جنوب السودان.. فسيفساء من الأعراق واللغات والأديان

تصميم خاص خريطة جنوب السودان

جمهورية جنوب السودان هي دولة أفريقية انفصلت عن دولة السودان عبر استفتاء شعبيي، وعاشت في دوامة من العنف وعدم الاستقرار منذ نشأتها عام 2011، وظلت سنوات عديدة تحت وطأة الاضطرابات السياسية والمواجهات العسكرية الداخلية.

عانت مناطق واسعة من أراضيها من مجاعة قاتلة مطلع عام 2017، وحرب أهلية في الفترة الممتدة بين سنتي 2013 و2018، حرب طاحنة على السلطة بأبعاد إثنية وعرقية اندلعت عقب إقالة الرئيس سلفاكير ميارديت -المنتمي لقبيلة الدينكا– نائبه الأول رياك مشار المنحدر من قبيلة النوير، في عام 2013 بتهمة "تدبير انقلاب"، مما أدى إلى اندلاع صراع بين الرجلين، تحول إلى قتال بين القبيلتين.

استمرت الحرب خمس سنوات وانتهت عام 2018 بتوقيع اتفاق سلام "هش"، عانت الدولة في ظله من تذبذبات أثرت بشكل ملحوظ على الوضع الأمني والسياسي للبلاد، إلى أن تجدد الصراع بين شريكي السلطة (الرئيس سلفاكير ونائبه مشار) مطلع عام 2025.

المعلومات الأساسية

الاسم: جمهورية جنوب السودان.

الاسم المختصر: جنوب السودان.

العاصمة: جوبا.

العلم: يتكون علم جنوب السودان من ثلاثة أشرطة أفقية متساوية، بالألوان: الأسود في الأعلى ثم الأحمر بحواف بيضاء فالأخضر. ويضم مثلثا أزرق متساوي الأضلاع، تتوسطه نجمة خماسية صفراء.

الأقاليم/التقسيمات الإدارية

بموجب اتفاقية السلام الموقعة في 22 فبراير/شباط 2020، تم تقسيم جنوب السودان إلى 10 ولايات، هي:

  • ولاية الاستوائية الوسطى: عاصمتها جوبا، مساحتها 43033 كيلومترا مربعا.
  • ولاية غرب الاستوائية: عاصمتها يامبيو، تبلغ مساحتها 79343 كيلومترا مربعا.
  • ولاية شرق الاستوائية: عاصمتها توريت، تمتد على مساحة 73472 كيلومترا مربعا.
  • ولاية البحيرات: عاصمتها رمبيك، مساحتها 43595 كيلومترا مربعا.
  • ولاية واراب: عاصمتها كواجوك، مساحتها 45567 كيلومترا مربعا.
  • ولاية غرب بحر الغزال: عاصمتها واو، تبلغ مساحتها 91076 كيلومترا مربعا.
  • ولاية شمال بحر الغزال: عاصمتها أويل، تمتد على مساحة 30543 كيلومترا مربعا.
  • ولاية جونقلي: عاصمتها بور، مساحتها 122581 كيلومترا مربعا.
  • ولاية الوحدة: عاصمتها بانتيو، مساحتها 37837 كيلومترا مربعا.
  • ولاية أعالي النيل: عاصمتها ملكال، تمتد على مساحة 77283 كيلومترا مربعا.
إعلان

المساحة

تبلغ مساحة جمهورية جنوب السودان حوالي 644329 كيلومترا مربعا. وتحتل المرتبة 19 في أفريقيا من حيث المساحة.

اللغة

يتميز جنوب السودان بتنوع لغوي وعرقي كبير، فإلى جانب اللغة الإنجليزية (اللغة الرسمية للدولة) هناك لغات أخرى تعد بالعشرات، يمكن اعتبارها لهجات محلية تختلف باختلاف القبيلة وتفرعاتها.

