جواد ظريف.. المفاوض النووي البشوش

Iran's Foreign Minister Mohammad Javad Zarif reacts during a meeting with Russia's Foreign Minister Sergei Lavrov, in Moscow, Russia December 30, 2019. REUTERS/Evgenia Novozhenina
محمد جواد ظريف درس في الولايات المتحدة وتولى مناصب سياسية مهمة في الدولة الإيرانية (رويترز)

سياسي وأكاديمي إيراني شغل منصب وزير الخارجية من عام 2013 وحتى 2021 أثناء فترة رئاسة حسن روحاني، وقاد فريق بلاده المفاوض مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني. يتميز بالحنكة والبشاشة وهدوء الأعصاب رغم وجوده بين مطرقة الضغوط الداخلية وسندان العقوبات الخارجية. توّج أعواما من التفاوض باتفاق تاريخي في 14 يوليو/تموز 2015 مع مجموعة "5+1".

المولد والنشأة

ولد محمد جواد ظريف عام 1960 في طهران عاصمة إيران، ونشأ في أسرة تجارية ثرية ومتدينة.

لم تكن عائلته داعمة للثورة الإيرانية، فقد كان والده معارضا لحكم رجال الدين حتى وفاته عام 1984.

تأثرت نشأته بأفكار جمعية "حجتيه"، وهي مجموعة دينية سرية كانت تعارض الشيوعية والبهائية، لكن دون دعم للثورة السياسية الفورية.

الدراسة والتكوين

تلقى جواد ظريف تعليمه في مدرسة العلوي، وهي مؤسسة تعليمية خاصة تهدف إلى إعداد نخبة دينية لمواجهة التأثيرات العلمانية في إيران أثناء عهد الشاه محمد رضا بهلوي.

وفي سن الـ17 سافر إلى الولايات المتحدة بمساعدة صديق لوالده دون أن يؤدي الخدمة العسكرية، وبدأ دراسته في جامعة درو التحضيرية، ثم انتقل إلى جامعة سان فرانسيسكو عام 1977 لمتابعة دراسته في العلاقات الدولية.

واصل ظريف تعليمه العالي، وحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سان فرانسيسكو، ولاحقا استكمل دراسته الأكاديمية ونال درجة الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة من كلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية بجامعة دنفر عام 1988.

تركزت دراسته على القضايا القانونية والسياسية الدولية، مما ساهم في تشكيل مسيرته المهنية والدبلوماسية لاحقا.

إعلان

التجربة السياسية

تبنّى جواد ظريف مبادئ الثورة عندما انضم إلى الجمعية الإسلامية الطلابية أثناء إقامته في الولايات المتحدة، حيث التقى بشقيق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان رئيس إيران في الفترة بين عامي 1989 و1997، إضافة إلى عدد من المسؤولين في الجمهورية الإسلامية.

وفي 1980 وإثر قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة بعد احتجاز رهائن في السفارة الأميركية بطهران، كُلف ظريف بإغلاق القنصلية الإيرانية في سان فرانسيسكو بوصفه مستشارا فيها.

كان لظريف دور بارز في محطات مهمة من تاريخ بلاده، وشارك في جميع جولات المفاوضات الدولية التي خاضتها الجمهورية الإسلامية منذ أواخر ثمانينيات القرن الـ20، وقد أكسبته خبرته الدبلوماسية الطويلة قدرة عالية على التعامل مع المفاوضات متعددة الأطراف.

في عام 1988 كان ظريف ضمن الفريق التفاوضي بقيادة روحاني، وقد كُلف بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وكان له دور في المفاوضات التي جرت في تسعينيات القرن الـ20 للإفراج عن الرهائن في لبنان.

تمكن ظريف من إقناع القيادة الإيرانية بتقديم الدعم للولايات المتحدة في مواجهة حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في أميركا.

وفي عام 2003 كان إلى جانب روحاني مجددا عندما تولى منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، ووافق الأخير على تعليق تخصيب اليورانيوم وتعزيز المراقبة الدولية للمواقع النووية الإيرانية، وهو الاتفاق الذي انتقده الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بعد وصوله إلى الحكم عام 2005، وأعاد إطلاق البرنامج النووي الإيراني.

دفعت إقامة ظريف الطويلة في الولايات المتحدة المعسكر المحافظ في إيران إلى معاداته ومهاجمة ما وصفته بـ"عصابة نيويورك" التي تضم "دبلوماسيين ليبراليين وموالين لأميركا"، حسب تعبيرهم.

إعلان

بعد أن أقاله أحمدي نجاد عام 2007، انضم جواد ظريف إلى مركز الأبحاث الإستراتيجية الذي كان يترأسه حسن روحاني، ومع وصول روحاني إلى رئاسة الجمهورية في أغسطس/آب 2013، اختاره لتولي حقيبة الخارجية -وذلك بفضل مهاراته الخطابية وإتقانه اللغة الإنجليزية- ودعمت تعيينه غالبية نواب البرلمان، الذي كان يهيمن عليه المحافظون.

تميزت فترة عمل ظريف وزيرا للخارجية (2013-2021) بدوره المحوري في التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني، وأثبت قدرته على التعامل مع القوى العالمية مع حماية مصالح إيران الإستراتيجية.

جواد ظريف (يسار) مع  الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أثناء حملته الانتخابية عام 2024 (رويترز)

الاتفاق النووي

وفي سبتمبر/أيلول 2013 كلف روحاني ظريف بإيجاد مقاربة جديدة للمفاوضات النووية مع الغرب، والتي وصلت إلى طريق مسدود، وذلك لرفع العقوبات التي تخنق اقتصاد البلاد.

