منظمة التجارة العالمية "الوريث الشرعي" لاتفاقية الغات

منظمة التجارة العالمية منظمة دولية مقرها مدينة جنيف في سويسرا، تُعنى بتنظيم التجارة بين الدول الأعضاء، وتُعد الجهة العالمية الوحيدة المختصة بوضع القوانين الدولية المنظمة للتجارة بين الدول.
تهدف إلى ضمان انسياب التجارة العالمية بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية، وتعزيز انفتاح الأسواق ورفع مستوى المعيشة وتنمية الدخل وتوفير فرص العمل وتطوير الإنتاج وتنمية التجارة الدولية.
النشأة والتأسيس
تعود جذور منظمة التجارة العالمية إلى عام 1947، حين أُنشئت الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة المعروفة اختصارا بـ"الغات"، والتي اعتُمدت أساسا لتنظيم التبادل التجاري بين الدول، إلى حين إنشاء وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة تكون مهمتها تنظيم التجارة الدولية، وهو ما لم يتحقق.
وعلى مدى قرابة خمسة عقود، أدّت اتفاقية "الغات" دورا محوريا في تحرير التجارة العالمية وخفض القيود الجمركية.
ومع نهاية ثمانينيات القرن الـ20، ظهرت الحاجة إلى منظمة دولية أكثر شمولا وفاعلية لمراقبة التجارة متعددة الأطراف وحل النزاعات التجارية، ما أدى إلى إطلاق سلسلة من الجولات التفاوضية التي عُرفت بجولة أوروغواي في الفترة بين (1986-1994).
ومن أهم نتائج تلك المفاوضات تأسيس منظمة التجارة العالمية، التي أعلن عنها رسميا في يناير/كانون الثاني 1995، وبذلك أصبحت الوريثة الشرعية لاتفاقية "الغات".
يقع مقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية، وفي عام 2016 ضمت أكثر من 164 دولة عضوا، وتتمثل مهمتها الأساسية في ضمان انسياب التجارة الدولية بأقصى قدر من السلاسة واليسر والحرية، عبر إزالة القيود التجارية وتطبيق مبادئ السوق الحرة.
لم تتوقف مسيرة المفاوضات بانتهاء جولة أوروغواي، بل استمرت جهود تحرير التجارة. ففي فبراير/شباط 1997 تم التوصل إلى اتفاقية خدمات الاتصالات بموافقة 69 حكومة، كما جرى في العام ذاته إبرام اتفاقيات مهمة شملت منتجات تكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية، التي ضمت أكثر من 95% من تجارة البنوك والتأمين والأوراق المالية والمعلومات المالية.
كما وافق الأعضاء في الاجتماع الوزاري لعام 1998 على دراسة موضوعات التجارة الإلكترونية، وفي عام 2000 انطلقت مفاوضات جديدة بشأن الزراعة والخدمات.
أهداف منظمة التجارة العالمية
تسعى منظمة التجارة العالمية إلى تحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية مثل تعزيز الانفتاح الاقتصادي وتيسير التبادل التجاري بين الدول، مع تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
وتتمثل أبرز هذه الأهداف في:
- ضمان انفتاح التجارة العالمية ورفع مستويات المعيشة والدخل، وتوفير فرص الشغل، وتنمية الإنتاج والتجارة الدولية، إلى جانب الاستغلال الأمثل لموارد الاقتصاد العالمي.
- تطوير قطاع الخدمات وتعزيز دور التجارة في التنمية المستدامة، مع التركيز على مساعدة الدول النامية لدمج اقتصاداتها في النظام التجاري العالمي وتحقيق تنمية محلية متوازنة.
- حماية البيئة عبر إدماج البعد البيئي في السياسات التجارية وترسيخ ثقافة الاستدامة.
- إدارة ومراقبة تطبيق الاتفاقيات التجارية المتعلقة بالبضائع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية، وضمان شفافية السياسات التجارية للدول الأعضاء.
- حل الخلافات التجارية بين الدول الأعضاء من خلال آليات قانونية فعّالة لتفسير بنود الاتفاقيات وتنفيذها.
- تطوير القدرات الاقتصادية للدول النامية، من خلال برامج تدريب وتكوين وبناء المهارات، بهدف تمكينها من الاستفادة الكاملة من فرص النظام التجاري العالمي.
- إجراء البحوث الاقتصادية وجمع وتحليل ونشر المعطيات المتعلقة بالتجارة الدولية، بما يدعم صانعي القرار بمعلومات دقيقة ومحدثة.
وتقول المنظمة إن تحقيق هذه الأهداف يوفر مناخا من الثقة والاستقرار، سواء لدى المستهلكين أو المنتجين، بضمان وفرة الخيارات واستمرارية الإمدادات، وفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات والخدمات، وهذا من شأنه أن يسهم في بناء عالم اقتصادي مزدهر، يسوده السلام والاستقرار والمسؤولية.

مهام منظمة التجارة العالمية
تتمثل المهمة الأساسية لمنظمة التجارة العالمية في ضمان انسياب التجارة الدولية بسلاسة وحرية وبشكل متوقع، وذلك عبر مجموعة من المهام المحورية التي تعزز من فعالية النظام التجاري العالمي واستقراره. وتنفذ المنظمة هذه المهام عبر ما يلي:
- إدارة الاتفاقيات الخاصة بالتجارة.
- الوجود كإطار للمفاوضات المتعلقة بالتجارة.
- فض المنازعات المتعلقة بالتجارة.
- مراجعة السياسات القومية المتعلقة بالتجارة.
- معاونة الدول النامية في المواضيع المتعلقة بالسياسات التجارية من خلال المساعدات التكنولوجية وبرامج التدريب.
- التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى.
اتخاذ القرارات
تُتخذ غالبية القرارات الأساسية في منظمة التجارة العالمية من قبل حكومات الدول الأعضاء، إما عن طريق الوزراء الذين يجتمعون عادة مرة كل عامين على الأقل، أو عبر السفراء والمندوبين الدائمين الذين يلتقون بشكل منتظم في جنيف، مقر المنظمة.
يتم اتخاذ القرارات في العادة بإجماع الدول الأعضاء، ثم تُعرض على برلمانات الدول للتصديق عليها واعتمادها بشكل رسمي.
في حال وقوع خلافات تجارية بين الدول الأعضاء، تلجأ المنظمة إلى آلية فض المنازعات، والتي تهدف إلى تفسير الاتفاقيات والتعهدات الموقعة، وضمان التزام كل دولة في سياساتها التجارية بما يتماشى مع القوانين والاتفاقيات الدولية.
يساهم هذا النظام في منع تصاعد الخلافات إلى نزاعات سياسية أو عسكرية، ويُوفّر وسيلة سلمية وفعّالة لحل الخلافات. كما أن تقليص الحواجز التجارية يساعد في تعزيز التعاون بين الدول ويُساهم في تقليل الحواجز الأخرى التي قد تُفرّق بين الشعوب.

تسوية النزاعات التجارية
تقدّم منظمة التجارة العالمية نظاما لحل الخلافات التجارية بين الدول الأعضاء، تم تطويره بشكل كبير مقارنة بما كان معمولا به في إطار اتفاقية "الغات".
بموجب هذا النظام، لا يُسمح لأي دولة باتخاذ إجراءات أحادية ضد دولة أخرى عند وقوع نزاع تجاري. بل يُطلب منها استخدام آلية تسوية المنازعات الخاصة بالمنظمة، وأن تلتزم بالقواعد والقرارات الصادرة عنها.
تبدأ إجراءات تسوية النزاع عادة بمشاورات ثنائية بين الطرفين المتنازعين، ويمكن أن تشمل وساطة المدير العام للمنظمة، وإذا لم تُحل المشكلة بهذه الطريقة، يتم تشكيل لجنة مستقلة للنظر في النزاع.
تعد هذه اللجنة تقريرا أوليا يُعرض على الطرفين لإبداء ملاحظاتهما، ثم يُنقح التقرير ويتم اعتماده بشكل نهائي من قبل جميع الدول الأعضاء، إلا إذا تم الاعتراض عليه بالإجماع، وهو أمر نادر. ويُصبح التقرير ملزما قانونا بعد 60 يوما، ما لم يُقدم أحد الطرفين طلبا للاستئناف.
في حال الاستئناف، تتولى هيئة الاستئناف في المنظمة مراجعة القضية في غضون 60 يوما، وإذا لم يعترض أحد الأعضاء بالإجماع على القرار، فإنه يُعتمد تلقائيا.
بشكل عام، تهدف المنظمة إلى إتمام كل عملية تسوية للنزاع فترة تسعة أشهر، وتُعتبر هذه الإجراءات وسيلة فعالة لضمان احترام القوانين التجارية وتجنب تطور النزاعات إلى صراعات أوسع.

الهيكلة
المؤتمر الوزاري
هو أعلى سلطة في المنظمة، ويتألف من وزراء التجارة للدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية ويعتبر رأس السلطة في المنظمة. ويجتمع مرة كل عامين على الأقل.
وقد انعقد المؤتمر الوزاري الأول في ديسمبر/كانون الأول 1996 في سنغافورة، أما المؤتمر الثاني فعقد في جنيف في مايو/أيار 1998، والثالث في سياتل بالولايات المتحدة الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 1999.
الأمانة العامة
تتكوّن من المدير العام وعدد من الموظفين الدوليين، وتعمل على تنفيذ الأعمال اليومية للمنظمة. يتمتع موظفو الأمانة العامة باستقلالية تامة عن حكومات الدول الأعضاء.
المجلس العام
يضم ممثلين عن الدول الأعضاء في المنظمة، يجتمع مرة واحدة على الأقل شهريا، من مهامه:
- تنفيذ ما يُكلفه به المؤتمر الوزاري.
- حل النزاعات التجارية.
- مراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء.
- الإشراف على عمل المجالس الرئيسية واللجان الفرعية ومجموعات العمل.

المجالس الرئيسية
تتكون من:
- مجلس تجارة السلع: يشرف على عدة لجان، منها اللجنة الزراعية ولجنة الإجراءات الوقائية ولجنة مراقبة المنسوجات ولجنة الممارسات ضد الإغراق، وهو تكدس السلع في سوق إحدى الدول الأعضاء نتيجة تخفيض أو إلغاء التعرفة الجمركية.
- مجلس تجارة الخدمات: يهتم بقطاعات عدة منها خدمات الاتصالات، ولجنة الخدمات المصرفية.
- مجلس حقوق الملكية الفكرية: ويهتم ببحث القضايا المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة.
اللجان الفرعية
- لجنة التجارة والبيئة: تدرس تأثير التجارة على البيئة.
- لجنة التجارة والتنمية: تركز على قضايا الدول النامية وبالأخص الدول الأقل نموا.
- لجنة قيود ميزان المدفوعات: تقدّم استشارات بشأن القيود المفروضة على التجارة لأسباب اقتصادية.
- لجنة الميزانية والمالية والإدارة: تشرف على الشؤون الإدارية والمالية للمنظمة.
مجموعات العمل
وتختص بدراسة الترشيحات لعضوية المنظمة، إضافة إلى مجموعة العلاقة بين التجارة والاستثمار والمجموعة المختصة بسياسة المنافسة.