تتطلع لإنتاج 500 ألف مركبة سنويا.. السعودية تسرع خطواتها لدخول عالم صناعة السيارات الكهربائية
تتواصل جهود المملكة العربية السعودية الرامية إلى تنويع اقتصاد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وذلك من خلال التوسع في جذب وتوطين الصناعات غير النفطية، ومن بينها صناعة السيارات الكهربائية.
وتسعى المملكة إلى أن تصبح مركزا لتصنيع المركبات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط، في إطار خطة لتنويع اقتصادها، وذلك بحلول 2030.
وأعلن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح الأسبوع الماضي أن المملكة تسعى لإنتاج 500 ألف سيارة كهربائية سنويا بحلول 2030، مشيرا إلى إعلان مرتقب في النصف الأول من العام الحالي عن مشروع شراكة جديد بين السعودية وشركة عالمية لإنتاج السيارات الكهربائية.
وقال الفالح في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" إن جهود تنويع الاقتصاد متواصلة على قدم وساق، مؤكدا أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة أصبحت تشكل قرابة 3% من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، ومتوقعا أن تصل إلى 5.7% بحلول 2030.
جهود متواصلة
دخلت السعودية رسميا عالم صناعة وتطوير السيارات الكهربائية عبر إطلاق أول علامة تجارية للمركبات الكهربائية في المملكة تحت مسمى "سير"، والتي كشف عنها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وتعد شركة "سير" مشروعا مشتركا بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة "فوكسكون" (Foxconn) التايوانية، وستقدم شركة "بي إم دبليو" (BMW) الألمانية تراخيص مكونات السيارات الكهربائية للشركة.
وستقوم "سير" بتصميم وتصنيع وبيع السيارات الكهربائية، كما ستعمل على صنع أنظمة تقنية مع خاصية القيادة الذاتية للسيارات، إضافة إلى مساهمتها في تحقيق أهداف المملكة في تخفيض انبعاثات الكربون والمحافظة على البيئة تعزيزا للتنمية المستدامة، إذ من المقرر أن تكون سيارات الشركة متاحة للبيع في 2025.
ومن المتوقع أن تجذب شركة "سير" استثمارات أجنبية للمملكة تصل إلى 562 مليون ريال (حوالي 150 مليون دولار)، إلى جانب توفيرها 30 ألف فرصة عمل ومساهمتها في الناتج المحلي بـ30 مليار ريال (8 مليارات دولار) بحلول 2034.
وتعليقا على جهود المملكة العربية السعودية من أجل التوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، يقول الخبير والمستشار الاقتصادي السعودي سليمان العساف إن المملكة ثاني منتج للنفط وأول مصدر له في العالم، ولكن رغم ذلك تتجه للدخول في مجال صناعة السيارات الكهربائية.
وأشار العساف -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن "الهدف هو التماشي مع التوجه العالمي نحو هذا النوع من المركبات من أجل الحفاظ على البيئة وتقليل التكلفة المادية وتوفير الطاقة".
وأضاف أن السعودية أدركت أهمية هذا القطاع، وساهمت بنسبة كبيرة في شركة "لوسيد" (Lucid) لصناعة السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى استقطاب عدة شركات عالمية أخرى وتوقيع اتفاقيات معها من أجل إنشاء مصانع بالمملكة من أجل أن تكون الرياض رائدة في صناعة السيارات الكهربائية، سواء من ناحية التجميع في البداية، أو صناعة المكونات والدخول في الأجزاء والمكونات الحساسة لهذه الصناعة لاحقا.
استثمارات نوعية
ويأتي الإعلان عن إطلاق أول علامة تجارية "سير" لصناعة السيارات الكهربائية في السعودية بعد نحو 6 أشهر من توقيع مجموعة "لوسيد" للسيارات الكهربائية اتفاقية بدء إنشاء أول مصنع إنتاج متكامل لسياراتها الكهربائية في المملكة.
وتسعى "لوسيد" المنافس الأميركي لـ"تسلا" (Tesla) إلى إنتاج 150 ألف سيارة سنويا بعد إكمال مصنعها في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بمدينة رابغ على ساحل البحر الأحمر غربي السعودية، علما أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يمتلك حصة الأغلبية (62%) في "لوسيد" التي تتداول أسهمها بالسوق الأميركية.
وأثناء حفل التوقيع الرسمي لبناء مصنع "لوسيد" للسيارات الكهربائية باعتباره أول مصنع خارج الولايات المتحدة، قال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف إن هذا المشروع سينتج 300 ألف سيارة كهربائية قبل 2030، معتبرا أن وجود المصنع الثاني للشركة على مستوى العالم في السعودية دلالة كبيرة على أن المملكة قادرة على جذب استثمارات نوعية حديثة.
وتماشيا مع رؤية المملكة للتحول نحو الطاقة النظيفة وتخفيض انبعاثات الكربون وقعت "مجموعة عبد اللطيف جميل" السعودية متعددة النشاطات في يونيو/حزيران الماضي اتفاقية مع "غريفز إلكتريك موبايلتي" (Greaves Electric Mobility) الهندية للمركبات الكهربائية لاستثمار 825 مليون ريال (220 مليون دولار) في الشركة.
وستقوم المجموعة السعودية باستثمار أولي بقيمة 560 مليون ريال (150 مليون دولار) مقابل حصة 35.8% في الشركة الهندية، يليه استثمار بقيمة 262 مليون ريال (70 مليون دولار) خلال 12 شهرا.
وتعد الاتفاقية ثاني خطوة استثمار سعودية بهذا المستوى الضخم في مجال السيارات الكهربائية بعد اتفاقية إنشاء مصنع "لوسيد" باعتباره أول مصنع إنتاج متكامل للسيارات الكهربائية في السعودية.
وفي السياق نفسه، أعلنت شركة "سمو القابضة" السعودية الأسبوع الماضي إنتاج أولى سياراتها الكهربائية خلال فترة 12 إلى 18 شهرا.
وأوضح الرئيس التنفيذي للشركة سعيد النهدي في مقابلة مع قناة "اقتصاد الشرق" أن "سمو القابضة" اختارت شركة "إنوفيت موتورز إنترناشيونال" (Enovate Motors International) الصينية شريكا لإنشاء مصنع لإنتاج السيارات الكهربائية في المملكة بطاقة إنتاجية تبلغ 100 ألف سيارة سنويا.
وأشار النهدي إلى أن الشركتين وقعتا مذكرة التفاهم خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
محطة مهمة في الشرق الأوسط
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي السعودي سليمان العساف إلى أنه في ظل اهتمام المملكة بالهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة واتجاهها في الوقت الحالي نحو الصناعات الكهربائية "فإنها تسعى لأن تصبح محطة مهمة في منطقة الشرق الأوسط لقطاع الخدمات وقطاع الطاقة النظيفة، وهذا ما تتم ملاحظته بقوة في مشروع نيوم، بالإضافة إلى المشروعات المتعلقة بالطاقة المتجددة، والتي يساهم فيها بقوة صندوق الاستثمارات العامة السعودي".
ويتوقع العساف في الختام أن تضخ المملكة أكثر من 80 مليار ريال سعودي (نحو 21 مليار دولار) في هذه الصناعة من أجل استقطاع حصة مهمة من قطاع السيارات الكهربائية على مستوى العالم في ظل الاتجاه الدولي نحو هذه الصناعة، والتي من المنتظر أن تسيطر على سوق السيارات في عام 2050.
من جهته، يقول الخبير السعودي المختص في شؤون الاقتصاد والطاقة عايض آل سويدان إن رؤية "السعودية 2030" وإستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة الطموحة تركزان على إطلاق وتمكين القطاعات الواعدة ذات الأولوية في المملكة، والتي تتضمن قطاع السيارات والتعدين.
ويشير آل سويدان إلى أن المملكة لديها ثروات هائلة في قطاع التعدين تصل قيمتها لأكثر من 1.3 تريليون دولار، لذلك تسعى إلى الاستفادة منها في تطوير عدة قطاعات، أهمها قطاع الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية.
ويؤكد آل سويدان في تصريح للجزيرة نت أن السعودية عازمة على خوض غمار صناعة السيارات الكهربائية، سواء كان ذلك من خلال عمليات الاستحواذ والتشارك، أو حتى تجاوز ذلك وإطلاق أول علامة تجارية سعودية لصناعات السيارات الكهربائية مثل علامة "سير".
ويضيف الخبير الاقتصادي أنه من خلال هذا التعاون سيتم تصنيع السيارات الكهربائية بالكامل داخل المملكة، وأن "أهمية صناعة السيارات الكهربائية تكمن في نقل المعرفة والإمكانيات وتبادل الخبرات وخلق وظائف عالية الجودة وتنويع مصادر الدخل، وأيضا زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة".
وأشار إلى أن هناك حديثا عن احتمال دخول شركات سيارات كورية جنوبية إلى المملكة خلال العام الجاري لترفع نسبة الشركات الكهربائية الموجودة في البلاد.