عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني

مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني، ومن أبرز الوجوه السياسية المعارضة في تركيا، وأكثر الشخصيات إثارة للجدل في الصراع الكردي التركي. قاد أعمالا مسلحة منذ 1984 مطالبا بدولة كردية مستقلة، مما أدى إلى صراع دام أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص على مدى أربعة عقود من الزمن، علاوة عن تداعيات أخرى على الوضع الاجتماعي والسياسي في تركيا.
يمثل أوجلان "رمزا للصمود لدى كثير من الأكراد"، فيما تعتبره تركيا "إرهابيا يهدد أمنها القومي". يقبع أوجلان في سجن انفرادي بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة، منذ أن تم اعتقاله في العاصمة الكينية نيروبي يوم 15 فبراير/شباط 1999.
المولد والنشأة
ولد عبد الله أوجلان -المعروف بين مؤيديه بلقب "آبو"- في 4 أبريل/نيسان 1949 بقرية "عمرلي" في منطقة "خلفتي" بـ"أورفا"، جنوب شرق تركيا. ونشأ في كنف عائلة فقيرة تعرف باسم "مالا أوجي".
كان أوجلان الابن الثالث لأسرة تتكون -إضافة إليه- من 9 أفراد؛ والدته أوفيش (1918-1993)، ووالده عمر (1900- 1975)، وأخواته: حواء (ولدت عام 1944) وعين (1946)، وفاطمة (1953)، وكوثر (1955)، وإخوته: محمد (1951)، عثمان (1956)، وعلي (1959) الذي توفي مبكرا في ربيعه الثالث عشر عام 1972.
الدراسة والتكوين
بدأ أوجلان دراسته في سبتمبر/أيلول 1958 في المدرسة الابتدائية بقرية جبين المجاورة لقريته عمرلي، وأمضى فيها خمس سنوات، وانتقل في خريف 1963 إلى المدرسة الإعدادية في منطقة نيزيب بمدينة غازي عنتاب، في أقصى جنوب تركيا، وهناك درس ثلاث سنوات، ثم التحق بعدها بالثانوية المهنية "الأناضول للسجل العقاري" في أنقرة عام 1966.
شكلت مرحلة الدراسة الثانوية نقطة البداية في المسار السياسي لأوجلان، وفيها بدأ يتشبع بالفكر الاشتراكي وهو طالب في الثانوية المهنية في أنقرة، فبات مهتما بالماركسية متأثرا بقراءته لكتاب "الأبجدية الاشتراكية" لمؤلفه الصحفي الأميركي "ليو هوبرمان" (1903-1968).
بعد تخرجه من المدرسة الثانوية عام 1969، باشر "أوجلان" العمل موظفا فنيا في دائرة تسجيل العقارات بديار بكر، ثم بعد عام حصل على شهادة ثانوية أخرى من مدرسة "ضياء كوك آلب" الثانوية في "آمد" بالمدينة نفسها، خولت له الالتحاق بكلية الحقوق في إسطنبول. ومن أجل أن يتمكن من متابعة دراسته الجامعية بالموازاة مع عمله، تم نقله من ديار بكر وتعيينه لاستئناف وظيفته في منطقة بكر كوي في ضواحي إسطنبول.
لم يجد أوجلان ضالته في مدرجات كلية الحقوق، فقرر الانتقال لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة في خريف 1971، بعدما حصل على الدرجة التي تخول له حق تغيير التخصص الدراسي في الجامعة.
الأيديولوجيا والتجربة السياسية
تشكلت أفكار عبد الله أوجلان في فترة كانت تشهد فيها تركيا اشتباكات عنيفة بين اليسار والمجموعات اليمينية بداية فترة السبعينيات من القرن العشرين. تأرجح ولاؤه السياسي في البداية ما بين منظمتين بارزتين في الساحة إبان تلك المرحلة، وهما "اتحاد الشباب الثوري التركي" ومنظمة " المراكز الثقافية لثوار الشرق"، قبل أن ينضم رسميا إلى منظمة "دي دي كو" عام 1972، وهي تنظيم تبنى الماركسية اللينينية مرجعية أيديولوجية.
عقب اغتيال "ماهر جايان"، قائد جبهة حزب التحرير الشعبي في تركيا، مع تسعة من رفاقه، يوم 30 مارس/آذار 1972 في قرية "قزل دره" التابعة لمدينة "نيكسار" في محافظة "توكات" التركية، قاد أوجلان مظاهرات للتنديد بهذه الواقعة، مما أدى إلى اعتقاله في 7 أبريل/نيسان 1972.
وظل قابعا على إثر ذلك في سجن ماماك نحو سبعة أشهر، قبل أن يطلق سراحه في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1972.
بعد خروجه، وبناء على توصية من أحد رفاقه داخل السجن، التقى أوجلان بكل من "حقي قرار" و"كمال بير"، وتعرف عليهما وأقام معهما في نفس البيت في أنقرة. فتوطدت العلاقة بين الثلاثة وتحوّلت إلى نواة أسست لبداية "النضال الثوري" في كردستان، وشكلت النطفة التي خلق منها "حزب العمال الكردستاني".
نشط أوجلان ورفاقه تحت لواء جمعية أنقرة الديمقراطية للتعليم العالي، التي أشرفت على فعاليات وأنشطة سياسية استهدفت الشباب والطلبة على وجه الخصوص، قبل أن يتم إغلاقها في 10 ديسمبر/كانون الأول 1974، بقرار من قيادة الأحكام العرفية، عقب حملة تمشيطية قامت بها السلطات التركية، اعتقلت أثناءها 162 ناشطا، من بينهم أوجلان، إلا أن الاعتقال لم يدم طويلا، إذ أطلق سراح المعتقلين بعد أسبوع فقط.
في مستهل عام 1976 كتب أوجلان بمعية محمد خير دورموش مسودة "المانيفستو" التي اعتبرت لاحقا البيان الأساسي لما سمي "طريق الثورة الكردستانية"، وبعد ذلك عقد اجتماع في أنقرة في اليوم الأول من يناير/كانون الثاني 1977، وصفه النشطاء الأكراد بـ"التاريخي"، وقرروا فيه أن يتحول نشاطهم إلى حركة "جماهيرية"، وأن يتم نقل خبرتهم في "النضال" إلى كردستان تحت اسم "اتحاد شباب الثورة الكردستانية"، فانطلق أوجلان بعد الاجتماع مباشرة، في رحلات قادته إلى عدة مناطق في كردستان للتعريف بالحركة والترويج لمشروعها "النضالي".
تأسيس الحزب والعمل المسلح
في نهاية مايو/أيار 1978، انتقل أوجلان إلى آمد في منطقة ديار بكر جنوب تركيا، واتخذها مقرا له، وهناك تزوج كيسيرة يلديريم يوم 24 مايو/أيار 1978 (انفصلا عام 1987).
بعد زواجه بأشهر قليلة، وتحديدا في يومي 26 و27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978، عُقد المؤتمر التأسيسي لحزب العمال الكردستاني في قرية "فيس"، وانتخب أوجلان أمينا عاما له.
بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال كنعان إفرين في 12 سبتمبر/أيلول 1980 في تركيا، تعرض حزب العمال الكردستاني لضربات قاسية، اضطر معها أوجلان إلى الانتقال إلى مدينة عين العرب (كوباني) في شمال سوريا بشكل سري، ومن هناك إلى دمشق ثم إلى بيروت في وقت لاحق.
في فترة وجوده بسوريا، أقام أوجلان معسكرات تدريب لمقاتلي حزبه في سهل البقاع اللبناني، الذي كان خاضعا آنذاك للسيطرة السورية، واستمر في نشاطاته السياسية والعسكرية ضد تركيا استعداد لمرحلة "الكفاح المسلح"، التي أعلن عنها حزب العمال الكردستاني في أغسطس/آب 1984 فيما سماه "قفزة 15 آب 1984".
شن الحزب أولى هجماته المسلحة على مراكز أمنية تركية في مدينتي سيرت وهكاري، أسفرت عن مقتل عدة جنود أتراك، وردت السلطات التركية بشن عمليات عسكرية ضد معاقل الحزب، وبدأت بذلك حرب طويلة بين الطرفين.
في المؤتمر الثالث للحزب في أكتوبر/تشرين الأول 1986 في لبنان، تم رفع مستوى تدريب المقاتلين إلى المستوى الأكاديمي بإنشاء "أكاديمية معصوم قورقماز"، التي استمرت حتى عام 1992 عندما أغلقتها تركيا عبر الضغط على سوريا ولبنان، وواصل الحزب تدريب مقاتليه بعد ذلك في دمشق بشكل غير رسمي.
استفاد عبد الله أوجلان من توتر العلاقات بين أنقرة ودمشق في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بسبب قضية تقاسم مياه نهر الفرات ومسألة تطور العلاقات بين تركيا وإسرائيل. وفي المقابل استخدمت سوريا أوجلان وحزبه وسيلة ضغط ضد تركيا، مما زاد من حدة التوترات سنوات عدة.
تحت قيادة الرئيس سليمان ديميريل كانت تركيا غير راضية عن دعم سوريا لأوجلان ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، خاصة بعد الضربات القاسية التي تعرض لها الحزب عقب الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980، وشمل الدعم السوري توفير ملاذ آمن لأوجلان ومعسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني، إضافة إلى دعم منظمات يسارية تركية معارضة.
بلغت الأزمة ذروتها في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، وكادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين البلدين. واستمر التوتر إلى أن تم التوصل إلى اتفاق أضنة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1998، والذي نص على التزامات سورية تتعلق بأوجلان وحزب العمال الكردستاني، مما ساهم في تهدئة التوترات بين البلدين
الاعتقال والمحاكمة
تنفيذا لما نص عليه اتفاق أضنة، طالبت الحكومة السورية أوجلان بمغادرة البلاد، فخرج منها أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1998 إلى أثينا، إلا أنه منع من دخولها فانتقل إلى موسكو، حيث أقام 33 يوما، قبل أن يغادر في اتجاه روما.
اعتقل أوجلان في مطار ليوناردو دا فينشي واعتبرته إيطاليا شخصا "غير مرغوب فيه"، فعاد إلى روسيا ثم نقل بعدها إلى طاجيكستان، حيث احتجز مدة أسبوع، قبل أن يعود إلى موسكو مجددا.
وفي 29 يناير/كانون الثاني 1999 توجه إلى أثينا، ثم نقل إلى جزيرة "كورفو" اليونانية بهدف أن يمكث فيها يومين، قبل سفره إلى جنوب أفريقيا كما وعدته بذلك السلطات اليونانية، إلا أن المطاف انتهى به في السفارة اليونانية بالعاصمة الكينية نيروبي، إذ نقل إليها يوم 02 فبراير/شباط 1999.
في 15 فبراير/شباط 1999 أخرج ضباط من الشرطة الكينية أوجلان من السفارة اليونانية، وبينما كان في طريقه إلى مطار نيروبي نحو وجهة خارجية يرجح أنها كانت أمستردام، تمكنت المخابرات التركية من اعتقاله، ونقله إلى تركيا بواسطة طائرة كينية خاصة، تم استئجارها لهذا الغرض.
توقفت الطائرة في مصر، ثم هبطت في مطار إسطنبول للتزود بالوقود، قبل أن تقلع من جديد في اتجاه مدينة "بان درما"، ومن هناك تم نقله إلى جزيرة إمرالي جنوب بحر مرمرة بواسطة سفينة عسكرية. وشكل هذا الحدث إنجازا أمنيا وسياسيا كبيرا للحكومة التركية.
وفي 29 يونيو/حزيران 1999 قضت عليه محكمة إمرالي بالإعدام، وتحول الحكم فيما بعد إلى السجن مدى الحياة، بعد أن ألغت أنقرة عقوبة الإعدام في أغسطس/آب 2002.
مراجعات ونداءات
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 وجه أوجلان رسالة إلى الحكومة التركية والأطراف الكردية شدد فيها على ضرورة التمسك بالسلام، وحذر من داخل السجن من مخططات إفشال مسيرة السلام.
وفي نهاية فبراير/شباط عام 2015 دعا أوجلان أنصاره إلى السعي لإنهاء الصراع المسلح مع تركيا، معتبرا أن الحاجة ماسة إلى قرار وصفه بالتاريخي للتوصل إلى "حل ديمقراطي".
في 27 فبراير/شباط 2025، وجّه أوجلان "نداء تاريخيا" دعا فيه إلى حلّ حزب العمال الكردستاني. وفي رسالة عنونها بـ"دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي"، ونقلها عنه وفد من حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب الذي زاره في سجنه، تحدث أوجلان عن "العلاقات التركية الكردية التي تمتد لأكثر من ألف عام"، وقال إن الأكراد والأتراك تحالفوا دائما من أجل البقاء ومواجهة القوى المهيمنة.ذ