حالة الطوارئ.. صلاحيات استثنائية
تتعدد الإشكالات المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ ومنها التخوف من المس بالحريات واتخاذ الوضعية الاستثنائية السائدة ذريعة للتضييق على جهة أو شخص بسبب قناعاته السياسية أو العقدية أو لانتمائه الإثني أو نحو ذلك.
تناول القانون الدولي حالة الطوارئ من خلال العهد الدولي للحريات المدنية والسياسية، الصادر عام 1966، إذ حدَّد الشرط الأساس لفرض حالة الطوارئ في وجود خطر عام واستثنائي يتهدد وجود الأمة، على أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكلٍ رسمي وذلك منعا لشيوعِ الممارسات الضارة بالحريات في أوقات ليس لها طابع الاستثناء.
يُعطي إعلان حالة الطوارئ الحكومة صلاحيات واسعة في تفويض الأجهزة الأمنية لمواجهة الأوضاع الطارئة، لكن مع ذلك توجد موانع تحول دون استمرار الأوضاع إن لُوحظت تجاوزات أو منحى استبدادي حكومي يتكرس جراء حالة الطوارئ.
أعلن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، حالة الطوارئ في البلاد إثرَ هجمات باريس التي وقعت ليل 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، واستهدفت ملعب فرنسا الدولي، وقاعة العروض باتاكلان، ومطعم لبتي كامبودج في ضاحية سان دوني.
واستند الرئيس هولاند في قراره إلى قانونٍ يعود لعام 1955. ومدد البرلمان حالة الطوارئ لثلاثة أشهر بأغلبية ساحقة بعد ذلك بستة أيام. بيد أنَّ أحداث باريس ليست إلا حلقة في مسلسل طويل من الأحداث بصمت تاريخ إعلان الطوارئ في فرنسا.
ففي عام 1955، سنّ قانون الطوارئ وطُبق إثرَ موجة هجماتٍ شنتها جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، ابتداء من فاتح نوفمبر/تشرين الثاني 1954 في إطار حرب التحرير ضدَّ الجيش الفرنسي في الجزائر وكذلك ضدَّ أهداف داخل التراب الفرنسي.
كان رئيس الحكومة حينها، بيير منديس فرانس، بين خيارين هما سنُّ قانون الطوارئ أو فرض الأحكام العرفية التي يُؤطرها قانون ينص على إعلانها في حالة تمرد مسلح أو حرب تجري على جزء من التراب الوطني، ويُخول رئيس الدولة تفويض صلاحيات الإدارة المدنية والشرطة للجيش. لكنَّ منديس فرانس، وبعده إدغار فور، آثرا حالة الطوارئ التي دامت سبعة أشهر.
شهدت فرنسا بعد ذلك فرض حالة الطوارئ إثر انقلابين فاشلين وقعا عامي 1958 و1961، وكان دافعهما السعي لإبقاء الجزائر ضمنَ الدولة الفرنسية وعدم تصنيفها من أقاليم ما وراء البحار.
وكانت قطاعات هامة من النخبة العسكرية الفرنسية ترى في إخراج الجزائر من وصاية وزارة الداخلية، وإدراجها ضمن أقاليم ما وراء البحار تمهيدا لاستقلالها.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1984، أعلنت حكومة فابيوس حالة الطوارئ في كاليدونيا الجديدة للتصدي لأحداث شغب عارمة تخللتها دعوات للاستقلال.
وعام 2005، أَعلنت حكومة اليمين حالة الطوارئ في ضواحي باريس ومدن أخرى مدفوعة بأحداث عارمة محركها الأبرز التهميش وفشل سياسات الدولة في مجال السكن والتشغيل والاندماج الاجتماعي لسكان الضواحي تحديدا.
الطوارئ والاستبداد
يُثير إعلان حالة الطوارئ عادة المخاوف بشأن الحريات والديمقراطية نظرا للصلاحيات الاستثنائية التي يمنحها للشرطة وأجهزة الأمن، مع ما يُرافق ذالك من شدةٍ في القبضة الأمنية واحتمال وقوع تجاوزات. وفي ضوء ذلك، فإن بعض الحقوقيين يعتبرون أنَّ تطبيق حالة الطوارئ يجب أنْ يخضع لتقييم دقيق وتشاورٍ واسع.
بيد أن الحال مختلف في الدول غير الديمقراطية وخاصة البلدان المتخلفة، ففي بعض الأحيان تجد الأنظمة القمعية في حالة الطوارئ فسحة لتشديد القبضة الأمنية وتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم. وفي أحايين أخرى، تستندُ أنظمة استبدادية إلى حالة الطوارئ للتغطية على جرائمها في حق خصومها من خلال التسويق لمؤامرة كبرى تستهدف الدولة، وربما ربطتها بجهات أجنبية معادية.
وفي سوريا مثلا، فرضَ نظام حزب البعث حالة الطوارئ عند استيلائه على السلطة عام 1963 وظل يُمددها نحو أربعة عقود تحت ذرائع مختلفة، قبل أن يرفعها عام 2012 بفضل الثورة التي اندلعت ضده عام 2011.
وفي مصر، وجد حسني مبارك في فرض حالة الطوارئ، إثر اغتيال سلفه أنور السادات يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981، فرصة لإرساءِ دعائم نظامه وإدامته، فأبقى عليها طيلة فترة حكمه التي دامت ثلاثين سنة. ولم تُرفع حالة الطوارئ إلاَّ ربيع 2012.
وفي الجزائر، لجأت السلطات لفرض حالة الطوارئ عام 1992، ليَتسنى لها إلغاء الانتخابات التشريعية التي أظهرت نتائجها فوزا واسعا للجبهة الإسلامية للإنقاذ. دخلت البلاد إثر ذلك في دوامة من العنف السياسي اشتعلت جذوتها لأكثر من عقدٍ من الزمان. ولم تُرفع حالة الطوارئ إلاَّ عام 2011.