الطائرة "بي-52 ستراتوفورترس" عملاق ترسانة القوات الجوية الأميركية

الطائرة "بي-52 ستراتوفورترس" قاذفة طويلة المدى عابرة للقارات، لها القدرة على حمل الأسلحة النووية، حلقت للمرة الأولى عام 1952، ودخلت الخدمة العسكرية عام 1955. لها 8 محركات تسمح لها بالطيران بسرعة تتخطى ألف كيلومتر في الساعة، ويمكنها الطيران من قواعدها داخل الولايات المتحدة الأميركية إلى أي بقعة في العالم دون الحاجة للتزود بالوقود.

يبلغ طولها 48 مترا وعرضها 56 مترا، وترتفع عن الأرض 12 مترا، ولها القدرة على حمل مئات من صواريخ كروز وأكثر من 30 طنا من القنابل المتنوعة. ولا تمتلك أي دولة أخرى هذا النوع من القاذفات العملاقة أو أي قاذفات أخرى تقترب من إمكانياتها.

النشأة والتصنيع

يعود تاريخ تصنيع قاذفة القنابل بعيدة المدى "بي-52 ستراتوفورترس" إلى بدايات فترة الحرب الباردة، حين أدركت القيادة العسكرية الأميركية ضرورة امتلاك منصة قصف جوية قادرة على إيصال الأسلحة النووية إلى عمق أراضي الاتحاد السوفياتي، دون الاعتماد على قواعد متقدمة أو الحاجة المتكررة للتزود بالوقود.

باشرت شركة بوينغ العمل على التصميم عام 1948، وخصصت النموذج الأولي في الأساس لأغراض الاختبار والتجريب ولم يدخل الخدمة القتالية الفعلية.

ومع مطلع خمسينيات القرن الـ20، دخل المشروع مرحلة الإنتاج الكامل، وأنتجت الشركة 744 طائرة في الفترة بين 1952 و1962، ووزعت على 8 طرازات متعاقبة من (إيه حتى إتش)، تميز كل منها بتحسينات متتالية في المدى والحمولة والتسليح والدفاعات الذاتية وقدرات التزود بالوقود جوا.

A B-52 Stratofortress, flown by Capt. Will Byers and Maj. Tom Aranda, prepares for refueling over Afghanistan during a close-air-support mission in this undated handout photo. U.S. Air Force/Master Sgt. Lance Cheung/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. To match Special Report USA-CHINA/BOMBERS
القاذفة بي 52 تعمل بـ8 محركات (رويترز)

دخلت النسخة الثانية "بي-52 بي" الخدمة الفعلية ضمن قيادة القوات الجوية الإستراتيجية الأميركية، وصممت خصيصا لأداء مهام الردع النووي بعيد المدى.

لاحقا خضعت الطرازات المتتابعة لسلسلة من التحسينات شملت زيادة سعة خزانات الوقود وإدخال أنظمة متقدمة للتزود بالوقود أثناء الطيران، إلى جانب تعزيز قدرتها على حمل كميات ضخمة من القنابل التقليدية، سواء في الحجرة الداخلية أو على نقاط التعليق تحت الأجنحة.

مع تطوير النسخة "بي-52 جي"، شهدت القاذفة تعزيزا ملحوظا في مرونتها العملياتية، وزُوّدت بسعة وقود أكبر، مع أنظمة تسليح متطورة مكنتها من إطلاق صواريخ (جو-أرض) وصواريخ مضادة للسفن، مما وسّع من نطاق مهامها القتالية.

إعلان

أما النسخة الأحدث "بي-52 إتش" فقد مثّلت نقلة نوعية على صعيد الأداء التقني، وذلك لتحويل المحركات النفاثة إلى محركات توربينية مروحية أكثر كفاءة في استهلاك الوقود وأطول عمرا من حيث التشغيل.

وفي ثمانينيات القرن الـ20، خضعت النسختان "جي" و"إتش"، لعملية تسليح نوعية جديدة مكنتهما من حمل وإطلاق صواريخ كروز بعيدة المدى برؤوس حربية نووية وتقليدية.

وأثناء حرب الخليج عام 1991، نفذت النسخة "بي-52 جي" عددا من العمليات البعيدة، وانطلقت من قواعد نائية مثل دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وكذلك من داخل الأراضي الأميركية لتنفيذ ضربات جوية دقيقة على أهداف حيوية في العراق.

وبعد عام 1994 خرجت جميع الإصدارات من الخدمة باستثناء النسخة الأخيرة "بي-52 إتش"، وشاركت في عدد من العمليات العسكرية منها حرب البوسنة والهرسك وحرب كوسوفو والحرب في أفغانستان بين عامي 2001 و2004.

المميزات والمواصفات

تمتاز الطائرة "بي-52 ستراتوفورترس" بعدد من المواصفات الهندسية والتقنية، إذ يبلغ طول جناحيها حوالي 185 قدما (56 مترا)، بينما يصل طول هيكلها إلى 160 قدما و10.9 بوصات (49 مترا).

وتعتمد في دفعها على 8 محركات، موزعة في 4 كبسولات مزدوجة معلّقة أسفل الجناحين، مما يوفر لها قوة دفع كبيرة وثباتا أثناء الطيران مسافات طويلة.

تبلغ السرعة القصوى للطائرة على ارتفاع 55 ألف قدم (17 ألف متر) نحو 0.9 ماخ (أي ما يعادل 960 كيلومترا في الساعة)، بينما تستطيع التحليق بسرعة 0.5 ماخ (600 كيلومتر في الساعة) عند الطيران على ارتفاع منخفض قريب من سطح الأرض، مما يمنحها مرونة تكتيكية في العمليات الجوية متعددة الارتفاعات.

عند دخولها الخدمة كانت الطائرة تُشغل بطاقم مكوّن من 6 أفراد، وكانت مزودة بمدفع في الذيل يتم التحكم فيه عن بُعد لتوفير الحماية الدفاعية الخلفية. ومع تطور التقنيات أزيل المدفع عام 1991، مما أتاح تقليص عدد أفراد الطاقم إلى 5، دون أن يؤثر ذلك على كفاءتها التشغيلية وقدرتها على تنفيذ المهام القتالية بكفاءة عالية.

UNDISCLOSED LOCATION, SOUTH KOREA - MARCH 06: In this handout image released by the South Korean Defense Ministry, A U.S. Air Force B-52H bomber (C), and South Korean Air Force F-15K and KF-16 fighter jets fly over South Korea Peninsula during a joint air drill on March 06, 2023 at an undisclosed location in South Korea. The South Korean and U.S. militaries have announced they will hold their biggest joint field exercises in five years next week. (Photo by South Korean Defense Ministry via Getty Images)
القاذفة بي 52 مصممة لتنفيذ مهام قتالية في مناطق بعيدة والطيران مسافات طويلة (غيتي إيميجز)

التسليح والقدرات القتالية

تتميز الطائرة "بي-52 ستراتوفورترس" بقدرتها على حمل وإطلاق أكبر عدد من الذخائر ضمن الترسانة العسكرية الأميركية، تشمل هذه الترسانة القنابل التقليدية غير الموجهة والقنابل العنقودية والذخائر الذكية دقيقة التوجيه مثل قنابل الهجوم المباشر المشترك (قنابل جدام) إلى جانب صواريخ (جو-أرض) بعيدة المدى وصواريخ "كروز" القادرة على حمل رؤوس حربية نووية أو تقليدية.

وبفضل قدرتها على التحليق مسافات طويلة دون الحاجة للتزود المتكرر بالوقود، وسرعتها العالية، تشمل مهامها الهجوم الإستراتيجي بعيد المدى، والإسناد الجوي القريب للقوات البرية، والقصف التكتيكي للأهداف المحصنة، إضافة إلى عمليات الدعم البحري مثل مكافحة السفن وزرع الألغام البحرية.

كما تضطلع بمهام الاعتراض الجوي الهجومي، فضلا عن تنفيذ عمليات الاستطلاع والمراقبة البحرية واسعة النطاق.

وتعزز الطائرة من قدراتها القتالية عبر مجموعة متقدمة من أنظمة الاستشعار والاستهداف، فقد زُوّدت بأنظمة تصوير حراري تعمل بالأشعة تحت الحمراء، إلى جانب أنظمة استهداف متطورة من طراز "سنايبر" (القناص)، التي لها القدرة على رصد الأهداف من مسافات بعيدة وتتبعها بدقة وتنفيذ مهام تقييم الأضرار بعد الضربات.

إعلان

كما توفر هذه الأنظمة إمكانية الاستهداف الليلي عبر استخدام الطيارين نظارات الرؤية الليلية، مما يتيح لهم التحليق الآمن وتجنب العقبات والرادارات المعادية أثناء الطيران في ظروف الظلام الدامس.

مهام ومحطات

رغم مكانتها ضمن أشهر القاذفات في التاريخ العسكري، فإن الطائرة "بي-52 ستراتوفورترس" ليس لها سجل قتالي خال من الخسائر. فقد تمكنت القوات الفيتنامية الشمالية من إسقاط أكثر من 30 منها بصواريخ سام الروسية المضادة للطائرات أثناء حرب فيتنام عام 1972.

ومع تصاعد العمليات العسكرية عام 1965، كان للنسختين "بي-52 دي" و"بي-52 إف" دور محوري في تنفيذ مهام القصف الجوي المكثف، وانطلقت الطائرات من قواعدها الجوية في جزيرة غوام وأوكيناوا وتايلند لضرب أهداف عسكرية وصناعية شمال وجنوب فيتنام.

وبعد انتهاء حرب فيتنام استخدمت واشنطن القاذفة في كل حروبها التالية، بدءا من حرب الخليج عام 1991، ثم حرب البلقان عندما شنت هجمات على جمهورية يوغسلافيا السابقة عام 1999، ثم حرب أفغانستان في 2001 وغزو العراق عام 2003.

ولم يقتصر استخدامها على الحروب الكبرى فحسب، بل واصلت أداء المهام الدقيقة في العمليات الجوية الحديثة، إذ استخدمتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الغارات الجوية التي استهدفت مناطق شرق سوريا عام 2018.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان