نيودلهي.. الهند المصغرة

العاصمة الرسمية للهند، شيدها البريطانيون أوائل القرن العشرين إلى الجنوب من "دلهي القديمة"، لتكون مركزا إداريا جديدا لـ"الراج البريطاني". واندمجت المدينتان لاحقا لتشكيل حاضرة كبرى متعددة الثقافات والديانات.

تتميز نيودلهي بأهميتها السياسية والإدارية، إذ تضم المقر الرئيسي للحكومة المركزية، ومقر البرلمان والقصر الرئاسي. كما تشتهر بمعالمها المعمارية المميزة مثل "بوابة الهند" و"الحصن الأحمر" و"المسجد الجامع"، علاوة على معالم أخرى تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم.

الموقع

تقع نيودلهي في شمال جمهورية الهند على الضفة الغربية لنهر "يامونا"، على ارتفاع 216 مترا عن مستوى سطح البحر، وهي جزء من "إقليم العاصمة الوطنية دلهي".

تحيط بها "ولاية هاريانا" من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، بينما تحدها "ولاية أتار براديش" من الجهة الشرقية عبر نهر "يامونا".

المساحة

تبلغ مساحة المدينة حوالي 42.7 كيلومترا مربعا، وتشكل مركز "إقليم العاصمة الوطنية دلهي"، الذي يمتد كاملا على مساحة إجمالية تقارب 1484 كيلومترا مربعا.

المناخ

تتميز نيودلهي بمناخ شبه جاف، مع تباين واضح بين الفصول الأربعة، ما بين شتاء بارد نسبيا (يمتد من ديسمبر/كانون الأول إلى فبراير/شباط)، وصيف شديد الحرارة (يمتد من مارس/آذار إلى يونيو/حزيران)، وتبدأ الرياح الموسمية في أواخر يونيو/حزيران وتستمر حتى سبتمبر/أيلول، وتشهد فترتها أمطارا غزيرة غير منتظمة، تسهم في تخفيف درجات الحرارة. أما الخريف فيمتد بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، ويتميز بطقس معتدل وجاف.

تحتل نيودلهي المركز الأول في قائمة المدن الأكثر تلوثا في العالم، إذ تواجه المدينة مستويات قياسية من التلوث بسبب الدخان المنبعث من المصانع وحركة المرور وعمليات الحرق الزراعية الموسمية.

وشهدت المدينة يوم الاثنين 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وصول تركيز جزيئات الرصاص الدقيقة في الهواء -تقاس نسبتها بما يعرف بمقياس "بي إم 2.5" (PM2.5)- إلى مستويات أعلى بـ60 مرة من المستوى الأقصى الذي تعتبره منظمة الصحة العالمية مقبولا، بحسب مؤشر "آي كيو إيه".

السكان

وفقا لتقديرات الأمم المتحدة لعام 2024، يبلغ عدد سكان منطقة دلهي الحضرية الكبرى (والتي تشمل نيودلهي والمدن المحيطة بها) ما يناهز 34 مليون نسمة، مما يجعل منها أحد أكبر التجمعات الحضرية في العالم.

الدين

تتميز التركيبة السكانية للمدينة بتنوعها العرقي والديني الكبير، إذ يمثل الهندوس الغالبية العظمى من السكان، بنسبة تصل إلى نحو 82%، في حين تبلغ نسبة المسلمين حوالي 12%.

أما المسيحيون والسيخ والبوذيون واليهود، فيشكلون أقليات لا تتجاوز مجتمعة 6% من سكان المدينة.

اللغة

اللغة الرسمية في نيودلهي هي "الهندية"، إلا أن اللغة الإنجليزية كذلك تحظى بمكانة مهمة، إذ تستخدم على نطاق واسع في المؤسسات الحكومية والتعليمية ومجال الأعمال، فضلا عن لغات أخرى يستخدمها السكان في حياتهم اليومية، مثل "الأوردو" و"البنجابية" و"البنغالية"، مما يعد من ملامح التنوع الثقافي واللغوي الذي يميز المدينة.

التاريخ

• قبل العهد البريطاني

تعود الجذور التاريخية للمدينة إلى أكثر من ألفي عام، عندما شكلت المنطقة موقعا لسبع مدن متعاقبة، كانت عواصم لإمبراطوريات كبرى، ازدهرت أولاها في القرن الثاني عشر الميلادي تحت حكم "سلطنة دلهي" (1206-1526)، فأصبحت مركزا للنفوذ الإسلامي في شمال الهند.

بلغت المدينة ذروة مجدها في عصر المغول ، خصوصا تحت حكم "الإمبراطور شاه جهان"، خامس سلاطين المغول المسلمين في الهند، والذي حكم المنطقة بين 1628 و1658.

نقل الإمبراطور عاصمة حكمه من "أجرا" إلى "دلهي" عام 1648، وعرفت فترة حكمه ازدهارا تشهد عليه معالم شيدها من قبيل "الحصن الأحمر" (لال قلعة) و"مسجد الجامع".

ظلت المدينة عاصمة للإمبراطورية المغولية حتى سقوطها تدريجيا في القرن الثامن عشر، لتصبح لاحقا ساحة للتنافس بين "الماراثا" (اتحاد قبائل هندوسية هيمن على أجزاء كبيرة من شبه القارة الهندية في القرنين 17 و18 الميلاديين)، والقوى الاستعمارية الأوروبية، قبل أن يسيطر عليها البريطانيون عام 1803.

• الحقبة البريطانية (1911–1947)

في عام 1911، أعلن الإمبراطور "جورج الخامس" نقل عاصمة "الراج البريطاني" من "كلكتا" إلى "دلهي"، وبدأ العمل على إنشاء مدينة جديدة جنوب المدينة القديمة لتكون المركز الإداري الجديد.

أُوكلت مهمة التصميم إلى اثنين من أبرز المعماريين البريطانيين آنذاك؛ "إدوين لوتينز" و"هربرت بيكر"، وفي عام 1917 انتهت أشغال بناء المدينة الحديثة، وأطلق عليها رسميا اسم "نيودلهي"، وصارت حاضرة للسلطة البريطانية في الهند.

• بعد الاستقلال من الاحتلال البريطاني

بعد استقلال الهند عام 1947، أصبحت نيودلهي العاصمة الرسمية للدولة الهندية الحديثة، محتضنة بذلك أهم مؤسسات الدولة والسفارات الأجنبية والمقار الرئيسية للمنظمات الوطنية والدولية.

تلقب "نيودلهي" بـ"الهند المصغرة"، نظرا للتنوع السكاني والثقافي الذي تحتضنه، إذ تتقاطع فيها لغات ومعتقدات وعادات من مختلف مناطق البلاد.

الاقتصاد

القطاع الحكومي أكبر مشغل في نيودلهي، نظرا لاحتضانها مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية، إلى جانب النشاط السياحي وقطاعات صناعية مختلفة تتنوع ما بين النسيج والإلكترونيات والتكنولوجيا والاتصالات.

توفر كل هذه الأنشطة فرص شغل عدة، وتسهم في الناتج المحلي الإجمالي لإقليم العاصمة الوطنية دلهي، الذي بلغ حوالي 10.4 تريليون روبية (نحو 116 مليار دولار أميركي) عام 2023، وفقا لتقديرات وزارة الإحصاء الهندية، مما يجعلها إحدى أعلى المناطق الاقتصادية إنتاجا في البلاد.

رغم النمو الاقتصادي المتسارع، تواجه المدينة تحديات كبيرة تعيق استدامة تطورها، من أبرزها أزمة السكن، إذ يعيش ملايين من السكان في "أحياء عشوائية" تفتقر إلى أدنى الخدمات الأساسية، بسبب ارتفاع أسعار العقارات ونقص العرض في ظل الطلب المتزايد للسكن.

وتعاني نيودلهي كذلك من مشكلات في البنية التحتية، أبرزها عدم استقرار إمدادات الكهرباء، ما يؤثر على استمرارية تشغيل المصانع، لا سيما الصغيرة والمتوسطة منها. كما أن خدمات المياه والصرف الصحي لا تواكب وتيرة النمو السكاني والعمراني للمدينة.

تمتلك نيودلهي شبكة مواصلات تعتبر الأكثر تطورا في الهند، إذ تقع على مفترق طرق يربط شمال غرب البلاد بشرقها، كما تضم مطار "أنديرا غاندي الدولي" الواقع جنوب غرب المدينة، والذي يعد أكثر مطارات آسيا ازدحاما، إذ يستقبل أزيد من 70 مليون مسافر سنويا.

تضطلع نيودلهي بدور محوري في الإعلام الوطني، نظرا لاحتضانها مكاتب معظم الصحف الهندية الكبرى، ومقر الإذاعة والتلفزيون التابع لهيئة البث الرسمية، مما يجعل منها مركزا إعلاميا رئيسيا يؤثر في الرأي العام الهندي.

أبرز المعالم

• بوابة الهند

نصب تذكاري ضخم، صممه البريطانيون عام 1931 لتخليد ذكرى الجنود الهنود الذين قضوا في الحرب العالمية الأولى ، تقع هذه البوابة البالغ ارتفاعها 42 مترا في قلب نيودلهي.

بنيت بالحجر الرملي الأصفر على شكل قوس، وتعد نقطة رئيسية للجذب السياحي، إذ يزورها عدد كبير من السياح، خاصة في المساء عندما تضاء الأنوار، التي تضفي عليها رونقا خاصا وتبرز جمالها المعماري.

• راشتراباتي بهافان (المقر الرسمي لرئيس الهند)

مقر إقامة رئيس الهند تحفة معمارية شيدت عام 1929 إبان الحقبة الاستعمارية البريطانية. يضم المجمع الرئاسي 340 غرفة منتشرة على مساحة 130 هكتارا، ويتميز بتصميم معماري يمزج بين الطرازين الهندي والبريطاني.

يُسمح للزوار بدخول حدائقه أثناء مهرجان خاص يقام في شهر فبراير/شباط فقط، بينما يظل المبنى الرئيسي مغلقا أمام العامة لأسباب أمنية.

• المسجد الجامع

بناه الإمبراطور المغولي "شاه جهان" عام 1656، وهو أحد أكبر المساجد في الهند، إذ يتسع لحوالي 25 ألف مصلّ، ويتميز بأربع مآذن شاهقة يبلغ ارتفاع كل منها 40 مترا.

يقع المسجد في منطقة دلهي القديمة، ويجذب الزوار من مختلف الديانات لرؤية عمارته الفريدة.

• الحصن الأحمر (لال قلعة)

قلعة بناها الإمبراطور المغولي "شاه جهان" عام 1648. وتتميز بجدرانها الحمراء الضخمة وتصميمها المعماري الإسلامي الفاخر، ظلت مقرا للحكم المغولي لقرون.

أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) عام 1945 ضمن قائمة التراث العالمي عام 2007، وتعد رمزا لاستقلال الهند، إذ يلقي منها رئيس الوزراء خطابا بمناسبة عيد الاستقلال.