنوات. وبعد عام 2010 بدأت القوات الأجنبية تغير قناعتها في حربها على حركة طالبان، وتميل بعض قياداتها إلى أن الحل العسكري لن يحسم المعركة في أفغانستان، ولابد من حل سياسي.
وفي أوائل عام 2012، عُقدت آمال كبيرة على إجراء محادثات سلام، لكن الحركة علقت في مارس/آذار من العام نفسه مفاوضات السلام التمهيدية مع الولايات المتحدة. لكن المحاولات لم تنقطع حيث سمحت دولة قطر بأن تفتح الحركة في 18 يونيو/حزيران 2013 بالدوحة مكتب اتصال، وأكدت أن فتح المكتب جاء تمهيدا لإيجاد حل للنزاع في أفغانستان.
وقال مصدر مسؤول في الخارجية القطرية: إن "المكتب.. هو المكتب السياسي لطالبان أفغانستان في الدوحة، وليس المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية". واعتبرت واشنطن المكتب المذكور "خطوة أولى مهمة" نحو تسوية سياسية في أفغانستان.
توصلت واشنطن وحركة طالبان في نهاية مايو/أيار 2014 -بوساطة قطرية- إلى صفقة جرى بموجبها إفراج الحركة عن جندي أميركي (كان أسيرا لديها لخمس سنوات) مقابل إطلاق خمسة من قادتها كانوا معتقلين في سجن غوانتنامو.
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2014، وصفت الحركة انتهاء المهمة القتالية لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في أفغانستان بـ"الهزيمة" بعد بقائها في أفغانستان 13 عاما، واتهمت الناتو بجر البلاد إلى ما وصفته بـ"حمام دم".
وفي موقف أثار اعتراض الجمهوريين، رفض البيت الأبيض في نهاية يناير/كانون الثاني 2015 تصنيف حركة طالبان تنظيما "إرهابيا".
عودة ومطالب بالاعتراف الرسمي
بعد 20 عاما من الإطاحة بحكمها، عادت حركة طالبان إلى المشهد السياسي، مع رحيل قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لأفغانستان.
وفي تحول نوعي، أعلنت الحركة في 15 أغسطس/آب 2021، انتهاء الحرب على أفغانستان بعد سيطرتها على القصر الرئاسي في كابل، ومسارعة الدول الغربية لإجلاء مواطنيها.
وطالبت الحركة في رسالة إلى الأمم المتحدة بتعيين المتحدث باسم مكتبها السياسي مندوبا، لـ "إمارة أفغانستان الإسلامية" لدى الأمم المتحدة، وطالبت بفتح سفاراتها في العاصمة كابل.
وصادق مجلس الأمن الدولي يوم 17 مارس/آذار 2022، على قرار يقضي بإقامة علاقة رسمية مع أفغانستان بقيادة طالبان.