قاد ظريف فريق المفاوضين الإيرانيين، وتوصل في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إلى اتفاق نووي مرحلي مع ممثلي مجموعة "5+1" الغربية، وهو الاتفاق الذي حدد مهلة زمنية يتوصل الطرفان بانتهائها إلى اتفاق نهائي وشامل بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكن هذه المهلة مُددت مرات عدة.

وبعد مفاوضات شاقة استمرت نحو 18 شهرا، توصلت إيران والدول الكبرى يوم 2 أبريل/نيسان 2015 في مدينة لوزان السويسرية إلى اتفاق إطار لحل ملف البرنامج النووي الإيراني، وهو ما مهد لتسوية المشاكل العالقة.

وفي 14 يوليو/تموز 2015 في العاصمة النمساوية فيينا، أعلن عن الاتفاق النووي الذي وُصف بالتاريخي، وبأنه ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية وقبولها زيارة مواقعها النووية.

وأثناء الساعات القليلة قبيل الاتفاق، حافظ ظريف على ابتسامته المعهودة وأطل من شرفة قاعة التفاوض وعلامات البهجة ظاهرة على محياه.

إعلان

ورغم ذلك صرح بأن "الاتفاق ليس مثاليا بالنسبة لأي طرف، لكن هذا ما استطعنا تحقيقه، وهو هام للجميع" مضيفا أن "صفحة أمل جديدة فتحت مع الاتفاق".

انسحاب أميركا من الاتفاق النووي

بعد وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 2017، اتخذ قرارا بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار 2018، مما شكل تحديا كبيرا للحكومة الإيرانية.

الأمر الذي أدى لتعرض ظريف لانتقادات داخل إيران من القوى المتشددة التي كانت تعارض الاتفاق منذ البداية.

في الوقت نفسه فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران، بما في ذلك العقوبات الشخصية على ظريف عام 2019 بسبب ارتباطه الوثيق بالقيادة الإيرانية وترويجه لسياسات النظام.

عقوبات أميركية

في 31 يوليو/تموز 2019 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على جواد ظريف، وذلك لمساعدته في تنفيذ "جدول أعمال متهور" للمرشد الإيراني علي خامنئي، وفقا لما قاله مسؤول أميركي، ولكن ظريف قلل من أهميتها وتأثيرها.

وقال مسؤول بالوزارة إن العقوبات على ظريف تشمل تجميد أصوله في الولايات المتحدة ومعاقبة من يدعمه ماليا.

وردا على القرار الأميركي، قال ظريف في تغريدة على حسابه على تويتر إن "سبب عقوبات واشنطن عليّ هو أنني المتحدث الرئيسي باسم إيران على مستوى العالم".

وأضاف أن العقوبات التي فرضتها واشنطن "لن تؤثر عليّ أو على عائلتي، لأنه لا أملاك أو مصالح لنا خارج إيران".

Iranian FM Javad Zarif in Moscow
محمد جواد ظريف في إحدى زياراته للعاصمة الروسية موسكو (وكالة الأناضول)

في حكومة بزشكيان

وفي أغسطس/آب 2024 ذكرت وسائل إعلام رسمية أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان كلف ظريف بمهام مساعده للشؤون الإستراتيجية.

ووفق وكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، أكد بزشكيان في رسالة تعيين ظريف أن الأخير سيكون "مسؤولا عن رصد أبرز التطورات الوطنية والدولية ومدى النجاح في تحقيق أهداف الدستور وإبلاغ الرئيس بذلك".

إعلان

وفي الثاني من مارس/آذار 2025، قدّم ظريف استقالته من منصب نائب الرئيس للشؤون الإستراتيجية، ولم تكن هذه الاستقالة الأولى له، فقد سبق أن قرر مغادرة منصبه بعد 11 يوما فقط من تشكيل حكومة بزشكيان، معللا قراره بعدم نجاح الحكومة في تمثيل النساء والشباب والقوميات بالشكل المطلوب.

المؤلفات

أصدر جواد ظريف كتابا دوّن فيه سيرته الذاتية بعنوان "السيد السفير"، كما نشر عدة أعمال في مجال السياسة الخارجية والقانون والعلاقات الدولية باللغتين الفارسية والإنجليزية.

وإضافة إلى عمله السياسي والدبلوماسي، شغل ظريف منصب عضو مجلس تحرير عدد من المجلات العلمية، بما في ذلك المجلة الإيرانية للشؤون الدولية والسياسة الخارجية الإيرانية، وكتب على نطاق واسع عن نزع السلاح وحقوق الإنسان والقانون الدولي والصراعات الإقليمية.

الوظائف والمسؤوليات

  • مستشار ثم نائب في البعثة الدائمة لدى الأمم المتحدة بين عامي (1985-1988).
  • مستشار وزير الخارجية الإيراني في الفترة بين عامي (1988 و1989).
  • أستاذ محاضر في كلية العلاقات الدولية بجامعة طهران عام 1989.
  • سفير ونائب الممثل الدائم لدى الأمم المتحدة في الفترة بين عامي (1989-1992).
  • نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية (1992-2002).
  • أستاذ محاضر في القانون الدولي بجامعة طهران عام 1997.
  • المتحدث الرسمي ورئيس لجنة المسؤولين الكبار ورئيس اللجنة السياسية في مؤتمر القمة الإسلامية الثامن في طهران عام 1997.
  • رئيس لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة عام 2000.
  • سفير وممثل دائم لدى الأمم المتحدة منذ عام 2002 وحتى 2007.
  • رئيس لجنة الثقافة في اليونسكو عام 2007.
  • وزير الخارجية الإيراني في الفترة بين (2013-2021).
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان