اللاذقية مدينة سماها إمبراطور تكريما لوالدته

مدينة اللاذقية هي مركز محافظة اللاذقية، تقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط غرب سوريا، وتعد المنفذ البحري الرئيسي للبلاد، أسسها الفينيقيون وأطلقوا عليها اسم "راميثا"، وكانت مركزا تجاريا نشطا، ومرت عبر مراحل تاريخية عديدة، وخضعت لسيطرة عدد من القوى الكبرى، وصولا إلى الفتح الإسلامي. كما شهدت المدينة أحداثا كبيرة تركت آثارا بارزة في تاريخها.

الموقع

تقع مدينة اللاذقية على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في الشمال الغربي لسوريا. يحدها البحر من الغرب والشمال، وتحيط بها القرى والسهول الزراعية من الجنوب حتى تصل إلى مدينة جبلة، أما من الشرق، فتحدها جبال اللاذقية وتفصلها عن سهل الغاب.

تتميز المدينة بشكلها المثلثي نتيجة موقعها على شبه جزيرة طبيعية، لكن مع توسعها العمراني منذ منتصف القرن الـ20، بدأت تمتد خارج هذا النطاق.

شاطئها متنوع، إذ يكون رمليا في الشمال، ثم يتحول إلى صخري في الوسط والجنوب، قبل أن يعود رمليا في الضواحي الجنوبية.

اللاذقية تتميز بإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط (الفرنسية)

التسمية

مرت اللاذقية بتسميات عدة عبر التاريخ، فقد أطلق عليها الفينيقيون اسم "أوغاريت" كونها جزءا من الضاحية الجنوبية لمدينة أوغاريت، كما سُمّيت "شمرا" و"ياريموتا" (التي ظهرت في مراسلات تل العمارنة)، ثم تحوّل الاسم إلى "راميتا" بمعنى "المرتفعة"، وذكرها الفيلسوف فيلون باسم "راماثوس" نسبة إلى أحد الآلهة الفينيقية.

أما السكان المحليون فقد أطلقوا عليها اسم "مزبدا"، بمعنى "زبد البحر"، بينما سماها الإمبراطور جوستيان "تيودوريارس"، وأطلق عليها الصليبيون اسم "لاليش".

إعلان

في العهد الروماني، أسماها يوليوس قيصر "جوليا"، بينما أطلق عليها الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس اسم "سبيتما السافرية"، لكن هذه التسميات لم تدم طويلا.

أما اسم "اللاذقية"، فهو تحريف لاسم "لوديكيا"، الذي أطلقه عليها الإمبراطور سلوقس الثاني في القرن الرابع قبل الميلاد تكريما لوالدته.

وأثناء الحكم الأموي سُمّيت "لاذقية الشام" للتمييز بينها وبين مدن أخرى حملت الاسم نفسه.

التاريخ

  • العصور القديمة

تأسست اللاذقية على يد الفينيقيين الذين أطلقوا عليها اسم "راميثا"، وكانت مركزا تجاريا نشطا، ثم أطلق عليها اسم "لوكية آلته"، وتعني "الشاطئ الأبيض" باللغة اليونانية.

دلت التنقيبات الأثرية على وجود قطع فخارية تعود إلى العصر البرونزي، أي بين عامي 1200 و1000 ق.م، مما يشير إلى تبعية المدينة لمملكة أوغاريت وازدهارها مركزا للصيد والتجارة.

في عام 333 ق.م، خضعت المنطقة رسميا لحكم الإسكندر المقدوني، وبعد وفاته تولى سلوقس الأول الحكم وأسس الإمبراطورية السلوقية، وأعاد بناء المدينة وحصّنها وشقّ القنوات ورمم المرفأ، مما عزز مكانتها الاقتصادية والتجارية. وأطلق عليها الملك السلوقي سلوقيوس نيكاتور اسم والدته "لوذكية"، وأصبحت إحدى أبرز مدن البحر المتوسط.

وعندما خضعت المدينة للإمبراطورية الرومانية عام 64 ق.م، منحها يوليوس قيصر حقوق المواطنة الرومانية، مما ساهم في ازدهار صناعاتها، وأصبحت من المدن التي تشتهر بإنتاج الكتان الفاخر، ونتيجة ذلك انتعشت حركة العمران فيها.

وانتشرت المسيحية باللاذقية في أواسط القرن الأول الميلادي، وكان لوقيوس "لوقا" أول أساقفتها، كما أقامت فيها جالية يهودية كبيرة في القرنين الأول والثاني الميلاديين.

وبحلول عام 193م، اندلع صراع على عرش روما بين سبتيموس سيفيروس وبيسينيوس نيجر، وتمكن الأخير من احتلال اللاذقية وتخريبها. لكن سيفيروس، الذي أصبح لاحقا الإمبراطور الروماني، ألحق الهزيمة بنيجر في معركة إيسوس، ثم أمر بإعادة إعمار المدينة وتخليد انتصاره فيها ببناء قوس النصر الذي أصبح مركزا للمدينة، وتفرعت منه شوارع رئيسية، كما أمر بتوسعة المرفأ ومنح اللاذقية لقب "متروبوليت"، أي "المدينة الرئيسية".

إعلان

في عام 395م ومع تقسيم الإمبراطورية الرومانية، أصبحت اللاذقية تابعة للإمبراطورية البيزنطية، أو ما عُرف بالإمبراطورية الرومانية الشرقية، وأُدمجت ضمن مقاطعة إدارية حملت اسم "سوريا الكبرى"، وكانت أنطاكية عاصمتها.

وبحلول القرن الثاني تحولت المدينة إلى مركز تجاري قوي يصدر الفضة والبرونز إلى مختلف أرجاء البحر المتوسط. لكن زلزالا مدمرا وقع عام 529 م، أدى إلى مقتل 7 آلاف و500 شخص، مما دفع الإمبراطور جستنيان لإعفائها من الضرائب مدة 3 سنوات وتقديم مساعدات لإعادة إعمارها.

إضافة إلى ذلك استحدث ولاية جديدة أسماها تيودوريارس، ومركزها اللاذقية وألحق بها كلا من جبلة وبانياس وسائر الساحل السوري.

  • الفتح الإسلامي

وفي عام 637 م دخلت اللاذقية تحت حكم المسلمين بقيادة عبادة بن الصامت دون قتال، كما حدث مع معظم المدن الشامية، وأُلحقت إداريا بولاية حمص، وتحول اسمها إلى "لاذقية العرب"، لم يقتصر التغيير على اسم المدينة فحسب، بل شمل أيضا نمط الحياة فيها، وأخذت تكتسب الطابع العربي الإسلامي، شأنها شأن باقي المدن التي دخلها المسلمون.

وفي عام 970م، خضعت المدينة مجددا لحكم البيزنطيين، ثم استعادها الفاطميون عام 980م. وفي القرن الحادي عشر حكمها السلاجقة عام 1086 بعد فترة قصيرة من سيطرة التنوخيين عليها.

  • الحروب الصليبية

بدأت الغارات الصليبية على اللاذقية عام 1097، وسقطت تحت سيطرتهم في العام التالي، وحكموها حتى عام 1187 عندما تمكن صلاح الدين الأيوبي من استعادتها.

وعلى الرغم من حالة الحرب المستمرة في تلك الحقبة، أصبحت اللاذقية مركزا تجاريا مهما، خاصة في تعاملاتها مع إيطاليا، مما أكسبها لقب "مدينة التجار"، نظرا لازدهار النشاط التجاري فيها.

وفي 23 يوليو/تموز 1188، وبعد حصار دام شهرا نجح صلاح الدين الأيوبي في استعادة المدينة، وأسند إدارتها إلى ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر.

إعلان

بعد وفاة صلاح الدين عام 1192، اندلعت الخلافات بين أبنائه السبعة عشر حول تقاسم إرثه، مما أدى إلى انتقال اللاذقية عام 1193 إلى حكم الملك الظاهر غياث الدين الغازي، ومن ثم إلى شقيقه الملك الظاهر عام 1197، وهو ثالث أبناء صلاح الدين وحاكم حلب، والذي أمر ببناء الجامع الكبير عام 1211.

وفي عام 1123 تمكن الصليبيون من استعادة السيطرة على المدينة، وفي 22 مارس/آذار 1287، تعرضت اللاذقية لزلزال مدمر أدى إلى انهيار معظم مبانيها وتدمير خزانات مرفئها، استغل السلطان الناصر قلاوون هذه الفرصة، وفتح المدينة في 20 أبريل/نيسان 1287، وضمها بعد ذلك إلى دولة المماليك.

ساهم وقوع المدينة تحت الحكم الصليبي في منتصف القرن الثالث عشر في حمايتها من اجتياح المغول، الذي دمر بغداد وحلب ودمشق وكثيرا من مدن بلاد الشام الأخرى.

الكثير من سكان اللاذقية يعيشون على مهنة الصيد (الفرنسية)
  • العهد العثماني والانتداب الفرنسي

دخلت اللاذقية سلما تحت الحكم العثماني عام 1516 بعد معركة مرج دابق. وفي عام 1834 أصبحت قائم مقامية عثمانية، وعرفت في أواخر القرن الـ17 تطورا اقتصاديا ملموسا بسبب تصديرها التبغ. وعقب الحرب العالمية الأولى احتلتها الجيوش الفرنسية عام 1918.

وفي عام 1945 شهدت المدينة احتجاجات مسلحة ضد الانتداب الفرنسي، وأعيد تسمية شوارعها بأسماء عربية، وقد أدّت الثورة إلى جلاء جزئي للجيش الفرنسي عن المدينة عام 1945، ثم جلائه بالكامل عام 1946، ولاحقا دمجت اللاذقية في الدولة السورية المستقلة.

شهدت اللاذقية تطورات بارزة في القرن الـ20، وتأسست شركة مرفأ اللاذقية عام 1950، وفصلت محافظة طرطوس عنها عام 1966، ثم تأسست جامعة تشرين عام 1971، وفي عام 1975 تم ربط المدينة بسكة حديد تصل إلى دمشق والقامشلي.

الثورة السورية

شهدت اللاذقية منذ بداية الثورة السورية عام 2011 مظاهرات سلمية حاشدة أنهاها بالقوة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد واقتحمت قواته الأحياء بالمدرعات، وارتكب مجازر راح ضحيتها عشرات المدنيين، وشن حملة اعتقالات ومداهمات للمنازل.

إعلان

كما أنشئت قاعدة جوية روسية في المدينة عام 2015 لدعم النظام السوري، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه ارتكب الطيران الروسي 8 مجازر في قرى بريف اللاذقية.

امتدت الثورة إلى أحياء داخل مدينة اللاذقية مما زاد عدد المعتقلين، وتحولت بعض المرافق إلى سجون ومعتقلات غير رسمية استخدمها من يُعرفون بالشبيحة لاعتقال الثوار السوريين.

وشهدت ساحة صليبة في المدينة مجزرة مروعة إثر اعتصام كان فيها، وبحسب شهادات الأهالي فقد قُتل العشرات، لكن أحدا لم يعرف شيئا عن مكان دفن الجثث وقتها، إذ لم يكن السكان يتكلمون عن وقائع ذلك اليوم إلا همسا.

وقال شاهد عيان على المجزرة "اعتصمنا في هذه الساحة وطلب الأمن منا إخلاءها لكن رفضنا ففتحوا النار علينا وقتل الكثير ثم أحضروا جرافات وأخذوا الجثث إلى مكان مجهول".

وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 سقط النظام السوري، إثر عملية عسكرية شنتها المعارضة السورية أطلقت عليها اسم "ردع العدوان" وتمكنت في 12 يوما من السيطرة على معظم المدن السورية والوصول إلى العاصمة دمشق بالتوازي مع هروب بشار الأسد إلى خارج سوريا، مما شكل نقطة تحول في تاريخ المدينة.

وفي السابع من مارس/آذار نفذت فلول نظام الرئيس المخلوع كمائن مسلحة في محيط جبلة بريف اللاذقية، وأدت إلى مقتل 15 من أفراد الأمن العام.

وقال مصدر أمني إن المجموعات المتحصنة باللاذقية تضم "مجرمي حرب" تابعين للضابط بالنظام السابق سهيل الحسن، وإن وزارة الدفاع وقوات الأمن تنفذان عمليات ميدانية لضبط الأمن وملاحقة المجرمين في المحافظة.

معالم

  • قلعة صلاح الدين

تقع على بعد 35 كيلومترا شرق اللاذقية، وهي إحدى أبرز القلاع والحصون الأثرية في سوريا، سيطر عليها الصليبيون وعمّروها وبقيت بيدهم حتى تحريرها عام 1188م على يد صلاح الدين الذي أضاف إليها قصرا ومسجدا وحماما ومدرسة.

إعلان

تضم أسوارا ضخمة وأبراجا عالية وأبنية فاخرة إضافة للساحات والمستودعات وغيرها، وتعود أقدم آثارها إلى الفترة البيزنطية.

  • موقع أوغاريت

يقع في منطقة رأس شمرا شمال مدينة اللاذقية غرب سوريا. وهو أحد أهم المواقع الأثرية في المنطقة، اشتهر بأنه كان مركزا حضاريا مهما في العصور القديمة، وكان موطنا لحضارة أوغاريت التي ازدهرت في الألفية الثانية قبل الميلاد.

كانت أوغاريت مدينة تجارية وثقافية في العصور الفينيقية، وقد أسهمت بشكل كبير في تطور الكتابة والفن في تلك الفترة.

من أبرز الاكتشافات في أوغاريت الأبجدية الأوغاريتية، التي تعد واحدة من أقدم الأبجديات في التاريخ، وهي سابقة للأبجدية الفينيقية.

يضم الموقع عددا من الآثار التي تعود إلى تلك الحقبة، بما في ذلك المعابد والقصور والأبنية العامة، إضافة إلى عدد من الألواح الطينية التي تحتوي على نصوص باللغة الأوغاريتية.

  • القوس الكبير

بناه الإمبراطور "سيفروس" عام 194 امتنانا للمدينة التي شاركت معه في حربه ضد "كاسيوس"، واختار له حي الصليبية في قلب المدينة.

يمتاز ببنائه المتين الذي استطاع الصمود لزمن طويل، ويطلق أهالي اللاذقية عليه تسميات عدة منها الكنيسة المعلقة والقوس المربع وقوس النصر.

  • أعمدة باخوس

تعود إلى العصر الروماني، بالقرب من القوس الكبير، وهي جزء من معبد باخوس الذي يقع إلى الشمال منها.

  • كنائس اللاذقية

كنيسة القديس "نقولا"، وهي أقدم كنائس اللاذقية بنيت في القرن الخامس ميلادي، وكذلك كنيسة السيدة في سوق البازار.

  • الآثار الإسلامية

تتنوع آثار اللاذقية الإسلامية بين المساجد والحمامات والزوايا ومنها جامع المغربي وجامع البطراني، والجامع الظاهري الذي أصبح مكتبة للأوقاف وجامع الخشخاش والتونسي والأقساطي، وإضافة إلى المساجد توجد فيها أيضاً مجموعة من الحمامات الأثرية منها القاشاني والعوافي والعنابة والعشر.

إعلان
  • المتحف الوطني

افتتح في منتصف ثمانينات القرن الـ20، يشغل خانا أثريا يعود إلى القرن 17 ميلاديا كان يسمى خان الدخان، وهو يضم عددا كبيرا من القاعات الموزعة على طابقين، وتحفل هذه القاعات بالمقتنيات الأثرية القيمة التي تنتمي إلى فترات زمنية مختلفة.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان