رودريغو دوتيرتي رئيس فلبيني قادته الحرب على المخدرات إلى المحاكمة

رودريغو دوتيرتي، سياسي فلبيني، وُلد عام 1945 في مدينة ماسين، ونشأ في أسرة ذات اهتمام بالسياسة، إذ كان والده محاميا وشغل منصب حاكم إقليم دافاو، بينما كانت والدته معلمة وناشطة اجتماعية.
بدأ دوتيرتي مسيرته المهنية في مكتب الادعاء في دافاو، ثم شغل منصب نائب عمدة المدينة، وبعدها أصبح العمدة عام 1988، وشغل المنصب فترات عدة قبل فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2016.
أطلق حملة عنيفة ضد المخدرات في البلاد، أسفرت عن مقتل الآلاف، وفقا لمنظمات حقوقية، ما أدى إلى اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وفي عام 2018، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في التهم، واعتقل في مارس/آذار 2025 بموجب مذكرة توقيف أصدرتها المحكمة.

المولد والنشأة
وُلد رودريغو روا دوتيرتي يوم 28 مارس/آذار 1945 في مدينة ماسين، عاصمة إقليم ليت الجنوبي، لأسرة مهتمة بالعمل السياسي. فقد كان والده محاميا وتولى منصب حاكم إقليم دافاو وعمدة دانو، بينما عملت والدته معلمة.
انتقل دوتيرتي مع أسرته إلى مينداناو عام 1948، واستقرت العائلة لاحقا في إقليم دافاو عام 1951.
استقالت والدته من التدريس بعد انخراط زوجها في العمل السياسي وتوليه منصب حاكم الإقليم، وأصبحت ناشطة مجتمعية لعبت دورا مهما في "حركة سلطة الشعب" التي أطاحت بالرئيس فرديناند ماركوس.
تزوج دوتيرتي من إليزابيث زيميرمان، وأنجبا 3 أبناء هم باولو وسارة وسيباستيان، وانتهت علاقتهما عام 2000، ثم ارتبط بسيليتو أفانثينا ورزقا بابنة واحدة تُدعى فيرونيكا.
الدراسة والتكوين
التحق دوتيرتي بالمدرسة الابتدائية في مدينة ماسين مدة عام، ثم أكمل تعليمه في مدرسة "القديسة آنا" بمدينة دافاو، وتخرج فيها عام 1956.
أكمل دراسته الثانوية في "أكاديمية الصليب المقدس" بمدينة داغوس، ثم التحق بجامعة ليسيوم في مانيلا، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1968. واصل تعليمه العالي، فحصل على شهادة في القانون من "كلية القديس بيدا" عام 1972.
التجربة العملية والسياسية
عمل دوتيرتي مستشارا في مكتب الادعاء بدافاو بين عامي 1977و1986، وتدرج في مسيرته القانونية حتى أصبح مساعدا للمدعي العام في المدينة.
بعد الثورة الشعبية السلمية التي استمرت عامين وأطاحت بحكم فرديناند ماركوس في فبراير/شباط 1986، تولى دوتيرتي منصب نائب عمدة دافاو. وفي عام 1988، فاز بمنصب العمدة وظل يشغله حتى عام 1998.
خاض دوتيرتي الانتخابات البرلمانية عام 1998 وفاز بمقعد في البرلمان للمرة الأولى، لكنه عاد عام 2001 لترشيح نفسه مجددا لمنصب عمدة دافاو، وأعيد انتخابه عام 2004.
وأثناء رئاسته بلدية دافاو، اتهمته منظمات حقوقية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بتنظيم مجموعات تعرف بـ"سرايا الموت" لتصفية المجرمين المشتبه بهم، وهو ما أدى إلى تنفيذ أكثر من ألف عملية خارج نطاق القانون.
وفي البداية، نفى دوتيرتي هذه التهم، لكنه في أواخر 2015 جاهر بقتل مهربي مخدرات، وأشاد بأساليب مجموعات سرايا الموت والنتائج التي حققتها.
دفعت تجربته السياسية الطويلة، إضافة إلى الفترة التي أمضاها عمدة لمدينة دافاو، إلى ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو/أيار 2016، وسط استبعاد بعض المراقبين الفلبينيين فوزه بالمنصب.
وقد حقق دوتيرتي فوزا مفاجئا، إذ حصل على 6.1 ملايين صوت، وفقا لهيئة خاصة بمراقبة الانتخابات تابعة للكنيسة الكاثوليكية معتمدة رسميا لجمع النتائج.
وساهم في فوز دوتيرتي تبنيه خطابا استقطب ملايين الأشخاص، ركز فيه على القضاء على الفقر والجريمة، وهما أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الفلبيني.
عزز دوتيرتي شعبيته بفضل سياساته "القاسية" لمكافحة الجريمة أثناء رئاسته بلدية دافاو، ما أكسبه لقب "قاضي العدل"، بينما لقبه آخرون بـ"دونالد ترامب الشرق" بعد أن وعد أثناء حملته الانتخابية بالقضاء على البطالة وقتل الخارجين عن القانون.
وكان دوتيرتي قد صرح أثناء الحملة قائلا "انسوا حقوق الإنسان، وإذا تم انتخابي رئيسا للفلبين، فسأفعل كما فعلت أثناء إشرافي على مدينة دافاو".
كما وجه تحذيرا صارخا للخارجين عن القانون، قائلا "أنتم أيها المجرمون، من الأفضل لكم أن ترحلوا، لأنني سأقتلكم".
ومع تأكيد فوزه بالمنصب، استبق الرئيس بينينيو أكينو الإعلان الرسمي للنتائج، محذرا من أن دوتيرتي "مجرد دكتاتور في طور التشكيل"، مشبها إياه بالزعيم النازي أدولف هتلر.
لكن دوتيرتي قال بعد إعلان النتائج "بكل تواضع أقبل هذا التفويض من الشعب، وأشعر بالامتنان للفلبينيين. أود أن أمد يدي إلى من يعارضونني. دعونا نبدأ بتضميد الجراح الآن، فنحن مسؤولون عن أمن هذا البلد وسلامته".
رئيسا للفلبين
في أواخر يونيو/حزيران 2016، أدى دوتيرتي اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الـ16 للفلبين. وفي الأشهر الستة الأولى من ولايته، لقي أكثر من 6 آلاف شخص مصرعهم في إطار "حربه على المخدرات".
وأدت هذه الحملة إلى ضغوط هائلة على دور الجنائز في منطقة مانيلا، وتجاوزت أعداد الجثث الطاقة الاستيعابية، ما أجبر السلطات على دفن مئات الجثث مجهولة الهوية في مقابر جماعية.
في المقابل نددت منظمات حقوقية ومسؤولون في الكنيسة الكاثوليكية بهذه "المجازر"، غير أن دوتيرتي رد باتهام الكنيسة بالفساد والاعتداء الجنسي على الأطفال.
وأعربت حكومات غربية عن قلقها إزاء انتشار القتل خارج نطاق القانون في البلاد، إلا أن دوتيرتي رفض الانتقادات واتهم هذه الدول بـ"ازدواجية المعايير"، وسعى إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين.
وقد علقت الولايات المتحدة بيع 26 ألف بندقية هجومية للفلبين بسبب "انتهاكات حقوق الإنسان". وردا على ذلك، توجه دوتيرتي إلى روسيا في مايو/أيار 2017، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين من أجل مناقشة إمكانية إبرام صفقة أسلحة.
وأثناء وجوده في العاصمة موسكو، اندلعت مواجهات عنيفة بين القوات الفلبينية ومقاتلين مرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في مدينة ماراوي جنوب البلاد.
ونتيجة لذلك، قطع دوتيرتي زيارته وعاد إلى الفلبين، وأعلن فرض الأحكام العرفية على كامل جزيرة مندناو.
ورغم أن القوات الفلبينية تمكنت من استعادة السيطرة على ماراوي، فقد تم تمديد الأحكام العرفية حتى نهاية عام 2019، لتسجل بذلك أطول فترة من الحكم العسكري في البلاد منذ عهد ماركوس.

