ماهر الأسد.. "يد بشار" التي قمعت الثورة السورية

ماهر الأسد
ماهر الأسد هو الابن الرابع للرئيس السوري السابق حافظ الأسد (الجزيرة)

ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وقائد الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في الجيش السوري، وهو عضو اللجنة المركزية للفرع الإقليمي السوري لحزب البعث. يوصف بأنه الأكثر قسوة في عائلة الأسد، وقد كان مسؤولا عن قمع حراك "ربيع دمشق" عام 2000، وقمع الانتفاضة الكردية عام 2004، وأسهم في تنفيذ مجزرة صيدنايا عام 2008، كما ورد اسمه ضمن المتهمين بقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005.

وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتهم ماهر بـ"كثرة جرائمه" التي أشرف عليها بحق المتظاهرين السلميين، ونتيجة لذلك فُرضت عليه عقوبات أميركية وأوروبية بتهمة تورطه في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما اتهمه البعض برعاية شبكة لإنتاج وتهريب مخدرات الكبتاغون.

المولد والنشأة

ولد ماهر الأسد يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1968 في دمشق، قبل سنتين من تولي والده حافظ الأسد الرئاسة، وهو أصغر من إخوته الأربعة (بشرى وباسل وبشار ومجد).

الدراسة والتكوين

نشأ ماهر الأسد في طفولته بعيدا عن الأضواء، والتحق بمدرسة أكاديمية الحرية لإكمال تعليمه الثانوي (سميت فيما بعد مدرسة باسل الأسد الثانوية).

وتذكر بعض المصادر أنه درس إدارة الأعمال في جامعة دمشق، في حين تقول أخرى إن تخصصه كان في مجال الهندسة الميكانيكية، لكنه في نهاية المطاف التحق بالكلية الحربية بعد إتمام دراسته الجامعية، ليبدأ تدريباته العسكرية على خطى أخيه الأكبر باسل.

الحياة الشخصية

تزوج ماهر الأسد من منال الجدعان، وهي امرأة سنية من دير الزور، وله منها ابنتان وولد واحد. وقد عزز زواج ماهر من جدعان علاقاته التجارية مع النخبة السنية.

احتكرت زوجته جميع النشاطات المتعلقة برياضة الفروسية في سوريا بعد موت الأخ الأكبر للعائلة باسل الأسد، وهي الرئيسة الفخرية لاتحاد هذه الرياضة، كما أن ابنتيها شام وبشرى اعتادتا الحصول على المراتب الأولى في جميع سباقات الفروسية التي تقام في البلاد.

إعلان

ومن المعروف وجود خلافات بين ماهر الأسد وعائلة زوجته، لا سيما شقيقتها مجد جدعان، التي أجبرت على مغادرة سوريا عام 2008 إثر هذه الخلافات.

ووفقا لوكالة رويترز، أجرت مجد جدعان عدة مقابلات تحدثت فيها عن ماهر الأسد من منفاها في أميركا، ومن ضمن تصريحاتها أنه علّم أطفاله "الأعمال والتصرفات الوحشية"، ووصفت صهرها بأنه "رياضي وانطوائي ويستمع أكثر مما يتحدث"، وقالت إنه "عنيد ولا يرحم، ويضرب مساعديه".

الوظائف والمسؤوليات

بعد وفاة باسل الأسد عام 1994، تكهن كثيرون بأن ماهر سيكون خليفة أبيه، إذ كان يشاع أن أخاه الأكبر مجد كان يعاني من مشاكل عقلية لا تؤهله للحكم، في حين كان أخوه بشار يفتقر إلى الخلفية العسكرية التي امتلكها ماهر وإلى الطموح السياسي.

مع ذلك فاجأ حافظ الأسد من حوله عندما استدعى ابنه بشار الذي كان يدرس طب العيون في لندن آنذاك، وبدأ بإعداده ليكون خليفته القادم، ويرجح أن "طيش" ماهر الأسد و"تهوره وسرعة غضبه" كانت من الأسباب التي دفعت والده لاستبعاده.

فقد عرف عن ماهر الأسد تورطه في مشاجرات عنيفة مع من حوله، كانت إحداها عام 1994 عندما اشتبك مع ابن عمه ريبال الأسد خارج مجمع الشيراتون في دمشق، وعندما أطلق النار على صهره اللواء آصف شوكت (زوج أخته الكبرى بشرى) عام 1999، وتسبب له بإصابة خطيرة بقي على إثرها طريحا في أحد مستشفيات باريس ما يزيد عن أسبوعين.

عائلة حافظ الأسد عام 1974 (غيتي)

بعد وفاة أخيه تولى ماهر الأسد قيادة لواء في الحرس الجمهوري، وبدأ باكتساب مزيد من الخبرات العسكرية وبناء علاقات شخصية مع ضباطه، وبعد وفاة والده عام 2000، انتخب لعضوية اللجنة المركزية للفرع الإقليمي لحزب البعث في سوريا.

تمت ترقيته من رتبة رائد إلى مقدم، ثم أصبح بعد ذلك قائدا للحرس الجمهوري، وهي وحدة قوية قوامها 10 آلاف جندي، كما أصبح قائدا للواء 42 في الفرقة الرابعة التي تعد بديلا لـ"سرايا الدفاع" التي قادها رفعت الأسد، وكان لها دور بارز في أحداث حماة عام 1982.

إعلان

ومنذ تولي أخيه بشار الرئاسة بات ماهر الأسد من أقرب مستشاريه، ووفقا لصحيفة غارديان البريطانية، فإنه لعب دورا أساسيا في إقناع أخيه بقمع الانفتاح السياسي القصير الأمد الذي شهده السوريون في الأشهر القليلة الأولى من حكم بشار، وهو الحراك الذي بات يشار إليه لاحقا باسم "ربيع دمشق"، كما كان لماهر الأسد دور أساسي في قمع الانتفاضة الكردية عام 2004.

يذكر أن رئيس المخابرات العسكرية آنذاك اللواء آصف شوكت كان من منافسي ماهر على النفوذ في حكومة بشار الأسد في تلك الفترة، وقد كان ماهر معترضا منذ البدايات على زواجه من أخته.

مع ذلك استطاع شوكت تأمين مكانته في عائلة الأسد، وتعاظم نفوذه في عهد بشار الأسد، وقد ذكر اسمه إلى جانب اسم ماهر الأسد في مسودة نسخة مسربة من تحقيقات الأمم المتحدة للاشتباه بهما في مقتل الحريري عام 2005.

وبحسب مسودة النسخة، فإن أحد الشهود من أصل سوري يقيم في لبنان، ويدعي أنه عمل لصالح أجهزة المخابرات السورية في لبنان، ذكر أنه بعد حوالي أسبوعين من اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، قرر كل من ماهر الأسد وآصف شوكت وحسن خليل وبهجت سليمان وجميل السيد اغتيال الحريري.

وفي عام 2008، قال ناشطون ومعارضون إن ماهر كان مسؤولا عن إخماد ثورة سجن صيدنايا، مما أدى إلى مقتل قرابة 170 سجينا سياسيا أعزل، وقيل إنه شارك أيضا في هذه العملية بشكل شخصي، وصوّر بنفسه الجثث الممزقة.

دوره في الثورة السورية

منذ بداية الثورة السورية في منتصف مارس/آذار 2011، كان لقوات ماهر الأسد دور رئيسي في القمع العنيف للاحتجاجات في مدينة درعا جنوبي البلاد، ومدينة بانياس الساحلية ومحافظة حمص ومحافظة إدلب في الشمال.

وقد تحدثت صحيفة لوس أنجلوس تايمز حينها عن وجود لقطات فيديو، ادعى النشطاء والمراقبون أنها تظهر ماهر الأسد وهو يطلق النار شخصيا في برزة بضواحي دمشق على المتظاهرين العزل، الذين كانوا يطالبون بإسقاط حكومة أخيه.

إعلان

كما قاد بنفسه حصارا فرضته قوات الفرقة الرابعة في درعا، وكان مسؤولا عن وقف الاحتجاجات بالسلاح والنار، ففرضت عليه الولايات المتحدة الأميركية بعد ذلك عقوبات، وقالت إن الفرقة الرابعة "كان لها دور قيادي في تصرفات النظام السوري في درعا"، وبذلك لقبه منتقدون بـ"جزار سوريا".

وقد أفاد جنود منشقون كانوا يعملون تحت قيادة ماهر الأسد بأنهم تلقوا أوامر منه باستخدام القوة المفرطة، وقتل المتظاهرين العزل دون رحمة.

وقال أحد القناصين المنشقين أثناء الاحتجاجات في درعا "لقد أمرنا بالتصويب على الرأس أو القلب منذ البداية. ولم تعط لنا أرقام محددة، ولكن قيل لنا أن نقتل أكبر عدد ممكن طالما أن الاحتجاجات مستمرة".

بشار و ماهر الأسد
بشار الأسد (يمين) وماهر الأسد (مواقع التواصل الاجتماعي)

كما أشرف ماهر الأسد على عمليات فرق "الشبيحة"، وهي قوات شبه عسكرية ساهمت منذ بدايات الحراك الشعبي في قمع المتظاهرين ومواجهتهم بالعنف.

وقال رئيس وزراء تركيا حينها رجب طيب أردوغان إن تصرفات ماهر خلال الانتفاضة السورية اقتربت من "الوحشية"، وضغط على بشار الأسد لإقالة ماهر من قيادة الجيش وإرساله إلى المنفى.

وفرضت الولايات المتحدة يوم 27 أبريل/نيسان 2011 عقوبات على ماهر لكونه واحدا من أبرز مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

​​وبعد أسبوعين، في 10 مايو/أيار 2011 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ماهر لكونه المشرف الرئيسي على العنف ضد المتظاهرين أثناء الانتفاضة السورية.

كما أصدرت جامعة الدول العربية قائمة بأسماء 19 مسؤولا سوريا جمدت أصولهم ومنعتهم من السفر، ومن بينهم ماهر الأسد وابن عمه رامي مخلوف، إضافة إلى شخصيات عسكرية واستخباراتية.

لاحقا، أصبح دور ماهر الأسد أكثر أهمية بعد اغتيال وزير الدفاع السوري ومسؤولين أمنيين رفيعي المستوى وآصف شوكت يوم 18 يوليو/تموز 2012، فساهم في قتال قوات المعارضة في ضواحي دمشق، وذكرت تقارير أنه قاد بنفسه القوات في مسرح عمليات حلب وحمص.

وقد تمت ترقية ماهر الأسد إلى لواء عام 2017، واستلم قيادة الفرقة الرابعة بأكملها عام 2018 بعد أن ضم إلى صفوفها مليشيات لواء الإمام الحسين (وهي من كبرى الحركات المسلحة التي أسسها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا عام 2016).

إعلان

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدرت فرنسا مذكرة اعتقال بحق ماهر الأسد متهمةً إياه بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وتتعلق التهم بهجمات بالأسلحة الكيميائية في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في أغسطس/آب 2013، أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص.

يذكر أن التاريخ أعاد نفسه بطريقة مأساوية في سوريا، إذ تعد الفرقة الرابعة التي يتولى قيادتها ماهر امتدادا لسرايا الدفاع، وهي قوة شبه عسكرية كان يقودها شقيق حافظ الأصغر رفعت الأسد.

وكما سعى ماهر الأسد للدفاع عن أخيه بحملات قمع دموي للمدنيين نفذتها الفرقة الرابعة، تولى قبله رفعت الأسد المهمة ذاتها دفاعا عن أخيه حافظ، وسخر "سرايا الدفاع" لقمع المعارضين، إذ كان مشرفا على مجزرة حماة عام 1982، التي راح ضحيتها قرابة 30 إلى 40 ألف قتيل مدني.

الأنشطة التجارية لماهر الأسد

إضافة إلى نشاطاته العسكرية، يعرف ماهر الأسد بنشاطاته التجارية كذلك، إذ يمتلك عدة شركات تشرف على مشاريع ضخمة في سوريا ولبنان، كما أنه شريك ابن خالته رامي مخلوف في العديد من المشاريع.

وبعد الثورة السورية، أصبح لدى ماهر الأسد مصادر دخل مختلفة، من أبرزها عمليات ضبط المنافذ الحدودية وطرق الشحن، وجمع الإتاوات من المدنيين والتجار على الحواجز العسكرية التي تقيمها الفرقة الرابعة في مناطق مختلفة.

ووفقا لمجلة "فورتشن"، فقد استفاد ماهر الأسد من عملية غسيل أموال بقيمة مليار دولار في بنك المدينة اللبناني، الذي انهار عام 2003 مع بداية غزو العراق، وكان قد استخدم أيضا لغسيل أموال عدد من المسؤولين العراقيين وشركائهم.

ومن أبرز الموارد التي اعتمدها ماهر الأسد لتعويض الخسائر التي تكبدها نتيجة العقوبات، حسب مؤسسة كارنيغي، تجارة الكبتاغون التي تنامت في سوريا بغطاء حكومي، وبسبب سرعة تناميها باتت تشكل تهديدا حقيقيا للعديد من دول المنطقة والجوار بما في ذلك الأردن والعراق والسعودية والكويت وغيرها، كما تم تصنيف بعض رموز الحكومة السورية باعتبارهم الفاعل الرئيسي الذي سهّل تهريب الكبتاغون إلى الموانئ الأوروبية.

إعلان

وقد تحدثت العديد من التقارير عن الدور الذي تقوم به الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد في التغاضي عن ترويج هذه المخدرات وتهريبها إلى دول أخرى، فوفقا للعديد من المصادر لا يمكن أن تعبر شحنات الكبتاغون الحدود السورية دون أن تمر أولا على عشرات الحواجز التي تسيطر عليها الفرقة الرابعة.

وبسبب "دوره في إنتاج وتهريب الكبتاغون"، فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على ماهر الأسد في مارس/آذار 2023، واتهمته وزارة الخزانة الأميركية وفرقته الرابعة بتمويل "مخططات غير مشروعة لتوليد الإيرادات، تتراوح بين تهريب السجائر والهواتف المحمولة، وتسهيل إنتاج وتهريب الكبتاغون".

وفي أبريل/نيسان 2023، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات إضافية كذلك على الأفراد والشركات المرتبطة بماهر وفرقته الرابعة بسبب جرائم الحرب والتعذيب وتسهيل تجارة المخدرات في سوريا.

شائعات الموت

ماهر الأسد من أكثر الشخصيات السورية التي لاحقتها شائعات الموت. ففي أغسطس/آب 2012 زعمت الصحف أن بشار الأسد كان على استعداد للتنحي، وأن شقيقه ماهر فقد ساقيه في تفجير هز العاصمة دمشق يوم 18 يوليو/تموز 2012، ثم انتشرت شائعات بأنه توفي متأثرا بجراحه، إلا أن وسائل الإعلام الروسية نفت هذه الشائعات.

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2012، ذكرت شبكة "سي إن إن" أن ماهر عولج في روسيا لكنه عاد إلى القصر الرئاسي.

ومع ذلك بقيت شائعات موت ماهر الأسد تتردد في وسائل الإعلام، لا سيما مع ابتعاده عن الأضواء، إلى أن نشر أحد المذيعين اللبنانيين في يونيو/حزيران 2014 صورة حديثة لماهر الأسد مع المطرب جورج وسوف، الأمر الذي أكد أنه على قيد الحياة.

وخلال السنوات التي تلت هذه الصورة ترددت شائعات موت ماهر الأسد عدة مرات أخرى، كانت آخرها شائعة نشرها  الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين في فبراير/شباط 2024، إلا أن هذه الشائعة لم تلق تصديقا في الأوساط السورية لا سيما وأن كوهين معروف بنشره كثيرا من الإشاعات والأخبار الخاطئة.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان