الفرقة الرابعة في الجيش السوري.. من "إبادة الثورة" إلى "إمبراطورية الكبتاغون"

أهم مكونات الجيش السوري بعد الحرس الجمهوري أيام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، أسست في ثمانينات القرن العشرين، وقادها أخوه العقيد الركن ماهر الأسد، واتهمت بارتكاب مجازر وجرائم حرب في حق الشعب السوري منذ اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011، ثم تورطت في تجارة مخدر الكبتاغون، وتفككت بعد سيطرة المعارضة السورية على دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وتعد الفرقة الرابعة من أفضل تشكيلات الجيش السوري تدريبا وتجهيزا، إذ كانت مجهزة بأحدث الآليات الثقيلة مثل دبابات "تي 72" الروسية.
وصل عدد أفراد الفرقة -حسب مصادر إعلامية فرنسيةـ إلى 15 ألف مقاتل مسلحين بشكل جيد، والغالبية الساحقة منهم تنحدر من الطائفة العلوية لضمان ولائها لآل الأسد، وكان مقرها الرئيسي في محيط حي المهاجرين بالعاصمة دمشق.
التأسيس
يعود تأسيس الفرقة الرابعة إلى عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، بعد محاولة شقيقه رفعت الأسد، الذي كان يقود "سرايا الدفاع" المسؤولة عن مجازر مدينة حماة عام 1982، الانقلاب عليه، ويُعتقد أن تلك السرايا أدمجت في الفرقة الرابعة، بعد إبعاد رفعت الأسد عام 1984 إلى المنفى.
في تلك الفترة، كانت الوحدات الرئيسية، ولا سيما اللواءان 40 و41، تتبع سرايا الدفاع ثم غيّرت أسماؤهما وأقصي الضباط الموالون لرفعت، وأنشئت تشكيلات جديدة داخل الفرقة.
ولاحقا، عزز حافظ الأسد الفرقة بتكليف ابنه ماهر بالخدمة فيها، وتولّى قيادة اللواء 42، قبل أن يصبح قائدا للفرقة الرابعة عام 2018 بقرار من شقيقه بشار، ومنح هذا التطور الفرقة إمكانيات استثنائية على المستويات المادية والعسكرية والأمنية، إلى جانب صلاحيات واسعة في صناعة القرار.
هيكلة الفرقة
يختلف الهيكل التنظيمي للفرقة الرابعة عن باقي تشكيلات الجيش السوري (في عهد آل الأسد)، إذ لم تتبع رسميا لأي من الفيالق العسكرية الثلاثة التي كانت قائمة قبل عام 2011، إنما شكّلت، إلى جانب الفرقة الأولى المتمركزة في الكسوة جنوب دمشق، والفرقة الثالثة المنتشرة في القطيفة شمال شرق العاصمة، ما يُعرف بوحدات احتياط القيادة العامة.
وتشكلت هيكليتها حسب مركز جسور للدراسات (أكتوبر/تشرين الأول 2024)، من قائد الفرقة ونائبه، وأركان الفرقة ورئيس العمليات ومكتب الأمن، إضافة إلى 4 ألوية و3 أفواج وكتائب مستقلة، مثل كتيبة الاستطلاع والكتيبة الانتحارية والكتيبة المضادة للدبابات وسرية الشرطة العسكرية.
- الأفواج:
وضمت الفرقة 3 أفواج معزّزة، تتمتع بتجهيزات وكوادر بشرية تعادل في إمكانياتها الألوية، نظرا لسعي ماهر الأسد لجعلها قوات داعمة مباشرة للواء الذي كان يقوده قبل 2018، متجاوزا بذلك الهيكل التنظيمي التقليدي.
وهذه الأفواج هي الفوج 154 مدفعية، والفوج 555 إنزال جوي، ويضم الكتيبة 584 إنزال جوي والكتيبة 585 إنزال جوي والكتيبة 586 إنزال جوي والكتيبة 183 مدفعية وكتيبة مضادة للدبابات.
وضمت أيضا الفوج 999 تدخل سريع، وتأسّس بعد عام 2011 ونشط في دمشق ودرعا ودير الزور، وعمل بالتنسيق مع الحركات المسلحة التي تدعمها إيران وفق نظام المجموعات.
- الألوية:
ومن الألوية ضمت الفرقة الرابعة ألوية مدرعة مسلحة، وهي اللواء 138 ميكانيكي، الذي تولى قيادته العميد أحمد خلوف عام 2011، وكان له دور أساسي في قمع الاحتجاجات في زملكا وداريا ودوما، وكذا في العمليات العسكرية في حمص، بقيادة اللواء جمال سليمان.
واللواء 40 دبابات واللواء 41 دبابات، الذي نفّذ عمليات واسعة في ريف دمشق، لا سيما في الزبداني وسرغايا ومضايا، وشارك في اقتحام داريا. ويُتهم بارتكاب مجزرة عام 2012 راح ضحيتها 700 شخص، واللواء 42 دبابات وكان بقيادة ماهر الأسد حتى تولّيه قيادة الفرقة الرابعة عام 2018.
وتمتلك الفرقة مكتب أمن خاصا بها، بقيادة العميد غسان بلال، ويعاونه كل من العقيد حسين مريشة والمقدم ياسر سلهب والرائد أحمد خير بيك، إلى جانب مجموعة من الضباط والمحققين وعناصر الحراسة، ويتألف المكتب من أقسام عدة أبرزها قسم المتابعة والتحقيق وقسم السجون وقسم الحراسة وقسم التجنيد وقسم الحواجز والإدارة الاقتصادية.
وشهدت الفرقة تطورا ملحوظا بعد عام 2011، وعزّزت بنيتها التنظيمية عبر استحداث وحدات جديدة نظامية وغير نظامية.
الانتشار
انتشرت الفرقة الرابعة في معظم المحافظات السورية، خاصة في ريف دمشق وطرطوس ودير الزور ثم حماة وحلب، وبلغ عدد مواقعها العسكرية نحو 140 موقعا، توزعت في كامل البلاد ما عدا القنيطرة، وفق مركز جسور للدراسات.
توزعت هذه المواقع بين مقرات قيادة وقواعد عسكرية وحواجز وإدارات معابر، مع وجود لها في 7 مطارات و26 معبرا بريا. كما اشتركت في 18 موقعا مع وحدات أمنية أخرى، أبرزها الأمن العسكري، الذي دعمها بسبب انتماء العديد من ضباطه السابقين لها.
نفّذت الفرقة أكثر من 75 مهمة عسكرية وأمنية، وأدارت عملياتها عبر 50 مفرزة، تركزت في ريف دمشق وحمص وحلب ودير الزور. ورغم انتشارها الواسع، ركّزت وجودها على خطوط التماس مع المعارضة السورية والمناطق الحدودية، خاصة مع الأردن ولبنان، واستغلت هذه المواقع لفرض رسوم على التجار مقابل الحماية وتمويل عملياتها.
مهام الفرقة وأدوارها
كانت مهمتها الأساسية حماية العاصمة دمشق، وشكّلت خط الدفاع التاسع بعد الحرس الجمهوري، ومنذ الثورة السورية عام 2011 توسع دورها ليشمل باقي المحافظات واستُخدمت في مهمات هجومية، وصارت منظومة أمنية متكاملة، تجمع المعلومات عن القادة العسكريين والأمنيين، وتحمي مصالحها الاقتصادية.
وأصبحت مسؤولة عن إدارة العمليات العسكرية والتنسيق مع القوات الأخرى، مستفيدة من نفوذ ماهر الأسد، وتمتعت بصلاحيات واسعة داخل الجيش، بما في ذلك انتقاء العناصر والإشراف على التدريبات وتجهيزها بأحدث المعدات، كما كانت تفرض سيطرتها على القرارات العسكرية وتتدخل في شؤون الوحدات الأخرى.
وكانت الفرقة تمنع أي جهة أمنية أو عسكرية من توقيف عناصرها دون إذن من مكتبها الأمني، مما عكس نفوذها المتزايد، خاصة بعد محاولات إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، واعتمدت على التجنيد المحلي لتعويض النقص البشري، مستقطبة مقاتلين عبر إعلانات التطوع مع تقديم امتيازات مغرية، إضافة إلى ذلك، كانت تكلّف المجندين بأعمال التهريب بعد تدريبهم لفترات قصيرة.
ووفق ضابط سابق، خدم لفترة في مكتب الأمن فإن مكتب الفرقة الرابعة كان يتمتع بحصانة مطلقة، ولم يسمح لأي جهة أمنية بالتعرض لأي من عناصره دون الحصول على موافقة مباشرة من ماهر، وأضاف "كانت مافيا، وكنت أعلم أنني أعمل لدى مافيا".
ويصف الضابط الفرقة قائلا "كانت لاعبا عسكريا وجهازا أمنيا وكيانا استخباراتيا وقوة اقتصادية وسياسية ومؤسسة إجرامية عابرة للحدود".
توسّع دور الفرقة عقب الثورة السورية وصارت الأداة الرئيسية لقمع الاحتجاجات والسيطرة الأمنية، وعززت نفوذها داخل الاقتصاد السوري عبر التحكم بالمعابر والتهريب، وأدار مكتبها الأمني عمليات المراقبة والاعتقال وشبكة واسعة من الحواجز والمكاتب الأمنية، كما أشرفت على تجارة المخدرات، بالتنسيق مع ميليشيات إيرانية وحزب الله.
التمويل
اعتمدت الفرقة سابقا على ميزانية الجيش، لكنها بعد 2011 أصبحت تعتمد على اقتصاد الظل، مثل فرض الإتاوات والتهريب ونهب الممتلكات، إضافة إلى سيطرتها على المعابر الداخلية والخارجية، وفرضها رسوما على حركة البضائع، إلى جانب إدارة تجارة وتهريب المخدرات عبر شبكات واسعة، ما جعلها أحد أبرز اللاعبين في هذا المجال.
توسعت أنشطتها التجارية عبر رجال أعمال موالين لماهر الأسد، مثل علي خضر طاهر ومحمد حمشو، اللذين أدارا واجهات اقتصادية لأنشطة الفرقة التي احتكرت تجارة المعادن والخردة ونهب الأصول من المناطق التي سيطرت عليها، وامتدت استثماراتها إلى قطاعات النقل والسياحة.
أبرز شخصياتها
- ماهر الأسد
الشقيق الأصغر للرئيس المخلوع بشار الأسد، ويوصف بأنه الرجل الثاني في القيادة السورية بعده، وهو أيضا قائد الفرقة الرابعة وقائد الحرس الجمهوري وعضو اللجنة المركزية للفرع الإقليمي السوري لحزب البعث.
يوصف بأنه الأكثر قسوة في عائلة الأسد، وقد كان مسؤولا عن قمع حراك "ربيع دمشق" عام 2000، وقمع الانتفاضة الكردية عام 2004، وأسهم في تنفيذ مجزرة صيدنايا عام 2008، كما ورد اسمه ضمن المتهمين باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005.
وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتهم ماهر بـ"كثرة جرائمه" التي أشرف عليها بحق المتظاهرين السلميين، واتهمته الحكومات الغربية ومعاونيه بتحويل سوريا إلى "دولة مخدرات أغرقت الشرق الأوسط بالكبتاغون"، الذي قدرت قيمة التجارة به بأكثر من 10 مليارات دولار، وفُرضت عليه عقوبات أميركية وأوروبية بتهمة تورطه في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
- غسان بلال
مدير مكتب الأمن في الفرقة الرابعة ومسؤول الملف الاقتصادي فيها، واليد اليمنى لماهر الأسد، فرضت عليه الولايات المتحدة عام 2020 عقوبات وفقا لقانون "قيصر"، لارتباطه بارتكاب جرائم بحق المتظاهرين المناهضين للأسد.
كما أدرج غسان علي بلال في قوائم العقوبات البريطانية والأوروبية والكندية بسبب دوره في عمليات القمع والتهجير التي قادتها الفرقة الرابعة ضد المتظاهرين والمدن والبلدات في ريف دمشق منذ بدء الثورة السورية عام 2011.
وفي شهادة لـ"جعفر جعفر"، وهو تاجر مخدرات وعامل سابق في الفرقة الرابعة، تحدث عن تورط غسان بلال في إدارة عملية تهريب المخدرات، وتأمين خط سير شاحنات المخدرات من ضباط الفرقة وأفرادها حتى تصل إلى موانئ اللاذقية.
عرف غسان بلال بولعه بجمع السيارات الفارهة، وكان يقيم في فيلا في يعفور، وكشفت الوثائق التي عثر عليها في مكتبه عن أسلوب حياته الباذخ، منها شحنه سيارة إلى دبي منتصف 2024 لإصلاحها، وكلفت مع بدل الجمارك نحو 29 ألف دولار.
وعثر بين أوراقه على قوائم لنفقات أسرته ومنزله، بلغت قيمتها في 10 أيام نحو 55 ألف دولار، في حين كان الضباط السوريون لا يتقاضون عن اليوم الواحد أكثر من 3 دولارات.
ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، كان فراس بلال المسؤول عن تجارة الكبتاغون في الفرقة الرابعة، واتهمته الخزانة الأميركية باعتباره أحد اللاعبين الرئيسيين فيها.
الثورة السورية
استخدم النظام السوري هذه الفرقة -ضمن تشكيلات أخرى- لإخماد الثورة التي اندلعت منتصف مارس/آذار 2011، وكانت محافظات درعا وحمص وبانياس وإدلب وحماة مسارح لعمليات الفرقة، وفقا لبعض التقارير.
واتهم ناشطون مؤيدون للثورة الفرقة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المحتجين في تلك المحافظات وغيرها. ووفقا لتقارير ميدانية، فقد شاركت دبابات الفرقة الرابعة في هجمات عنيفة على مدن سورية، خاصة منها مدينة حمص التي تعرضت أحياء فيها -مثل حي بابا عمرو والخالدية والبياضة- لتدمير واسع.
كما جرى نشر عدد من ضباط الفرقة العلويين في تشكيلات عسكرية أخرى يغلب فيها العنصر السّنّي لمنع الانشقاقات.
وتتهم الفرقة الرابعة بارتكاب مجازر ضد المدنيين في درعا ومدينة نوى بداية الثورة، وفي حماة وريفها مع بداية اقتحام المدينة في أغسطس/آب 2011.
وشاركت الفرقة في المعارك التي أدت إلى تهجير سكان معضمية الشام وداريا ووادي بردى والغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة، وتسببوا بمجازر كبيرة راح ضحيتها عشرات الآلاف، إضافة إلى تشريد مئات الآلاف.
واعتقلت عناصر الفرقة الرابعة عشوائيا عشرات الآلاف من السوريين في دمشق وريفها، وتم توثيق مقتل المئات منهم تحت التعذيب في سجونها، ويُعتبر العميد غسان بلال، مدير المكتب الأمني في الفرقة الرابعة، المسؤول المباشر عن هذه الانتهاكات.
وأفادت أنباء بأن مقر الفرقة الرابعة الرئيسي تعرض يوم 18 يوليو/تموز 2012 لتفجيرات، تلت التفجير الذي وقع داخل مقر الأمن القومي بدمشق، وأسفر عن مقتل وزيريْ الدفاع والداخلية ومسؤولين عسكريين وأمنيين آخرين بارزين، بيد أن وزير الإعلام السوري نفى صحة تلك التفجيرات.
ويتهم ماهر الأسد من منظمات حقوقية بإصداره أوامر قتل المتظاهرين العزل في سوريا منذ اندلاع الثورة، والوقوف وراء عمليات اغتيال لرموز بارزة في المعارضة.
ومنذ عام 2018 انضم لواء الإمام الحسين الشيعي إلى صفوف قوات الفرقة الرابعة رسميا، وهو أحد أكبر الميليشيات العراقية السورية التي أنشأها "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري" الإيراني لدعم الأهداف السورية والإيرانية واللبنانية لحزب الله في سوريا كما ذكر معهد واشنطن.
"إمبراطورية الكبتاغون"
وعقب تمكن المعارضة السورية من إسقاط حكم نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 تعرضت كثير من مقار الفرقة الرابعة للنهب، ووجدت فيها وثائق كشفت حياة الترف التي كان يعيش فيها الأسد ومعاونوه.
وكشفت الوثائق عما وصفته وكالة الصحافة الفرنسية بـ"إمبراطورية اقتصادية واسعة بناها ماهر الأسد وشبكته من المنتفعين، ولم تترك مجالا لم تتدخل فيه، من صنع الكبتاغون والاتجار به وصولا إلى فرض إتاوات على المعابر الحدودية والحواجز".
إلى جانب ذلك، صادرت الفرقة الرابعة منازل ومزارع المدنيين وبضائعهم من مواد غذائية وسيارات وأجهزة إلكترونية، وسيطرت على سوق المعادن واحتكرتها في بعض المدن، إضافة إلى تجارة التبغ، كما فرضت إتاوات عند الحواجز ونقاط التفتيش، وكانت تحصّل أموالا من حماية صهاريج النفط ومرافقتها.
وقد حولت الفرقة الرابعة فيلا استولت عليها في بلدة الديماس بريف دمشق قرب الحدود اللبنانية، إلى مصنع لإنتاج الكبتاغون، ووجد في الغرف صناديق وبراميل ممتلئة بالكافيين والإيثانول والباراسيتامول وهي كلها مواد تستخدم في صنع مخدر الكبتاغون، ولم يكن يسمح للسكان بالاقتراب من المنطقة أو حتى رعي ماشيتهم في التلال القريبة.
ويؤكد رئيس غرفة الصناعة السابق فارس الشهابي أنه "كان ممنوعا أن يحرك أحد قطعة حديد دون موافقة الفرقة الرابعة"، مشيرا إلى أن التعامل بالنحاس، على سبيل المثال، كان امتيازا حصريا لها، وكان أحد مصانع المعادن التي يديرها شريك لماهر، يسيطر على السوق بالكامل، ولم يسمح للتجار بالتعامل مع غيره، مما تسبب بتوقف عدد من المعامل.
ويروي ضابط خدم في مكتب الأمن كيف هرع عناصر الفرقة إلى إحدى ضواحي دمشق فور سيطرة القوات الحكومية عليها، وشرعوا في انتزاع أسلاك النحاس والحديد من بين أنقاض المنازل المدمرة.
شركات وهمية
وبثت منصة الجزيرة 360، عقب انطلاقتها مباشرة، برنامج "المتحرِّي" الذي تتبع في حلقتين، علاقة النظام السوري بسلسلة إنتاج المخدرات وعلى رأسها مادة "الكبتاغون"، ومنها دور الفرقة الرابعة في هذه التجارة.
واتضح في البرنامج أن للفرقة الرابعة سلطة كبيرة، إذ لا يمكن وجود نشاط للمخدرات دون أن يكون لها دور فيه، فهي ترافق شاحناته في سوريا، كما أنها تسيطر على الحواجز العسكرية والأمنية، بل ويمتد دورها إلى التدخل في الإنتاج بشكل مباشر.
وكشف التحقيق أن شركة "القلعة للحراسات الأمنية" التي يملكها ماهر الأسد، ويديرها "خضر علي طاهر" الملقّب بأبو علي خضر، وهو مسؤول عن حواجز الفرقة الرابعة بالمناطق الحدودية مع لبنان، تعمل في مجال المرافقة بالتعاون مع الفرقة الرابعة.
ويؤكد التقرير أن شركات "الفجر" و"شروق" و"الوطنية" كلها مرتبطة عضويا بالفرقة الرابعة وأجهزة النظام بشكل مباشر، كما يتمتع "خضر علي طاهر" بعلاقات جيدة مع أسماء الأسد، وهو أحد أعضاء المكتب المالي والاقتصادي التابع للقصر الجمهوري، والمسؤول عن إعادة هيكلة الاقتصاد وإدارة اقتصاد الحرب.
ويأتي التحقيق كذلك على ذكر حافظ منذر الأسد المرتبط بالفرقة الرابعة، والمتورط في تهريب شحنة كبتاغون صادرتها رومانيا عام 2020، إضافة إلى بشار طلال الأسد الذي يعمل مع هارون الأسد لصالح ماهر الأسد.
كل هذه الشركات وغيرها من التي يمتلكها آل الأسد، كان هدفها التهرب من المساءلة والعقوبات، وإدارة نشاط اقتصادي عموده الفقري أموال المخدرات، وهي مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالفرقة الرابعة، كما أن بعضها الآخر مرتبط مباشرة بالقصر الجمهوري.

وثائق مهجورة
وتحدثت وكالة الصحافة الفرنسية عن مستندات عثر عليها داخل مكتب أمن الفرقة الرابعة تشير إلى حصولها على سيولة نقدية قدرها "80 مليون دولار و8 ملايين يورو و41 مليار ليرة سورية حتى الرابع من يونيو/حزيران 2024″، إضافة إلى وثائق أخرى تؤكد احتفاظ مكتب الفرقة وقائدها بمبالغ مقاربة في الفترة بين عام 2021 و2024.
ويقول الباحث في معهد كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط خضر خضور إن "ماهر وأعوانه راكموا ثروات هائلة عبر صفقاتهم التجارية المشبوهة، وهذه ليست سوى عينة صغيرة منها، إذ كانت الفرقة بمثابة آلة طباعة للمال"، وأن ثروتهم الحقيقية أخفيت في الخارج.
وتوضح الوثائق أيضا تورط رجال أعمال مدرجين على لوائح العقوبات، منهم خالد قدور ورئيف القوتلي والأخوين قاطرجي المتهمين "بجني مئات الملايين من الدولارات لصالح الحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثيين في اليمن، عبر بيع النفط الإيراني إلى سوريا والصين".
وتولّى القوتلي إدارة نقاط تفتيش ومعابر فرض فيها إتاوات على البضائع أو حتى صودرت، بينما نفى قدّور أن يكون له أي تعامل مع ماهر الأسد عندما سعى لرفع العقوبات الأوروبية عنه عام 2018، علما أن الولايات المتحدة فرضت عليه عقوبات لدعمه المالي لماهر الأسد في عمليات تهريب الكبتاغون والسجائر والهواتف.
وكشفت قائمة إيرادات المكتب الأمني للفرقة لعام 2020 أن قدور قدّم نحو 6.5 ملايين دولار لصالح المكتب في ذلك العام، ومن مصادر متعددة، أبرزها الدخان الوطني وبيع المصادرات.