ماذا تعرف عن صواريخ توماهوك؟

صاروخ عابر للقارات دخل الخدمة عام 1983، واستخدم لضرب أهداف محددة بعيدة. يزن 1.5 طن ومزود بشحنة ناسفة تبلغ 450 كيلوغراما. ويمكن تزويده برأس نووية. قصفت به القوات الأميركية منشآت نووية إيرانية أواخر يونيو/حزيران 2025، وسبق أن استخدمته أيضا في مناطق أخرى منها صربيا والبوسنة والهرسك.
كما استخدمت الولايات المتحدة الأميركية صواريخ توماهوك في حروب العراق وأفغانستان وليبيا ، وفي 7 أبريل/نيسان 2017 قصفت مطار الشعيرات في سوريا بـ59 صاروخا من نوع توماهوك المجنحة انطلاقا من مدمرتين أميركيتين تبحران في شرق البحر الأبيض المتوسط.
التصنيع
بدأ مشروع تطوير صاروخ "توماهوك" في أربعينيات القرن الـ20، لكن الولايات المتحدة علقته من أجل إعطاء الأولوية لبرنامج الصواريخ الباليستية "بولاريس"، الذي بدأت تطويره أثناء فترة الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفياتي السابق.
ومع التقدم التكنولوجي، أعيد النظر في مشروع توماهوك في سبعينيات القرن الـ20، وقد طرحته رسميا شركة "ماكدونل دوغلاس" الدفاعية عام 1983، وكان مصمما في البداية على شكل صاروخ متوسط إلى بعيد المدى منخفض التحليق، ويمكن إطلاقه من منصات سطحية.
منذ ذلك الحين شهد صاروخ توماهوك تحسينات عدة على مر السنين. وبعد سلسلة من عمليات الاستحواذ بين شركات الصناعات الدفاعية، بدأت شركة "رايثيون" المتخصصة في أنظمة الدفاع في إنتاجه، بينما كانت بعض نماذجه قد صُنعت أيضا بواسطة شركة "جنرال دايناميكس" التي أصبحت جزءا من مجموعة بوينغ للدفاع والفضاء والأمن.
وكان أول استخدام لصواريخ توماهوك في حرب الخليج الثانية عام 1991، ضمن عملية "عاصفة الصحراء"، إذ دمرت أهدافا محصنة مثل مواقع صواريخ أرض جو ومراكز القيادة والسيطرة ومحطات الطاقة الكهربائية.

المميزات والمواصفات
يبلغ طول صاروخ توماهوك نحو 5.5 أمتار، ويصل قطره إلى 52 سنتيمترا، بينما تزن رأسه الحربية 454 كيلوغراما. أما وزنه الإجمالي فيبلغ قرابة 1.5 طن.
يحلق بسرعة تصل إلى 800 كيلومتر في الساعة، مع المحافظة على مساره المنخفض، مما يصعّب عملية رصده واعتراضه.
يتميز توماهوك بمدى يتراوح بين 1250 كيلومترا و2500 كيلومتر، ما يمنحه القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف إستراتيجية بعيدة المدى، كما يتميز بمرونة عالية في الإطلاق، إذ يمكن تفعيله من على متن السفن الحربية والغواصات.
القدرات القتالية
يعتمد صاروخ توماهوك في إطلاقه على السفن الحربية والغواصات، مما يمنحه مرونة إستراتيجية عالية في مسارح العمليات المختلفة.
ويعمل بمحرك توربوفان يتيح له التحليق بسرعة دون سرعة الصوت مع قدرة عالية على المناورة والطيران على ارتفاعات منخفضة، مما يساعد في تفادي أنظمة الدفاع الجوي المعادية.
يتميز توماهوك بقدرته على التحليق على ارتفاعات منخفضة جدا تصل إلى 30 مترا عند الاقتراب من الهدف، مما يقلل من احتمالية رصده أو اعتراضه من قبل الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي.
كما يمكنه تعديل مساره أثناء الطيران لاستهداف أهداف متحركة، بفضل تطويره للعمل ضمن شبكة مركزية لتبادل البيانات مع منصات القيادة والسيطرة بعد الإطلاق.
آلية العمل
تعتمد صواريخ توماهوك على منظومة متقدمة من أنظمة الملاحة الذكية تتيح لها إصابة أهدافها بدقة عالية على مسافات بعيدة.
في المرحلة الأولى من الطيران، يستند الصاروخ إلى نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، ونظام الملاحة بالقصور الذاتي لضمان المحافظة على المسار المحدد بدقة منذ لحظة الإطلاق وحتى الاقتراب من الهدف.
وعند اقترابه من منطقة الهدف، يدخل الصاروخ مرحلة التوجيه الدقيق عبر نظام مطابقة تضاريس الأرض، وتتم مقارنة تضاريس الأرض الواقعية مع الخرائط الطوبوغرافية المخزنة مسبقا في ذاكرته الحاسوبية.
في المرحلة النهائية، يستخدم الصاروخ نظام مطابقة المشاهد الرقمية الذي يتيح له مقارنة الصور الحقيقية لما يراه من معالم أرضية أثناء الطيران مع صور مرجعية مخزنة، مما يعزز دقة الإصابة بشكل كبير حتى في بيئات معقدة أو متغيرة.
وقد زُودت الإصدارات الحديثة من صواريخ توماهوك بروابط بيانات متطورة تتيح تعديل مسار الصاروخ أثناء الطيران في الزمن الحقيقي.
هذا التطوير يمكّنه من تنفيذ مهام أكثر تعقيدا، منها البقاء في منطقة الهدف فترة محددة، أو تغيير الهدف أثناء المهمة، أو حتى إلغاء الضربة بالكامل بناء على مستجدات ساحة المعركة.

عائلة توماهوك
منذ إنشائه أُنتجت العديد من النماذج من صاروخ توماهوك، منها:
- تيلام-إن
صاروخ من الجيل الأول يستطيع حمل رأس نووية من طراز دبليو80 بقوة 200 كيلوطن (وحدة لقياس الطاقة التفجيرية) بمسافة إطلاق تصل إلى 2500 كيلومتر، ويوجه باستخدام نظام مدمج من الملاحة بالقصور الذاتي، الذي يعتمد على أجهزة استشعار الحركة ونظام مطابقة التضاريس.
كانت البحرية الأميركية تخطط في البداية لشراء 758 صاروخا من طراز تيلام-إن، لكن لم يُنتج منه سوى 367 فقط.
وبحلول عام 1991 أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب وضع هذه الصواريخ في المخازن، ثم أوصت عملية مراجعة الوضع النووي التي أعدتها إدارة الرئيس باراك أوباما عام 2010 بإلغاء هذا النوع من الصواريخ.
- بي جي إم-109
كان صاروخ "بي جي إم 109 جي غريفون"، أو ما يعرف بصاروخ كروز أرضي الإطلاق، يستند في تصميمه إلى صاروخ توماهوك، لكنه صُمم ليُطلق من الأرض وليس من السفن، وهو مزود برأس حربية نووية.
بدأ تطويره في مطلع سبعينيات القرن الـ20 ودخل الخدمة الفعلية عام 1984. يبلغ مداه نحو 2500 كيلومتر، ويمكنه الوصول إلى سرعات تقارب 800 كيلومتر في الساعة.
حمل صاروخ غريفون رأسا نووية واحدة من طراز "واي 84" بقوة تتراوح بين 10 و50 كيلوطن، ونشرت الولايات المتحدة 322 صاروخا من هذا الطراز على متن 95 مركبة إطلاق متنقلة.
ولكن بعد التوقيع والمصادقة على معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، المبرمة بين أميركا والاتحاد السوفياتي عام 1988، جرى تدمير هذا النظام الصاروخي بالكامل بحلول عام 1991.
- تازم
كان صاروخ "تازم" أول نسخة مضادة للسفن من صواريخ توماهوك، وهو مزود بباحث راداري نشط بدلا من نظام الملاحة بالمطابقة التضاريسية.
يحمل صاروخ تازم رأسا حربية تزن 454 كيلوغراما. ومداه أقصر من النسخ الأخرى، إذ بلغ 460 كيلومترا.
وقد اشتهر بقدرته العالية على المناورة، وهو قادر على اتباع أنماط طيران متعددة. وبإمكانه التحليق على ارتفاعات عالية تصل إلى 450 مترا، أو اتباع مسارات منخفضة بما في ذلك التحليق بمحاذاة سطح البحر. وفي عام 1994، تم سحب جميع صواريخ تازم من السفن الحربية.
- تي إل إيه إم-سي
صاروخ من الجيل الثاني، طورته البحرية الأميركية أواخر سبعينيات القرن الـ20، مزود برأس حربية تزن 454 كيلوغراما، قادر على استهداف القواعد البحرية والمطارات.
وقد استخدم بشكل واسع في عملية "عاصفة الصحراء" أثناء حرب الخليج الثانية، ويصل مداه إلى 1300 كيلومتر عند الإطلاق من السفن و925 كيلومترا عند الإطلاق من الغواصات.
- تي إل إيه إم-دي
يملك الصاروخ نفس نظام التوجيه والدقة الموجود في النسخة "تي إل إيه إم -سي"، لكنه صُمم لاستهداف الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي المكشوفة.
وقد زُود الصاروخ في البداية برأس حربية تحتوي على قنابل التأثيرات المركبة، وهي ذخيرة تتكون من 166 قنبلة صغيرة مضادة للدروع ومتشظية وحارقة. وكان من الممكن إطلاق الحمولة ضد 3 أهداف متعاقبة.
إلا أن الرأس الحربية من النوع المذكور لم تعد مستخدمة، واستُبدلت برأس حربية متشظية موحدة. ويتميز الصاروخ بثلاثة أنماط لمسار الطيران النهائي، إذ يمكنه الهجوم بشكل عمودي أو أفقي على الهدف أو الانفجار مباشرة فوقه.

الجيل الثالث
شملت ترقيات الجيل الثالث من صواريخ توماهوك مزيجا من التحسينات الميكانيكية والتكنولوجية، منها إضافة نظام الملاحة بواسطة الأقمار الاصطناعية، مما قلل وقت التخطيط للمهام من 80 ساعة إلى ساعة واحدة فقط.
وكانت النسختان "تي إل إيه إم-سي" و"تي إل إيه إم-دي" من الجيل الثالث أول ما دمج فيه نظام تتبع المواقع العالمي (جي بي إس). كما أضيفت للصاروخ القدرة على التحليق في دائرة معينة فوق الهدف أثناء انتظار وحدات دعم أخرى.
ورُكب في الصاروخ محرك توربيني مروحي يستهلك وقودا أقل بنسبة 3% مع إنتاج دفع أكثر بنسبة 20%.
الجيل الرابع
تُعد النسخة "تي إل إيه إم-إي" أحدث ترقية في سلسلة صواريخ توماهوك. ويتمتع هذا الصاروخ بقدرته على تغيير مساره أثناء الطيران نحو أهداف مخططة مسبقا أو جديدة.
كما يتميز بوقت إطلاق أسرع وقدرة على التحليق في دائرة معينة فوق الهدف، إضافة إلى مستشعر بصري كهربائي يسمح له بتقديم تقييم فوري للأضرار بعد تنفيذ ضربته.
ويبلغ مدى الصاروخ نحو 900 ميل بحري (1666 كيلومترا)، ويحمل رأسا حربية تزن ألف رطل، وهو النسخة الوحيدة من صواريخ توماهوك التي ظلت تُنتج.

مهام ومحطات
سجّل صاروخ توماهوك أولى مشاركاته القتالية في يناير/كانون الثاني 1991، أثناء حرب الخليج الأولى، حين أطلقته المدمرة الأميركية "يو إس إس بول إف فوستر"، أعقب ذلك إطلاق نحو 300 صاروخ إضافي من السفن والغواصات الأميركية في الأيام التالية من العمليات.
وبحسب بيانات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، حققت الصواريخ دقة إصابة عالية، وأصابت 282 هدفا من أصل 297، إذ قصفت منشآت صناعية وعسكرية حيوية.
استُخدم توماهوك مجددا في يونيو/حزيران 1993 ضد العراق، ردا على محاولة اغتيال استهدفت الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، كما أُطلق في سبتمبر/أيلول 1996 على مواقع عراقية بعد هجوم الجيش العراقي على عهد نظام الرئيس صدام حسين على إقليم كردستان العراق.
وفي إطار العمليات في منطقة البلقان، أُطلق 13 صاروخا من الطراد الحربي "يو إس إس نورماندي" في سبتمبر/أيلول 1995، استهدفت بطاريات صربية مضادة للطيران في منطقة بانيا لوكا بالبوسنة.
وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 1998، أُطلق نحو 415 صاروخ توماهوك على أهداف عراقية بعد رفض العراق الامتثال لمطالب بدخول فرق تفتيش تابعة للأمم المتحدة إلى منشآته العسكرية.
كما استُخدم الصاروخ بشكل مكثف أثناء عمليات حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1999 ضد صربيا والجبل الأسود.
وفي الغزو الأميركي للعراق عام 2003 أُطلق أكثر من 800 صاروخ توماهوك لتمهيد الطريق أمام التقدم السريع للقوات الأميركية.
لم يقتصر استخدام توماهوك على العراق، بل امتد إلى ساحات أخرى شملت أفغانستان والصومال وليبيا. ففي 2011، شارك الصاروخ في تفكيك منظومات الدفاع الجوي الليبية، وأُطلقت دفعات من السفن والغواصات الأميركية وفقا لما أعلنه البنتاغون.
ورغم فعاليته العالية، تعرض استخدام الصاروخ لانتقادات حادة، خاصة بعد حادثة 17 ديسمبر/كانون الأول 2009 في اليمن، حينها أسفر قصف استهدف معسكر تدريب يُشتبه بأنه تابع لتنظيم القاعدة عن مقتل 41 مدنيا معظمهم من النساء والأطفال.
ورغم النفي الأميركي واليمني الأولي، كشفت تحقيقات منظمة العفو الدولية وتسريبات موقع ويكيليكس لاحقا أن الهجوم كان بصواريخ توماهوك أُطلقت من سفينة حربية أميركية.
في 22 يونيو/حزيران 2025، أطلقت البحرية الأميركية نحو 30 صاروخ توماهوك، مستهدفةً مواقع داخل الأراضي الإيرانية، وذلك في سياق التصعيد العسكري المتزامن مع اندلاع المواجهة بين إسرائيل وإيران.
طرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالبيت الأبيض نهاية فبراير/شباط 2025، ملف تزويد القوات الأوكرانية بصواريخ كروز من طراز "توماهوك" –وخاصة من النسخة "تايفون"–في إطار مساعيه لتعزيز القدرات الهجومية لكييف.
وفي 28 سبتمبر/أيلول 2025، صرّح نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس بأن القرار النهائي بشأن تسليم هذه الصواريخ إلى أوكرانيا "يعود حصرا إلى الرئيس"، مؤكدا في الوقت نفسه أن واشنطن تدرس أيضا خيارات أخرى منها تزويد حلف الناتو كييف بصواريخ.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أوضح ترامب أنه لن يوافق على نقل صواريخ توماهوك إلى أوكرانيا قبل معرفة "الهدف من استخدامها"، مشددا على أنه لا يريد تصعيد الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي المقابل حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تسجيل مصوّر نُشر في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2025 من أن أي خطوة أميركية لتزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ "ستدمر العلاقة بين موسكو وواشنطن".