تاريخ العمليات الفدائية ضد إسرائيل من الانتفاضة الأولى إلى طوفان الأقصى

بدأت العمليات الفدائية داخل فلسطين منذ عام 1986 على يد سرايا الجهاد الإسلامي، ومن حينها استمرت وتطورت أشكالها، حتى صارت جزءا من عمليات المقاومة الفلسطينية باختلاف فصائلها، وباتت تشكل قلقا شديدا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لأنها تصل إلى صميم تجمعاته وثكناته، وتستهدف إصابة أكبر عدد من المستوطنين وأفراد الجيش.
وفي ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين والمسجد الأقصى، تنوعت وسائل الفلسطينيين وحركات المقاومة للوقوف ضد الاحتلال الإسرائيلي داخل القدس والضفة الغربية المحتلة، ما بين عمليات دعس وطعن وإطلاق نار.
ما العمليات الفدائية؟
العمليات الفدائية، وتسمى أيضا الاستشهادية، هي نوع من العمليات التي يقوم بها فرد أو أفراد ضد عدو أكثر منهم عددا وعدة، ويقدمون عليها مع علمهم المسبق أن مصيرهم في الغالب هو الموت.
أشكالها
تتنوع أشكال العمليات الفدائية لدى المقاومة الفلسطينية، لكن أبرزها:
تلغيم الجسم، أو سيارة أو حقيبة، قبل الدخول بها بين تجمعات العدو المستهدفة، أو في مناطق حيوية ومرافق مهمة، وهناك يتم التفجير بهدف حصد أكبر عدد من الخسائر للعدو، وغالبا ما يستشهد منفذ العملية لقربه من مكان الانفجار.
الاقتحام المسلح الذي يستهدف ثكنات العدو ومناطق تجمعه، ويطلق عليه النار من مسافة قريبة، ولا يكون المنفذ قد خطط للخروج حيا من العملية، فهدفه إلحاق أكبر قدر ممكن قبل استشهاده.
عمليات الدهس، وانتشرت مع بدية القرن 21، وتعد أصعب أنواع العمليات على الاحتلال، إذ يعد منعها شبه مستحيل، ولا تحتاج إلى أي إعداد أو تجهيز مسبق.
وانتشرت أيضا عمليات الطعن والاشتباك بالسلاح الأبيض خاصة عقب انتفاضة القدس عام 2015، ففي عام 2022 فقط وثقت 36 عملية طعن ضد المحتل الإسرائيلي، وقد تجمع العملية بين الدهس والطعن.
نشأتها
بدأت فكرة العمليات الفدائية عام 1986 على يد "سرايا الجهاد الإسلامي"، وكان من المقرر أن تقود المُقاوِمَة عطاف عليان سيارة مفخخة، لكن العملية اكتشفت قبل تنفيذها.
وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 1992 أبعدت السلطات الإسرائيلية (415) من القيادات الإسلامية في فلسطين (25 من الجهاد والباقي من حركة المقاومة الإسلامية حماس) إلى مرج الزهور في لبنان.
وقررت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، القيام بعملية استشهادية تهدى إلى المبعدين في مرج الزهور بمناسبة قيامهم بمسيرة نحو حدود الوطن أسموها مسيرة الأكفان. وقد جرى ترتيب أكثر من محاولة لكنها لم تنجح.
وفي 16 أبريل/نيسان 1993 جهز يحيى عياش -رائد هذا النوع من العمليات- سيارة مفخخة قادها الشهيد ساهر حمد الله التمام، وفجرها بين حافلتين عسكريتين في مستوطنة ميحولا على بعد 15 كلم من نهر الأردن.
وقد أدى الانفجار إلى قتل وجرح عشرات الجنود الإسرائيليين، وكانت تلك أولى العمليات الناجحة.
العمليات الفدائية والتنسيق الأمني
انتشرت العمليات الاستشهادية في الضفة الغربية أكثر من قطاع غزة، ولكن بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 أصبح التعاون الأمني جزءا من استحقاقات الاتفاق، الأمر الذي أثر سلبا على العمليات بضرب معظم الخلايا العاملة في هذا الإطار، وإيقافها بشكل شبه كامل حتى اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000.
وكان للتغيرات السياسية بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو أثر على غياب العمليات من ساحة المقاومة، إضافة للانقسامات الداخلية التي أشعلها قبول حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الاتفاق الذي وعد بقيام دولة فلسطينية، وأدى هذا الانقسام والتنسيق الأمني الذي تبنته الحركة إلى تقليل العمليات رغم استمرار التأييد الشعبي الكبير لها.
وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف العمليات خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، وكان من أبرزها:
عملية تفجير حافلة العفولة داخل الخط الأخضر يوم 6 أبريل/نيسان 1994، ما تسبب بمقتل 8 إسرائيليين وجرح 44 آخرين، وهي أول عملية تفجير بقنبلة، وتبنتها حركة حماس، وقالت إنها انتقام للمذبحة التي ارتكبها المستوطن اليهودي باروخ غولدشتاين في فبراير/شباط من العام نفسه في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وذهب ضحيتها 29 فلسطينيا.
عملية تفجير حافلة في حي رامات أشكول يوم 21 أغسطس/آب 1995، ما أسفر عن مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 89، وتبنتها كتائب عز الدين القسام.
عملية تفجير حافلة (18) على طريق حافلات يافا يوم 25 فبراير/شباط 1996، أسفرت عن مقتل 17 شخصا، واستشهاد منفذها، وكانت من العمليات التي قادها محمد الضيف انتقاما لاغتيال يحيى عياش.
وفي العام نفسه، تبنت كتائب عز الدين القسام تفجيرا في القدس، قاده حسن سلامة، الذي فجر حافلة حملت نفس رقم الحافلة السابقة (18)، ما أدى لمقتل 16 شخصا، مع 3 جنود إسرائيليين.
عقب الانتفاضة الثانية
ارتفعت وتيرة العمليات الفدائية خلال تلك الفترة بشكل غير مسبوق، فمنذ انطلاقتها مع عملية ساهر التمام عام 1993 وحتى ما قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، سجلت 30 محاولة تم تنفيذ 24 منها. وارتفعت من سبتمبر/أيلول 2000 وحتى نهاية عام 2001 إلى 48 عملية.
وتضاعف عدد العمليات خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2002، إذ سجلت 153 محاولة حتى الأول من أبريل/نيسان 2002، نفذ منها 102 وتم ضبط 51 قبل التنفيذ، ومن أبرز العمليات خلال تلك الفترة:
عملية تفجير ملهى "الدولفانيوم" الليلي على شاطئ تل أبيب في الأول من يونيو/حزيران 2001، على يد سعيد حسن حسين الحوتري، وأسفر التفجير عن مقتل 25 قتيلا وإصابة نحو 120.
عملية نصب كمين للقوات الإسرائيلية خلال اشتباكات بين رجال المقاومة وجيش الاحتلال في نابلس يوم 9 أبريل/نيسان 2002، وأدت العملية لمقتل 10 محتلين وإصابة 20 آخرين.
عملية تفجير حافلة إسرائيلية بسيارة مفخخة عند مفترق طرق مجدو إلى الجنوب من حيفا يوم 5 يونيو/حزيران 2002، قتل فيها 18 إسرائيليا، وأصيب نحو 50، وتبنت سرايا القدس العملية.
عملية تفجير في مطعم بمدينة هرتسيليا الساحلية قرب تل أبيب يوم 11 يونيو/حزيران 2002، ما أسفر عن سقوط 15 إصابة في صفوف الإسرائيليين.
عملية تفجير استهدفت حافلة إسرائيلية جنوب القدس يوم 18 يونيو/حزيران 2002، ما أسفر عن مقتل 18 إسرائيليا وجرح 50 آخرين.
عملية تفجير محطة الحافلات المركزية وسط تل أبيب في 5 يناير/كانون الثاني 2003، وقد أسفرت عن مقتل 23 إسرائيليا وجرح 100، وتبنت العملية كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح.
عملية تفجير حافلة شموئيل بالقدس في 19 أغسطس/آب 2003، ما أسفر عن مقتل 24 شخصا وإصابة 130، وأعلنت حركة حماس مسؤوليتها عن التفجير.
عملية تفجير مطعم مكسيم في حيفا في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2003، ما أدى لمقتل 21 شخصا، وتبنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها.
عملية تفجير حافلة بئر السبع المزدوجة، حيث تم تنفيذ عمليتين عند التقاء خطي الحافلات في 31 أغسطس/آب 2004، ما أسفر عن مقتل 16 وإصابة أكثر من 100.
عملية تفجير مطعم شاورما بتل أبيب في 17 أبريل/نيسان 2006، قتل فيها 11 شخصا وأصيب العشرات، وتبنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها.
عملية تفجير حافلة بعبوة ناسفة في القدس، وأسفرت عن إصابة 20 إسرائيليا في 18 أبريل/نيسان 2016.
2017
نفذ 3 فلسطينيين من رام الله يوم 16 يونيو/حزيران 2017 هجوما مزدوجا بإطلاق النار والطعن بالسكاكين في القدس ضد جنود الاحتلال أسفر عن مقتل مجندة وإصابة آخرين.
قُتل منفذو العملية -وجميعهم في عمر الـ18- برصاص قوات الاحتلال فورا عقب التنفيذ، قبيل موعد إفطار اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك.
وفي يوم 21 يوليو/تموز من العام نفسه نفذ الشاب عمر العبد (19 عاما) عملية طعن في مستوطنة حلميش غرب رام الله أدت لمقتل 3 مستوطنين وإصابة رابع.
أصيب عمر برصاص القوات الإسرائيلية قبل اعتقاله ونقل للمشفى حيث خضع للتحقيق رغم إصابته، كما اقتحمت سلطات الاحتلال منزله وأحدثت ثقوبا بجدرانه وتوعدت بهدمه.
2018
يوم 9 يناير/كانون الثاني 2018 نُفذت عملية عسكرية أدت إلى مقتل حاخام إسرائيلي وجرح آخر قرب نابلس، شارك في هذه العملية الشهيد أحمد جرار، الذي طاردته إسرائيل وفشلت في اعتقاله أو اغتياله في أكثر من محاولة خلال أكثر من ثلاثة أسابيع، لكنها تمكنت من قتله يوم 6 فبراير/شباط من العام نفسه.
وفي عملية دهس بسيارة يوم 16 مارس/آذار من العام نفسه قُتل جنديان إسرائيليان وأصيب ثلاثة آخرون بجروح بالغة قرب بلدة يعبد في جنين، أصيب المنفذ بجروح متوسطة ونُقل للمستشفى، كما حاصرت قوة عسكرية منزله واعتقلت شقيقه.
ورغم أن الشهود قالوا إن المنفذ "أصيب بحالة اضطراب بصري بفعل أشعة الشمس الساطعة، وهو ما أدى لاصطدامه بجنود الاحتلال". مما يعني أن ما جرى حادث سير وليس عملية متعمدة، إلا أن الجيش الإسرائيلي اعتبر ما حدث "اعتداء متعمدا".
2019
صباح يوم 17 مارس/آذار 2019 وبالقرب من مدخل مدينة سلفيت وتحديدا في مستوطنة أريئيل، نفّذ الفتى عمر أبو ليلى (19 عاما) عملية طعن جندي إسرائيلي ثم أخذ سلاحه وأطلق النار عليه وعلى جنود ومستوطنين آخرين بالقرب منه، قبل أن يلوذ بالفرار بمركبة استولى عليها.
بلغت حصيلة العملية في هذا الهجوم 3 قتلى، وبقي المنفذ مطاردا إلى أن اغتالته القوات الإسرائيلية يوم 20 مارس/آذار.
2021
أصيب إسرائيليان يوم 13 سبتمبر/أيلول 2021 إثر عملية طعن في محل تجاري قرب المحطة المركزية للحافلات بالقدس الغربية، أطلقت شرطة الاحتلال النار على المنفذ وأصابته بجراح وصفت بالحرجة.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته قُتل مستوطن وأصيب 4 آخرون في إطلاق نار نفذه الفلسطيني فادي أبو شخيدم، الذي استشهد بعدها.
2022
نفّذ شاب فلسطيني يوم 7 مارس/آذار 2022 عملية طعن داخل سوق القطانين في القدس القديمة، أسفر عن إصابة شرطيين إسرائيليين واستشهاد المنفذ عبد الرحمن جمال قاسم.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه قُتل إسرائيلي وأصيب 19 آخرون بجروح في عملية تفجير مزدوجة داخل محطتين متقاربتين للحافلات في القدس الغربية، ووُصفت حالة 4 من الجرحى بالحرجة.
منذ طوفان الأقصى 2023
شهدت الضفة الغربية ومدينة القدس عددا من عمليات الطعن وإطلاق النار بدأت بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد هجوم طوفان الأقصى، الذي شنته المقاومة على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأبرز هذه العمليات حسب التوزيع الجغرافي:
- القدس
نفذ شاب فلسطيني يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2023 عملية طعن في مستوطنة معاليه أدوميم قرب القدس المحتلة، أسفرت عن إصابة إسرائيليَّين اثنين واستشهاد المنفذ، كما سبقتها عملية طعن أخرى عند حاجز مزموريا جنوب القدس، أصيبت فيها مجندة في حرس الحدود وحارس أمن إسرائيلي بجروح بين خطيرة ومتوسطة، وأطلقت قوات الاحتلال النار على منفذ العملية، مما أدى لاستشهاده.
ويوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وقعت عملية إطلاق نار على "حاجز النفق"، وهو حاجز إسرائيلي شديد التحصين جنوبي القدس، استشهد إثرها المنفذون الثلاثة وأصيب 7 إسرائيليين بجروح متفاوتة وأحدهم في حالة حرجة.
أما المنفذون فكانوا من مدينة الخليل، أحدهم ابن شهيد والآخر شقيق شهيد أما الثالث فابن مبعد، ولم تكتفِ القوات الإسرائيلية بقتلهم، بل سارعت لمعاقبة ذويهم عقابا جماعيا، فاعتقل أقاربهم وحقق معهم ميدانيا، وفي مراكز الاعتقال.
- بئر السبع
في يوم 31 مارس/آذار 2024 أصيب إسرائيليان بجروح إثر عملية طعن بمحطة الحافلات المركزية في مدينة بئر السبع بالنقب، بينما استشهد المنفذ بعد إصابته برصاص الشرطة الإسرائيلية.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي يوم 15 مارس/آذار عن مقتل عسكري برتبة رقيب أول في لواء ناحال، وإصابة إسرائيلي آخر في عملية طعن في مقهى عند مدخل كيبوتس "بيت كاما"، شمال مدينة بئر السبع، وقالت الشرطة أنها أطلقت النار على منفذ العملية.
- تل أبيب
أعلنت كتائب القسام، بالاشتراك مع سرايا القدس، يوم 18 أغسطس/آب 2024 تنفيذ عملية تفجير شاحنة جنوب تل أبيب، أدت إلى مقتل إسرائيلي وإصابة آخر، كما رفعت حالة التأهب الأمني في إسرائيل، وأظهرت التحقيقات أن المنفذ جاء من نابلس في الضفة الغربية، ولكن تعذر الوصول إليه لعدم وجود أي سجل أمني متعلق به.
يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024 أصيب 50 إسرائيليا حالة 15 منهم خطيرة في حادث اصطدام شاحنة بمحطة للحافلات بالقرب من غليلوت شمال تل أبيب.
أكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلا عن شهود عيان أن عددا كبيرا من المصابين جنود كانوا في طريقهم لقواعدهم العسكرية.
- الرملة
يوم 14 يوليو/تموز 2024 أصيب 4 عسكريين إسرائيليين، بينهم ضابط بجروح خطيرة، جراء عملية دهس وقعت على مفرق نير تسفي قرب مدينة الرملة شمالي القدس.
نفذت العملية على مرحلتين، الأولى دهس بمحطة حافلات، ثم عملية أخرى على بعد مئات الأمتار.
المنفذ هو محمد شهاب، من بلدة كفر عقَب بقضاء القدس، وأطلقت الشرطة الإسرائيلية النار عليه مما أدى لاستشهاده، كما اعتُقل والده ووالدته وأشقاؤه بعد مداهمة منزلهم.
- جنين
أصيبت مجندة إسرائيلية يوم 30 أبريل/نيسان 2024 بعملية دهس باص قرب بلدة برطعة في جنين، واستطاع منفذ العملية الانسحاب دون إصابات.
وفي 27 يونيو/حزيران 2024 أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل ضابط، وإصابة 16 آخرين بانفجار قنبلة زرعت على جوانب طريق مدفونة تحت الأرض في مخيم جنين.