مزايا كثيرة ومخاطر.. خبراء يتحدثون للجزيرة نت عن تحويل الحكومة العراقية البطاقة التموينية الورقية إلى إلكترونية
بغداد– ضمن مشروع التحول إلى الأتمتة الإلكترونية في المعاملات الحكومية الذي تبناه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضمن برنامجه الحكومي أعلنت وزارة التجارة الأسبوع الماضي المباشرة بتحويل البطاقة التموينية الورقية إلى إلكترونية.
وكشفت الوزارة عن بدء المشروع في محافظة النجف (جنوب) كخطوة أولى وكنموذج سيعمم في ما بعد على جميع المحافظات، وذلك وفق ما أكده وزير التجارة أثير داود الغريري في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع).
ويأمل الغريري أن يساعد المشروع المواطنين في الحصول على حصصهم من مكونات البطاقة التموينية من المواد الغذائية بشكل دقيق، مع الحد من التلاعب، وتلافي الإجراءات الروتينية، وذلك من خلال تطبيق ذكي.
ويثير شروع الوزارة بالتحول إلى النظام الإلكتروني العديد من التساؤلات عن مزايا النظام الجديد، وعن المخاطر التي قد تنجم عن ذلك في حال تسربت بيانات العراقيين الشخصية.
حيثيات البطاقة التموينية
وكانت البطاقة التموينية قد صدرت للمرة الأولى في العراق عام 1990 بعيد غزو العراق الكويت، في محاولة من الحكومة العراقية آنذاك لتخفيف الآثار الاقتصادية التي تسبب بها فرض مجلس الأمن الدولي حصارا اقتصاديا على العراق نتيجة الغزو.
وكان الهدف من اعتماد البطاقة حصول كل أسرة داخل العراق على حصة غذائية شهرية بسعر رمزي، توزع من قبل وزارة التجارة عبر وكلاء التموين في مراكز التموين في كل منطقة ومدينة ومحافظة، لكن سرعان ما تحولت البطاقة التموينية إلى وثيقة رسمية معتمدة بشكل رئيسي في دوائر الدولة العراقية.
وتتضمن البطاقة التموينية اسم معيل الأسرة واسم المحلة والزقاق والدار وعدد أفراد العائلة واسم وكيل التوزيع عموما، وعلى الرغم من عدم توفر إحصائية حديثة بعدد الوكلاء فإن تقارير تشير إلى وجود نحو 45 ألف وكيل يتولون توزيع المواد الغذائية.
مزايا البطاقة التموينية الإلكترونية
وعما إذا كانت أتمتة البطاقة التموينية ستعالج مشكلة وجود عشرات آلاف الأسماء الوهمية التي تتلقى مواد غذائية من خلال البطاقة التموينية الورقية يقول المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون إن البطاقة الإلكترونية ستساعد في السيطرة على الأفراد المسجلين فعليا في البطاقة التموينية من الموجودين داخل البلاد، فضلا عن منع التكرار والأسماء الوهمية.
وفي حديثه للجزيرة نت أكد حنون أن البطاقة التموينية الإلكترونية ستساهم في معالجة المشكلات الحالية، حيث ستتيح للمواطن مخاطبة المركز التمويني والتحقق من المواد الموجودة من خلال تطبيق ذكي على الهاتف أطلق عليه "البطاقة الإلكترونية"، فضلا عن دورها في إيصال كل ما يتعلق من خدمات للمواطنين الذين سيتمكنون من خلال التطبيق طلب ما يحتاجونه، حسب قوله.
ولا تقف المزايا عند هذا الحد، إذ يضيف حنون أن البطاقة الإلكترونية ستتيح للمواطن معرفة المواد الغذائية والمنشأ والكمية وتاريخ وصولها إلى الوكلاء وموعد تجهيزها، كما ستوفر قاعدة بيانات كبيرة من خلال استبيان يضم 35 سؤالا ستساعد الإجابة عنها وزارة التجارة في تحديد العوائل التي تحت خط الفقر لغرض استهدافها ببرنامج البطاقة التموينية، كما أشار المتحدث باسم الوزارة.
أما عن تنفيذ المشروع فأوضح أن تنفيذ المشروع مستمر في محافظة النجف، مع وصول نسبة الإنجاز إلى 70%، حيث سينتقل تطبيق المشروع إلى المحافظات العراقية تباعا في المستقبل القريب.
تحديات
تحديات كبيرة تواجه وزارة التجارة لتطبيق نظام البطاقة التموينية الإلكترونية، وفق عضو لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة في البرلمان العراقي سوران عمر.
وأضاف عمر أن مشروع الأتمتة يحتاج إلى مبالغ طائلة مع مدة لا تقل عن 5 سنوات لإنجازه.
وفي ما يتعلق بمدى توفر الإمكانيات للتحول الإلكتروني في هذا المشروع، بين عمر -في تصريح للجزيرة نت- أن العراق استطاع أتمتة نظام استلام رواتب الموظفين الحكوميين، فيما لا تزال المجالات الأخرى -مثل بطاقة مفوضية الانتخابات- تعاني، منبها إلى أن أمن بيانات المواطنين وخصوصيتهم سيعتمدان على الشركة التي ستتم إحالة تنفيذ المشروع إليها، وفق تعبيره.
ولمعرفة ما يمكن أن يحمله مشروع التحول إلى الأتمتة من مخاطر تتعلق ببيانات وخصوصية المواطنين تواصل مراسل الجزيرة نت مع وزارة الصناعة، وهي الجهة المعنية بتنفيذ مشاريع الأتمتة لمؤسسات ودوائر الدولة العراقية، إذ أوضحت المتحدثة باسم الوزارة ضحى الجبوري أن إجراءات تنفيذ مشاريع الأتمتة تصاحبها مخاطر عمليات الاختراق والتتبع، والتي من الممكن حدوثها حتى على مستوى البلدان المتقدمة.
وبينت الجبوري أن دور الجهات المتخصصة يتمثل بتقليل تلك المخاطر إلى أقل درجة ممكنة من خلال تطبيق معايير عالمية للمكافحة بواسطة الأجهزة والبرامج المتخصصة لإيقاف حالات الاختراق أو التتبع، بالإضافة إلى مراقبة طريقة وسير تدفق البيانات ضمن شبكة المعلومات.
وأضافت أن الأتمتة لا تخدم تنظيم سير الإجراءات أو تسهيل المعاملات وتوفيرها للجميع فقط، بل تعد وسيلة مهمة وفعالة من خلال التقارير التي توفرها والتي ستكون مرجعا لدراسة السلوك والظواهر الاجتماعية ونشر الوعي بين أبناء المجتمع.
وقالت الجبوري "إن الأتمتة بمفهومها العام ضرورية وحتمية لكل بلد يطمح للنمو والتطور في جميع الأصعدة، بحيث لا يمكن تجاهلها، خصوصا في الوقت الحاضر الذي تعتبر فيه لغة للتواصل بين جميع القطاعات بكل أنواعها ومجالاتها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي".
على الجانب الآخر، لم يستبعد المتخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات حسن فلاح فخر الدين احتمالية وجود مخاطر في حالة أتمتة البطاقة التموينية، معللا ذلك بالقول "إن قواعد البيانات تحتوي على كافة بيانات المواطنين وعناوين إقامتهم وأرقام هواتفهم، لذلك فإن التحول إلى التعاملات الإلكترونية يتطلب استعدادات كبيرة وتأمينا كبيرا لقواعد البيانات لتحقيق الهدف من تحويل التعاملات من الورقية إلى الإلكترونية بالشكل المطلوب".
متطلبات
وأوضح فخر الدين -في حديثه للجزيرة نت- متطلبات أتمتة البطاقة التموينية وتحدياتها بالقول "إن مقترح أتمتة البطاقة التموينية جاء لتجاوز الروتين، وتوسيع استهداف الطبقات الفقيرة في المجتمع، إلا أنه بحاجة لتوافر استعدادات خاصة من أجل تطبيقه".
وبين أن وزارة التجارة بحاجة لتحديث قاعدة بيانات المواطنين العراقيين، وأنها يجب أن تشمل جميع الفئات المشمولة بالبطاقة التموينية الإلكترونية، لافتا إلى أن تنفيذ المشروع يتطلب أجهزة حديثة ووحدات تخزين خاصة بالوزارة (سيرفر) للاحتفاظ بالمعلومات والبيانات، إضافة إلى ضرورة توفير أجهزة لطباعة البطاقات الإلكترونية، وأجهزة قارئة لها يزود بها وكلاء البطاقة التموينية، الأمر الذي يتطلب تدريب الكوادر البشرية ذات العلاقة، حسب تعبيره.
يشار إلى أن وزارة التجارة تضطر لتوزيع حصة البطاقة التموينية من المواد الغذائية على جميع العراقيين البالغ عددهم 42 مليون نسمة، وذلك لعدم امتلاكها قاعدة بيانات رصينة يمكن أن تعتمد عليها في حجب غير المستحقين ممن هم خارج البلاد أو المتوفين أو أصحاب الشركات وذوي الدخل المرتفع الذين يقدر عددهم بنحو 5 ملايين نسمة، حسب تصريح أدلى به الوكيل الإداري لوزارة التجارة ستار الجابري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.