روبرت مردوخ.. إمبراطور الإعلام

رجل أعمال أميركي أسترالي ورث عن والده مجموعة من الصحف المحلية، وتمكن من تحويلها إلى إمبراطورية إعلامية تمتد من أستراليا إلى بريطانيا والولايات المتحدة. عُرف بأسلوبه الإعلامي المثير وتوجهاته المحافظة، كما أنشأ مؤسسات كبرى مثل قناة "فوكس نيوز" التي أصبحت ذات تأثير واسع في المشهدين السياسي والإعلامي الأميركي.
المولد والنشأة
وُلد كيث روبرت مردوخ يوم 11 مارس/آذار 1931 في مزرعة صغيرة تقع على بُعد نحو 30 ميلا جنوب مدينة ملبورن في ولاية فيكتوريا الأسترالية. ومنذ صغره عُرف باسمه الأوسط "روبرت"، وهو اسم جده لأمه.
كان والده كيث مردوخ صحفيا مرموقا يملك عددا من الصحف المحلية والإقليمية، من بينها "هيرالد" و"كوريير مايل" و"ذا نيوز" و"صنداي ميل".
أما والدته إليزابيث مردوخ، فكانت شخصية بارزة في مجال العمل الخيري وممولة للمشاريع الفنية والثقافية، كما منحتها الملكة إليزابيث الثانية لقب "دام" عام 1963، وهو لقب فخري إنجليزي يُستخدم للنساء تقديرا للأعمال الإنسانية.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة "جيلونغ غرامر" بولاية فيكتوريا الأسترالية، وهي من أرقى المدارس الخاصة في البلاد. وأثناء سنوات دراسته أظهر اهتماما مبكرا بعالم الصحافة والإعلام؛ فقد شارك في تحرير مجلات المدرسة، ومن ضمنها "ذا كوريان" و"إف ريفايفد"، كما عمل بدوام جزئي في صحيفة "ملبورن هيرالد".
وبعد انتهاء دراسته الثانوية، التحق مردوخ بكلية "وورسستر" التابعة لجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، واختار التخصص في برنامج الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب من الجامعة، ثم حصل على درجة الماجستير عام 1953.
وأثناء سنوات دراسته الجامعية أُطلق عليه لقب "روبرت الأحمر" بسبب ميوله السياسية اليسارية في تلك الفترة، وذلك في تناقض مع توجهاته الإعلامية المحافظة التي تبناها لاحقا في حياته المهنية.

التوجه السياسي
في شبابه، أبدى مردوخ إعجابا ببعض الأفكار اليسارية، لكنه تخلى عنها مع دخوله عالم الأعمال، إذ واجه النقابات في بريطانيا، وطرَد عدد كبيرا من العاملين في الصحف التي امتلكها، وأصبح وفيا لانتمائه اليميني.
ويُعد من أبرز المؤيدين للعولمة، ويؤمن بأهمية كسر الحدود الحضارية والثقافية والتغلغل في قلب المجتمعات من أجل تحديثها. كما عُرف بولائه الشديد لإسرائيل في سياساتها وحروبها في المنطقة، واستثمرت مجموعته الإعلامية في تل أبيب عبر شركة تعمل في مجال التكنولوجيا الرقمية والاتصالات عبر الأقمار الصناعية.
دعم مردوخ تيار المحافظين الجدد في أميركا في حربه على العراق، كما تبنى مواقف معادية لفرنسا، وسعى إلى محاربة نفوذها عبر حملات إعلامية قادتها مؤسساته الصحفية.
التجربة العملية
بعد نيله درجة الماجستير من جامعة أكسفورد، بدأ مردوخ خطواته الأولى في المجال الصحفي وعمل محررا فترة قصيرة في صحيفة "ديلي إكسبرس" البريطانية المملوكة آنذاك للورد بيفربروك. وأتاح له هذا المنصب فرصة اكتساب أولى خبراته المهنية العملية في مجال الصحافة.
وفي عام 1954، عاد مردوخ إلى أستراليا عقب وفاة والده، وتسلم إدارة إرثه الإعلامي المتمثل في صحيفتي "ذا نيوز" و"صنداي ميل" الصادرتين في مدينة أديلايد. وسعى بسرعة إلى تحويل صحيفة "ذا نيوز" إلى نموذج جديد من الصحافة يرتكز على إثارة اهتمام الجمهور عبر أخبار الفضائح والقصص الأخلاقية والعناوين المثيرة التي كان غالبا ما يكتبها بنفسه.
أثمر هذا الأسلوب بارتفاع لافت في مبيعات الصحيفة، وهو ما شجّعه على توسيع تجربته إلى صحف أخرى في مدن أسترالية كبرى مثل سيدني وبيرث وملبورن وبريزبان.
وبحلول عام 1969، استحوذ مردوخ على أول صحيفة بريطانية له، وهي "نيوز أوف ذا وورلد"، بعد أن رسخ معادلة تحريرية ناجحة تجمع بين أخبار الجريمة والفضائح والقصص الإنسانية ذات العناوين الجاذبة، إلى جانب تغطيات رياضية واسعة وخط تحريري يميل إلى المحافظة السياسية. وأثبت هذا النهج نجاحه ليس فقط مع "نيوز أوف ذا وورلد"، بل أيضا مع صحيفة "ذا صن" التي اشتراها في العام التالي ونجح في تحويلها إلى واحدة من أكثر الصحف اليومية البريطانية مبيعا.
في عام 1974، نقل مردوخ مقر إقامته إلى الولايات المتحدة، حيث واصل توسيع نفوذه الإعلامي، وتمكن لاحقا من الحصول على الجنسية الأميركية عام 1985. ومنذ ذلك الحين، اتخذ من مدينة نيويورك مقرا له.

دخول سوق الصحف الأميركية
بدأ مردوخ دخول سوق الصحف الأميركية عام 1973 بشراء صحيفتين في سان أنطونيو، محوّلا إحداهما إلى صحيفة فضائح هيمنت على السوق المحلي، وأطلق لاحقا صحيفة "ستار" الأسبوعية، واستحوذ على "نيويورك بوست" عام 1976، ثم باعهما في أواخر الثمانينيات قبل أن يعيد شراء "نيويورك بوست" عام 1993.
كما اشترى "بوسطن هيرالد" عام 1982 وباعها عام 1994، واقتنى مجلة "تي في غايد" وباعها في 2008. وفي الثمانينيات والتسعينيات اشترى مردوخ عددا من المطبوعات الأميركية البارزة لكنه تخلى عنها لاحقا.
استثمارات كبرى في الإعلام
وسع مردوخ استثماراته الإعلامية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20 لتشمل التلفزيون والسينما والنشر، فاستحوذ عام 1985 على "توينتيث سنشري فوكس" ومحطات "ميترو ميديا"، وأسس شبكة "فوكس" التي نافست كبرى الشبكات الأميركية، كما اشترى دور نشر بارزة في أميركا وأستراليا وبريطانيا ودمجها في "هاربر كولينز" عام 1990.
أطلق "سكاي تيليفيجن" البريطانية التي أصبحت لاحقا "سكاي"، واشترى شبكة "ستار تي في" الآسيوية عام 1993، لكن التوسع السريع راكم ديونا، مما اضطره لبيع عدد من المجلات الأميركية مثل "نيويورك" و"سفنتين" و"دايلي ريسينغ فورم"، من أجل تخفيف الأعباء المالية.
في 1996 أطلق قناة "فوكس نيوز"، ثم عزز حضوره الرقمي بشراء "ماي سبيس" عام 2005، قبل أن يبيعه بعد تراجعه لصالح "فيسبوك". وفي 2007، استحوذ على شركة "داو جونز" و"وول ستريت جورنال" مقابل 5 مليارات دولار.
أزمات هزت إمبراطوريته
واجه روبرت مردوخ عام 2011 أكبر أزمة في مسيرته بسبب فضيحة صحيفة "نيوز أوف ذا وورلد"، حين تبيّن أن موظفين اخترقوا البريد الصوتي لمشاهير وضحايا حروب، وهو ما أدى إلى إغلاق الصحيفة ومثوله هو وابنه جيمس أمام البرلمان البريطاني. وخلص تحقيق برلماني إلى أنه غير مؤهل لإدارة شركة كبرى.
وفي 2013، أعاد هيكلة إمبراطوريته بفصل أعمال النشر (تحت "نيوز كورب") عن التلفزيون والإعلام (تحت "توينتي فيرست سينشري فوكس"). وفي 2017، باع معظم أصول "فوكس" لشركة ديزني مقابل 71 مليار دولار، محتفظا بقنوات مثل "فوكس نيوز".

ولاحقا خسر مردوخ محاولة شراء شبكة "سكاي"، وتورطت "فوكس" في دعوى تشهير دفعت على أثرها 787.5 مليون دولار عام 2022. وتولى ابنه لاكلان أدوارا قيادية، إلى أن تنحى مردوخ الأب عن منصبه في 2023، تاركا إرثا إعلاميا ضخما وثروة تُقدَّر بـ24.1 مليار دولار.
مردوخ في مواجهة ترامب
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 18 يوليو/تموز 2025 رفع دعوى قضائية ضد روبرت مردوخ وصحيفة "وول ستريت جورنال" التي يملكها، وذلك بسبب تقرير نشرته بشأن رسالة مزعومة بعثها ترامب إلى جيفري إبستين المتهم بارتكاب جرائم جنسية.
وقال ترامب "رفعنا دعوى قضائية بالغة القوة ضد كل من شارك في نشر المقال الكاذب والخبيث والتشهيري والأخبار الزائفة في الخرقة عديمة الفائدة التي هي صحيفة وول ستريت جورنال".
وطالب ترامب بتعويض قدره 10 مليارات دولار أميركي، بدعوى رد الاعتبار وتعويض الأضرار الجسيمة التي لحقت به جراء ما وصفها بالفضيحة المفتعلة.
ونشرت الصحيفة تقريرا جاء فيه أن ترامب كتب عام 2003 رسالة مثيرة إلى إبستين بمناسبة عيد ميلاده تتضمن رسما لامرأة عارية وتشير إلى "سر مشترك" بينهما.
غير أن الدعوى التي رفعها ترامب نفت وجود هذه الرسالة، واتهمت الصحيفة بتعمد تشويه سمعة ترامب عبر مقال قرأه مئات الملايين من الأشخاص حول العالم.
من جهتها، قالت شركة "داو جونز وشركاؤه" -الناشرة للصحيفة- في بيان "لدينا ثقة تامة في دقة ومتانه تقاريرنا، وسندافع بقوة ضد أي دعوى قضائية".