ما تأثير الاعترافات الدولية المتتالية على اقتصاد فلسطين وإسرائيل؟

اعترفت كل من بريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال رسميا بدولة فلسطين، لترتفع بذلك حصيلة الدول التي اتخذت هذه الخطوة إلى 153 دولة من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة.
وأعلنت 11 دولة، من بينها مالطا ولوكسمبورغ وفرنسا وأرمينيا وبلجيكا، عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في سبتمبر/أيلول الجاري.
ومع انضمام فرنسا إلى القائمة قريبا، ستتمتع فلسطين باعتراف 4 من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، حيث كانت الصين وروسيا قد اعترفتا بدولة فلسطين منذ عام 1988.
وقوبل التطور بترحيب واسع في المنطقة والعالم، باعتباره خطوة تعزز الاعتراف الدولي بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، في مقابل غضب وتنديد إسرائيلي واسع النطاق.
وتعارض الولايات المتحدة خطوات الاعتراف التي اتخذها حلفاؤها الأوروبيون، وقد فرضت عقوبات على مسؤولين فلسطينيين، بما في ذلك منع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وشخصيات فلسطينية أخرى من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد رفض منحهم التأشيرات.
الناتج المحلي الإجمالي لأبرز الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية
فيما يلي قيمة الناتج المحلي الإجمالي لكل من بريطانيا وكندا وأستراليا وإسبانيا والبرتغال عام 2024 استنادا إلى بيانات البنك الدولي:
- بريطانيا: 3.64 تريليونات دولار
- كندا: 2.24 تريليون دولار
- أستراليا: 1.75 تريليون دولار
- إسبانيا: 1.72 تريليون دولار
- البرتغال: 308.6 مليارات دولار
حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل
يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، حيث استحوذ في عام 2024 على نحو 32% من إجمالي تجارتها السلعية، في حين لم تمثل إسرائيل سوى 0.8% من تجارة الاتحاد الأوروبي العالمية.
وبلغ حجم التبادل السلعي بين الجانبين 42.6 مليار يورو (46.2 مليار دولار)؛ إذ استوردت إسرائيل من الاتحاد ما قيمته 26.7 مليار يورو (28.97 مليار دولار)، تصدرتها الآلات ومعدات النقل (43%) والمواد الكيميائية (18%). وفي المقابل، بلغت صادرات إسرائيل إلى الاتحاد 15.9 مليار يورو، كان أبرزها أيضا الآلات ومعدات النقل (43.9%) والمواد الكيميائية (18%) وفقا للمفوضية الأوروبية.
أما على صعيد الخدمات، فقد وصل حجم التبادل إلى 25.6 مليار يورو (27.78 مليار دولار) عام 2023، منها 10.5 مليارات يورو واردات للاتحاد من الخدمات الإسرائيلية، 15.1 مليار يورو (16.4 مليار دولار) صادرات أوروبية وفقا لمنصة يورو نيوز.
وفيما يتعلق بالمملكة المتحدة، فقد بلغ إجمالي حجم تجارتها مع إسرائيل 5.8 مليارات جنيه إسترليني (7.83 مليارات دولار)، منها 3.3 مليارات جنيه إسترليني (4.46 مليارات دولار) صادرات بريطانية، كان معظمها في قطاع الخدمات (1.8 مليار جنيه إسترليني). وفقا لتقرير صادر عن وزارة الأعمال والتجارة البريطانية.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما أثر هذا الاعتراف الدولي الواسع بالدولة الفلسطينية على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي؟
الأثر على الاقتصاد الفلسطيني
يرى الباحث الاقتصادي الفلسطيني البروفيسور سامي ميعاري أن الاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية لن تترك أثرا اقتصاديا أو تجاريا مباشرا على فلسطين، بقدر ما تمثل مؤشرا على تصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية على إسرائيل.
وأوضح ميعاري في حديثه للجزيرة نت أن هذه الاعترافات لا تُترجم بشكل فوري إلى مكاسب اقتصادية فلسطينية، خصوصا في ظل استمرار بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي يُكرّس سيطرة الاحتلال على المعابر والموارد الجمركية التي تجبيها تل أبيب نيابة عن السلطة الفلسطينية.
مع ذلك، يضيف ميعاري أن لهذه الاعترافات جانبا إيجابيا محتملا يتمثل في تعزيز فرص الحصول على مزيد من المساعدات والمنح الدولية، التي تراجعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية لتشكل نحو 5% فقط من إجمالي إيرادات السلطة، بعد أن كانت تتراوح بين 40% و50% قبل عام 2000، كما قد تسهم هذه الاعترافات في التخفيف من ضغوط فاتورة الأجور التي تثقل كاهل الموازنة الفلسطينية.
من جانبه، يرى مؤسس ومحرر موقع وصلة للاقتصاد والأعمال، نبيل أرملي أن الاعتراف بدولة فلسطين يمثل خطوة ذات أهمية سياسية ودبلوماسية بالغة، تعزز مكانة الفلسطينيين على الساحة الدولية، إلا أن انعكاساته الاقتصادية ستبقى محدودة جدا على المدى القريب، وضعيفة على المدى المتوسط، وربما تكتسب وزنا أكبر فقط على المدى البعيد.
ويوضح أرملي في تعليق للجزيرة نت أن الخلل البنيوي العميق في الاقتصاد الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، يتمثل في تبعيته شبه المطلقة للاقتصاد الإسرائيلي، فإسرائيل تتحكم بالمعابر والحدود والمجال الجوي والأرض والموارد الطبيعية، كما تُفرض العملة الإسرائيلية (الشيكل) عملة متداولة، ويخضع النظام المصرفي الفلسطيني لرقابة إسرائيلية مباشرة، وهذه التبعية -التي تم تكريسها عبر بروتوكول باريس المنبثق عن اتفاقيات أوسلو- تجعل إسرائيل قادرة على شل الاقتصاد الفلسطيني بالكامل متى أرادت.
وانطلاقا من هذا الواقع، يؤكد أرملي أن الاعتراف الدولي وحده لن يحدث أثرا جوهريا على الاقتصاد الفلسطيني كليا، لكنه قد ينعكس إيجابا على الوضع المالي للسلطة الفلسطينية من خلال:
- إمكانية اقتران الاعترافات بدعم مالي مباشر لموازنة السلطة، بما يعزز قدرتها على الصمود وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
- منح بعض الدول تسهيلات أو إعفاءات جمركية للمنتجات الفلسطينية.
- تحسين مكانة البنوك والمؤسسات المالية الفلسطينية في المنظومة المصرفية العالمية.
- فتح المجال أمام السلطة، على المدى المتوسط والبعيد، لدخول "أسواق الدين" الدولية، شريطة تنفيذ إصلاحات هيكلية.
أما في شأن الاستثمارات الأجنبية، فيرى أرملي أنها لن تشهد تحسنا في المدى القريب، نظرا لانعدام بيئة استثمارية مناسبة في ظل الاحتلال والسياسات الإسرائيلية الراهنة.
وبخصوص التأثير على الاقتصاد الفلسطيني رجح الاقتصادي والمحاضر السابق في جامعة النجاح الوطنية في الضفة الغربية يوسف عواودة "كرد فعل إسرائيلي على موجة الاعترافات، ستتعاظم ممارسات التضييق والانتقام والحصار على قرى ومدن الضفة الغربية وستتردى الأوضاع الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة"
وتابع في حديث للجزرة نت "ستقترب السلطة الفلسطينية أكثر فأكثر من لحظة الانهيار.."
وخلص إلى أنه إذا كانت حكومة اسرائيل تستعد لمواجهة عزلة اقتصادية فعلى السلطة الفلسطينية الاستعداد لآثار وارتدادات ذلك على الفلسطينيين في الضفة وتهيئة المجتمع لاقتصاد محلي وتكافلي.
الأثر على الاقتصاد الإسرائيلي
يعتقد البروفيسور سامي ميعاري أن التأثير الأبرز لحملة الاعترافات والعقوبات الدولية سيكون على الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال عزوف المستثمرين الدوليين عن دخول السوق الإسرائيلية، وتراجع إدراج الشركات الإسرائيلية في البورصات والأسواق العالمية.
ويشير ميعاري إلى أن قطاعات واسعة في إسرائيل بدأت فعلا بالتأثر، وعلى رأسها قطاع التشييد والبناء الذي انكمش 12% مؤخرا، في وقت تتجه فيه الشركات الإسرائيلية إلى الاستثمار في الخارج بدلا من الداخل، مما يعكس نزيفا متزايدا لرؤوس الأموال نحو الأسواق العالمية.
من جانبه، يرى نبيل أرملي أن موجة الاعترافات الدولية الواسعة بدولة فلسطين تشكل تحديا حقيقيا للاقتصاد الإسرائيلي، إذ تزيد من عزلته السياسية وتفتح الباب أمام تصاعد الضغوط لفرض عقوبات اقتصادية، سواء عبر فرض قيود على الصادرات والواردات، أو تراجع محتمل في التصنيف الائتماني، أو اتساع رقعة المقاطعة للمنتجات والسياحة الإسرائيلية وما قد يتبع ذلك من تداعيات اقتصادية.
لكن أرملي يشير في الوقت نفسه إلى أهمية إدراك قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على امتصاص هذه الضغوط، بفضل الدعم الأميركي غير المحدود حيث تبقى قدرة إسرائيل أكبر بكثير من قدرة الاقتصاد الفلسطيني الهش على مواجهة العقوبات والقيود الإسرائيلية المباشرة، ومن ثم، فإن تجاهلت الدول الداعمة لفلسطين هذه الحقيقة، فإن اعترافاتها قد تبقى مجرد خطوات رمزية وبيانات سياسية لا تتجاوز حدود إعلان النوايا.
بدوره، قال الاقتصادي يوسف عواودة: إن موجة الاعترافات وما سينجم عنها من توترات سياسية بين إسرائيل والدول المعترفة ستؤدي إلى تعميق العزلة الإسرائيلية اقتصاديا، وإلى تعاظم موجة المقاطعة الاستهلاكية وموجة إلغاء العقود والصفقات الحكومية. وأضاف أن "هذه العزلة ستزيد من مرض الاقتصاد الإسرائيلي وتفاقم العجز المالي".
وأشار إلى أن خطاب "نتنياهو" مؤخرا حول "نموذج إسبارطة" يحمل في طياته تهيئة للمجتمع الإسرائيلي للقادم السيئ.
وختاما، تكشف الاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين عن تحول سياسي مهم يعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، لكن أثرها الاقتصادي يظل متفاوتا، إذ يمنح الفلسطينيين دعما معنويا ودبلوماسيا قد يترجم إلى مكاسب تدريجية، في حين يفرض على إسرائيل تحديات متصاعدة قد تتجلى في عزلة سياسية وضغوط اقتصادية متزايدة، ويبقى مدى فاعلية هذه الاعترافات مرهونا بقدرة المجتمع الدولي على تحويلها من مجرد مواقف رمزية إلى خطوات عملية على الأرض.