عادة ما يتحدث أهل جنوب السودان بلغاتهم المحلية فيما بينهم داخل القبيلة الواحدة، فنجد مثلا انتشارا واسعا للغة الندوقو في ولاية غرب بحر الغزال، ولغة طونق جانق (لغة قبيلة الدينكا) التي يتحدث بها حوالي خمسة ملايين شخص، وطونق ناس (لغة قبيلة النوير)، التي يتحدث بها ما يناهز مليوني شخص، وطونق شلو (لغة قبيلة الشلوك)، التي يتحدث بها حوالي مليون نسمة، إضافة إلى لغات أخرى منتشرة على طول المناطق المختلفة لجنوب السودان كلغة الباي والقولو والسيري والبلندا…

يقتصر التواصل باللغات المحلية على الأشخاص المنتمين للقبيلة نفسها، في حين يتواصل المنحدرون من قبائل مختلفة فيما بينهم باستخدام لغة تعرف بـ"عربي جوبا"، نسبة إلى العاصمة "جوبا"، وهي لهجة عامية هجينة تمزج بين اللغة العربية واللغات المحلية، نشأت في القرن التاسع عشر أثناء فترة الحكم المصري التركي في المنطقة، وانتشر تداولها إلى أن صارت لغة التواصل اليومي، خاصة في العاصمة جوبا.

ألقت سنوات الحروب بظلالها على الثقافة في جنوب السودان، إذ تولدت بعض الحساسية تجاه اللغة العربية، الأمر الذي دفع الجنوبيين إلى اختيار اللغة الإنجليزية لغة رسمية في دستورهم، رغم الأواصر التاريخية التي جمعت الشعب باللغة العربية على امتداد قرنين من الزمن.

الانفصال عن السودان

في 7 فبراير/شباط 2011، تم الكشف عن نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير، التي أظهرت موافقة أغلبية المصوتين على الانفصال عن السودان بنسبة ناهزت 98%، ليتم الإعلان عن ميلاد دولة جنوب السودان بشكل رسمي في 9 يوليو/تموز 2011، في حفل كبير بالعاصمة جوبا، حضره سلفاكير والرئيس السوداني آنذاك عمر البشير، إضافة إلى عدد من زعماء الدول.

إعلان

النظام السياسي

النظام السياسي لجمهورية جنوب السودان هو نظام جمهوري رئاسي، يتمتع فيه الرئيس بسلطات واسعة. بعد انفصال جنوب السودان في 2011، تم اعتماد دستور انتقالي ينظم عمل الحكومة ويحدد حقوق المواطنين مركزيا ومحليا عبر تدبيره لثلاث سلطات رئيسية:

السلطة التنفيذية

ويرأسها رئيس الدولة، الذي يتمتع بسلطات واسعة تشمل تعيين الوزراء وكبار المسؤولين، وإصدار الأوامر التنفيذية، وتمثيل البلاد في العلاقات الخارجية. يساعده نائب الرئيس في أداء مهامه، كما يتولى النائب بعض المسؤوليات التنفيذية حسب توجيهات الرئيس.

إلى جانب الرئيس ونوابه، يعد مجلس الوزراء أحد أطراف السلطة التنفيذية في جنوب السودان، ويتكون من الوزراء الذين يعينهم الرئيس، ويشرفون على الوزارات المختلفة مثل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة المالية، وغيرها. ويتحملون مسؤولية تنفيذ السياسات الحكومية وإدارة الشؤون اليومية للوزارات.

كما أن لحكام الولايات دورا بارزا في السلطة التنفيذية للدولة، إذ يشرفون على تنفيذ السياسات الحكومية على المستوى المحلي. ويتم تعيينهم من قبل الرئيس لإدارة الولايات العشر في جنوب السودان.

ويستعين الرئيس بمستشارين رئاسيين، يقدمون له المشورة في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

السلطة التشريعية

وتتكون من المجلس التشريعي الوطني ومجالس للولايات. يتكون المجلس التشريعي الوطني من أعضاء منتخبين يمثلون مختلف الولايات، بينما يتشكل مجلس الولاية من ممثلين محليين في الولايات العشر بالبلاد.

السلطة القضائية

تتكون من المحاكم المختلفة، وتشمل المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، وينص الدستور على أنها مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأنها تعمل على تطبيق القانون وضمان العدالة.

تعتبر المحكمة العليا أعلى سلطة قضائية في البلاد وتتألف من سبعة قضاة، بينهم رئيس المحكمة ونائبه، ويعينهم رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من مجلس الخدمة القضائية، وهو هيئة قضائية وإدارية تتكون من تسعة أعضاء.

إعلان

وتوجد أيضا محاكم فرعية على مستوى الولايات، وتشمل محاكم استئناف ومحاكم عليا ومحاكم مقاطعات، علاوة على محاكم متخصصة وهيئات قضائية أخرى.

العملة

جنيه جنوب السودان هو العملة الرسمية للدولة، ووافق عليه المجلس التشريعي لجنوب السودان قبل الانفصال عن السودان في 2011، وبدأ استخدامه في 18 يوليو/تموز 2011 ليحل محل الجنيه السوداني. وينقسم الجنيه إلى 100 قرش.

تحمل الأوراق النقدية لجنيه جنوب السودان صورة جون قرنق؛ الزعيم الراحل للحركة الشعبية لتحرير السودان.

الموقع

تقع جمهورية جنوب السودان، شرق وسط القارة الأفريقية، تمتد حدودها البرية مع الدول المجاورة على طول 6018 كيلومترا. يحدها من الشمال جمهورية السودان (2158 كيلومتر)، ومن الجنوب أوغندا (475 كيلومتر) وكينيا (317 كيلومتر)، ومن الشرق إثيوبيا (1299 كيلومتر)، ومن الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية (714 كيلومتر) وجمهورية أفريقيا الوسطى (1055 كيلومتر).

الجغرافيا

تبلغ مساحة جنوب السودان حوالي 644329 كلم²، وتتميز بتنوع جغرافي كبير يشمل السهول الواسعة والمستنقعات والجبال. ويعد جبل كينيتي أعلى قمة في البلاد بارتفاع 3187 مترا عن مستوى سطح البحر.

تغطي الأراضي الرعوية حوالي 40% من مساحة البلاد، بينما تشغل الأراضي الزراعية حوالي 30%، وتشكل المسطحات المائية ما يقارب 7% من المساحة الكلية للبلاد.

يمتد موسم الأمطار من فبراير/شباط حتى نوفمبر/تشرين الثاني، وتبلغ ذروتها في أغسطس/آب، وتختلف كميتها حسب المنطقة، وتكون أكثر غزارة في الجنوب بسبب وجود المرتفعات، وتقل كلما اتجهنا شمالا.

تتدفق العديد من الأنهار والبحيرات في جنوب السودان، ويعتبر نهر السوباط أكبرها، إذ يمتد لحوالي 347 كيلومترا من منطقة التقاء نهر بيبور ونهر بارو إلى النيل الأبيض، ويمد النيل بنحو 13.3 مليار متر مكعب سنويا، ما يمثل حوالي 14% من مجموع المياه التي يستقبلها.

إعلان

المناخ

يقع جنوب السودان في المنطقة المدارية، مما يجعل من مناخه استوائيا حارا على مدار العام، مع فصلين رئيسيين: فصل جاف وحار، وآخر ممطر أقل حرارة، ولكنه أكثر رطوبة، وتكون الأمطار موسمية وتتأثر بالتغيير السنوي لمنطقة الالتقاء المدارية للرياح التجارية.

تتفاوت كمية الأمطار حسب المنطقة، فتكون أكثر غزارة في الجنوب بسبب وجود المرتفعات، وتقل كلما اتجهنا شمالا. وتتراوح ما بين 800 و1100 ملم سنويا في معظم أنحاء البلاد، وتصل إلى ذروتها في شهر أغسطس/آب.

تمتد المناطق الجافة في الجنوب الشرقي والشمال الشرقي للبلاد، بينما توجد المناطق الأكثر مطرا في الجنوب الغربي بالقرب من الحدود مع الكونغو الديمقراطية، وتصل فيها كميات الأمطار إلى 1500 ملم سنويا.

السكان

يبلغ عدد سكان جنوب السودان حوالي 12.1 مليون نسمة، وفق تقديرات المكتب الوطني للإحصاء في جنوب السودان لعام 2024، بمعدل نمو سنوي قدره 1.999%، ويمثل سكان جنوب السودان نسبة 0.147% من إجمالي عدد سكان العالم.

يمثل الذكور ما نسبته 49% من مجموع السكان، إذ بلغ عددهم إلى حدود يناير/كانون الثاني 2025 حوالي 5.957.296 نسمة، بينما تشكل الإناث نسبة 51% بتعداد بلغ 6.156.410.

ينقسم السكان إجمالا إلى نحو 60 مجموعة عرقية أصلية و80 قسما لغويا، مما يجعل من جنوب السودان دولة غنية من حيث التنوع السكاني، وتنقسم المجموعات العرقية إلى قبائل نيلية (مثل الشلك والزاندي والنوير والدينكا والشيرلوك والأشولي والجور)، وقبائل سودانية بانتوية (مثل الفرتيت والزاندي)، وقبائل نيلية حامية (مثل المورلي والباريا واللاتوكا).

ينحدر أغلب السكان من أصل أفريقي، ويعتنق معظمهم الديانة المسيحية، في حين يمارس آخرون طقوسا دينية عبارة عن مزيج من المسيحية والمعتقدات الوثنية التقليدية. كما تدين أقلية من سكان جنوب السودان بدين الإسلام، أغلبهم من القبائل ذات الأصل العربي.

إعلان

وفقا لتقرير الحرية الدينية الدولي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2012، يلتزم غالبية سكان جنوب السودان بالمسيحية، في حين لا تتوفر إحصاءات موثوقة عن المعتقدات الوثنية والدين الإسلامي.

محطات تاريخية طبعها التوتر والنزاع

عمدت السلطات الاستعمارية البريطانية إلى تعميق الاختلافات اللغوية والعرقية والدينية بين شمال وجنوب السودان، إذ كانت تنتهج سياسات تمييزية في عدة مجالات، أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وتتوسع الهوة بين أطياف المجتمع المتنوع، إلى أن ساد اعتقاد لدى الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين المسلمين هم تجار رقيق، يشكلون تهديدا وجوديا لهم.

أمعن الاستعمار البريطاني في سياساته التمييزية عن طريق تطبيق ما عرف بسياسة "المناطق المقفولة"، التي حدت من حركة الشماليين في جنوب السودان، وصارت إقامتهم وتنقلاتهم تحتاج لإذن بريطاني صعب المنال، مما حال دون التواصل الثقافي والاجتماعي بين الشمال والجنوب.

قبيل إعلان استقلال السودان عن الاستعمار البريطاني بأشهر قليلة، انطلقت شرارة تمرد الجنوبيين من حامية عسكرية في مدينة توريت الجنوبية عام 1955، وهو التمرد الذي شكل نواة حركة "أنيانيا" التي دخلت في حرب أهلية مع السلطات الجديدة في الخرطوم استمرت أكثر من 17 عاما، متهمة إياها بالتراجع عن وعودها بإنشاء نظام فيدرالي، ومحاولة فرض هوية إسلامية وعربية. وسميت هذه المواجهات بـ"الحرب الأهلية السودانية الأولى".

بعد سنوات من القتال، انتهت الحرب الأهلية السودانية الأولى بموجب اتفاقية أديس أبابا للسلام، التي وقعت في عهد الرئيس السوداني السابق جعفر محمد النميري في مارس/آذار 1972.

وقضت هذه الاتفاقية بدمج قوات حركة "أنيانيا" الجنوبية في صفوف الجيش السوداني، كما منحت الجنوبيين نظام حكم ذاتي لإقليمهم.

وبعد مرور عقد من الزمن، عاد التوتر من جديد ليطبع العلاقة بين شمال وجنوب السودان، واندلع التمرد مجددا في الجنوب عام 1983 بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وجناحها المسلح؛ الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، وكان ذلك عقب إقدام الرئيس النميري على تقسيم الجنوب إلى ثلاث ولايات (أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية).

إعلان

واعتبر الجنوبيون هذا التقسيم نقضا لاتفاقية أديس أبابا التي كانت تنص على إقليم واحد، وكان إعلان النميري في العام ذاته الاعتماد على الشريعة الإسلامية أساسا لحكم البلاد سببا آخر للتصعيد وتأجيج الوضع فيما عرف بـ"الحرب الأهلية السودانية الثانية".

شهدت الحرب فصولا دامية قتل وشرد فيها مئات الآلاف، وتشير الإحصائيات إلى أن ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص قد لقوا مصرعهم، في حين تم تشريد أكثر من 4 ملايين، أثناء فترة الحرب الأهلية التي دامت 22 عاما (1983-2005)، واضطرت أعداد كبيرة من سكان جنوب السودان إلى النزوح إما تجاه الشمال أو إلى البلدان المجاورة، فرارا من القتال.

توالت الأحداث بعد ذلك، في ظل حرب أهلية طاحنة، وظهر أول اتفاق لتقرير المصير بين الحركة الشعبية لتحرير السودان-جناح الناصر برئاسة لام أكول و"حكومة الإنقاذ الوطني" بزعامة عمر البشير في يناير/كانون الثاني 1992. وتم تضمين حق تقرير المصير في إعلان أسمرا للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض عام 1995، والذي كان يضم قوى المعارضة الشمالية، إضافة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان.

وفي عام 2001، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة حسن الترابي (الحليف السابق للرئيس البشير).

في عام 2002، خطا السودان خطوات مهمة نحو السلام، إذ وقعت الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقا في العاصمة الكينية نيروبي يقضي بوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر في جبال النوبة، التي تعتبر أحد المعاقل الأساسية للمتمردين.

بعد فترة قصيرة من محادثات كينيا، وقعت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بروتوكول "مشاكوس" لإنهاء الحرب الأهلية، ووافقت الحكومة بموجبه على منح الجنوب حق تقرير المصير بعد فترة انتقالية مدتها ست سنوات.

إعلان

في عام 2003، وقع الطرفان في نيفاشا بكينيا اتفاقا أمنيا يسمح بدمج القوات في مناطق معينة متنازع عليها، بينما يحتفظ الطرفان بقوات مسلحة منفصلة في المناطق الأخرى.

وفي يناير/كانون الثاني 2005 وقع الطرفان اتفاق السلام الذي تضمن وقفا دائما لإطلاق النار وبروتوكولات تقاسم السلطة والثروة، وحل النزاع في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق وبروتوكول حل النزاع في منطقة أبيي، وتضمن الاتفاق آليات مراقبة دولية وفترة انتقالية مدتها ست سنوات تنتهي باستفتاء على تقرير مصير الجنوب.

جرت المفاوضات التي أفضت إلى هذا الاتفاق برعاية الهيئة الحكومية لدعم التنمية لدول شرق ووسط أفريقيا (إيغاد) وشركائها الأوروبيين، وشهدت دعما دوليا كبيرا، إذ حضر وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول إحدى جلساتها.

في التاسع من يوليو/تموز 2005، أدى زعيم المتمردين السابق جون قرنق اليمين الدستورية نائبا أول للرئيس السوداني ورئيسا لحكومة إقليم الجنوب، وكان ذلك موازاة مع توقيع الدستور الانتقالي الذي منح الجنوب حكما ذاتيا موسعا تمهيدا لاستفتاء تقرير المصير.

لكن سرعان ما عادت أجواء التوتر لتخيم على العلاقة بين الطرفين، بسبب مقتل جون قرنق في حادث تحطم طائرة في الأول من أغسطس/آب 2005، وقد خلفه سلفاكير ميارديت الذي سيصبح فيما بعد أول رئيس لجمهورية جنوب السودان، وشكل في سبتمبر/أيلول 2005 حكومة الوحدة التي أتاحت للجنوبيين فرصة اقتسام السلطة.

في مارس/آذار 2008، شهدت منطقة أبيي الغنية بالنفط اضطرابات دامية، وتصاعدت التوترات بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والقوات المسلحة السودانية، بعد أن عينت جنوب السودان مسؤولا عن المنطقة، في خطوة اعترضت عليها المسيرية (قبائل رعوية ممتدة من جنوب دارفور إلى جنوب كردفان)، وأجرى الطرفان بعد ذلك مفاوضات انتهت بإحالة الأمر إلى هيئة تحكيم دولية.

إعلان

في 22 يوليو/تموز 2009، أصدرت محكمة التحكيم الدولية في لاهاي قرارها بشأن أبيي، بتقليص حدود المنطقة من 18500 كيلومتر مربع إلى 10000 كيلومتر مربع، وهو القرار الذي رحبت به الحكومة السودانية وأكدت التزامها به.

في يناير/كانون الثاني 2011، صوت سكان جنوب السودان بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال عن السودان، وتم الإعلان عن جنوب السودان دولة مستقلة في 9 يوليو/تموز 2011.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2013 اندلعت الحرب الأهلية مجددا في جنوب السودان نتيجة للصراع على السلطة بين سلفاكير ومشار.

ساهمت الانقسامات السياسية الحادة بين الطرفين، وما تولد عنها من توترات عرقية بين قبيلتيهما الدينكا والنوير في تأجيج الصراع.

كما شكلت رغبة كل طرف في السيطرة على الموارد النفطية سببا رئيسيا للنزاع، إذ سعت كل مجموعة للحصول على نصيب أكبر من الثروة.

ومما زاد من تعقيد الوضع أكثر؛ ضعف المؤسسات الحكومية للدولة الوليدة وعدم قدرتها على إدارة البلاد بشكل فعال، الأمر الذي شجع الدول المجاورة وبعض القوى الدولية على التدخل حفاظا على مصالحها، وساهمت بذلك في تفاقم الأزمة.

استمرت جذوة الصراع المسلح مشتعلة على مدى خمس سنوات متواصلة (2013-2018)، في حرب أهلية مدمرة خلفت آثارا إنسانية واجتماعية واقتصادية كبيرة على البلاد.

لم تضع الحرب أوزارها إلا بعد توقيع "اتفاقية فض النزاع المنشطة" في 12 سبتمبر/أيلول 2018 بأديس أبابا (سميت بهذا الاسم لأنها تنشط بنود اتفاقية سابقة أبرمت عام 2015)، وذلك بعد مفاوضات استمرت قرابة عام.

كان الهدف من هذا الاتفاق هو تحقيق السلام والاستقرار المستدامين، وإجراء إصلاحات مهمة في مؤسسات الدولة وسياساتها، وتهيئة الظروف المناسبة لأرضية ديمقراطية تؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة، تنبثق منها حكومة وطنية تعمل على إرساء سلام اجتماعي واستقرار اقتصادي طويل الأمد.

إعلان

نصت الاتفاقية على تشكيل حكومة انتقالية تتولى تنفيذ بنود الاتفاقية والإشراف على الانتخابات قبل شهرين من نهاية الفترة الانتقالية. وقسمت فترة التنفيذ إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الانتقالية ومدتها ثمانية أشهر، تليها المرحلة الانتقالية التي تمتد على مدى 36 شهرا، ولكل مرحلة مهام محددة يجب الالتزام بتنفيذها بموجب الاتفاقية.

في 13 سبتمبر/أيلول 2024 أعلن مكتب الرئيس سلفاكير ميارديت عن تأجيل الانتخابات المقررة في ديسمبر/ كانون الأول 2024 إلى ديسمبر/كانون الأول 2026، مبررا ذلك بالحاجة إلى وقت إضافي لإكمال المهام الأساسية التي نص عليها اتفاق السلام، والمتعلقة بالدستور وعدم إكمال المهام الضرورية للانتخابات، مثل: إجراء إحصاء سكاني وتشكيل المفوضيات المختلفة وتوحيد الجيوش لضمان الاستقرار السياسي.

وعبرت الدول الضامنة لاتفاق السلام عن خيبة أملها وقلقها من خطوة تأجيل الانتخابات وأبدت تخوفها من انهيار اتفاق السلام، ومن الصراعات بين الفصائل المسلحة على أسس عرقية في أجزاء متفرقة من البلاد.

عادت نيران الصراع لتشتعل من جديد، فاندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش الحكومي ومجموعة مسلحة تُعرف باسم "الجيش الأبيض" في منطقة الناصر بولاية أعالي النيل في مستهل مارس/آذار 2025.

على إثر ذلك اعتقلت الحكومة قيادات سياسية وعسكرية بارزة مقربة من مشار، كما اندلعت اشتباكات وتبادل لإطلاق النار في العاصمة جوبا عقب محاولة قوات الأمن اعتقال رئيس جهاز المخابرات السابق، وهي العملية التي ووجهت بمقاومة مسلحة من قوات خاصة.

JUBA - JUNE 13: UN aircraft on tarmac at Juba Airport in Juba, capital of South Sudan on June 13, 2011. According to Reuters, the UN Food Program resumed operations in two states in South Sudan.
مشهد عام لمطار جوبا ومحيطه في عاصمة جنوب السودان (شترستوك)

أبرز المعالم

يتميز جنوب السودان بمعالم طبيعية وثقافية عدة، يمكن أن تشكل نقاط جذب سياحية إذا ما توفر الأمن والاستقرار؛ الشرطان الأساسيان في انتعاش النشاط السياحي. ومن تلك المعالم:

إعلان
  • منتزه بوما الوطني: يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من جنوب السودان بالقرب من الحدود الإثيوبية. تأسس عام 1977 ويغطي مساحة تبلغ حوالي 22800 كيلومتر مربع. والمنتزه موطن لمجموعة متنوعة من الحيوانات البرية مثل الفيلة والزرافات والأسود والعديد من أنواع الظباء.
  • منتزه نيمولي الوطني: يقع في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد على الحدود مع أوغندا. تأسس عام 1954 ويغطي حوالي 540 كيلومترا مربعا. يشتهر المنتزه بمناظره الطبيعية الخلابة، بما في ذلك شلال نيمولي، ويضم مجموعة متنوعة من الحيوانات البرية.
  • نهر النيل: باعتباره من دول حوض النيل، يتميز جنوب السودان بعبور نهل النيل عبر أراضيه، وهو إحدى أهم المعالم الجغرافية في البلاد، ويشكل مصدرا رئيسيا للمياه في المنطقة، كما يعد معلما يمكن الزوار من استكشاف ضفافه والاستمتاع بنشاط صيد الأسماك ورحلات القوارب.
  • جبال إيماتونغ: تقع جبال إيماتونغ في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، توفر مناظر طبيعية خلابة، وتمنح فرصا للمشي لمسافات طويلة تستمتع من خلالها بمشاهدة الحياة البرية. يعتبر جبل كينيتي أعلى قمة في هذه السلسلة الجبلية وأعلى قمة جبلية في البلاد، إذ يبلغ ارتفاعه 3187 مترا فوق مستوى سطح البحر.
  • الأراضي الرطبة: تعتبر الأراضي الرطبة في جنوب السودان، والتي تقع على امتداد النيل الأبيض، أكبر مساحة للأراضي الرطبة في قارة أفريقيا وأحد أكبر المسطحات المائية الرطبة في العالم. تغطي مساحة تقدر بأكثر من 30 ألف كيلومتر مربع في مواسم القحط والجفاف، وتصل إلى أكثر من 130 ألف كيلومتر مربع في مواسم الأمطار. تعد المنطقة موطنا لمجموعة متنوعة من الحيوانات البرية كالتماسيح وفروس النهر، والعديد من أنواع الطيور المهاجرة. تتميز هذه الأراضي الرطبة بأهمية بيئية واقتصادية بالغة، فهي موطن لتنوع بيولوجي هائل من النباتات والحيوانات، ولها دور حيوي في تنظيم المناخ وتخزين المياه.
Aerial of Juba, the capital of South Sudan, with river Nile on the right
نهر النيل يشكل المورد الرئيسي للمياه في جنوب السودان وأحد أبرز دعائم الاقتصاد فيه (شترستوك)

الاقتصاد

تعد جنوب السودان من أغنى الدول الأفريقية من حيث الموارد الطبيعية، يعتمد اقتصاد البلاد بشكل مفرط على النفط، الذي يمثل جميع الصادرات تقريبا وأكثر من 90٪ من الإيرادات الحكومية.

إعلان

بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد حوالي 4.07 مليار دولار أميركي عام 2020، في حين بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 516 دولارا أميركيا عام 2023، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو المعدل الأدنى في العالم.

أما معدل البطالة فقد وصل إلى 12.5% في عام 2023، بينما بلغ معدل التضخم 2.4% في العام نفسه، كما تعاني البلاد من معدلات فقر مرتفعة، إذ يعيش نحو 67.3% من السكان تحت خط الفقر، إضافة إلى ضعف البنية التحتية، إذ إن 8.4% فقط من السكان هم من لديهم إمكانية الوصول إلى الكهرباء.

إلى جانب ذلك تتمتع دولة جنوب السودان بمؤهلات زراعية كبيرة، وتمتلك مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وموارد مائية غنية، أبرزها نهر النيل الذي يوفر فرصا كبيرة للري والزراعة.

وقد انفصل جنوب السودان عن السودان آخذا معه 75% من احتياطي النفط السوداني الذي يقع في الإقليم الجنوبي، مما جعل من القطاع النفطي العمود الفقري للاقتصاد في الدولة الوليدة.

ويشكل النفط أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات الحكومية، و60% من الناتج المحلي الإجمالي، والمصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، ويمتلك جنوب السودان بذلك ثالث أكبر احتياطي نفطي في دول أفريقيا جنوب الصحراء، بعد كل من أنغولا ونيجيريا.

African traditional South Sudan village situated at 200 km North of the Juba City, not far away from the White Nile riverbank, view from above, horizon line.
إحدى القرى في جنوب السودان (شترستوك)

وتتركز معظم الحقول المنتجة للنفط بالقرب من الحدود المشتركة مع السودان شمالا أو تمتد عبرها، في مناطق النوير (بانتيو) والدينكا (فلوج وعداريل)، ومما يميز احتياطيات البلاد النفطية أن أكثر من 90% منها لا تزال غير مستغلة إلى حدود أواخر عام 2024، ما يعطي فرصة كبيرة لتعزيز الإنتاج في المستقبل.

في عام 2021 قدمت الحكومة خمسة تراخيص للتنقيب، استفادت منها كل من شركة بتروناس الماليزية وشركة النفط الوطنية الصينية ومؤسسة النفط والغاز الطبيعي الهندية، وأشرفت شركة ترينيتي إنرجي لتسويق النفط في جنوب السودان على تشغيل مصفاة نفط بنيتو في ولاية الوحدة، بطاقة تكرير تبلغ 10 آلاف برميل يوميا، كما أعلنت عن خطط لإنشاء أربع مصاف أخرى.

إعلان

وتسعى الحكومة عبر هذه التدابير إلى جذب مجموعة متنوعة من المستثمرين الأجانب لتحفيز الاستكشاف وزيادة الإنتاج من النفط الخام، وتتوقع أن تنمو سوق النفط والغاز في جنوب السودان بمعدل نمو سنوي يبلغ 1.5%، ليرتفع من 134.7 ألف برميل يوميا في عام 2021 إلى حوالي 146.7 ألف برميل يوميا بحلول عام 2027.

إلا أن حالة عدم الاستقرار الأمني السائدة بفعل الحرب المستعرة في السودان وتجدد الاشتباكات المسلحة بين الأطراف المتنازعة في جنوب السودان قد تحول دون بلوغ هذه التوقعات.

إلى جانب الثروة النفطية، ترتكز البلاد على الزراعة مصدرا رئيسيا لدخل السكان، رغم أن معظمها زراعة كفاف؛ يعتمد عليها الجنوبيون لسد احتياجاتهم الغذائية فقط. ويمثل قطاع الزراعة في جنوب السودان 15% من الناتج المحلي الإجمالي ويعمل به 80% من السكان.

ويسعى "برنامج التنويع الاقتصادي الوطني" في جنوب السودان -وهو برنامج حكومي يهدف إلى التقليل من الاعتماد على النفط- إلى الاستفادة من الفرص التي من شأنها أن تسمح للمنتجين والتجار بزيادة الإنتاج، وتحسين سلسلة القيمة الزراعية، والاستفادة من الأسواق الإقليمية الناشئة، التي توفرها منطقة التجارة الحرة الأفريقية.

ينتج جنوب السودان الذرة والأرز والقمح والصمغ العربي وقصب السكر والمانغو والباباي والموز والبطاطا الحلوة والقطن والفاصوليا وعباد الشمس والسمسم والفول السوداني، كما ينشط العديد من المزارعين في تربية الأغنام والمواشي الأخرى، إذ تمتلك الدولة 42 مليون رأسا من الماشية.

تبلغ مساحة الغابات في جنوب السودان 7.16 مليون هكتار، ما يمثل 11.3% من إجمالي مساحة الدولة، مما يتيح الاستفادة من نشاط إنتاج الأخشاب الذي بلغ 75.4 مليون متر مكعب في عام 2019.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان