إقليم كشمير بركان سياسي بين ثلاث قوى نووية

كشمير إقليم جبلي يقع شمال غرب شبه القارة الهندية، وهو بؤرة النزاع الإقليمي بين الهند وباكستان منذ استقلال المنطقة عن الاحتلال البريطاني عام 1947. يتمتع بموقع جيو-إستراتيجي حيوي، إذ تتقاطع فيه حدود ثلاث قوى نووية، مما يجعله ساحة للتنافس الدولي ومسرحا للأزمات المتكررة.

ينقسم الإقليم إلى مناطق تخضع لسيطرة ثلاث دول (الهند وباكستان والصين)، ولكل منها نظامها الإداري والسياسي الخاص.

تتعدد أسباب النزاع حول كشمير، بدءا من التراث التاريخي للإمارة المسلمة ذات الحكم الذاتي في عهد البريطانيين، مرورا بالخلاف حول شروط انضمامها إلى الهند أو إلى باكستان بعد الاستقلال، ووصولا إلى سكان الإقليم المنقسمين بين من يرغب في الانضمام إلى باكستان ومن يفضل الهند ومن يطالب بالاستقلال التام.

تقطن الإقليم أغلبية مسلمة مقابل أقلية هندوسية، وهو ما يجعل العامل الديني مهما جدا في الصراع، إضافة إلى عامل الموارد المائية، لأن أنهار كشمير حيوية جدا للزراعة في المنطقة.

الأهمية الإستراتيجية للإقليم

تتمثل أهمية كشمير الإستراتيجية بالنسبة للهند، باعتبارها حاجزا أمنيا طبيعيا، يشكل حماية إستراتيجية للبلد من "تهديد" قد يأتيها من الصين وباكستان، كما تعتبرها عائقا يحول دون انتقال فلسفة الحكم الباكستاني القائمة على "أسس دينية"، الأمر الذي تعتبره الهند تهديدا لاستقرار الوضع الداخلي المتسم بوجود أقلية مسلمة كبيرة العدد.

في الجانب المقابل، تعتبر باكستان إقليم كشمير امتدادا جغرافيا وبشريا ودينيا طبيعيا لها. وتكمن أهميته الإستراتيجية في كونه يضم ثلاثة أنهار رئيسية (السند وجليم وجناب)، يعتمد عليها النشاط الزراعي في باكستان، مما يجعل احتلال الهند لها تهديدا مباشرا لمورد اقتصادي حيوي وللأمن المائي الباكستاني.

إعلان

كما تعتبر إسلام آباد الإقليم منطقة حيوية، تصلها مباشرة بالحدود الصينية، بفضل شبكة طرقية تتكون من طريقين رئيسيين وخط للسكة الحديدية في سرحد وشمالي شرقي البنجاب بمحاذاة كشمير.

العاصمة

في الجزء الخاضع للهند (اتحاد جامو وكشمير)، تعد مدينة "سرينغار" عاصمة الإقليم الصيفية، وتقع في منطقة الوادي الكشميري، وتنتقل العاصمة في فصل الشتاء إلى جامو التي تقع جنوب الإقليم، ويرجع سبب اعتماد العاصمة المزدوجة إلى تغير المقر الحكومي حسب الفصول (شتاء في جامو الأدفأ، وصيفا في سرينغار).

وفي الجزء الخاضع لباكستان (آزاد كشمير)، فالعاصمة الرسمية هي "مظفر آباد"، أما الصين، فلا تعترف بكيان "كشمير" وتدير المناطق الخاضعة لها (أكساي تشين) انطلاقا من مدينة "لهاسا"، عاصمة إقليم التبت، الذي يتمتع بحكم ذاتي أو من مدينة "أورومتشي" (عاصمة إقليم شنغيانغ).

التقسيمات الإدارية

تختلف أنظمة إدارة الحكم في كل جزء من إقليم كشمير حسب رؤية الدولة المسيطرة، ففي الوقت الذي تعتبر فيه الهند المنطقة جزءا لا يتجزأ من ترابها، تؤكد باكستان على حق تقرير المصير للكشميريين، بينما تدير الصين المناطق الخاضعة لها بـ"صمت إستراتيجي".

في ظل هذا الوضع يختلف التنظيم الإداري في كشمير باختلاف المناطق الثلاث:

  • كشمير الخاضعة للسيادة الهندية (جامو وكشمير ولاداخ)

شهد النظام الإداري تحولا جذريا بعد إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي في أغسطس/آب 2019، والتي كانت تمنح المنطقة وضعا خاصا وحكما ذاتيا محدودا، فأصبحت منذ هذا التاريخ خاضعة للإدارة المركزية المباشرة من نيودلهي.

وتم تقسيمها إلى منطقتين اتحاديتين: "جامو وكشمير" التي تحتفظ ببعض المؤسسات التشريعية المحلية، و"لاداخ" التي تدار بشكل مباشر من الحكومة المركزية.

  • كشمير الخاضعة للسيادة الباكستانية (آزاد كشمير وجلجيت-بلتستان)

يعرف النظام الإداري في الجزء الخاضع للإدارة الباكستانية قدرا من الحكم الذاتي مع تأثير واضح من إسلام آباد، فلمنطقة "آزاد كشمير" حكومة منتخبة محليا يقودها رئيس وزراء، إضافة إلى مجلس تشريعي، إلا أن السياسة الخارجية والدفاع تبقى تحت سيطرة الحكومة المركزية الباكستانية.

إعلان

أما منطقة جيلجيت-بلتستان فتخضع لنظام إداري خاص، إذ منحت باكستان المنطقة حكما شبه ذاتي بمؤسسات منتخبة، لكنها تظل خارج الإطار الدستوري الباكستاني الكامل، فعلى الرغم من تبعيتها الإدارية لباكستان، لم تندمج المنطقة رسميا في الدولة الباكستانية وتفتقر إلى التمثيل الدستوري الكامل في الشؤون السياسية المركزية، ومن ثم لا تتمتع بالحقوق والميزات نفسها التي تتمتع بها الولايات الباكستانية الأخرى.

  • كشمير الخاضعة للسيادة الصينية (أكساي تشين وشاغام)

تسيطر الصين على منطقتين رئيسيتين في كشمير، "أكساي تشين"، وهي منطقة صحراوية غير مأهولة نسبيا، تخضع للسيطرة الصينية منذ عام 1962، ومنطقة وادي شاغام، وهي جزء من بلتستان تنازلت عنه باكستان للصين عام 1963.

تطبق الصين نظام الإدارة المباشرة في المناطق التي تسيطر عليها، إذ تعتبر بكين "أكساي تشين" جزءا من منطقة "شينغيانغ"، بينما تخضع "شاغام" لإدارة التبت، ولا توجد فيها أي مؤسسات سياسية محلية منتخبة، وتدير شؤونها كلها الحكومة المركزية الصينية، التي تعتبر هذه المناطق جزءا لا يتجزأ من أراضيها.

A Muslim Kashmiri girl or Indian girl walking inthe beautiful valley of Kashmir India. isolated on snow hill background
إقليم كشمير يتميز بطبيعته الجبلية الأخاذة (غيتي إيميجز)

المساحة

يغطي إقليم كشمير المتنازع عليه مساحة تقدر بنحو 222236 كيلومترا مربعا، موزعة بين الدول الثلاث المذكورة.

فالجزء الأكبر من هذه المساحة يخضع للسيطرة الهندية، ويمثل ما نسبته 45% من مجموع مساحة الإقليم، ويشمل مناطق "جامو وكشمير" و"لاداخ"، بينما تسيطر باكستان على حوالي ثلث المساحة تقريبا (35%) في منطقتي "آزاد كشمير" و"جيلجيت-بلتستان".

أما الصين فتسيطر على مناطق حدودية أصغر نسبيا تمثل 20% من المساحة الإجمالية للإقليم، أهمها منطقة "أكساي تشين" شبه الصحراوية في الشرق.

اللغة

يتميز إقليم كشمير بتنوع لغوي فريد يعكس ثراءه الثقافي وتاريخه العريق، فاللغة الكشميرية (كٲشُر) هي اللغة الأم لأهالي وادي كشمير، وتتحدثها الغالبية العظمى من سكان المنطقة.

إعلان

والكشميرية من أقدم اللغات الحية في شبه القارة الهندية، ويعود أصلها إلى اللغات الداردية، وهي مجموعة لغوية تطورت في المناطق الجبلية الواقعة بين باكستان وأفغانستان والهند، وعلى الرغم من تصنيفها ضمن اللغات الهندو-آرية، إلا أنها تتميز بعناصر صوتية وقواعد تجعلها مختلفة عن لغات مثل الهندية والأوردو.

بدأت اللغة الكشميرية بالتبلور لغة مكتوبة في القرن الحادي عشر الميلادي، حين كانت تكتب في البداية بخط الشاردا القديم، الذي استخدمه الكهنة والدارسون البراهمة، ومع دخول الإسلام إلى وادي كشمير، بدأت تلك اللغة تتأثر بالفارسية والعربية.

هذا التأثر أضاف إليها ثراء لغويا واضحا، لا سيما في المجالات الدينية والأدبية، إلى أن أصبحت الكشميرية تكتب بالأبجدية الفارسية-العربية لدى المسلمين في العصور الحديثة، بينما يستخدم بعض أبناء الطائفة الهندوسية خط الديفاناغاري.

لغة الأوردو هي الأخرى لغة من لغات التواصل المشترك بين مختلف مكونات المجتمع الكشميري، إذ تستخدم على نطاق واسع في الحياة اليومية والإعلام.

أما اللغة الهندية فهي لغة رسمية وتعليمية في المناطق الخاضعة للسيطرة الهندية، بينما تتكلم بعض المناطق مثل جامو بلغة "الدوغرية" ذات الطابع المحلي، أما في المناطق الجبلية النائية، فتنتشر لغات مثل البلتية والشينا.

يواجه المشهد اللغوي في كشمير تحديات كبيرة، إذ يلاحظ تراجع استخدام اللغة الكشميرية بين الأجيال الشابة لصالح اللغات الرسمية، مما يهددها بالانقراض، في ظل غياب سياسات واضحة تحمي التراث اللغوي في المنطقة، ناهيك عن تأثير النزاع السياسي المستمر الذي يسهم في تعقيد الوضع، إذ يروج كل طرف للغته الرسمية في المناطق التي يسيطر عليها، على حساب اللغات المحلية.

العملة

يستخدم إقليم كشمير 3 عملات مختلفة في أجزائه الثلاثة، تبعا للسيطرة الإدارية لكل دولة. ففي المنطقة الخاضعة للهند (جامو وكشمير ولاداخ)، تستخدم الروبية الهندية، التي يصدرها "بنك الاحتياطي الهندي"، وتتفرع إلى فئات ورقية وعملات معدنية شأنها في ذلك شأن باقي أنحاء الهند.

إعلان

وتعتمد آزاد كشمير وجيلجيت-بلتستان في المناطق الخاضعة لباكستان على عملة الروبية الباكستانية التي يصدرها "بنك الدولة الباكستاني"، وتختلف قيمتها عن الروبية الهندية، إذ إن سعر الصرف بينهما يتغير حسب العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.

أما المناطق التي تسيطر عليها الصين (أكساي تشين وشاغام)، فيتم فيها التداول النقدي باستخدام "اليوان الصيني"، إسوة بباقي الأراضي الصينية، وهي العملة التي يصدرها "بنك الشعب الصيني" وتستخدم في المعاملات الرسمية والتجارية.

يعكس تعدد العملات في كشمير عمق الانقسام السياسي في الإقليم، إذ يتبنى كل جزء تبعيته الاقتصادية للدولة المسيطرة عليه، مما يؤثر سلبا على التبادل التجاري بين الأجزاء الثلاثة.

الموقع

يحظى إقليم كشمير بموقع جغرافي متميز بسبب وجوده على ارتفاع شاهق في قمم جبال الهملايا، وهو ما يجعل منه موطنا محصنا، ويمنحه إطلالة على مناطق إستراتيجية في كل من الهند وباكستان والصين.

يوجد إقليم كشمير في شمال غرب الهند، وإلى الشمال من باكستان، بمساحة إجمالية تزيد عن 223 ألف كيلومتر مربع، وتتوزع حدوده على أربع دول، هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين. ويمتد الإقليم على منطقة تتسم بتضاريس وعرة على جبال الهملايا.

Shot at Vishansar lake campsite during Kashmir Great Lakes Trek
إقليم كشمير يشتهر ببحيراته التي تحدثها الأنهار المنتشرة فيه (غيتي إيميجز)

التضاريس

يتميز إقليم كشمير بتنوع تضاريسي كبير، إذ تتراوح ارتفاعاته بين 1500 متر في المناطق السهلية و8000 متر عند قممه الجبلية.

يشكل "وادي كشمير" الذي يقع على ارتفاع متوسط يبلغ 1600 متر، القلب النابض للإقليم، وتحيط به سلسلة جبال "الهملايا" من الشمال الشرقي وجبال "بير بانغال" من الجنوب الغربي.

تنتشر في المنطقة الشمالية قمم جبلية تعد من الأكبر على مستوى العالم، مثل "قمة كي 2" بارتفاع قدره 8611 مترا، و"نانغا باربات"، القمة التي يبلغ ارتفاعها 8126 مترا، وتوجد في الجزء الخاضع للإدارة الباكستانية، بينما تحتضن المنطقة الشرقية "هضبة لاداخ" الجافة، التي تضاهي إلى حد كبير التضاريس التبتية، بارتفاع يتجاوز 3000 متر.

إعلان

تتميز كشمير أيضا بشبكتها المائية الواسعة، إذ تنساب أنهار مثل نهر "جهلم" (يمر عبر وادي كشمير وهو من روافد نهر السند، ويبلغ طوله الإجمالي حوالي 725 كيلومترا)، ونهر "تشيناب" (يتدفق عبر منطقة جامو إلى سهول البنجاب بباكستان)، وتشكل بحيرات خلابة، أبرزها "دال" و"وانجاث"، أما المناطق الجنوبية حول "جامو" فتمتاز بتضاريس أكثر انبساطا عبارة عن سفوح.

المناخ

يسود المناخ شبه القاري في معظم أنحاء الإقليم، مع تباينات كبيرة بين مناطق الوادي المنخفضة والمرتفعات الجبلية، وتشكل الجبال الشاهقة والمجاري المائية عوامل حاسمة في تنوع أنماط الطقس، مما يجعل من كشمير موطنا يجمع بين قسوة الشتاء واعتدال الصيف.

في فصل الشتاء (من نوفمبر/تشرين الثاني إلى فبراير/شباط)، تتحول كشمير إلى منطقة يكسوها بياض الثلج، فتنخفض درجات الحرارة في "سرينغار" إلى ما دون الصفر، كما تغطي الثلوج الكثيفة منتجعات التزلج في "غولمارغ".

يطغى الطقس المعتدل أثناء فصل الصيف (من مايو/أيار إلى أغسطس/آب)، إذ تتراوح درجات الحرارة بين 25° و30° درجة مئوية، مما يجعل من الوادي وجهة مثالية للهروب من حرارة السهول.

ويعرف الإقليم في شهري مارس/أيار وأبريل/نيسان أجواء ربيعية معتدلة، تزهر إبانها أشجار التفاح والكرز، أما الخريف الذي يمتد على مدى شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول فيتحول فيه الإقليم إلى لوحة فنية بألوان ذهبية لأوراق شجر الحور.

في المقابل تتسبب الأمطار الغزيرة التي تشهدها المنطقة أحيانا في فيضانات مدمرة، كما حدث عام 2014 عندما غمرت المياه أجزاء كبيرة من سرينغار.

السكان

تتميز التركيبة الديمغرافية لإقليم كشمير بتنوع عرقي وديني ولغوي، يعكس من جهة تاريخ المنطقة الغني، ومن جهة أخرى يشكل أساسا للصراع السياسي بين الدول المتنازعة عليها.

وفي ظل هذا المزيج من الأعراق والأديان واللغات، تتأثر البنية السكانية بفعل الهجرة والنزوح تحت وطأة انقسام سياسي عميق، تختلف فيه الولاءات بين مؤيد للهند، ومؤيد لباكستان، ومطالب بالاستقلال.

إعلان

يقدر تعداد سكان الإقليم بنحو 20.5 مليون نسمة حتى عام 2025، موزعين بين المناطق الخاضعة للإدارتين الهندية والباكستانية على النحو التالي:

  • جامو وكشمير: نحو 15.6 مليون نسمة استنادا إلى تقديرات إحصائية رسمية.
  • آزاد كشمير: نحو 4.8 ملايين نسمة وفقا لبيانات الحكومة الباكستانية.
  • أما المناطق الخاضعة للإدارة الصينية، فرغم غياب إحصائيات رسمية، تشير بعض التقديرات إلى أن العدد لا يتعدى بضعة آلاف، هم في الغالب عسكريون ومستوطنون صينيون.

أبرز المحطات التاريخية

العصور القديمة وحكم السلطنات

شهد إقليم كشمير تحولات حضارية كبرى انطلقت منذ القرن الثالث قبل الميلاد، إذ أدخلت الإمبراطورية الماورية الديانتين البوذية والهندوسية إلى المنطقة.

فقد شهد الإقليم ازدهارا ثقافيا تحت حكم الكوشانيين، ومع حلول القرن التاسع الميلادي، برز مذهب "الشيفاوية" الهندوسي بقوة، قبل أن يبدأ التحول الديني الكبير نحو الإسلام بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر عبر جهود الدعاة الصوفيين أمثال "بلبل شاه".

وفي منعطف تاريخي حاسم، تأسست أول سلطنة مسلمة عام 1339م تحت قيادة "شاه مير"، فبدأت حقبة استمرت خمسة قرون من الحكم الإسلامي، تميزت بتسامح ديني واضح، خاصة في عهد السلطان "زين العابدين" (1420-1470م).

ثم دخلت المنطقة فيما بعد مرحلة جديدة من التاريخ مع سيطرة المغول عليها بين عامي 1586 و1751م، وتحولت سرينغار إلى حاضرة ثقافية، تزينت بتحف معمارية خالدة مثل حدائق "شاليمار"، التي ظلت لقرون شاهدا على تلك الحقبة التاريخية.

Baltal landscape and camping ground along Sind river from Zoji la pass in Srinagar - Leh road in Jammu and Kashmir, India
نهر السند أحد أبرز أنهار إقليم كشمير ويشكل ثروة طبيعية إضافة إلى أنهار أخرى في المنطقة (غيتي إيميجز)

الحكم السيخي والمعاهدات الاستعمارية (1819–1947)

شهدت كشمير منعطفا مصيريا عام 1819م، عندما سيطرت إمبراطورية السيخ بقيادة "المهراجا رانجيت سينغ" على الإقليم بعد انتصاره على الأفغان، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من الحكم.

وفي فترة لاحقة وقع المهراجا غولاب سينغ، حاكم ولاية جامو "معاهدة أمريتسار" مع الحكومة البريطانية، ممثلة في شركة الهند الشرقية عام 1846، وهي اتفاقية انتقلت بموجبها ملكية كشمير إلى المهراجا غولاب سنغ وورثته من الذكور مقابل 7.5 مليون روبية، وبدأ عهد سلالة الدوغرا الهندوسية التي حكمت الإقليم أكثر من قرن، في تناقض صارخ مع التركيبة الديمغرافية للمنطقة، التي يشكل فيها المسلمون الأغلبية الساحقة من السكان.

إعلان

تقسيم الهند واندلاع الصراع

أنهى "قانون استقلال الهند" الذي أصدره البرلمان البريطاني في 17 يوليو/تموز 1947 الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية، وتم على أساسه تقسيم المنطقة في 15 أغسطس/آب 1947 إلى دولتين هما الهند وباكستان التي كانت تضم بنغلاديش، قبل أن تنفصل عنها لاحقا مطلع سبعينيات القرن العشرين.

اعتمدت بريطانيا في تقسيمها للمنطقة على أساس ديني، مما تسبب في موجات هجرة على نطاق واسع لمسلمي الهند إلى باكستان ولهندوس باكستان إلى الهند في خضم مواجهات طائفية بين الطرفين، وأوعزت بريطانيا بعد انسحابها إلى المناطق التي يحكمها الأمراء بأن تنضم إما إلى الهند أو باكستان وفقا لرغبة سكانها، مع مراعاة التقسيمات الجغرافية في كل إمارة.

غير أن ثلاث إمارات لم تتخذ قرارا بهذا الشأن هي حيدر آباد (جنوبي الهند) وجوناغره (غربي الهند) وكشمير (شمالي الهند)، ثم قرر حاكم إمارة جوناغره المسلم أن ينضم إلى باكستان رغم وجود أغلبية هندوسية (تقدرها الهند بـ81%) في الإمارة، وأمام معارضة هذه الأغلبية لقرار الحاكم دخلت القوات الهندية وأجرت استفتاء انتهى بانضمامها إلى الهند طبقا لمبادئ التقسيم.

وحدث الشيء نفسه في ولاية حيدر آباد، التي أراد حاكمها المسلم أن يظل مستقلا بإمارته ولم تقره الأغلبية الهندوسية في الولاية على هذا الاتجاه، فتدخلت القوات الهندية في 13 سبتمبر/أيلول 1948 وضمت الولاية.

أما كشمير فقد كان وضعها مختلفا عن الإمارتين السابقتين، فبعدما فشلت في الحفاظ على استقلالها، قرر حاكمها الهندوسي "المهراجا هاري سينغ" الانضمام إلى الهند متجاهلا رغبة الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان ومتجاهلا القواعد البريطانية السابقة في التقسيم.

الأمر الذي تسبب في تمرد المسلمين الكشميريين الذين كانوا يمثلون نسبة 82% من السكان، وارتكب جنود الحاكم الهندوسي مذابح في منطقة بونش وميربور في سبتمبر/أيلول 1947.

إعلان

تطورت الأحداث بعد ذلك بشكل متسارع، وتحولت إلى حرب كبرى بين الهند وباكستان استمرت حتى عام 1949، قبل أن تضع أوزارها بوساطة دولية وتوقيع اتفاقية كراتشي التي قسمت كشمير إلى منطقتي نفوذ: جزء تحت السيطرة الهندية (يشمل جامو ولاداخ ووادي كشمير) وآخر تحت السيطرة الباكستانية (يشمل ما يعرف بآزاد كشمير وجيلجيت بالتستان)، لتبدأ بذلك واحدة من أطول النزاعات الإقليمية في العصر الحديث.

حروب واتفاقيات (1965–1999)

في الفترة الممتدة بين 1965 و1999، شهد إقليم كشمير تصاعدا حادا في الصراع بين الهند وباكستان، تمثل في سلسلة من الحروب والمواجهات العسكرية والاتفاقيات الدبلوماسية التي شكلت ملامح النزاع الذي عمر لعقود.

بدأت هذه المرحلة بحرب 1965 التي اندلعت بعد عملية "جبل طارق" الباكستانية، إذ حاولت باكستان اختراق الخط الفاصل في كشمير عبر تسلل قوات متنكرة بهدف إثارة تمرد محلي، فردت الهند بهجوم مضاد واسع على جبهة لاهور، مما أدى إلى واحدة من أكبر معارك الدبابات منذ الحرب العالمية الثانية.

انتهت حرب 1965 بوساطة سوفياتية بعد 17 يوما من القتال العنيف، وتم تبني ما سمي "إعلان طشقند" عام 1966، وهو الاتفاق الذي أعاد الطرفين إلى حدود ما قبل الحرب دون تغيير جيوسياسي واضح.

تصاعد التوتر مرة أخرى في عام 1971 مع اندلاع الحرب الثالثة بين الطرفين، حرب ارتبطت بأزمة بنغلاديش، إذ عمدت الهند إلى دعم المتمردين البنغاليين ضد باكستان الشرقية، مما أدى إلى انفصال بنغلاديش بعد حرب خاطفة أسفرت عن مقتل 3 ملايين شخص.

جاءت اتفاقية "شيملا" عام 1972 لتؤطر مرحلة جديدة بترسيم "خط السيطرة"، وهو عبارة عن حدود مؤقتة، لكنها تحولت إلى حدود دائمة بحكم الأمر الواقع، مع تأكيدها على حل النزاع عبر المفاوضات الثنائية دون تدويل القضية.

مع نهاية الثمانينيات، دخل الصراع مرحلة التمرد المسلح، فظهرت "جبهة تحرير جامو وكشمير" عام 1989 -أبرز فصيل مقاومة ضد الوجود الهندي- وتتهمها نيودلهي بأنها مدعومة بالسلاح والتمويل الباكستاني.

إعلان

تحول الإقليم إلى ساحة لعمليات مسلحة ومواجهات دموية مع الجيش الهندي، مما أسفر عن نزوح آلاف المدنيين وتصاعد التوتر العسكري على الحدود.

بلغ التصعيد ذروته في عام 1999 مع حرب "كارجيل"، عندما تسللت وحدات باكستانية إلى مواقع استراتيجية هندية في جبال الهيمالايا، لترد الهند بعملية عسكرية ضخمة اشتملت على قصف جوي وتدخل بري مباشر، فيما تم اعتباره آنذاك أول مواجهة تقليدية بين دولتين نوويتين.

وانتهت الحرب بعد 74 يوما بانسحاب القوات الباكستانية تحت ضغط دولي، خاصة من الولايات المتحدة الأميركية.

Dal Lake and the beautiful mountain range in the background in the city of Srinagar Kashmir, India on 2 April 2023
مشهد من مدينة سرنغار في إقليم كشمير (شترستوك)

التصعيد النووي وشبح حرب مدمرة (1974–2025)

شهدت المنطقة تصاعدا نوويا خطيرا منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، إذ أجرت الهند أول تجربة نووية لها عام 1974، وتبعتها باكستان عام 1998، مما عمق خطر سباق التسلح وزاد من احتمال تصاعد الصراع بين الجارتين النوويتين.

وفي منعطف سياسي بارز، ألغت الهند في أغسطس/آب 2019 المادة 370 من دستورها، والتي كانت تمنح إقليم كشمير وضعا خاصا وحكما ذاتيا، وترتب عن هذا القرار وضع إداري جديد قسم الإقليم إلى منطقتين اتحاديتين تحت الإدارة المباشرة للحكومة المركزية في نيودلهي، مما أثار موجة من الاحتجاجات والتوترات إقليميا ودوليا.

وفي أبريل/نيسان 2025، تعرضت منطقة "بهلغام" السياحية إلى هجوم مسلح استهدف مجموعة من السياح الهندوس، مما أسفر عن مقتل 26 شخصا، في حادثة أثارت غضبا واسعا في الهند، واتهمت مباشرة ما قالت إنها "جماعات مسلحة مدعومة من باكستان" بالوقوف خلف الهجوم.

ردا على ذلك، شهدت المنطقة في مطلع مايو/أيار 2025 تصعيدا عسكريا غير مسبوق بين الهند وباكستان، إذ تبادل الطرفان ضربات صاروخية استهدفت مواقع متفرقة من البلدين، مما أدى إلى سقوط ضحايا إضافيين ودمار في المناطق الحدودية. وبلغ عدد الضحايا من الجانبين 56 قتيلا على الأقل، فضلا عن عشرات الجرحى.

إعلان

أدت هذه الأحداث إلى توتر دولي، ودعت عدة دول إلى ضبط النفس وحل النزاع عبر الحوار، بينما أعلن كلا البلدين حالة التأهب القصوى لقواتهما خوفا من تحول الأزمة إلى مواجهة شاملة، إلى أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العاشر من مايو/أيار 2025 التوصل لاتفاق يقضي بـ"وقف إطلاق نار كامل وفوري" بين الطرفين.

أبرز المعالم

تزخر كشمير بمناظر طبيعية خلابة، تجعل منها منطقة جذب سياحي، تستقطب الزوار من كل بقاع العالم، وهذه أبرزها:

  • بحيرة دال: تقع في سرينغار، وهي من أشهر معالم المنطقة، تتميز بقنواتها المائية التي تشبه إلى حد ما مدينة البندقية، وتنتشر حولها القوارب الخشبية التقليدية المسماة "شيكارا" التي تحولت إلى فنادق عائمة.
  • حدائق شاليمار: بناها الإمبراطور المغولي جيهانغير عام 1619، وهي تحفة معمارية تعكس جمالية فنية مع نوافيرها المائية وأشجار السرو الباسقة.
  • مدينة غولمارغ: تقع في الجهة الشرقية من الإقليم، تحولت إلى منتجع عالمي للتزلج، إذ تغطيها الثلوج معظم أيام السنة وتوفر منحدرات مثالية لمحبي الرياضات الشتوية.
  • وادي بيتابول: يحتوي مشاهد طبيعية أخاذة مع حقول الزهور البرية التي تتفتح في الربيع.
  • معبد شانكاراشاريا: يعود للقرن التاسع الميلادي، ويقف شامخا على تلة تطل على سرينغار، شاهدا على التنوع الديني في المنطقة.
  • وادي نيلوم: يقع في الجانب الباكستاني من الإقليم، ويتميز بطبيعته الجبلية الوعرة وأنهاره الزرقاء الصافية.
  • بحيرة سادات: تقع في مظفر أباد، وتعتبر جوهرة خفية بمياهها الفيروزية.
  • قمة كي 2: قمة جبلية في جيلجيت-بلتستان، ويعد ثاني أعلى جبل في العالم، تجذب القمة متسلقي الجبال المحترفين من كل أنحاء المعمور.
  • وادي هونزا: منطقة طبيعية خلابة توصف بأنها "وادي الخلود" بسبب أعمار سكانها المديدة.
India Constructs Tunnel To Connect Kashmir With Ladakh
مشهد من الجانب الذي تسيطر عليه الهند في إقليم كشمير (غيتي)

الاقتصاد

يتمتع إقليم كشمير بثروات طبيعية هائلة وموقع جغرافي إستراتيجي، لكنه ظل لعقود ضحية للصراعات السياسية والعسكرية التي أعاقت تنميته.

إعلان

في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية، تشكل الزراعة العمود الفقري للاقتصاد، وتساهم بنحو 80% من النشاط الاقتصادي، وتشتهر المنطقة بإنتاج الزعفران، الذي تزود الهند بـ90% من احتياجاتها، إضافة إلى محاصيل التفاح والأرز.

رغم أهميته لا يزال هذا القطاع الحيوي يعتمد على الأساليب التقليدية في الري، مما يحد من إنتاجيته، بينما تعاني الصناعات المحلية -وأبرزها النسيج والحرف اليدوية كالشال الكشميري العالمي- من ضعف الاستثمار بسبب القيود الأمنية.

يعد قطاع السياحة مصدرا رئيسيا للدخل بالنسبة للكشميريين، إلا أنه مرتبط ارتباطا وطيدا بالوضع الأمني، فكلما اضطربت الأوضاع يتراجع النشاط السياحي، إذ عرفت المنطقة تراجعا ملحوظا في عدد الزوار في الفترة الممتدة بين 2023 و2025، بسبب التوترات التي تعرفها المنطقة.

في الجزء الخاضع للإدارة الباكستانية، يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على الزراعة التقليدية التي تنتج الفواكه مثل المشمش والتفاح، إضافة إلى تربية النحل وإنتاج العسل. لكن ضعف البنية التحتية وعدم كفاية أنظمة الري تحد من نمو هذا القطاع. وتحاول الحكومة الباكستانية تعويض ذلك من خلال المشاريع الصينية ضمن مبادرة "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني"، التي تمر عبر جيلجيت-بلتستان.

في حين تعاني المناطق الخاضعة للسيطرة الصينية من شح في النشاط الاقتصادي المدني، رغم توفر المنطقة على ثروات معدنية مثل الذهب واليورانيوم، إلا أن استغلالها محدود بسبب الظروف المناخية القاسية والحساسيات الأمنية المرتبطة بالنزاع الحدودي مع الهند.

على مدى العقود، ظل اقتصاد كشمير رهين النزاعات السياسية، وتحولت المنطقة من جنة سياحية وزراعية واعدة إلى ساحة للتنافس الإستراتيجي بين القوى الإقليمية. ويتطلب أي أمل في التنمية المستقبلية حل الخلافات السياسية أولا.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان