حائط البراق.. وقف إسلامي يسيطر عليه اليهود
هو الجدار الغربي للمسجد الأقصى بالقدس، أخذ تسميته من ربط النبي صلى الله عليه وسلم دابته ليلة الإسراء والمعراج به، ويعتبر الحائط جزءا من سور المسجد، ويجاوره مباشرة بابه المسمى باب المغاربة.
خلفية تاريخية
يمثل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للمسجد الأقصى الشريف، ويمتد من جهة الجنوب من باب المغاربة باتجاه الشمال إلى المدرسة التنكزية التي حولها الاحتلال الإسرائيلي إلى كنيس ومقرات شرطة، ويبلغ طوله نحو خمسين مترا وارتفاعه نحو عشرين مترا.
يسمي اليهود المكان "حائط المبكى" لأن صلواتهم عنده تأخذ شكل البكاء والنواح.
وتثبت الوثائق التاريخية التي بحوزة الفلسطينيين المقدسيين -حسب دراسة عن حائط البراق للباحث الفلسطيني المتوكل طه نشرت عام 2010- أن مدينة القدس مدينة عربية المنشأ منذ آلاف السنين، وإسلامية التاريخ والحضارة.
وقد ظل حائط البراق منذ الفتح الإسلامي وقفا إسلاميا، وهو حق خالص للمسلمين وليس فيه أي حجر يعود إلى عهد الملك سليمان كما يدعي اليهود.
ويقول المقدسيون إن الممر الكائن عند الحائط ليس طريقا عاما، بل أنشئ فقط لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى مسجد البراق ومن ثم إلى الحرم الشريف، وقد كان السماح لليهود بالمرور إلى الحائط من قبيل التسامح في المرسوم الصادر عن الوالي المصري على المنطقة إبراهيم باشا عام 1840، وليس لأداء الصلوات.
ولم يتخذ اليهود حائط البراق مكانا للعبادة إلا بعد صدور وعد بلفور البريطاني عام 1917، ولم يكن هذا الحائط جزءا من "الهيكل اليهودي" المزعوم، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكن اليهود من الوقوف أمامه والبكاء عنده على خراب هيكلهم المزعوم، ثم بمرور الزمن ادعوا أن حائط البراق من بقايا هذا "الهيكل".
ويؤكد المقدسيون أن فلسطين لم تكن يهودية في القرن السابع للميلاد عندما فتحها المسلمون بل كانت تحت حكم الرومان، وحينها لم يكن في القدس أي يهودي، ولم يدّع اليهود في يوم أن لهم حقا في حائط البراق، وأن وعد بلفور عام 1917 هو السبب في وقوع الخلاف وتحريض اليهود على المطالبة بحق الصلاة أمامه.
ويحتج المسلمون بأن بريطانيا -التي كانت الدولة المنتدبة على فلسطين- اعترفت صراحة في كتابها الأبيض الذي أصدرته في نوفمبر/تشرين الثاني 1928 بأن الحائط الغربي والمنطقة المجاورة له ملك للمسلمين خاصة.
وقد حاول يهود الاستيلاء على حائط البراق بتملك الأماكن المجاورة له خلال القرن الـ19 لكنهم فشلوا، وفي عهد الانتداب البريطاني زادت زيارات اليهود للحائط حتى شعر المسلمون بخطرهم، ووقعت ثورة البراق بتاريخ الـ23 من أغسطس/آب 1929 فاستشهد فيها العشرات من المسلمين وقتل عدد كبير من اليهود.
وبعد أن تمكنت بريطانيا من السيطرة على الموقف بقسوة قدمت للمحاكمة ما يزيد على ألف شخص من العرب الفلسطينيين، وحكمت على 26 بالإعدام، من بينهم يهودي واحد كان شرطيا دخل على أسرة عربية في يافا مكونة من سبعة أشخاص فقتلهم كلهم، لكنها لم تنفذ الإعدام إلا في ثلاثة فلسطينيين، هم: فؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وعطا الزير.
وتمخضت تلك الأحداث عن تأسيس جمعية حراسة المسجد الأقصى، وتشكيل لجنة دولية للفصل في نزاع المسلمين واليهود على حائط البراق برئاسة وزير الخارجية السويدي الأسبق أليل لوفغرن، فاستمعت اللجنة إلى طرفي النزاع وحصلت منهما على ما لديهما من حجج ووثائق تؤيد وجهتي نظرهما.
وقد طلب اليهود من اللجنة أن تعترف بأن "حائط المبكى" مكان مقدس ليهود العالم قاطبة، وأن تقرر أن لليهود الحق في التوجه إليه للصلاة وفقا لطقوسهم الدينية من دون ممانعة من أحد، واتخاذ كافة التدابير الضرورية لإخلاء أملاك وقف المغاربة، على أن تقبل دائرة الأوقاف الإسلامية بدلا منها مباني جديدة في موقع لائق بالقدس.
أصدرت اللجنة الدولية تقريرها -الذي قدمته لعصبة الأمم عام 1930- واختتمته بأن "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف الإسلامي، وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي".
جهود التهويد
رغم أن اليهود أقروا عام 1929 أمام اللجنة التابعة لمنظمة عصبة الأمم بأنهم لا يدعون حق ملكية حائط البراق فإن إسرائيل لما احتلت المدينة القديمة في القدس عام 1967 بدأت بنفسها تزوير هوية المكان.
وبدأت ذلك بهدم جنودها حي المغاربة الملاصق للجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك بما فيه من آثار ومدارس ومساجد وزوايا، ثم نسفوا المنازل التي كانت تحيط بالجدار فشردوا أهلها بدعوى أن منطقة الحائط ملك لليهود منذ ثلاثة آلاف عام.
أقام الإسرائيليون ساحة كبيرة مبلطة أمام حائط البراق ليتجمعوا فيها للصلاة أمامه، كما استولوا على مفاتيح باب المغاربة التي لا تزال معهم، ولذلك يعتبر باب المغاربة هو المدخل المعتاد لكل الاقتحامات التي ينفذها اليهود في المسجد الأقصى.
ويوجد في هذه الساحة الباب الأول للنفق الذي حفرته سلطات الاحتلال موازيا للسور الغربي للحرم الشريف بطول نحو 488 مترا، وأوصلوه بقناة رومانية قديمة طولها ثمانون مترا، وفتحوا بابا ثانيا في نهاية النفق عند مدرسة الروضة الإسلامية عام 1996.
وقد أبرمت الحكومة الإسرائيلية عام 1971 اتفاقية مع شركة تطوير الحي اليهودي أجّرت لها بمقتضاها الأوقاف الإسلامية في ساحة البراق وجوارها التي صادرتها إسرائيل بعيد الاحتلال، وإلى هذه الاتفاقية يستند منفذو المخططات التهويدية المنفذة عند باب المغاربة.
كما أسست إسرائيل صندوق تراث حائط المبكى الذي يتبع مباشرة لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأوكلت إليه عام 2004 مسؤولية القيام بشؤون ساحة البراق وما يحفر فيها من أنفاق، وهو ما يخوله بشكل غير قانوني تقديم كل المخططات التهويدية المقامة في ساحة البراق التي منها بناء "مبكى" خاص بالنساء وسقف ساحة البراق.
وتتم مساعي إسرائيل لتزييف حقائق التاريخ بما تجريه من حفريات في ساحة البراق وأسفل الأقصى ونحت للحجارة وتزييفها، ونبش للمقابر الإسلامية وتجريفها وإقامة المتاحف عليها، واستصدار الفتاوى من الحاخامات لشرعنة اقتحام الأقصى وتقسيمه وتغيير ساحة البراق، كما أعاقت دخول لجنة تقصي حقائق تابعة لليونسكو خاصة بالأنفاق التي تستهدف المسجد الأقصى.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009 كشف عن إيداع اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في القدس مخططا لبناء مركز ديني كبير يديره المتزمتون اليهود سيقام بالجهة الشمالية من ساحة البراق، وهو توسيع للمركز اليهودي الموجود في الساحة والمسمى "بيت شتراوس" الذي تبلغ مساحته نحو 750 مترا مربعا لتصبح نحو 1750 مترا مربعا موزعة على أربعة طوابق.
وفي يونيو/حزيران 2010 كشفت مصادر فلسطينية عن تشكيل إسرائيل لجنة خاصة لتنفيذ مشروع مخطط "بيت الجوهر" لإقامة مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق بمحاذاة ساحة البراق على مساحة واسعة ليضم متحفا للديانة اليهودية، وتوسيع مركز ديفدسون اليهودي المقام بمنطقة "الحديقة الأثرية" من الجهة الجنوبية لساحة البراق ليستوعب نحو أربعمئة ألف زائر سنويا.
وفي يونيو/حزيران 2012 سمحت إسرائيل لمختلف المؤسسات التخطيطية في القدس المحتلة بالشروع في تنفيذ مخططات هيكلية تقضي بتهويد تخوم الأقصى وساحة البراق بإقامة مراكز تهويدية وكنس وحدائق توراتية لتضييق الخناق على المسجد ضمن مخطط شامل لتمكين اليهود من ساحة البراق مقابل إقصاء وتغييب الحضارة والتاريخ الإسلاميين عن المكان.
وفي العشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2015 تجنبت الأمانة العامة للأمم المتحدة التعليق على بيان أصدرته المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إيرينا بوكوفا بشأن مشروع قرار عربي يؤكد الهوية الإسلامية لحائط البراق ويعده أحد المواقع الإسلامية المقدسة من قبل المنظمة.
وقالت الأمانة العامة إن موقفها واضح بهذا الشأن، وهو ضرورة "المحافظة على الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة". بينما زعمت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن مشروع القرار العربي "يشوه التاريخ ويطمس علاقة الشعب اليهودي بأقدس مكان لديه".
وتجمع المؤسسات الفلسطينية المعنية برعاية شؤون الأقصى والدفاع عنه على أن غياب موقف رسمي للأنظمة العربية والصمت الدولي تجاه القدس يحفزان إسرائيل على التعجيل بمخططات التهويد والاستيطان، لفرض وقائع على الأرض وشرعنة هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.