المحكمة الجنائية الدولية
في فبراير/شباط 2018، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا أوليا في مزاعم تورط الرئيس دوتيرتي في مقتل أكثر من 12 ألف شخص أثناء حملته ضد المخدرات، وذلك بناء على شكوى تقدمت بها منظمات غير حكومية وأفراد من عائلات الضحايا.
وفي الشهر التالي، أعلن دوتيرتي عزمه سحب الفلبين من عضوية المحكمة الجنائية الدولية، وهو القرار الذي أصبح رسميا في مارس/آذار 2019.
ورغم انسحاب البلاد من المحكمة، واصلت الجمعات الحقوقية انتقاداتها الحادة لدوتيرتي، لكنه رفض هذه الاتهامات، وأصدر تعليمات للشرطة بإطلاق النار على النشطاء الذين "يعرقلون العدالة"، كما تم فرض قيود أكبر على حرية الصحافة في البلاد.
ومع قرب انتهاء ولايته الرئاسية، ألمح دوتيرتي إلى رغبته في البقاء في السلطة فترة ثانية رغم عدم دستورية ذلك، فرشحه حزبه في سبتمبر/أيلول 2021 لمنصب نائب الرئيس.
لكنه أعلن لاحقا عزمه اعتزال السياسة بعد الإشراف على انتقال السلطة بشكل سلمي إلى خلفه.
وفي عام 2021، سمحت المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق كامل في الاتهامات الموجهة إلى دوتيرتي، إلا أن التحقيق عُلق بعد شهرين عندما أكدت السلطات الفلبينية أنها تجري تحقيقاتها الخاصة بشأن عمليات القتل خارج نطاق القانون.
وبحلول موعد الانتخابات في مايو/أيار 2022، دعم دوتيرتي ترشيح ابنته سارة لمنصب نائب رئيس البلاد، وفازت به في النهاية.
وفي عام 2023، قررت شعبة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية استئناف التحقيق بعد رفض اعتراضات الحكومة الفلبينية، وأكد الرئيس فرديناند ماركوس الابن استعداده للتعاون مع المحكمة في حال طالبت باعتقال دوتيرتي.
اعتقاله
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق دوتيرتي، متهمة إياه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حملته ضد المخدرات أثناء فترته الرئاسية.
وقبل ساعات من اعتقاله، أعلن دوتيرتي استعداده لتسليم نفسه للمحكمة، قائلا "يمكنهم اعتقالي وسجني، ما هي خطيئتي؟ لقد فعلت كل ما بوسعي لتعزيز السلام، ليعيش الفلبينيون في سلام".
وفي 11 مارس/آذار 2025، أوقفت السلطات الفلبينية دوتيرتي في مطار مانيلا الدولي، بعد عودته من رحلة إلى هونغ كونغ، بناء على مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه.
وفي اليوم نفسه، قال مسؤولون فلبينيون إن دوتيرتي غادر مانيلا على متن طائرة، تمهيدا لتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.