عبر استهداف 6 آلاف موقع أثري.. هكذا تخطط إسرائيل لسلب الفلسطينيين أرضهم
نابلس – في الأيام القليلة الماضية كثفت دائرة الآثار الإسرائيلية رفقة مختصين وتحت غطاء وحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحامها لمنطقة المسعودية الأثرية قرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وقضت بكل مرة ساعات طويلة عاينت خلالها الموقع ميدانيا وأجرت مسحا هندسيا له.
ولم تكن هذه الاقتحامات هي الأولى للمسعودية، إلا أنها أثارت قلقا كبيرا لدى الفلسطينيين، فهي لم تأت ضمن انتهاكات اعتادها جنود الاحتلال والمستوطنون، بل تنسجم وقرار الكنيست الإسرائيلي مؤخرا عبر القراءة التمهيدية الذي يمنح صلاحياتٍ لسلطة الآثار الإسرائيلية في الضفة الغربية، مما يعني وجها آخر لضم الأرض.
وجاء في نص اقتراح القانون الإسرائيلي كما نشرت صحيفة هآرتس "لا جدال في أن هذه المناطق غارقة في التاريخ اليهودي، ولا يوجد حسب الادعاءات الإسرائيلية للمكتشفات والمواقع الأثرية أي علاقة تاريخية أو غيرها بالسلطة الفلسطينية. لذلك، فإن الحديث عن الوضع السياسي لمناطق الضفة الغربية ليس له أي صلة بمسؤولية إسرائيل عن الاكتشافات الأثرية التي يملكها شعبها اليهودي، ومن هنا جاء مشروع القانون هذا لتحديد الصلاحيات والمسؤولية الإسرائيلية على الآثار بالضفة".
ووفق هآرتس يأتي قرار الاحتلال بضم المواقع الأثرية بظل خطوات اتخذها المجلس الوزاري السياسي الأمني الإسرائيلي "كإجراءات عقابية" ضد السلطة الفلسطينية وتجريدها من صلاحياتها حول الآثار الموجودة بأراضيها بمناطق "ب"، وبالتالي السماح للإدارة المدنية التي يسيطر عليها الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش بإنفاذ القانون بتلك المواقع ومنع أي ترميم او بناء فيها بل وهدمها.
إجراءات سبقت القرار وأخطار بعده
وثمة وقائع فرضها الاحتلال وسبقت إجراءاته الأخيرة الهادفة لتهويد المسعودية ووضع اليد عليها، تجلَّى أبرزها في الاقتحامات اليومية للجنود والمستوطنين بأعداد كبيرة تصل للآلاف خلال تنظيمهم للاحتفالات بمناسباتهم المختلفة.
ويقول ذياب مسعود منسق لجنة إعمار المسعودية إن مخططات الاحتلال لتهويد المسعودية ليست جديدة، بل تمتد إلى عام 1975، حين شيَّد المستوطنون بها أولى بؤرهم الاستيطانية شمال نابلس، ومكثوا أشهرا قبل أن يثور ضدهم الفلسطينيون في القرى المحيطة ويطردوهم.
لكن الاحتلال لم يسقط المسعودية من أجندة استهدافه، فواصل انتهاكاته ومنع أي ترميم للمنطقة، وهدم حمامات عامة أنشِئت لخدمة الزوار الفلسطينيين، وزوَّر الموقع الأثري بعد أن سرق حجارة من مبانيه، حسب مسعود.
وإضافة لما تقوم به دائرة الآثار يضيف مسعود أن حارس أمن مستوطنة شافي شمرون الجاثمة بالقرب من المسعودية يقوم بدوريات تفتيش يومية هناك وفي بلدة سبسطية الأثرية القريبة أيضا.
وتصنف منطقة المسعودية كموقع أثري شغل أحد محطات سكة حديد الحجاز التي أنشاها العثمانيون عام 1905، وتشيد فوق 26 دونما (الدونم ألف متر مربع)، نصفها يصنفه الاحتلال بمناطق "ب" التابعة للسلطة الفلسطينية والنصف الآخر يخضعه الاحتلال لسيطرته الأمنية والإدارية عبر تصنيفه بمناطق "سي".
وثمة أخطار عديدة تتربض بالمسعودية إذا ما نفَّذ الاحتلال قراره بالسيطرة عليها، أهمها تطويق الحي السكني الذي يقطنه نحو 80 نسمة ومنع تنقلهم، وهجمات المستوطنين على المواطنين نتيجة الاحتكاك المباشر.
إضافة لسيطرة الاحتلال على أكثر من 3 آلاف دونم من سهل المسعودية وبئر المياه الارتوازية الوحيدة التي تسقي مدينة نابلس وعددا من قراها الشمالية، فضلا عن شل الحركة السياحية للفلسطينيين بالمكان والمتعطلة أصلا منذ 3 سنوات جراء اعتداءات الاحتلال.
ترجمة مباشرة في سبسطية
ويأتي كل ذلك يقول مسعود وسط "تقصير واضح من الجهات الفلسطينية الرسمية"، سواء بدعم موقع المسعودية وتنشيطه سياحيا أو حتى بالتصدي المباشر للاحتلال ومخططاته، عبر دعم المواطنين وخاصة المزارعين.
ومثل المسعودية تعيش بلدة سبسطية الأثرية شمال نابلس، يقول محمد عازم رئيس بلدية سبسطية للجزيرة نت: "ترجمة حقيقية" لقرار الكنيست الإسرائيلي بالسيطرة على الموقع الأثري وتهويده وبلع الأرض الفلسطينية بالكامل؛ فقبل أيام أصدر الاحتلال قرارا بمصادرة 1300 متر وسط المنطقة الأثرية.
وسبق ذلك اقتحامات يومية وممنهجة للمستوطنين وجيش الاحتلال واعتداءات طالت كل شيء في القرية، تزامنا، وهدمُ منشآت سكنية وسياحية وإنذار أخرى بالهدم. ويضيف عازم أن قرار الكنيست الأخير معناه "تهويد الموقع الأثري عبر حفريات وعمليات تنقيب مباشرة، وإنهاء النشاطات السياحية الفلسطينية وتدمير الحركة الاقتصادية".
60 من المواقع تحت سيطرته
السلطة الفلسطينية ردت على قرار الاحتلال عبر جهاد ياسين مدير عام المتاحف والتنقيبات بوزارة السياسة الذي اعتبر أن قرار الكنيست الأخير يندرج تحت سلسلة إجراءات وخطة ممنهجة وضعتها إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية للسيطرة على التراث الفلسطيني.
وأن هذا يعد مخالفا لكل القوانين الدولية التي تلزم إسرائيل كدولة محتلة بالحفاظ على هذه المواقع حتى إعادتها لحضانتها الشرعية الفلسطينية.
وأكد ياسين في حديثه للجزيرة نت أن كل ما هو موجود على الأرض الفلسطينية هو من التراث الثقافي الفلسطيني، ولا يجوز تقسيمه حسب توجهات دينية وسياسية وفئوية، ورفضَ ادعاءات الاحتلال "بيهودية" هذه الآثار وتقصير الفلسطينيين برعايتها، وقال إن حوالي 60% من المواقع الأثرية الفلسطينية تصنف ضمن مناطق "سي" التي يسيطر عليها الاحتلال ويمنع أي ترميم أو خدمة لها.
وباستيلائها على المواقع الأثرية تسعى إسرائيل حسب ياسين وبحجة حمايتها للسيطرة على الأرض الفلسطينية، وهو ما تفعله أيضا عبر الأوامر العسكرية وقوانين وضع اليد والمحميات الطبيعية وحماية الأرض.
ولاحقا يضيف ياسين، يقيم الاحتلال مستوطناته حول هذه المواقع، مثلما حصل لموقع دير سمعان قرب سلفيت الذي طوَّقه الاحتلال بمستوطناته ويمنع الفلسطينيين وأصحاب الأرض من دخوله منذ 3 أعوام، وكذلك تل شيلون الذي ضمه الاحتلال لمستوطنة شيلو جنوب نابلس.
وتحوي الضفة الغربية وقطاع غزة أكثر من 6 آلاف موقع أثري و50 ألف مبنى تاريخي بات القرار الأخير يهددها عبر منع أي ترميم أو بناء أو توسع فيها، بل والقيام بعمليات هدم في أراضي مناطق السلطة الفلسطينية على أساس أنها آثار، حسبما ذكرت صحيفة هآرتس.