مفاوضات أستانا.. البحث عن حل لسوريا برعاية أطراف الصراع

مفاوضات أستانا هي إحدى المحاولات البارزة لإيجاد حل سياسي للصراع داخل سوريا، انطلقت في يناير/كانون الثاني 2017 برعاية روسية وتركية وإيرانية بهدف وقف إطلاق النار عبر إنشاء مناطق خفض التصعيد، وتعزيز الجهود لإطلاق مسار سياسي مستدام يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة.
وواجهت المفاوضات تحديات كبيرة بسبب الانتهاكات المستمرة لبنودها، وتباين المصالح بين الأطراف.
بداية مفاوضات أستانا
وانطلقت مفاوضات أستانا بعد فشل اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا والمعارضة السورية في ديسمبر/كانون الأول 2016، والمستند على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي ركّز على صياغة دستور جديد لسوريا وإجراء انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة بهدف إنهاء الصراع السوري.
وبدأت المفاوضات يوم 23 يناير/كانون الثاني 2017 بمبادرة من روسيا وتركيا وإيران (ضمن الدول الضامنة)، وبمشاركة وفود من الحكومة السورية والمعارضة السورية، إضافة إلى مراقبين من الأمم المتحدة.
أسباب المفاوضات
- فشل الجهود السابقة للوصول إلى حل شامل للأزمة السورية.
- الحاجة إلى مفاوضات جديدة تركز على القضايا الميدانية، منها وقف إطلاق النار وخفض التصعيد العسكري.
- تعزيز التعاون بين الدول الضامنة لتحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع.
أهداف المفاوضات
- تحقيق هدنة مستدامة بين أطراف الصراع في سوريا، والعمل على إيجاد آليات لمراقبة الهدنة.
- إنشاء مناطق خفض التصعيد ومنع المواجهات العسكرية فيها بين الأطراف.
- دعم جهود الأمم المتحدة في إطار مفاوضات جنيف عام 2012 للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية.
- تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، والإفراج عن المعتقلين والمحتجزين.
- تنسيق الجهود لـ"مكافحة الإرهاب ومواجهة تنظيمات عدة منها تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة".
- تمهيد الطريق لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وإعادة إعمار المناطق المدمرة.
مناطق التهدئة أو خفض التصعيد
المنطقة الأولى: كامل محافظة إدلب، وأجزاء من محافظات اللاذقية وحماة وحلب.
المنطقة الثانية: أجزاء من ريف محافظة حمص الشمالي.
المنطقة الثالثة: الغوطة الشرقية.
المنطقة الرابعة: أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة.
أطراف مفاوضات أستانا
دارت المفاوضات بين وفود الدول الضامنة والأطراف السورية، بمشاركة وفد من الولايات المتحدة ترأسه ديفيد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة حينئذ، ووفد الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا حينئذ، وكذلك وفد أردني.
والأطراف المشاركة في المفاوضات تقسّم إلى 3 مجموعات رئيسية:
الدول الضامنة
روسيا وتركيا وإيران: وهي الدول التي رعت المفاوضات ووضعت جدول الأعمال فيها، ولعبت دور الوسيط بين الأطراف السورية، ولكل منها مصالحها الخاصة في سوريا.
الأطراف السورية
الحكومة السورية: يمثلها مسؤولون حكوميون يهدفون إلى ضمان السيطرة الكاملة على سوريا وإخراج قوات المعارضة.
المعارضة السورية: تمثلها فصائل المعارضة المدعومة بشكل رئيسي من تركيا ودول غربية، وتهدف إلى حماية المناطق التي تسيطر عليها وحصولها على ضمانات بعدم استهدافها.
المراقبون أو المساهمون
الأمم المتحدة: وشاركت بصفة مراقب ممثلة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ودورها كان تقنيا لتسهيل التفاوض وربطه بمسار جنيف.
الولايات المتحدة: حضرت بصفة مراقب في بعض الجولات، لكنها لم تلعب دورا محوريا.
المملكة الأردنية الهاشمية: شاركت بصفة مراقب بسبب قربها الجغرافي وتأثرها بالنزاع (قضية اللاجئين).
الصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية: ناقشت قضايا إنسانية منها تبادل الأسرى والمساعدات، ودورها كان تقنيا لتسهيل التفاوض وربطه بمسار جنيف.
نقاط الاتفاق والخلاف بين الدول الضامنة
تتفق الدول الضامنة على "خفض التصعيد" في سوريا، ومحاربة "الجماعات الإرهابية ومنها تنظيم الدولة الإسلامية، وتتباين رؤيتها لمستقبل سوريا، فبينما عارضت تركيا بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، دعمته إيران وروسيا.
مسار جولات المفاوضات
انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات يوم 23 يناير/كانون الثاني 2017 وتوصلت وفود الدول الضامنة إلى اتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار والتأكيد على الحل السياسي في سوريا.
واتفقت الأطراف في الجولة الثانية على تشكيل مجموعة عمل ثلاثية بين الدول الضامنة لمراقبة وقف الأعمال القتالية، وتشكيل آلية لتبادل المعتقلين بين قوات الحكومة والمعارضة.
وقدمت روسيا في الجولة الثالثة اقتراحات بوضع دستور للبلاد، لكنها انتهت بعد مقاطعة المعارضة للجولة قائلة إن بنود الجولات السابقة التي اتفق عليها لم تنفذ.
ونتج عن الجولة الرابعة الاتفاق على مناطق خفض التوتر التي شملت كامل محافظة إدلب ومحافظة اللاذقية ومحافظة حلب وأجزاء من محافظات حماة وحمص ودرعا والقنيطرة، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق.
ووقع ممثلو الدول الضامنة على المذكرة التي اقترحتها روسيا لإقامة مناطق لتخفيف التوتر في سوريا، وأكدت موسكو أنه سيتم تطبيقها في مدة 6 أشهر قابلة للتمديد، في حين أعلن وفد المعارضة أنهم ليسوا جزءا من الاتفاق.
لم تتمكن الدول الضامنة في الجولة الخامسة من التوافق على رسم حدود مناطق خفض التصعيد في سوريا، وبعد يومين من التفاوض جدولت الدول اجتماعين لاحقين في الأول والثاني من أغسطس/آب 2017 بإيران من أجل الاتفاق على تحديد خرائط للمنطقتين الثانية والثالثة، مع الاتفاق على المنطقة الأولى في محافظة إدلب، إضافة إلى وجود بعض التحفظات بالنسبة للمنطقة الجنوبية.
انطلقت الجولة السادسة يوم 14 سبتمبر/أيلول 2017، واستؤنفت مفاوضات أستانا بعد شكايات عدة من المعارضة بشأن عدم التزام الحكومة السورية باتفاق خفض التصعيد في مناطق عدة، ونتج عن هذه الجولة التوصل لاتفاق بشأن المنطقة الرابعة، مع نشر قوات هناك لمراقبة تنفيذ اتفاق خفض التصعيد.
تبع هذه الجولة إعلان تركيا عن عملية عسكرية في إدلب، ونشر قوات تركية في منطقة ريف حلب الغربي المتصل بخطوط المواجهات مع القوات الكردية.
انطلقت الجولة السابعة يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017 وتضمنت مناقشات حول ملف المعتقلين في سجن حمص المركزي وإضرابهم، ومحاولات الحكومة السورية تضليل وفد الصليب الأحمر الذي أتى لزيارتهم.
أما الجولة الثامنة فانطلقت في ديسمبر/كانون الأول 2017 وتمحورت حول 4 مواضيع، وهي: المعتقلون، وإزالة الألغام، وتعزيز مناطق خفض التوتر، ومؤتمر سوتشي الذي ترعاه روسيا للحوار السوري.
عقدت الجولة التاسعة في مارس/آذار 2018 بعد مؤتمر الحوار السوري في مدينة سوتشي الروسية في يناير/كانون الثاني من العام ذاته، وشهدت هذه الجولة متابعة تطورات كبيرة أزّمت الملف السوري، أبرزها هجوم الحكومة السورية وحلفاؤها بشكل متواصل على منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى، وتقسيم المنطقة إلى 3 قطاعات محاصرة، والتضييق على قوات المعارضة.
أصدر مجلس الأمن الدولي يوم 24 فبراير/شباط 2018 القرار رقم 2401، وطالب فيه جميع الأطراف بوقف إطلاق النار فورا مدة 30 يوما بهدف إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في المناطق المحاصرة، وإجلاء الجرحى.
لكن الحكومة السورية وحلفاؤه لم يلتزموا بالقرار، وواصلوا قصف الغوطة الشرقية التي تقع ضمن مناطق خفض التوتر المتفق عليها عام 2017.
عام 2019 اختتمت جولة مفاوضات أستانا الخاصة بالوضع في سوريا أعمالها دون التوصل إلى اتفاق بشأن اللجنة الدستورية، ودون تحقيق تقدم في ملف المعتقلين بسوريا، وخرجت المفاوضات بإدانة جماعية للقرار الأميركي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
وقال البيان الختامي لمفاوضات أستانا عام 2021 إن الدول الضامنة لصيغة أستانا اتفقت على أن السبيل الوحيد لاستقرار سوريا هو الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، و"رفض مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة والمقامة بذريعة مكافحة الإرهاب".
وأكد البيان أن الدول الضامنة جددت معارضتها للمصادرة غير القانونية للنفط السوري، ودعت تحويل عائداته إلى سوريا، كما أدانت الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية.